بنكيران: عندما تبالغ الحكومة فإن في الدولة من يقوم ب"تجباد الوذنين" وعلى أخنوش الاستقالة بسبب تضارب مصالحه    بوزنيقة.. انطلاق اليوم الأخير من اجتماع ليبي وتوقعات باتفاق نهائي    أطباء بلا حدود تتهم إسرائيل بتنفيذ حملة تطهير عرقي في غزة    أبرزها "الكلاسيكو".. الجولة 13 تختتم يومه الخميس بإجراء ثلاث مواجهات    بنكيران مخاطبا رئيس الحكومة: 'يا تلعن الشيطان يا تقدم استقالتك'    النجاح البارز للترشيحات المغربية في عام 2024: تجسيد للرؤية الملكية السامية من أجل حكامة متعددة الأطراف فعالة وتضامنية    فتاة تلقى مصرعها إثر سقوط مروع من سطح منزل بطنجة    جدل الكرة الذهبية الإفريقية.. حكيمي: لقد أوهموني أنني الفائز!    المنتخب المغربي ينهي سنة 2024 في المركز14 عالميا    المغرب – ألمانيا: التوقيع بالرباط على اتفاقية بقيمة 100 مليون أورو لتمويل برنامج دعم السياسات المناخية    في ‬سياق ‬الدينامية ‬الكبيرة ‬التي ‬تعرفها ‬العلاقات ‬الاستراتيجية المغربية الإسبانية    الإفراج عن أربعة فرنسيين في بوركينا فاسو بفضل وساطة الملك محمد السادس    ماكرون يشكر جلالة الملك على دوره في الإفراج عن 4 فرنسيين محتجزين في بوركينا فاسو    غدا ‬تنطلق ‬أشغال ‬المناظرة ‬الوطنية ‬الثانية ‬للجهوية ‬المتقدمة    ‮«‬خطوة ‬حقوقية ‬جريئة‮..»‬‬ في ‬مسار ‬تعزيز ‬حقوق ‬الإنسان ‬بالمملكة    الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية        بعد تراجع تحصيل تلامذتنا في العلوم.. هل تحدث الصدمة التربوية؟    إيلون ماسك يعلنها رسمياً.."ستارلينك" قريباً في المغرب    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    الصين: الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    عملية جديدة لهدم منطقة عشوائية للسكن وإعادة إيواء الأسر بالبرنوصي    الجديدة.. المصالح الدركية تحبط عمليات لتنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر    في اليوم العالمي للغة الضاد…مقاربة اللغة العربية من زاوية جيو سياسية    موتسيبي يقوم بزيارة الدول المستضيفة ل "الشان"    نسج الزرابي فن صامد في المغرب رغم ضعف مداخيل الصانعات    بوساطة ملكية حكيمة.. إنجاز دبلوماسي جديد يتمثل في تأمين الإفراج عن أربعة فرنسيين كانوا محتجزين في واغادوغو    رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    كيوسك الخميس | خبراء الداخلية يعملون على تقسيم إداري جديد    أعضاء المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يُصادقون بالإجماع على برنامج العمل وميزانية سنة 2025    مديرية الأمن تطلق البوابة الرقمية E-POLICE وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    من هو نَسيم كليبات الذي تم تَسليمه للسُلطات الإسرائيلية؟    المغرب وألمانيا يوقعان شراكة للتزويد بالماء الشروب المتكيف مع المناخ    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    أكاديمية المملكة تشجع "محبة السينما" باستضافة الناقد إدريس شويكة    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور        شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار    وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للا سلمى.. ثورة ناعمة في البلاط العلوي
نشر في اليوم 24 يوم 13 - 11 - 2016

«سؤال: سأطرح عليكم سؤالا شخصيا نوعا ما. لقد أعلن رسميا عن خطوبتكم فمتى ستعقدون قرانكم؟
جواب: لقد تم تحديد تاريخ الزفاف في غضون الثلاثة أشهر الأولى من السنة القادمة، وهو ما يلزم من الوقت لإعداد مقر إقامتنا الجديد الجاري حاليا. وفيما يخص خطيبتي سلمى بناني، فقد التقينا قبل ما يزيد عن سنتين. إنها مهندسة إعلاميات. وهي ليست ابنة مصرفي كما قيل، بل كريمة أستاذ يقيم بفاس».
كانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الملك محمد السادس عن خطيبته آنذاك سلمى بناني، بعد الإعلان الرسمي عن خطبتهما، وذلك في حوار مع مجلة «باري ماتش» في نونبر من عام 2001.
أشهر قليلة بعد ذلك احتفل القصر الملكي والشعب المغربي بزفاف الملك، وتابع المغاربة والعالم ككل باهتمام كبير طقوس الزفاف الملكي الأول من نوعه، والذي أبى الملك الشاب إلا أن يشرك شعبه فيه، زفاف شبيه بحفلات الأعراس المغربية بطقوس الحناء والبرزة وغيرهما، تماشيا مع رغبة الملك في أن يكون الحفل «طبيعيا» على غرار حفلات زواج أي ثنائي، وهو ما عبر عنه الملك في نفس الحوار مع «باري ماتش» حين قال، «من الطبيعي جدا أن يحتفل المرء بزواجه. إنها الصيغة التي اخترناها معا، سنحتفي بزفافنا مثل أي زوجين في جو من الغبطة والفرح».
هكذا دخلت شابة من أبناء الشعب المغربي القصر الملكي كزوجة للملك، ستحمل فيما بعد لقب «أميرة»، قصة واقعية أقرب إلى الخيال، تابعها المغاربة بشغف كبير، بينما كانت وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية تبحث دون كلل عن أية معلومات عن الشابة التي ملكت قلب الملك.
أصبح زفاف الملك من فتاة من الشعب الموضوع الذي ملأ دنيا المغاربة والعرب والأجانب، وكما هو الحال في أحداث كهذه، انتشرت روايات كثيرة عن حياة ابنة الشعب التي اختارها الملك زوجة، وعن طريقة لقائهما.
في سن الثالثة، فقدت الأميرة للا سلمى والدتها، لتنتقل للعيش رفقة جدتها بحي القبيبات في الرباط، وقد تميز المسار الدراسي للأميرة بالتفوق منذ المرحلة الابتدائية التي قضتها بمدرسة النور مرورا بثانوية الحسن الثاني، قبل أن تلتحق بالأقسام التحضيرية فالمدرسة الوطنية العليا للمعلوماتية وتحليل النظم التي قضت بها ثلاث سنوات، لتنال حينها دبلوم مهندسة الدولة في المعلوميات وحصولها على الرتبة الأولى في دفعتها عام 2000. ولكن قبل ذلك كانت هناك محطة مهمة في حياة المهندسة الشابة، محطة جهزها القدر لتقلب حياتها رأسا على عقب أو عقبا على رأس إن جاز التعبير في هذه الحالة.
فقبيل نيل الأميرة للا سلمى لدبلوم مهندسة الدولة في المعلوميات، وفي سنتها الثالثة بشعبة نظام التدبير والمساعدة على اتخاذ القرار، دخلت للا سلمى مؤسسة «أونا» المملوكة للعائلة الملكية لقضاء فترة تدريب ميداني، وهناك التقت عام 1999 بولي العهد آنذاك مولاي محمد.
رغم لقاء للا سلمى بالملك وتوطد العلاقة بينهما واستعدادهما للزواج، إلا أنها استمرت بشكل طبيعي في مسارها الدراسي لنيل دبلوم مهندسة دولة، والذي تكلل باحتلالها المرتبة الأولى في دفعتها، ليتم بعد ذلك بنحو سنتين الاحتفال بالزفاف الذي دُعي إليه 400 عريس وعروس من مختلف أنحاء التراب الوطني، والذي تابعه الشعب المغربي الذي سيتعرف للمرة الأولى على طقوس زواج ملك البلاد.
لقد كان لزواج الملك من شابة من الشعب وإشراكه الشعب في حفل الزفاف وقع كبير على المغاربة والعالم، فكانت تلك واحدة من دلالات دخول المغرب عهدا جديدا دشنه ملك شاب له أسلوب ونهج مختلف كل الاختلاف عن والده الملك الراحل وجميع أجداده من ملوك الأسرة العلوية.
رغم منحها لقب «أميرة» الذي شكل سابقة في تاريخ المملكة، إلا أن ذلك لم يعن بأي شكل من الأشكال انفصال زوجة الملك عن أصولها الشعبية، حيث ظلت تزور جدتها في حي القبيبات الذي نشأت فيه، كما ظلت تحتفظ بعاداتها القديمة دون أن يكون ذلك عائقا أمام قدرتها على التحول من مواطنة عادية إلى زوجة ملك البلاد مع كل ما يتطلبه ذلك من التزامات ومهام ثقيلة.
من الظل إلى الضوء
تساؤلات كثيرة أثيرت حول اللقب الذي ستحمله زوجة الملك، وعما إذا كان سيطلق عليها لقب «ملكة» على غرار ما هو معمول به في بعض البلدان، خصوصا بعد الإعلان الرسمي عن خطوبة الملك، غير أن الرد الحاسم بذلك الخصوص جاء على لسان الملك حين قال «لا توجد ملكة في الإسلام»، وذلك ردا على سؤال وجهته له الصحافية الفرنسية آن سانكلير ضمن حوار خص به مجلة «باري ماتش» عام 2001، حول ما إذا كان زواجه سيغير وضعية زوجة الملك وعما إذا كان إعلان الزواج بالطريقة التي تم بها يعني تغييرا على مستوى المؤسسات، قبل أن يردف مؤكدا «لا، هذا لن يغير شيئا في عاداتي».
الأميرة للا سلمى بدورها تحرص على توضيح هذه النقطة لمن يختلط عليه الأمر ولا يتفهم خصوصية النظام الملكي في المغرب، حيث سبق لها أن أوضحت بنفسها لبعض العابرين الذين استوقفوها ونادوا عليها بلقب ملكة أثناء زيارتها لمدينة أسوان المصرية، قائلة «أنا أميرة ولستُ ملكة، فلا ملكة لدينا في المغرب، وإنما ملك».
لقد كان منح لقب أميرة لشابة من أبناء الشعب، حدثا كبيرا وسابقة في تاريخ المملكة، ذلك أنه لم يسبق لأي ملك علوي أن منح زوجته لقب «أميرة» الذي ظل حكرا على بنات الملوك والأمراء فقط، غير أن العهد الجديد الذي ابتدأ بتولي محمد السادس الحكم، سجل مجموعة من التغييرات طالت حتى نظام الحريم التقليدي الذي استمر العمل به إلى آخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
فطوال قرون من تاريخ الدولة العلوية وعلى غرار باقي الدول العربية والإسلامية، كان الفضاء المخصص لحريم السلطان من زوجاته وجواريه حاضرا، وهو العالم السري والحميمي الذي لم يكن أحد من عامة الناس يعلم عنه شيئا ولا حتى من عموم خدام القصور.
وإن كانت بعض المراجع التاريخية تورد بعض المعلومات التي تكشف عن بعض أسرار ذلك العالم، إلا أن تلك المعلومات تهم الفترات القديمة من عهد سلاطين القدامى في القرون 18 و19 بالخصوص، بينما لا نجد تقريبا أي أثر لمرجع يتحدث عن عالم «الحريم» في عهد الملك محمد الخامس أو الملك الحسن الثاني، فكان الشعب حتى عهد قريب يجهل كل شيء تقريبا عن زوجات الملوك وأمهات الأمراء، اللهم النزر القليل من المعلومات عن أسمائهن وأصولهن.
وبالرغم من أن الملك محمد الخامس، كان أول ملك يسمح بظهور بناته علنا وبلباس عصري، إلا أن القاعدة لم تنطبق على حريمه، فكان الكل يعلم فقط أن والدة الملك الحسن الثاني تدعى «للا عبلة»، كما يعلم الجميع أن والدة الملك محمد السادس تدعى «للا لطيفة» التي لم تظهر ولا مرة واحدة في حياة الملك الحسن الثاني ولا بعد وفاته، بالرغم من ظهور جميع نساء العائلة الملكية تقريبا في صور عائلية كان لصحيفة «باري ماتش» سبق نشرها قبل سنوات، حين دخلت القصر الملكي وأجرت حوارا مع الملك.
في ظل هذه الظروف والخلفيات التاريخية المتمثلة في طقوس مخزنية صارمة متوارثة منذ قرون، كان من الطبيعي أن تشكل الأميرة للا سلمى استثناء في تاريخ المملكة، وذلك بعدما قرر الملك الشاب ليس فقط تعريف الشعب عليها، وإنما أيضا تكليفها بمجموعة من المهام لتصبح جزءا فاعلا في صورة الكيان الحاكم في مغرب القرن الواحد والعشرين.
عهد جديد
أهمية خاصة أولاها الملك محمد السادس للنهوض بوضعية المرأة المغربية، من خلال مجموعة من القوانين التي لا تعطي– كما حاول أن يصور البعض- امتيازات للمرأة بقدر ما تمكنها من حقها في المساواة التي كانت تحرم منها لمجرد كونها امرأة.
في عام 2004، ستشهد وضعية المرأة المغربية ثورة حقيقية بصدور مدونة الأسرة الجديدة التي أقرت المساواة بين الزوجين، وقبل ذلك وتحديدا في أكتوبر من عام 2003، خاطب الملك شعبه ليعلن عن الإصلاحات التي ستشمل قانون الأحوال الشخصية، ليتحول ذلك التاريخ إلى يوم عيد بالنسبة للكثير من النشطاء في مجال حقوق الإنسان عموما وحقوق المرأة خصوصا.
«كيف يمكن الرقي بالمجتمع والنساء اللواتي يشكلن نصفه تهدر حقوقهن ويتعرضن للحيف والعنف والتهميش في غير مراعاة لما خولهن ديننا الحنيف من تكريم وإنصاف»؟ كان هذا جزءا من خطاب الملك في غشت من عام 1999، والذي استرجعه ضمن خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية في البرلمان يوم عاشر أكتوبر من عام 2003، ليعلن عقب ذلك عن إصلاحات جوهرية لمدونة الأسرة بشكل يصون حقوق جميع أفراد الأسرة المغربية، وهو ما حرص الملك على توضيحه في ذات الخطاب بقوله إنه يجب «عدم اعتبار المدونة قانونا للمرأة وحدها بل مدونة للأسرة، أبا وأما وأطفالا، والحرص على أن تجمع بين رفع الحيف عن النساء وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل».
اهتمت وسائل الإعلام الوطنية والعالمية حينها بالمدونة الجديدة، وتحدث الجميع عن الثورة الهادئة التي يشهدها المغرب في اتجاه إقرار المساواة بين الجنسين، من خلال قانون يستحضر حقوق الإنسان والمرأة بمفهومها الكوني، ولكن أيضا مع «الأخذ بمقاصد الإسلام السمحة في تكريم الإنسان والعدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف، وبوحدة المذهب المالكي والاجتهاد الذي يجعل الإسلام صالحا لكل زمان ومكان لوضع مدونة عصرية لأسرة، منسجمة مع روح ديننا الحنيف»، يقول الملك.
التعديلات القانونية التي ترفع الحيف عن النساء لن تتوقف عند مدونة الأسرة، بل ستستمر في اتجاه تصاعدي جعل الحركة النسائية المغربية أخيرا تستبشر خيرا بمستقبل المرأة في المغرب.
هكذا وبعد سنوات طويلة عانت خلالها النساء المغربيات المتزوجات من أجانب من حرمان أبنائهن من جنسية أمهاتهم مع كل ما يرافق ذلك من مشاكل يتعرض لها الأبناء أثناء إقامتهم في المغرب، سيأتي الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة لاعتلائه العرش ليعلن عن تعديل قانون الجنسية بشكل يسمح للأبناء من أمهات مغربيات وآباء أجانب بالحصول على الجنسية المغربية.
فكان تعديل قانون الجنسية المعتمد منذ 1958 بمثابة خطوة جديدة تعزز المساواة بين الجنسين التي كرستها الإصلاحات التي تم إدخالها على مدونة الأسرة.
تحسين وضعية النساء لم يكن فقط على المستوى الاجتماعي، ولم يرتبط فقط بأدوارها كزوجة وكأم، بل شمل مجالات أخرى وتجاوز حدود البيت إلى العمل والشارع. فكان المجال السياسي من بين أهم المجالات التي حققت فيها المرأة ذاتها كفاعلة، فارتفع عدد النساء البرلمانيات والوزيرات والسفيرات، وأصبح للمرأة حضور قوي في العديد من المناصب التي كانت حكرا على الرجل، أو على الأقل كان ولوج النساء إليها محدودا.
المرأة المغربية دخلت عهدا جديدا في عهد الملك محمد السادس، فأصبحت تشكل بفضل مجموعة من القوانين التي تنصفها نموذجا متفردا في القارة الإفريقية والعالم العربي.
ولكن، هل كان لكل ما قام به الملك للنهوض بحقوق النساء ليكون له الوقع الذي هو عليه لو استمر العمل بنظام الحريم التقليدي، حيث لم تكن زوجة الملك تطلع بأية أدوار غير الأدوار النسائية التقليدية؟!
لقد كان لصورة زوجة الملك التي تقف إلى جانب عاهل البلاد في مختلف المناسبات، والتي تطلع بمجموعة من الأدوار الهامة وكذا التي تمثله في العديد من المناسبات، وقع كبير في نفوس النساء من المغرب وخارجه، فشكلت نموذجا رغبت كل النساء في الاقتداء به، فهي الشابة المثقفة، المهندسة، الزوجة والأم والفاعلة الجمعوية…
«الملك اختار شابة من أبناء الشعب، وخلافا لما عهدناه سابقا، أصبحنا نرى زوجة الملك التي تؤدي دورا مهما»، تقول رئيسة جمعية التضامن النسوي، عائشة الشنا، في تصريح ل»أخبار اليوم»، مضيفة أنها «تمثل قدوة بشخصيتها وبثقافتها وبعملها الجمعوي».
في مواجهة داء العصر
في الثاني والعشرين من شهر أكتوبر الماضي، توجت الأميرة للا سلمى بالجائزة الدولية «تريبيوت أوارد» في مدينة كاشياش البرتغالية، وذلك نظير جهودها في محاربة السرطان وانخراطها الشخصي في محاربة الداء، وذلك بصفتها رئيسة مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان.
تلك لم تكن المرة الأولى التي تتوج فيها الأميرة للا سلمى بجائزة اعترافا بجهودها في محاربة داء العصر منذ تأسيس المؤسسة عام 2005، حيث حقق المغرب منذ ذلك التاريخ خطوات مهمة في محاربة الداء الذي يصيب ما بين 35 و50 ألف مواطن في المغرب سنويا.
تحرص الأميرة للا سلمى على القيام بزيارات ميدانية وتلتقي المرضى، بل لا تتوانى عن الحديث إليهم ورفع معنوياتهم في لحظات عصيبة يكونون خلالها في أمس الحاجة للدعم النفسي، الذي تحرص مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان على توفيره للمرضى إلى جانب الدعم المادي والاستشفائي.
«لقائي بها رفع من معنوياتي وكلماتها لي أعطتني شحنة معنوية إيجابية كبيرة»، تقول الفنانة منال الصديقي التي عانت لأشهر طويلة من السرطان قبل أن تنجح أخيرا في القضاء عليه، مضيفة في حديثها ل»أخبار اليوم» وهي تسترجع ذكرى لقائها بالأميرة للا سلمى أثناء زيارة الأميرة للجمعية التي تحمل اسمها شهر غشت الماضي، «تحدثت معي عن دور المعنويات المرتفعة في معركة التغلب على الداء»، تقول الصديقي مضيفة أن الأميرة قالت لها إن القضاء على المرض يرجع الفضل فيه بنسبة 70 في المائة إلى المعنويات العالية، بينما تبقى النسبة الأخرى للأدوية وما جاورها.
الصديقي التي حرصت مجددا على توجيه الشكر للأميرة للا سلمى على جهودها في محاربة الداء ودعم المصابين به، تقول إن أبرز ما احتفظت به ذاكرتها من ذلك اللقاء ما لمسته من تواضع الأميرة وحرصها على الاطلاع على وضع المرضى، «إنسانة قبل أن تكون أميرة، وإنسانيتها تطغى على سلوكها، وهذا ما جعلها على ما أظن تنشئ مؤسسة تتكفل بالمصابين بهذا الداء الخبيث»، تقول الصديقي.
الفاعلة الجمعوية عائشة الشنا بدورها تشيد بالدور الكبير الذي تقوم به مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، كما تشيد باختيار الأميرة للا سلمى خوض معركة ضد داء يشكل معضلة حقيقية، سواء بسبب الكلفة الباهظة التي يستلزمها علاجه أو بسبب المعاناة المريرة التي يمر منها المصابون به، «هذا مرض صعيب ودواه غالي»، تقول الشنا قبل أن تضيف بأنه بفضل الأميرة للا سلمى قطع المغرب شوطا مهما في الوقاية من الداء وعلاجه.
بالنسبة للأميرة للا سلمى، فهي تعتبر أن علاج السرطان والتعافي منه بمثابة «مدرسة للتواضع والعزيمة الجماعية والمتضامنة»، تقول الأميرة في كلمتها بموقع المؤسسة، مبرزة أن عزمها على تأسيس جمعية لمحاربة داء السرطان، والذي حظي بدعم الملك محمد السادس، لم يكن بالقرار السهل، «لأن الجميع يمكن أن يفهم أن الاهتمام بهذا الداء لا ينبع فقط من اللياقة»، بل إنه «قرار صعب يعبر عن انخراط عميق حتى تتغير نظرة مجتمعنا للسرطان، وحتى نساعد ونجمع كل من يرغب في أن يكون المغرب قادرا غدا على تقديم جواب شامل وعادل متسم بالخبرة لمن يعاني من هذا الداء»، تقول للا سلمى في كلمتها.
اليوم وبعد مرور أزيد من عشر سنوات على تأسيس جمعية للا سلمى لمحاربة السرطان، التي تحولت لاحقا إلى مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، يتبين أن الأميرة قد كانت في مستوى ذلك القرار الصعب فعلا وفي مستوى الانخراط العميق الذي يستوجبه، وهو ما يعترف لها به العالم بعدما أصبحت مؤسسة للا سلمى فاعلا مهما في مجال الوقاية وعلاج الداء الخبيث.
في خطابها أثناء الأمسية الخيرية «هبة من أجل الحياة» لبناء مستشفى لعلاج السرطان ببني ملال، في أكتوبر من العام الماضي، تبين أن انخراط الأميرة في معركة محاربة الداء ليس تقنيا فقط من خلال بناء مراكز ومستشفيات والاستثمار في البحث العلمي وغيرها، بل هو أيضا انخراط إنساني تعكسه لقاءاتها بالمرضى أثناء زياراتها الميدانية ومدها لهم بشحنة إيجابية من خلال حديثها معهم، فقد ذكرت الأميرة ضمن ذلك الخطاب اسم أم تدعى إكرام حصلت على العلاج اللازم وعادت إلى أبنائها الثلاثة وأنقذتهم من اليتم، كما تحدثت عن يوسف، الطفل ذو ال15 ربيعا الذي تمكن بفضل العلاج من استعادة صحته واجتياز الباكلوريا بتفوق، كما أن الأميرة سبق لها التعبير عن سعادتها في كل مرة يشفى فيها مريض، وذلك حين قالت في كلمة مصورة بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الجمعية، «شفاء المرضى هو هدفنا الأساسي.. هو أجمل هدية».
الدور الجمعوي والخيري للأميرة للا سلمى وإن كان بارزا أكثر في مجال محاربة السرطان الذي تكرس وقتها وجهدها له، إلا أن هذا الدور لا يبقى حكرا فقط على ذلك المجال، وهنا تسترجع الشنا في حديثها مع «أخبار اليوم» ذكريات لقائها بالأميرة قبل سنوات، حين قامت بزيارة لجمعية التضامن النسوي «اكتشفت فيها الإنسانية والتواضع، وأذكر كيف تواصلت مع الأمهات وتحدثت معهن وحملت الأطفال الذين كانت قد أحضرت لهم هدايا ثمينة»، تقول الشنا مضيفة في سردها ذكريات ذلك اللقاء، «أذكر أيضا أنني سألتها إن كانت تسمح لي بأن أتحدث معها بصراحة بعيدا عن لغة الخشب كامرأة وكأم فكان جوابها بالتأكيد وقد كانت أذنها صاغية وقلبها أيضا».
أميرة الأناقة
في حفل زفاف الأمير وليام ودوقة كامبريدج كيت ميدلتون عام 2011، لفتت الأميرة للا سلمى أنظار الجميع لأناقتها، حين اختارت قفطانا باللون «البيج» مطرزا بخيوط ذهبية، مع حذاء نحاسي وحقيبة ذهبية، ليتم تتويجها في استطلاع أجرته مجلة «هالو» بلقب الأكثر أناقة من بين ضيوف الحفل، نفس الشيء سيتكرر أثناء حضورها حفل زفاف ولي عهد اللوكسمبورغ الأمير غيوم، وأثناء حفل تنصيب ملك هولندا وليم ألكسندر، حتى أنها تفوقت في الاستفتاء الأخير على زوجة الملك الجديد، الملكة ماكسيما، وذلك بفارق كبير، حيث حصلت الأميرة للا سلمى على نحو 1900 من أصوات المشاركين في الاستطلاع في مقابل 978 صوتا للملكة ماكسيما التي حلت ثانية.
الأميرة للا سلمى تعتبر رمزا للأناقة سواء في العصري أو في التقليدي، حتى إن كثيرا من المصممين يؤكدون أنها أصبحت مرجعا لهم وللزبونات اللائي يرغبن دائما في تقليد طلاتها المتميزة.
تنتقي الأميرة للا سلمى ملابسها من دور أزياء عالمية مختلفة، تقبل على أنواع متنوعة وقصات مختلفة مع مراعاة المعايير الأساسية الخاصة بزي الأميرات (المغربيات خصوصا)، ولا يمكن أن يمر أي لقاء رسمي دون أن تترك الأميرة ذلك الشعور بالانبهار بأناقتها، سواء تعلق الأمر باللباس العصري أو التقليدي.
ورغم التزام الأميرة للا سلمى بالمعايير الخاصة بزي الأميرات، إلا أن ذلك لا يمنع خلقها أسلوبا خاصا بها متجددا وعصريا، وفي الوقت نفسه يتناسب مع كونها أميرة.
ففي العصري تحرص الأميرة على أن تختار منه ما يناسب كل مناسبة على مستوى اللون والقصات دون تكلف، وهي تلجأ غالبا إلى دور أزياء كشانيل وإيف سان لوران.
أما في التقليدي وإن كان الشائع أن الأميرات يعتمدن خياطة «مخزنية» لها معايير معينة، إلا أن ذلك لم يقف عائقا أمام تجديد القفطان الذي ترتديه الأميرة، وهنا لا تنساق الأميرة وراء آخر الصيحات التي يفرضها المصممون بذلك الخصوص، بقدر ما تفرض أسلوبها الخاص الذي أصبح مرجعا للمصممين وللباحثات عن الأناقة من سيدات المجتمع.
بالنسبة للماكياج، الملاحظ أن الأميرة للا سلمى تحرص على الظهور دائما بمظهر طبيعي، حيث تعتمد مكياجا خفيفا يبرز ملامحها الجميلة طبيعيا.
أناقة الأميرة يوازيها ما تتمتع به من جمال طبيعي، وذلك ما جعلها عام 2014 تتوج بلقب ثالث أجمل سيدات العالم في تصنيف أجراه موقع «ريشست لايف ستايل» الأمريكي لأجمل النساء من بين زوجات زعماء العالم، وهو التصنيف الذي لا يستند فقط إلى معايير جمال الشكل، وإنما أيضا يستحضر الجمال الفكري المتمثل في المستوى الثقافي والرصيد العلمي.
كذلك توجت الأميرة للا سلمى العام الماضي الأجمل من بين زوجات زعماء وقادة القارة الإفريقية في قائمة نشرتها مجلة «أنسر إفريقيا»، حيث تصدرت التصنيف وحلت أولى تلتها زوجة الرئيس النيجيري عائشة بخاري، فزوجة رئيس الكاميرون شانتا بيا.
أيضا توجت الأميرة للا سلمى بلقب ملهمة العرب الأولى في استطلاع أجرته إذاعة سوا العام الماضي بمناسبة عيد المرأة، حيث تمكنت الأميرة للا سلمى من التفوق على باقي النساء اللائي اختارتهن الإذاعة ليشملهن الاستطلاع، ومن بينهن الملكة رانيا والشيخة هند القاسمي والمهندسة العراقية زها حديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.