عاد رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، للحديث عن إمكانية رفع الدعم عن غاز الطهي، بعد أشهر عديدة من الصمت، لكن هذه المرة تحاشى الحديث عن رفع الدعم نهائيا، مقابل حديثه عن بحث صيغ لاستفادة الفئات الفقيرة من دعم الدولة. وقال في حوار أجرته وكالة الأنباء «رويترز»: «إن إصلاح دعم غاز الطهي أمر حتمي، لكن يجب عدم إلغائه بالكامل لحماية الفقراء. ومن الممكن أيضا تقديم مساعدات للمواطنين الأشد فقرا في فواتير الكهرباء والماء.» بنكيران أضاف: «لا نريد إلغاء دعم غاز الطهي، لكن نريد تغييره بحيث يستفيد الأشد فقرا فقط.. نريد إيجاد أفضل السبل لتمكين المواطنين الأشد فقرا من دفع مقابل الغاز بالأسعار الحالية أو حتى أقل منها.» ولم يقدم رئيس الحكومة إلى الآن وصفته لرفع الدعم عن غاز «البوتان»، كما تحاشى حزبه في برنامجه الانتخابي الذي قدمه لانتخابات 7 أكتوبر الجاري الحديث عن هذا الإجراء، واكتفى بالحديث عن مواصلة إصلاح نظام المقاصة من أجل توفير 20 مليار درهم على الأقل على مدى 5 سنوات. فضلا عن حديثه عن تقليص الكلفة الإجمالية للدعم من حوالي 55 مليار درهم (6% من الناتج الداخلي الخام) سنة 2012 إلى 14 مليار درهم (1,5% من الناتج الداخلي الخام) سنة 2015. وما تزال الحكومة تبحث عن أفضل الصيغ التي تمكن من تطبيق الإصلاح الذي وعدت به منذ نهاية سنة 2014، حيث كان رئيس الحكومة تحدث لأول مرة عن الأمر أمام مجلس المستشارين أياما قليلة بعد إعلان رفع الدعم عن المحروقات، وحينها شدد على أن «رفع الدعم عن غاز الطهي ضروري، لأن جهات أخرى غير المواطنين المنتمين إلى الفئات الفقيرة تستفيد منه، وبشكل خاص الفنادق والمطاعم وأصحاب الضيعات الفلاحية». وتشير الأرقام الرسمية إلى أن دعم قنينة الغاز من فئة 12 كيلوغراما يصل إلى قرابة 80 درهما، علما أن دعم قنينة 12 كيلوغراما يمثل 82 في المائة من دعم استهلاك الغاز البوتان، مقابل 15 في المائة فقط، من الدعم الذي يخصص لقنينة 3 كيلوغرام و3 في المائة لقنينة 6 كيلوغرام. وكشفت البيانات الأخيرة لصندوق المقاصة إلى حدود شهر غشت الماضي أن دعم استهلاك غاز البوتان بلغ ما يعادل 3.09 مليار درهم، مقابل 4.51 مليار درهم للفترة نفسها من السنة الماضية. وكانت دراسة أعدها مجلس المنافسة أكدت أن رفع الدعم عن غاز «البوتان» بشكل كلي قد يؤدي إلى رفع سعر قنينة غاز البوتان من فئة 12 كيلوغراما من 40 إلى 123 درهما بنسبة زيادة قياسية تصل إلى 210 في المائة. وتعليقا على إمكانية تنفيذ بنكيران لوعده برفع الدعم عن غاز الطهي قال زهير الخيار، نائب عميد جامعة الحسن الأول بسطات- وأستاذ الاقتصاد: «إن هناك صعوبات في تنفيذ هذا الإصلاح بالنظر إلى تدني القدرة الشرائية للمواطنين، وخصوصا مع دخول إجراء رفع المساهمات في التقاعد حيز التطبيق ما أثر على دخل فئات عريضة، ويجب التأكيد على أن تدن القدرة الشرائية يعني تقلص الطلب الداخلي وهبوط الاستثمار تبعا لذلك، وهذا يؤدي إلى تراجع التشغيل وانخفاض النمو في مرحلة أخيرة، وهذا ما يصطلح عليه الحلقة المفرغة للفقر، ولهذا يكون مطلوبا المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين وهو ما يصعب تحقيقه مع رفع الدعم عن المواد الأساسية». الخيار أضاف أن «رفع الدعم عن غاز الطهي له أثر إيجابي على مستوى التوازنات المالية للدولة، لكن على المستوى الميكرو اقتصادي سيكون له أثر بالغ على المواطنين، والمشكل في هذا الملف هو عدم وضوح السيناريوهات والآليات التي ستعتمدها الحكومة في تنفيذ إصلاحها، وحين سيرتفع سعر القنينة في الأسواق سيكون من الصعب التمييز بين المقتني من الفئات الفقيرة والمقتني من الفئات الميسورة، هذا مع التأكيد على ارتفاع استهلاك المغاربة لقنينات الغاز، وهذا سيؤثر على كلفة المعيشة. ليختم «السؤال الذي يجب طرحه، هو إلى أي حد سيتم ترجمة نتائج رفع الدعم على الإصلاحات الماكرو-اقتصادية، وهل سترضخ اللوبيات الضاغطة لهذا الإصلاح أم سيكون على المواطن البسيط وحده أداء فاتورة رفع الدعم»؟