أظهرت لوائح مرشحي الأصالة والمعاصرة لانتخابات 7 أكتوبر، هيمنة المرشحين من أصحاب الأموال والأعيان في معظم الدوائر، مقابل قلة عدد مرشحي الحزب من أعضاء المكتب السياسي، أو من الشخصيات المحسوبة على اليسار، وحتى في الحالات التي تم فيها تقديم مرشحين من قيادات الحزب محليا أو جهويا، فإنها عادة ما تكون مسنودة بدعم من أصحاب المال. فعلى امتداد جهات المغرب الاثنتي عشرة، كان هاجس البام هو البحث، داخل الحزب وخارجه، عن أشخاص لهم مكانة في دوائرهم، إما بسبب نفوذهم المالي والاقتصادي، أو القبلي، والهدف، كما يقول مصدر من البام، هو «الفوز بمقعد في كل دائرة من الدوائر المحلية ال92»، إضافة إلى ما سيحصل عليه الحزب من مقاعد الدوائر الوطنية، وبالتالي، الفوز بالرتبة الأولى، والحؤول دون عودة البيجيدي لتصدر الانتخابات. لكن، هل سينجح هذا المسعى؟ وهل لجوء الحزب المكثف إلى الأعيان يعكس توجها جديدا، أم إن الحزب بني أساسا على الأعيان منذ تأسيسه، رغم تأثيثه ببعض رموز اليسار؟ فشل الخيول المناضلة من خلال مسار البام منذ تأسيسه، سنة 2008، تبين أنه سبق أن جرب ما يسمى «الترشيحات النضالية»، عندما رشح، في أول انتخابات جزئية في شتنبر 2008، شخصيتين سياسيتين من قدماء اليسار، هما الحبيب بلكوش وصلاح الوديع، الأول في دائرة جليز بمراكش، والثاني في دائرة آسفي الجنوبية، فكانت النتائج مخيبة، لأنهما لم يتمكنا من الفوز بالمقعد. تبين حينها أن البام، الذي يريد مواجهة إسلاميي العدالة والتنمية، لا يمكنه الرهان على يسارييه وحداثييه، بل يجب عليه البحث عن أشخاص قادرين على الفوز بحكم نفوذهم وعلاقاتهم الشخصية في دوائرهم. فرغم أنه حزب يرفع شعار الحداثة، فإنه بات مقتنعا بأن طريق الفوز في الانتخابات لا يمكن أن يكون سالكا عبر ترشيح شخصيات «يسارية حداثية»، بل عبر «الأعيان». الحزب لم يجد صعوبة في تعبئة الأعيان، بل إنه تحول إلى حزب لجذب الأعيان من مختلف الاتجاهات والأحزاب، ما مكنه من تشكيل أكبر فريق برلماني مباشرة بعد فوز الهمة بثلاثة مقاعد في الرحامنة في انتخابات 2007. وتكرس هذا التوجه بوضوح في انتخابات 2009 الجماعية، التي كانت أول انتخابات يشارك فيها الحزب، والتي اعتمد فيها على استقطاب أعيان الانتخابات، وعلى دعم السلطة، وتمكن من الحصول على الرتبة الأولى بعد سنة واحدة من تأسيسه. البام راهن على تكرار هذا السيناريو في الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة سنة 2012، لكن رياح الربيع العربي سارت بما لا يشتهيه، ودفعته إلى التراجع إلى الوراء، مراهنا على فوز حليفه حزب التجمع الوطني للأحرار. نظمت الانتخابات في 25 نونبر 2011، بعد تعديل الدستور، وحقق حزب العدالة والتنمية المفاجأة بحلوله في الرتبة الأولى ب107 مقاعد، متبوعا بحزب الاستقلال ب60 مقعدا، ثم الأحرار ب52 مقعدا، فيما حل حزب الأًصالة والمعاصرة رابعا ب47 مقعدا. فهل سيكون بإمكان البام مضاعفة مقاعده لتصل إلى 100 مقعد أو أكثر في انتخابات 7 أكتوبر؟ وما هي حدود لجوئه إلى الأعيان وأصحاب المال في عدة دوائر انتخابية؟ زبونية جديدة في تفسير ظاهرة الأعيان، يقول محمد مدني، أستاذ العلوم السياسية بالرباط، إن هذه الظاهرة كانت معروفة منذ سنوات في الحياة الانتخابية في المغرب لأنها تستعمل «الزبونية» في الانتخابات، لكن دورهم تغير في السنوات الأخيرة، ولم يعد لهم التأثير نفسه، خاصة في الحواضر. وأظهرت انتخابات شتنبر 2015 أن البام فاز بأكبر عدد من الأصوات في المناطق القروية، في حين تراجع في الحواضر، رغم اعتماده على أصحاب الأموال والأعيان. يقول مدني: «في العالم القروي تسود العلاقات التقليدية التي يغلب فيها الولاء والصداقة الشخصية»، لكن «هناك زبونيات جديدة ظهرت، وهي مرتبطة بتأسيس جمعيات في مناطق قروية أو شبه قروية تتغذى على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يرعاها النظام السياسي، حيث يحصل تأثير متبادل بين المنتخبين من أحزاب قريبة من مراكز القرار والجمعيات المذكورة»، لكن التغير الحاسم في علاقة الأعيان بالزبناء، حسب مدني، هو «تغير في علاقة «الباطرون» ب«الزبون»، حيث لم يعد الزبناء سجيني تعليمات «الباطرون». وقد ظهر هذا بوضوح في انتخابات 2015 التي حصل فيها تصويت سياسي لصالح البيجيدي. هذا يعني أنه «بعد التحولات التي وقعت، اتضح أنه داخل العلاقات الزبونية برزت القدرة على العصيان»، ولهذا، يقول مدني، «اليوم عندما يرشح البام أحد الأعيان أو ذوي المال في مدينة ما فإنه، من الناحية النظرية، يمكن القول إنه قد يفوز، لكن هذا رهين بكيفية تصرف الزبناء يوم الاقتراع»، واعتبر أن «هذا التغير يعد من التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي». تفاصيل أكثر في عدد نهاية الأسبوع من جريدة أخبار اليوم