في الجزء الأول من هذا المقال الطويل، حاول خالد السفياني، أحد أبرز المناهضين للتطبيع، نسف ادعاءات معارضي قانون تجريم التطبيع. في الجزء الثاني الذي نحن بصدده، يقف السفياني، عند الأوهام المرتبطة بحاجة المغرب إلى الصهاينة في قضية الصحراء. من المغالطات التي يستخدمها دعاة التطبيع ومناهضو تجريم التطبيع، وهم يدافعون عن أنفسهم وعن أسيادهم، ما يدعونه من أن الكيان الصهيوني واللوبي الصهيوني عبر العالم يدعم قضايانا الوطنية، وخاصة قضية الصحراء والقضايا الاقتصادية، ويهددون بشكل صريح أو مبطن، بأن المصادقة على مقترح القانون سيؤدي إلى تهديد هذه المصالح، بل هناك من ذهب إلى القول بأن الجزائر تعمل على استمالة اللوبيات الصهيونية، وأنه علينا أن نحذر من ذلك.
المغرب ليس استثناءا بالنسبة إلى إسرائيل أول سؤال يطرح حول هذه المزاعم، هو هل فعلا ما تتضمنه صحيح ؟ ولعل أصحابها ينسون أن الكيان الصهيوني ولد من أجل تفتيت أرجاء الأمة العربية، ومن أجل منع تقدمها ونهب ثرواتها، وأن المغرب ليس استثناء بالنسبة لهذا الكيان الإجرامي. وبالتالي، فلا هو ولا من استنبته على أرض فلسطين ولا من يثبته، يدخل في حسبانهم وحدتنا الوطنية ولا نماءنا أو تقدمنا. وحتى لو كانت تلك المزاعم صحيحة، هل يمكن أن نرضخ للابتزاز على حساب سيادتنا وكرامتنا ورفض الوصاية علينا من أي كان؟. وما ينساه هؤلاء هو أن ذات المزاعم وذات التهديدات ونفس محاولات الابتزاز استعملها الصهاينة وأذنابهم عندما اشتدت المطالبة بإغلاق مكتب الاتصال الصهيوني، حيث قيل نفس الكلام، بل هناك من ذهب آنذاك إلى القول بأننا سنموت جوعا، وسيقسم بلدنا إربا إربا، وسنصبح منبوذين دوليا ..، إلى آخر ما قيل. ومارس المغرب سيادته، ولم يخضع للابتزاز ولم يقبل الوصاية ولا التهديد، وأغلق مكتب الاتصال، وقطع كل صلة بالكيان الصهيوني والصهاينة. ورغم ذلك لازلنا نأكل ونشرب، ولازلنا نحافظ على وحدتنا الترابية، وعلى استقرارنا. وفي الوقت الذي يهددنا دعاة التطبيع مع الصهاينة بما سنتعرض له من طرف صهاينة المغرب والعالم، وخاصة في أمريكا وأوروبا، نجد الأمريكيين والأوروبيين يتجهون نحن مقاطعة الصهاينة في مجالات متعددة، نذكر منها على سبيل المثال : أولها: ملاحقة الإرهابيين الصهاينة جنائيا، مما كان سيؤدي إلى اعتقال عدد من قياداتهم في دول أوروبية مختلفة . وثانيها: موجات مقاطعة الصهاينة في عدد من دول العالم في السنوات الأخيرة، نذكر منها مثالين حصلا خلال الأيام الأخيرة هما: قرار شركة إدارة صندوق معاشات التقاعد بهولندا ، والتي قررت سحب جميع استثماراتها من أكبر خمسة بنوك إسرائيلية، لأن لدى هذه البنوك فروع في الضفة الغربية، أو لأنها تشارك في تمويل البناء في المستوطنات، وذلك بعد انخراط شركات هولندية متعددة ، خلال الأسابيع الماضية، في موجة من المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات ضد الشركات الإسرائيلية، كما هو الشأن بالنسبة لشركة «viteus» التي علقت التعاون مع شركة المياه الوطنية الإسرائيلية.. الخ. وثالثتها: قرار «جمعية الدراسات الأمريكية» المتخذ بأغلبية %66 من أعضائها الخمسة آلاف، بتبني قرار المجلس الوطني للجمعية القاضي بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، احتجاجا على الطريقة التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي في معاملته للفلسطينيين، وتواطؤ الجامعات الإسرائيلية في قمع الفلسطينيين. علما بأن قرارات المقاطعة الأكاديمية ومقاطعة البضائع ومقاطعة السفن الصهيونية في تصاعد في أمريكا وأوروبا. ومن غريب الصدف، أن هذه القرارات متخذة على مستوى مجرد مؤسسات وشركات ونقابات، وليس على مستوى الدول، ورغم ذلك فهذه الشركات والمؤسسات والنقابات وغيرها لم تقبل أن يمارس عليها اللوبي الصهيوني الابتزاز أو الوصاية ، وقررت ممارسة قناعة أعضائها، المنطلقة من قضايا مبدئية، بغض النظر عن أية تبعات. بينما ونحن نتحدث عن المغرب، فإننا نتحدث عن دولة، وعن دولة معنية، وعن دولة تتحمل مسؤولية لجنة القدس..الخ. أفلا يستحي دعاة التطبيع وخدام الأعتاب الصهيونية من أنهم يريدون أن تكون بلدهم أقل وفاء والتزاما من شركات ومؤسسات أمريكية وأوروبية ، وأن تخاف دولة من لوبيات لا تستطيع إيقاف زحف مقاطعة وحصار ومعاقبة الكيان الصهيوني داخل بلدانها؟. ومن المغالطات أيضا التي يستعملها هؤلاء طرح السؤال الثاني «هل ينسحب المغرب من كل هيئة أو مؤسسة دولية أو إقليمية ويقطع علاقاته بها لكون «إسرائيل» موجودة بها»، مثل هذا السؤال يطرح إما بسوء نية أو عن جهل وعدم اطلاع على مقترح القانون، لأنه تكفي قراءة بسيطة لمقترح القانون لمعرفة أنه لا يدرج مطلقا هذه الحالات ضمن حالات التجريم أو المنع، وبالتالي فلا خوف على علاقة المغرب والمغاربة بالمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية، ولا خوف على المغاربة المنتمين إلى تلك الهيئات والمنظمات، سواء كانت دولية أو إقليمية. مع التأكيد على أن ذلك لا يعني استقبال الصهاينة على أرض المغرب تحت غطاء اجتماعات إقليمية أو دولية أو الذهاب إلى الكيان الصهيوني تحت نفس الغطاء، لسبب بسيط هو أن المغرب دولة مستقلة وذات سيادة، ومن حقها رفض استقبال إرهابيين على أرضها، كما رفض زيارة الكيان الصهيوني الإرهابي الغاصب تحت أي مبرر كان.
حقوق الإنسان لا تظهر إلا عند مقاطعة إسرائيل ومن الأساطير المعتمدة من طرف مناصري التطبيع والمدافعين عنه باستماتة، موضوع حقوق الإنسان، والتي لا تظهر لهؤلاء إلا عندما يتعلق الأمر بمقاطعة إرهابيين لكيان عنصري محرم. وسأكتفي هنا بالتطرق لمثال واحد تباكى أصحابه على خرق المادتين 26 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وتكفي الإشارة إلى أن المذكرة إياها تضمنت النص على ما جاء في البندين المذكورين، وعلى ما قالت إنه تفسير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان للبندين، لكن دون أن يمتلك محررو المذكرة الجرأة على تحديد مجالات التعارض بين كل ما ضمنوه في مذكرتهم، وبين مقترح قانون تجريم التطبيع. هل يعتبرون هذا المقترح تمييزيا؟ هل يعتبرونه «دعوة تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف؟. إذا كان القانون الدولي، في نظرهم، يحظر العداء للإرهاب ويحظر العداء للعنصرية وللأبرتايد، فإننا فعلا نعلن للملأ هذا العداء المطلق وندعو لمحاربته وللتمييز الصارم بين العنصريين الإرهابيين المجرمين وبين غيرهم، وندعو إلى إعلان العداء لنظام الأبرتايد الصهيوني. لكن، لا أعتقد أن لجنة حقوق الإنسان، ولا واضعي القانون الدولي بأكمله يمكن أن يكون هدفهم هو هذا، لأن القانون الدولي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني، ويحظر منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، وتعويضهم عما تعرضوا له من تهجير وتشريد، ويمنع الاستيطان وتغيير معالم الأراضي المحتلة وملء هذه الأراضي بغير أهلها، كما يمنع الاحتلال ويمنع الحصار والتجويع ويمنع بناء الجدران العازلة وتحويل أراض إلى سجون كبيرة، ويمنع كافة الجرائم التي يرتكبها الصهاينة يوميا في حق شعب وأرض ومقدسات فلسطين .. الخ. فأين يتم خرق القانون الدولي؟ ومن الذي يجب محاصرته والتصدي له باسم القانون الدولي، الفلسطينيون أم الصهاينة؟. وإذا كان ما جاء في المذكرة صحيحا، فما قول أصحابها في المقاطعة العالمية لنظام الأبرتايد في جنوب إفريقيا لعقود من الزمن إلى أن قضي عليه وانمحى من الوجود؟ هل كانت الدول والمنظمات والهيئات والأشخاص الذي يقاطعون ذلك النظام يرتكبون بذلك مخالفة للمادتين 26 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؟. ألا يمنع القانون ويجرم التستر على مجرم أو على جريمة وإخفاء معالمها؟ ألا يجرم القانون الإشادة بالإرهاب وإيواء إرهابيين؟ هل مثل هذا التجريم، والأمثلة بالمئات، يعتبر هدرا للقانون الدولي وتحريضا على التمييز أو العدوان أو العنف؟. يؤلمني أن تقع دبلجة هذه الأساطير، وهذا التحريف الخطير والمقصود، لمعاني نبيلة أتى بها القانون الدولي لحماية الأفراد والجماعات من مثل ما تتعرض له فلسطين كحجة ضد فلسطين، من طرف مركز ما كنت أعتقد أنه يمكن أن يوظف في تنميق ادعاءات وتزييف قانون وواقع وحقائق خدمة للمشروع الصهيوني ودفاعا عنه وعن جرائمه، مهما يكن بعد ذلك من كلام عن «الوقوف والتعبئة رسميا وشعبيا، ضد سياسات إسرائيل الماسة بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني..»، لأن مثل هذا الكلام لا يبقى له من معنى عندما يأتي لصيقا بالاستماتة في الدفاع عن الصهاينة، ومحاولة وأدلجة تحويل علاقة المغاربة معهم إلى علاقات طبيعية، وفسح المجال أمامهم لينجزوا الدور التاريخي الذي وجدوا من أجله، فلازالت هناك بضع أمتار من أراضي فلسطين لم تملأ بالمستوطنات، ولعل ملء هذه الأمتار أيضا يقنعكم بأنكم تساهمون في الجرم، عندما تدافعون عن الكيان العنصري المحتل لأرض فلسطين. والسؤال في الختام هو سؤال الكرامة، سؤال رفض وصاية أي كان وأية جهة كانت، سؤال الدفاع عن الوطن وعن المقدسات، سؤال الدفاع عن حقوق لا يجادل فيها إلا مغتصبيها، سؤال القبول بالتمتع بالأهداب الصهيونية، تحت أي مسمى كان. ويبقى الجواب الواضح والجلي هو أن إحدى أهم وسائل القضاء على نظام الأبرتايد الصهيوني هو العمل على مقاطعته مقاطعة شاملة، ليس من طرف المغرب وحده، بل من طرف كل أبناء المعمور. وذلك ما دفع بالشعب المغربي إعلان العداء لهذا الكيان الغاصب وإلى رفع شعار «الشعب يريد تحرير فلسطين.. الشعب يريد تجريم التطبيع».
يهود مغاربة في إسرائيل.. عنصريون حتى النخاع في الحديث عن اليهود من أصل مغربي الذين يعيشون بالكيان الصهيوني، تجب الإشارة أولا، إلى أن بعض أكبر الإرهابيين الصهاينة أشخاص من أصل مغربي، مثل: الإرهابي «عمير بيريتس» وكثيرون غيره. ومن جهة ثانية، فان هؤلاء أصبحوا عنصريين إلى النخاع. ومن جهة ثالثة، فإنهم منخرطون في المشروع الصهيوني لمجرد أنهم قبلوا الحلول محل الفلسطينيين أصحاب الأرض. ولذلك فكثيرون هم اليهود الذين رفضوا الذهاب إلى فلسطينالمحتلة حتى لا يأخذوا مكان المهجرين من أبناء فلسطين، وكثيرون هم اليهود الذين غادروا فلسطينالمحتلة بعد أن كانوا قد استوطنوها. وسأكتفي في هذا المجال بمثال واحد من هؤلاء؛ وهو جاكوب كوهن اليهودي المغربي الذي انتمى لحركة صهيونية سرية في الخمسينات، وساهم في ترحيل عشرات الآلاف من يهود المغرب إلى فلسطينالمحتلة، والذي غادر الكيان الصهيوني بعد اقتناعه بالخديعة الكبرى إلى فرنسا، حيث يعيش الآن بجنسية فرنسية، والذي أكد في تصريح صحفي، وفي ندوة نظمها المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أنه لن تكون هناك عودة لليهود الصهاينة من أصل مغربي إلى بلدهم «لأن أبناءهم أصبحوا إسرائيليين وصهاينة يقومون بالخدمة العسكرية ويحتلون، وليس لديهم أدنى توبيخ ضمير، وهم يتعاملون كصهاينة حتى النخاع، وترعرعوا كصهاينة يكرهون العرب، وهم جد عنصريين يكرهون العرب، ولا يتصورون يوما الرحيل للحياة في بلد عربي «. علما بأن جاكوب كوهن أكد في هذا التصريح أن الأمر يتعلق بعائلته أيضا، والتي هاجرت إلى فلسطينالمحتلة. والأمثلة كثيرة جدا عن مناضلين يهود ضد المشروع الصهيوني من أصل مغربي وغير مغربي . إذن، فالأمر لا يتعلق بصهيوني من أصل مغربي أو من أصل روسي أو أمريكي ...الخ، الصهيوني صهيوني أيا كانت أصوله وجذوره. الجزء الأول : خالد السفياني : أوهام صهيون