قال جاكوب كوهن اليهودي المغربي الحاصل على الجنسية الفرنسية، والمقيم بالعاصمة الفرنسية باريس، إن المغرب شهد قبل أزيد من خمسة عقود، حركة قوية للحركة الصهيونية التي سعت إلى تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل، وأضاف كوهين المناهض للصهيونية، في حوار مع جريدة »التجديد»، «أنا عشت تجربة شخصية في الخمسينيات، لقد انتميت لمدة أربع سنوات لحركة صهيونية سرية، كانت هناك أربع حركات صهيونية مختلفة بالمغرب، قسمت الحي اليهودي بالملاح وبدأت تقوم بالدعاية من أجل تهجير اليهود الذين وعدتهم بالعمل»، يضيف كوهين، الأستاذ السابق بكلية الحقوق بمدينة الدارالبيضاء، «في ظرف سنتين أو ثلاثة، قاموا بترحيل ما بين 100 ألف و120 ألف يهودي من المغرب». ويرى جاكوب كوهين، أن «الصهاينة أعطوا تأشيرة الرحيل لليهود المغاربة، فكسروا بذلك -وربما إلى الأبد- التعايش الذي كان موجودا بين اليهود والمسلمين»، وشدد المتحدث على أن «التطبيع هو مخطط صهيوني من أجل الربح دون مقابل». جاكوب كوهين الذي هاجرت عائلته كلها إلى الكيان الصهيوني، شدد على أنه لن تكون هناك عودة لليهود الصهاينة من أصل مغربي إلى بلدهم، وفسر ذلك بأن «أبناءهم أصبحوا إسرائيليين وصهاينة يقومون بالخدمة العسكرية ويحتلون، وليس لديهم أدنى توبيخ للضمير، وهم يتعاملون كصهاينة حتى النخاع، وترعرعوا كصهاينة يكرهون العرب، وهم جد عنصريين يكرهون العرب، ولا يمكنهم أن يتصوروا يوما الرحيل للحياة في بلد عربي». ● كنتم عضوا في الحركة الصهيونية بمكناس قبل أزيد من خمسة عقود، أي دور ترصدونه للحركة الصهيونية في تهجير اليهود من المغرب؟ ●● أنا عشت تجربة شخصية، لقد انتميت لمدة أربع سنوات لحركة صهيونية سرية. كانت هناك أربع حركات صهيونية مختلفة بالمغرب، كان ذلك في أواخر الخمسينات، وهي الحركات التي قسمت الحي اليهودي بالملاح وبدأت تقوم بالدعاية من أجل تهجير اليهود، كانت تعدهم بالعمل، في البداية لم يكن اليهود يريدون الرحيل. وفي أوائل الخمسينيات وحتى سنة 1958، لم يكن اليهود يهاجرون كثيرا، حتى الفقراء منهم كانوا ينفرون من الهجرة، لم تكن لديهم الرغبة فيها، هذه الدعاية كانت موجودة في كل مدن المغرب، كانت هناك حركات للشباب وحركات صهيونية، وعملاء الموساد بالعشرات وبالمئات، وكان هؤلاء العملاء يجندون آخرين بهذه المدن، وابتداء من 1959 و1960، اتفقوا مع السلطات المغربية ومع القصر، وفي ظرف سنتين أو ثلاثة، قاموا بترحيل ما بين 100 ألف و120 ألف يهودي من المغرب، فقد لعبوا دورا أساسيا في اختفاء الطائفة اليهودية من المغرب. لماذا؟ لأنه بعد 1962 و1963 لم يعد ليهود المغرب الرغبة في الذهاب إلى «إسرائيل»، لم يعودوا يذهبون لأنهم فهموا أن الأوضاع هناك عموما لم تكن جيدة، وأن اليهود المغاربة هناك يعانون من الميز العنصري، وأنهم يعاملون معاملة سيئة ولا يجدون عملا، ولذلك بدؤوا يرحلون إلى كنداوفرنسا وإسبانيا، لقد أعطى الصهاينة تأشيرة الرحيل لليهود المغاربة فكسروا بذلك وربما إلى الأبد، التعايش الذي كان موجودا بين اليهود والمسلمين. ● ما هو دور التطبيع في فتح الأبواب للحركة الصهيونية لاختراق الدول العربية؟ ●● التطبيع مخطط إسرائيلي، لأنه في الخمسينات والستينات لم نكن نتحدث عن «إسرائيل»، بل عن الكيان الصهيوني، إذ الاعتراف حتى بالاسم كان مرفوضا. من جهة أخرى كانت هناك مقاطعة عربية لبضائع شركات غربية لأن الدول العربية آنذاك، كانت تريد حلا للقضية الفلسطينية، ولكنها لم تحصل على شيء، ففي 1967 احتلت «إسرائيل» الضفة الغربية، وضمت إليها القدس الشرقية والجولان، ومع ذلك أصبحت «إسرائيل» شريكا لمعظم الدول العربية، بدرجات مختلفة من العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية، فمثلا يأتي الصهاينة إلى المغرب وكأنه بلدهم، وفي سنة 1986، قبل اتفاقيات أوسلو، جاء «بيريز» و»رابين» إلى المغرب بصفة رسمية، إذا التطبيع هو أن تأتي «إسرائيل» إلى البلدان العربية، وتقول سوف نتحاور ونسير قدما نحو السلام، ولكن في الحقيقة هو مخطط للحكومة الإسرائيلية من أجل أن تصبح الصهيونية شيئا عاديا، وقد أصبحت «إسرائيل» اليوم بالنسبة للبلدان العربية بلدا شبه عادي، فهناك طلبة مغاربة يدرسون في تل أبيب، وهناك سياح صهاينة في المغرب، لقد نجحت «إسرائيل» بفضل التطبيع، وهذا هو المهول، في جعل «إسرائيل» مقبولة من طرف الدول العربية التي أصبحت لها علاقات في شتى المجالات معها، في الوقت الذي يرزح الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وفي الوقت الذي يتم فيه تهويد القدس الشرقية، وفي الوقت الذي ضمت فيه الجولان بالكامل إلى «إسرائيل». إذا التطبيع هو مخطط صهيوني من أجل الربح دون مقابل، لذلك فأنا بصفة قطعية ضد أي شكل من أشكال الحوار أو التطبيع مع الكيان الصهيوني. ● ما هي قراءتكم لمسلسل السلام بالشرق الأوسط؟ ●● أنا لا أؤمن نهائيا بإنشاء دولة فلسطينية، هذا واضح وجلي، لن تكون هناك دولة فلسطينية بالشكل الذي يتحدث به اليوم، سوف أقول لكم لماذا، لأنه منذ عشرين عاما، أي منذ اتفاقية أوسلو التي اعترف فيها بمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تتحدث عن دولة فلسطينية، كل دول العالم تقول بضرورة خلق دولة فلسطينية، أمريكا وأوروبا والدول العربية و»إسرائيل» نفسها، حتى نتنياهو قال يجب خلق دولة فلسطينية، وروسيا أيضا، إذا لماذا لم نتمكن من خلق هذه الدولة؟ بالنسبة لي هذه عملية دعائية، يعني نتعامل كما لو كنا سنخلق دولة فلسطينية حقيقية، وفي انتظار ذلك، عدد المعمرين الإسرائيليين الذي كان 150 ألف في عام 1993، تاريخ اتفاقية أوسلو، وصل اليوم إلى 600 ألف، ويرتفع كل يوم لأن هناك مستوطنات صهيونية جديدة تبنى، لذلك بالنسبة لي لن تكون هناك أبدا دولة فلسطينية مستقلة بالمعنى الحقيقي، قد تكون هناك دويلة صغيرة على شكل «بنتستان»، مراقبة بصفة تامة من طرف الدولة الصهيونية، بما في ذلك الحدود والمجال الجوي والماء، ولن تكون الحياة سهلة في هذه الدويلة، أنا أرى الحل كالتالي، يوما ما سوف تنهار السلطة الفلسطينية بشكل أو بآخر، لا أدري ما هي شروط هذا الانهيار، وفي هذا اليوم سيأتي الحل، لأنه لن تكون هناك إلا دولة واحدة، لماذا؟ لأنه إذا كان هناك احتلال حقيقي وكامل للضفة الغربية، فهذا سيمكن الفلسطينيين من المقاومة من أجل الديمقراطية، الشيء الذي يعني رجل يساوي صوت، كما في جنوب إفريقيا، هذا هو الحل الذي أراه، ما هي الوسائل التي ستمكن من الوصول إليه؟ حقيقة لا أدري، ولا أحد يمكنه تحديد الأشواط التي ستمكن من الوصول إليه. ● ما المقصود من مصطلح «السيانيم» الذي تستخدمه كثيرا؟ ●● «السيانيم» كلمة عبرية، فالسيام كلمة عبرية تعني مساعد وجمعها «سيانيم»، أحدث «السيانيم» في الخمسينات، وفهمت إسرائيل أهمية وجود عملاء يهود صهاينة يعملون مع الموساد، فاتصلت بيهود يعملون بألمانيا وفرنسا وهولاندا، في السينما والموسيقى والإعلام والبرلمانات والأبناك..، ما يقع هو أن الموساد يتصل بمساعديه ويقول لهم، هل تودون مساعدة إسرائيل، فيقبلون، ويشرعون في العمل للموساد، مثلا الإعلام في فرنسا 95 بالمائة منه يتحكم فيه الصهاينة، والناس يتساءلون، لماذا الإعلام دائما مع إسرائيل؟ الجواب بسبب تواجد «السيانيم»، وهوليود يتحكم فيه «السيانيم» تقريبا بشكل كامل، لذلك ينتج أفلاما في مصلحة «إسرائيل» ومناوئة للفلسطينيين، وينتج أيضا مسلسلات مؤيدة لإسرائيل، ويتواجد «السيانيم» أيضا في الأبناك، وفي صندوق النقد الدولي وفي المؤسسات العالمية، وإذا أراد بلد عربي الاقتراض فسوف يخضع لشروطه. ● «برونشتاين» أحدث زوبعة في المغرب، ماذا تعرف عنه؟ ●● الإسرائيليون والصهاينة لا يظهرون كمحتلين فقط، إنهم يظهرون بوجهين، فهناك الإسرائيليون المحتلون، وهناك الإسرائيليون الذين يتقدون بخطاب السلام، مثلا برونشتاين الذي يقول إنه مع السلام ومع إقامة الدولة الفلسطينية، ولكن في رأيي هو عميل للحكومة الإسرائيلية، فإذا كان كما يقول ضد الاحتلال، (نعلم أن هناك جنودا إسرائيليين يرفضون الخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة)، فلما يقولون إن الجندي عليه أن ينفذ الأوامر كيفما كانت، إذا برأيي اخترع الإسرائيليون هذا النوع من «المسالمين» من أجل أن يعطوا صورة إيجابية وسلمية لإسرائيل، حتى يمكنهم أن يقولوا، أنظروا إن هناك إسرائيليين يعملون من أجل السلام، ولكن هذا خداع. ● الشريط المثير للجدل «تنغير جيروزاليم»، هل شاهدته وما هي ملاحظاتك عنه؟ ●● بالنسبة لي هو فيلم دعاية لفائدة «إسرائيل» بكل تأكيد، طبعا حينما نرى الفيلم لا يتكون لدينا هذا الإحساس، لكن إذا نظرنا إلى من يقوم بالإشهار للشريط في فرنسا نجد أن كل المؤسسات اليهودية والصهيونية تعشق هذا الفيلم، فهي تقوم بعروض خاصة مع المخرج، إذا يجب طرح السؤال، لماذا تعشق المنظمات الصهيونية هذا الفيلم؟ هناك مشكل إذا يتمثل في أن هذا الفيلم لا يتحدث أبدا عن دور الموساد في هجرة اليهود، إنه يقول رحل اليهود وكأن ذلك يحدث كما يحدث الفيضان!! إن أزيد من 400 ألف يهودي لا يرحلون هكذا مرة واحدة، لقد كان هناك دور للموساد كما ذكرت سابقا، وهذا يسكت عنه الفيلم، وهناك شيء آخر، هناك رسالة يريد أن يوصلها الفيلم، وهي غير معلنة ولكنها تفهم، وهذه الرسالة هي أن العلاقة كانت حميمية بين اليهود والمسلمين، وحتى اليهود في «إسرائيل» يكنون الحب للمغرب، سوف نتحاور ونتفاهم، لننسى الاحتلال والاستعمار، لننسى ضم القدس لإسرائيل ولنعمل، هذه هي الرسالة التي يريد إيصالها هذا الفيلم، أن يكون هذا متعمدا لا يهمني هذا، ولكن الفيلم يحمل كل هذا. وأنا أعتقد أن السبب الأول لهجرة اليهود هو عمل الموساد منذ 1948 وحتى سنة 1968، كان عملا هائلا، لقد رأيت المنظمات الصهيونية تعمل في مكناس، كان هناك مئات العملاء الصهاينة في كل المدن المغرب. ● بما تنصح الهيآت النشيطة في مجال مناهضة التطبيع بالمغرب؟ ●● أولا يجب على الناس أن يفهموا كيف يعمل الصهاينة، فهناك مغاربة يقولون لي نحن متسامحون نريد أن نتحاور ولا نريد الحرب، وهذا هو المشكل، يجب أن نفسر لهم أن الحوار والتطبيع يضر بالفلسطينيين والعالم العربي، على الناس أن يفهموا هذا أولا، أنا مهمتي هي أن أجعلهم يفهمون أن كل تطبيع مع دولة محتلة تستعمر وتهود القدس يخدم مصالح «إسرائيل»، يجب على الناس أن يفهموا هذا أولا. وحينما يفهمون هذا يمكن أن نقاوم الفيلم مثلا، أو حينما يأتي إسرائيلي وحين تأتي ليفني يجب أن نعرف لماذا أتت، ولماذا حين كانت وزيرة للخارجية لم يحدث أي تقدم بخصوص دولة فلسطين، على الناس أن يحللوا السياسة الإسرائيلية مع البلدان العربية، ثم يقدموا اقتراحات مضادة، مهمتي هي إنارة الناس حول مكر الصهاينة، وحين يفهمون هذا يمكنهم أن يقاوموا أفضل. ● هل تعتقدون بإمكانية عودة اليهود الصهاينة من أصل مغربي إلى المغرب؟ ●● لن تكون هناك عودة أبدا. لماذا؟ أنا مثلا كل عائلتي رحلت إلى «إسرائيل»، وأعني الوالدين الأخوات العمات الأخوال الأعمام، العائلة كلها، وأنا رأيت أبناء هؤلاء الذين ولدوا هناك في «إسرائيل»، القدامى يحافظون على بعض الحنين إلى المغرب، ولكن بالنسبة للأبناء كل شيء انتهى، الأبناء يصبحون إسرائيليين وصهاينة يقومون بالخدمة العسكرية ويحتلون وليس لديهم أدنى توبيخ للضمير، وهم يتعاملون كصهاينة حتى النخاع، إذا بالنسبة لهم حتى إذا أرادوا يوما مغادرة «إسرائيل» سيذهبون إلى أمريكا أو أستراليا أو أي بلد آخر إلا بلدهم الأصلي، لأنهم ترعرعوا كصهاينة يكرهون العرب، إن الإسرائيليين جد عنصريين يكرهون العرب، وقد نشأوا بهذه الكراهية والعنصرية ولا يمكنهم أن يتصوروا يوما الرحيل للعيش في بلد عربي، إذا أنا أرى أن كل هذا، أقصد العودة، ليس إلا شعارات لا معنى لها.