لن تقتصر الأحزاب السياسية، خلال انتخابات السابع من أكتوبر المقبل، في دعايتها الكلاسيكية، على القبعات والأقمصة البيضاء المطبوع فيها «لوغو» الحزب، ولا على الفترات التي تم تحديدها من طرف وزارة الداخلية لظهور ممثلي الأحزاب على القنوات العمومية. لكن الواقع الحالي وضع في يد الأحزاب المغربية «كنزا» تواصليا تستطيع استعماله كيفما شاءت، حيث سيمكنها من التواصل مع أكبر عدد ممكن من الجمهور. هذا الكنز التواصلي يسمى «شبكات التواصل الاجتماعي»، فمنذ مدة ليست بالبعيدة، بدأت الأحزاب المغربية في الاستعداد لولوج هذه الساحة المهمة، التي تعتبر مكان تجمع كبير، ليس للشباب المغربي فقط، ولكن لجميع فئات المواطنين، ومن جميع المدن والقرى من طنجة إلى الكويرة، حيث من المتوقع أن تعتمدها الأحزاب التي تتقن كيفية التعامل مع هذه الوسائل. لكن الجديد هو أن هذه الحملات الانتخابية الإلكترونية بدأت بالفعل، ولكن بشكل متفاوت من حزب إلى آخر، أما أول المنطلقين فلم يكن سوى حزب العدالة والتنمية، المتربع على رأس الحكومة منذ 5 سنوات، والطامع في فترة ثانية يقود فيها المغرب. تسويق حكومة بنكيران وجد حزب العدالة والتنمية نفسه مدعوا قبل الأحزاب الأخرى إلى دخول مرحلة الحملات الانتخابية الإلكترونية لسبب رئيس هو ترؤسه للحكومة الحالية. أعضاء الحزب عامة وخليته التواصلية بشكل خاص تعلم أن فرصة الحزب في تحقيق مكاسب سياسية خلال الانتخابات التشريعية يرتبط أساسا بالتسويق الجيد للفترة الحكومية السابقة، وتسليط الأضواء الكاشفة على المنجزات حتى تبدو الصورة الإيجابية جلية، وتكون للحزب ثوابت يمكنه الاتكاء عليها من أجل الوصول إلى سلم رئاسة الحكومة مرة أخرى. الحزب، من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، بدأ بالفعل حملة تحت عنوان: «إنجازات حكومة بنكيران»، تم من خلالها تسليط الضوء على جميع الأهداف التي تمكنت الحكومة من تحقيقها، حسب القائمين على خلية تواصل «المصباح». الحملة بدأت في البداية، ومنذ مدة بعيدة، بفقرة ثابتة على صفحات «البي جي دي» عبر هاشتاج «رقم وإنجاز»، يتم من خلالها إعطاء رقم ما والحديث عن أهمية هذا الرقم ومصدره من داخل إحدى الوزارات المسيرة من طرف «المصباح». الحملة الحالية ابتدأت منذ أسبوع، وذلك يوم الأربعاء الماضي بهاشتاج «#Bilan_Gov_Benkiran»، ذلك بأول إنجاز حسب صفحة فايسبوك البيجيدي، والذي يتمثل في تقليص عجز الميزانية من 7.2 سنة 2012 إلى 3.5 في المائة سنة 2016، حيث تم وضع تدوينات باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية بشكل عادي ومتتابع. لكن، وابتداء من يوم الخميس الماضي، بدأ المسؤولون عن الصفحة بوضع عدد من الصور التوضيحية «أنفوكرافيك»، وذلك لتبسيط وتوضيح المعلومة بشكل سلس لمتابعي الصفحة، حيث وصلت حتى الساعة المنجزات التي أعلنتها الصفحة إلى 9 إنجازات، تهم قطاعات مختلفة هي: الاقتصاد والصحة والتعليم والتكافل الاجتماعي والحريات وحقوق الإنسان ومجالات أخرى. كما استعانت صفحة العدالة والتنمية بمقالات بعض المحللين من أجل الحديث عن حصيلة بعض الوزارات، على رأسها العدل والحريات والإعلام، وهما من أهم الوزارات التي تلقت فيهما العدالة والتنمية انتقادات واسعة بسبب طريقة تسييرهما. أما عن استعمال الحزب للغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنجليزية، فالواضح أن العدالة والتنمية لا يوجه رسائله فقط إلى متتبعي صفحته من المغاربة الذين يفوق عددهم المليون و30 ألف متابع، ولكن هذه الرسائل يتم إرسالها أيضا إلى المجتمع الدولي، حيث يبحث الحزب عن موطئ قدم له داخليا وخارجيا أيضا. حزب العدالة والتنمية لا ينشط فقط عبر صفحاته الحزبية، بل حتى عبر صفحات وزرائه الذين يسوقون منجزاتهم ومنجزات أصدقائهم. والمثال هو الصفحة الرسمية لمصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، حيث رد في تدوينة له على «إنفوكرافيك» لأحد المواقع الإخبارية الفرانكفونية، نشر حصيلة الحكومة انطلاقا من الأهداف التي كانت قد سطرتها قبل قيادة البلاد. الخلفي، وفي تدوينة له على صفحته الشخصية أول أمس الثلاثاء، انتقد هذه الإحصائيات في ما يخص معدل النمو وتخفيض العجز ومحاربة الأمية، معتبرا أن الحكومة احترمت برنامجها الانتخابي، لكن الموقع ذاته رد على تدوينة الخلفي بنقاش كل نقطة، وتبيين مؤاخذات الخلفي عليها، وهو ما قد يدفع وزير الاتصال إلى التدوين والتغريد كثيرا في الفترة المقبلة. أحزاب مازالت في طور التسخينات في الوقت الذي دخل فيه حزب العدالة والتنمية حرب تسويق نفسه والحكومة، لم يتبع حلفاؤه من التجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية النسق نفسه. الحزبان، عبر صفحاتهما على الفايسبوك، يهتمان بشكل أساسي بالزيارات الميدانية لقياداتهما استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك من أجل حسم أسماء المرشحين في جميع جهات المملكة قبل بدء حملة انتخابية إلكترونية. أما المنافس والغريم التقليدي لحزب العدالة، حزب الأصالة والمعاصرة، فقد أعلن منذ أسبوعين تقريبا افتتاح مشروع إعلامي حزبي، هو عبارة عن ‘‘ويب تيفي'' وإذاعة إلكترونية وموقع يتابع أخبار الحزب والأخبار السياسية في المغرب. أول تحركات «الجرار» على المستوى الإلكتروني جاءت عبر برنامج «يسألونك.. حوار العقلاء»، وهو برنامج يذاع على القناة التلفزية الإلكترونية للحزب على مواقع التواصل الاجتماعي. الحلقة الأولى للبرنامج استضافت لحسن كرام، مؤلف كتاب «الذئاب الملتحية»، الذي ينتقد فيه المطبخ الداخلي للعدالة والتنمية، حيث يتضح أن «البام» ينوي تخصيص هذا البرنامج لانتقاد خصومه أولا، قبل تسويق نفسه كثاني أقوى ضلع في المشهد السياسي المغربي الحالي.