بقلم: محمد جبرون أثارت مقالتنا المعنونة ب «حزب العدالة والتنمية ومواجهة التحكم.. في الحاجة إلى التخلي عن أطروحة الانتقال الديمقراطي» والتي نشرها مشكورا موقع «اليوم 24» نقاشا مثمرا بين عدد من الأصدقاء من مواقع فكرية مختلفة، حيث بادر بعضهم إلى كتابة ردود عليها، وأخص بالذكر في هذا السياق الإخوة الأعزاء الدكاترة عبد النبي الحري، وحسن طارق، وعبد العالي حامي الدين، وآخرين أعتذر عن عدم ذكر أسمائهم، حيث اقتطع هؤلاء جزءا ثمينا من وقتهم لمساءلة مضمون المقالة/الورقة، ومواقفها، ومراميها. وبلغت هذه الردود ذروتها بتخصيص الأستاذ القدير محمد يتيم لمقالة ردا على ما كتبناه وبإيعاز من قيادة الحزب. وتقديرا لهؤلاء الأصدقاء وسعيا منا للتنوير السياسي والارتقاء بالنقاش حول القضايا المصيرية لبلدنا إلى مقامات المسؤولية والنضج أجد نفسي ملزما أخلاقيا بالاستمرار في هذا النقاش، والتفاعل مع أطرافه المختلفة، ورفع بعض الالتباسات التي تسببت فيها المقالة الأولى. *** وقبل الخوض في بعض القضايا النظرية والفكرية التي أثارها الأصدقاء ولمزيد بيان وجهة نظرنا ألفت انتباه الكتبة والقراء الكرام إلى ما يلي: – إننا ونحن نكتب مقالة إعلامية موجهة للرأي العام وبصفة خاصة لنخبة حزب العدالة والتنمية وعموم أعضائه، لا نكتب بحثا «أكاديميا» وفق الأعراف والتقاليد البحثية، فلكل مقام مقال، وإنما نستثمر خبرتنا البحثية، وسعة معارفنا، وتأملاتنا المستقبلية في صوغ الأفكار والعبارات، ولهذا لا حاجة لتذكير البعض لنا بأن المقالة «قفزت عن» أو «غفلت منهجيا عن» أو «نستغرب لعقل أكاديمي» أو أشياء من هذا القبيل، لأنها ببساطة لا تروم الإحاطة والجمع والمنع، وإنما تروم بيان الموقف، والاختيار، وتستعين بحسب الحاجة بالعدة الأكاديمية؛ – إن بعض الأصدقاء على الرغم من حرصهم الشديد على احترام أدبيات وأخلاقيات الحوار والمناقشة الإيجابية لم تخل ردودهم في بعض الفقرات من قسوة وأحكام قيمة كان يمكنهم تفاديها من قبيل «القراءة العدمية»، «سذاجة غريبة»، «التعريف السطحي»، «التحليل غير المتماسك»، «دعوة رجعية»، «الهشاشة»… إلخ، فهذه الأحكام القيمية غير مقبولة في الحوار البناء، ولا حاجة لها، وإن كنت أتفهم الدوافع النفسية التي تقف وراءها. – إن الكثير من الالتباس الذي أحدثته هذه المقالة في تلقي البعض لها مصدره عدم إدراك هذا البعض للمقام الذي ينطلق منه كاتبها، ومن ثم عدم إدراك مقتضيات هذا المقام، وأنا أكتب هذه المقالة لا أنطلق من موقع حزبي، متحيز لمقولات ومواقف معينة، يجعلني بالضرورة مع التحكم أو ضده، يجعلني مع الحركة الوطنية أو ضدها، بل أنطلق من موقعي كمثقف محايد وموضوعي – أو على الأقل هذا ما أحاوله – منحاز إلى الوطن، منشغل باستقراره وأمنه وتقدمه. وهذه الزاوية في النظر تجعلني أنظر للتحكم كظاهرة سياسية في المشهد المغربي نظرة موضوعية بغض النظر عن موقف الآخرين منها، وهو ما يسمح لي بتفكيك هذه الظاهرة، وفهمها على نحو مختلف من جهة، وإنتاج الأفكار التي من شأنها الإسهام في تقدم الحياة السياسية المغربية من جهة ثانية. ولا يخفى أن هذا الموقع أو زاوية النظر تسمح لي برؤية ما لا يراه الكادر الحزبي، تسمح لي بالكشف عن بعض شرعيات ظاهرة التحكم، وموجباتها، وإذا كان مفهوما بالنسبة للمتصارعين على السلطة إدانة هذه الظاهرة ومحاربتها لأنها ببساطة تمسهم وتمس تطلعهم إلى الحكم أي تمس الديمقراطية، فإنني من الناحية الوظيفية معني أكثر بالنظر في كوابح الديمقراطية، فيما إذا كانت كوابح موضوعية وتاريخية أم مجردة من هذه الشرعيات. بعد هذه المقدمات، نستسمح القارئ الكريم في العودة إلى النقط التالية: 1- في أفق نظام سياسي مستقر: إن الهاجس الأساسي الذي شغل كثيرا من مفكري السياسة بالمغرب منذ مدة ليست بالقصيرة: هو كيف السبيل لحسم النزاع حول طبيعة النظام السياسي المغربي، والتوافق على حد أدنى مفهومي بين الفرقاء الرئيسيين للأمة؟، كيف السبيل للقضاء على أسباب التوتر في النظام المغربي؟. فمعظم التراث السياسي المغربي وخاصة الذي أنتجته الحركة الوطنية المغربية هو تراث في المسألة السياسية، وسبل تحقيق توافق بين القوى الرئيسة بالبلد حول طبيعة النظام وثوابته وحدود السلط داخله. وأستغرب في هذا السياق القول بأن صراع الحركة الوطنية مع الملكية كان صراع وجود (يتيم)، قد يكون هذا الأمر صحيحا بالنسبة لمكون من مكوناتها لكن الأغلبية لم تكن أبدا في صراع وجودي مع الملكية. ومهما يكن، وبالرغم من «الإجماع» المتحقق سنة 1996م، فإن سؤال الإصلاح السياسي بقي مطروحا، وكلنا يذكر المطالبات المتكررة لأحزاب وطنية كبيرة بالإصلاحات السياسية وفي عمقها تعديل الدستور، وكلنا يذكر النقاش السياسي لحزب العدالة ومطالبه السياسية. إن النظام السياسي المغربي كما يعرفه دستور 2011م، مهما قيل في توصيفه من الوجهة الديمقراطية، وبالرغم من حجم الالتفاف والتوافق السياسي بشأنه، فإنه عمليا نظام مستقر استقرارا هشا، ولعل النقاشات الجدية والقوية حول التأويل الديمقراطي للدستور، والصراع القوي حول بعض النصوص التنظيمية التنزيلية للدستور تكشف بالملموس هشاشة هذا التوافق، والتباين الكبير في الرؤى بين أطرافه. قد أكون قاسيا، وغير عادل عدلا مطلقا في الحكم على ماضي الحركة الوطنية في نضالها الديمقراطي وتقدير إنجازها السياسي، لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها وهي أن النخبة السياسية الوطنية لا زالت وإلى اليوم تبحث سؤال النظام السياسي، ولا زال هذا البحث يتمتع بالراهنية، ولا تخلو أوراقها ووثائقها من مطالب في الإصلاح السياسي تحت عناوين مختلفة. إن المملكة المغربية يمكنها – إذا توفرت الإرادة السياسية – أن تحسم هذا السؤال، وبالتالي التحقق من نظام سياسي مستقر، يكون سقفا يجري تحته التنافس الإيجابي والخلاق بين القوى السياسية على أساس رؤى وبرامج اقتصادية وتنموية. ويبدو لي في هذا السياق – وهذا الذي أزعج بعض الأصدقاء – أن حزب العدالة والتنمية من خلال صراعه مع التحكم، لا يسهم في حسم هذا السؤال بل على العكس من ذلك يعيد إنتاج التوتر نفسه الذي عاشه المغرب في العقود السابقة. والمفارقة الكبيرة التي تجدر الإشارة إليها في هذا السياق، وهي أن الأدبيات والأطاريح السياسية التي بلورها هذا الحزب في استحقاقاته الداخلية المختلفة (أشار إلى جانب منها الأستاذ حامي الدين) كلها تمدح التوافق والتشارك، وتتجنب كل مفردات الصراع والنزاع، غير أن واقع الحال – وخاصة فيما يتعلق بمقاربة ظاهرة التحكم – خلاف ذلك، فلا صوت يعلو على صوت المواجهة، ذلك أن التقدير السياسي النافذ وسط قيادة الحزب أن الملكية الواجب التوافق معها شيء والتحكم شيء آخر وهو ما سنناقشه في الفقرة التالية. وعليه فإن نقاشي في الجوهر يرمي إلى لفت انتباه قادة العدالة والتنمية إلى ضرورة العناية بهذه المسألة والسعي ما أمكن في استعادة الهدوء السياسي، وبناء نظام سياسي مستقر لا نزاع حوله وفيه. 2- شرعيات التحكم: إن ظاهرة التحكم في الحياة السياسية المغربية ليست حديثة العهد، بل هي ظاهرة متجذرة في التاريخ السياسي المغربي، وإن الجدة أو الاختلاف في هذا المستوى تقف عند حدود الأشكال والوسائل ليس إلا، فالتحكم المباشر أو من خلال أحزاب وهمية إدارية أو غيرها من الوسائل لا تعود بالنقض على مفهوم التحكم باعتباره مفهوما «أصيلا» في الحياة السياسية المغربية، ومن ثم فهذا الرسوخ يجعلنا نطرح السؤال: هل ظاهرة التحكم هي ظاهرة لا شرعية، بمعنى ليست لها أسباب موضوعية تستدعيها وتسمح لها بالرسوخ والاستمرار؟، هل رعاة التحكم هم مجموعة من الأشرار، لا وطنيون، يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟. إن التساؤل – في حد ذاته – في هذا السياق مشكلة بالنسبة للبعض، أما ما قد يترتب عنه من إجابات فأمرها أسوء، ولكن قبل الخوض في هذا التساؤل يمكن القول إن شيطنة العدالة والتنمية وشيطنة التحكم وجهان لعملة واحدة، وهي مسبقات مانعة من العلم ومزيفة للوعي. إن التحكم وكما يبدو في الآن، وفي الماضي القريب يتذرع كسلوك بثلاثة أنواع من المصالح بينها تداخل كبير: مصالح ضيقة ريعية لجماعات محلية أو محلية بغطاء دولي أو دولية؛ أو مصالح وطنية ترى في النتاج الديمقراطي عائقا أمام النمو الاقتصادي وتهديدا للاستقرار والوحدة؛ أو مصالح تقليدية مرتبطة بهوية النظام وشرعياته التاريخية والدينية، التي تجعلها فاعلا وممارسا للسلطة. والتحكم بهذه الامتدادات/الشرعيات لا ينفصل عن المؤسسة الملكية، ولا يستقل عنها، وهنا نقطة التوتر الأساسية في فرضية/أطروحة العدالة والتنمية، ففي الوقت الذي يجهد نفسه هذا الحزب للفصل بين التحكم والملكية، ويؤسس على هذا الفصل شرعية المواجهة، نقف نحن بالمقابل، ونفترض الاتصال، دون استصحاب للنعوت والسلبيات التي أمست لصيقة بمفهوم التحكم، ودون خوف من كون القول بالصلة بين الملك والتحكم هو اتهام للملكية وتوريط لها في «المستنقع» السياسي، بقدر ما هو – في نظرنا – قيام منها بالواجب وما تقتضيه المصالح العليا للبلد التي هي مستأمنة عليها. وتسمح لنا فرضية الاتصال – التي وصفها البعض بالسطحية – بتفهم الضغوط والإكراهات التي تقف وراء التحكم، سواء الصادرة من الداخل أو الخارج، وبالتالي عدم «العنف» والتشنج في مواجهته، وذلك بالتماس استراتيجيات وتكتيكات جديدة ومختلفة للتغلب على التحكم، والقضاء التدريجي عليه. وعليه، لا يمكن بحال من الأحوال تسوية العلاقة مع هذا التحكم وبناء نظام سياسي مستقر دون تحليل هذه المصالح، ومراعاة ما ينتج عن محاربتها بعفوية وسذاجة. وإذا كانت تعوزنا المعطيات والقرائن الكافية للحسم في أيُّ هذه المصالح يرعى هذا التحكم بشكل حصري، فإن الحقيقة التي لا نزاع حولها هو أن التحكم في نهاية التحليل تتداخل في إنتاجه هذه المصالح مجتمعة وبنسب متفاوتة. إن هذا الفهم يجعلنا نتفهم الظرفيات الإقليمية والدولية الكابحة للديمقراطية في عالم الجنوب وخاصة في علاقتها بأحزاب كحزب العدالة والتنمية الإسلامي المرجعية؛ يجعلنا نتفهم رغبة الأنظمة التقليدية في الحفاظ على استمرارها الفعلي والتدبيري؛ يجعلنا نقدر خطورة ردود فعل «قوى المصالح الريعية» على استقرار البلد وأمنه وتقدمه. ولا شك أن مثل هذه التفهُمات تسمح لحزب العدالة والتنمية بابتكار أطروحات سياسية أكثر فعالية في نقض ونقد الحاجة السياسية للتحكم والإسهام في استقرار النظام السياسي المغربي. وهكذا، فالقضاء على ظاهرة التحكم في الحياة السياسية المغربية رغبة وطنية، رغبة المجموع السياسي (أحزاب وملكية) – أو على الأقل هذا ما يجب أن يكون – الغاية منها إنقاذ سفينة الوطن، وحفظ أمنه ووحدته واستقراره، تستند بالأساس إلى تحليل موضوعي يقف عند «شرعياته» المفترضة، ويحاول أن يتجاوزها في الزمان وعلى نحو تدريجي، فالمسألة ليست مسألة انتخابية محضة. 3- البناء الديمقراطي أو الانتقال الديمقراطي: إن الفاعل السياسي المغربي منذ الاستقلال وإلى اليوم انشغل بالمطلب الديمقراطي وضحى من أجله، ونتجاوز في هذا السياق تقلبات مفهوم الديمقراطية بين الرعيل الأول من الوطنيين ومن جاء بعدهم (إشارة إلى ما ورد في مقالة الأستاذ حسن طارق)، ذلك أن غاية الجميع كانت ولا زالت هي تمكين الأمة من السيادة من خلال التداول على السلطة أو نظام الحزب الواحد في فترة من الفترات بعيد الاستقلال. المشكلة – إذا – إزاء هذا المطلب تتعلق بأفقه السياسي والذي يتأرجح بين ملكية دستورية بهوامش ديمقراطية وبين ملكية برلمانية تسود فيها الأمة، وقد كان لرموز الحركة الوطنية وقادتها نقاش طويل وعريض في هذه المسألة، ولعل أقوى الأمثلة وأشدها تعبيرا عن الفكرة التي نقصد بيانها الزعيم علال الفاسي في النقد الذاتي، الذي نظر – مبكرا – للملكية البرلمانية، وحشر لها الأدلة من العقل والنقل. وبالإضافة إلى أزمة الأفق هناك أزمة أخرى لا تقل خطورة عنها وهي المتعلقة بالمخرجات المحتملة للديمقراطية، ذلك أن السقف الديمقراطي في البلاد العربية ومنها المغرب وفي علاقته بشبكات المصالح الداخلية والخارجية يكاد يلتصق بالأرض عندما يتعلق الأمر بفائز محتمل، إسلامي الهوية. إن الوعي بالمضاعفات السلبية للأزمة المزدوجة للبناء الديموقراطي أو الانتقال الديمقراطي في البلاد العربية ومنها المغرب تجعلنا أكثر إدراكا لسلوكيات التحكم وتحاورا معها بما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين. ومن ناحية أخرى، ونتيجة لهيمنة سؤال الإصلاح السياسي على الحياة السياسية المغربية، لم تحقق الثقافة السياسية المغربية تراكما معتبرا في مقاربة الشأن الاقتصادي والاختيارات السياسية والاجتماعية، وحضرت مسائلها في كل الاستحقاقات تقريبا على هامش المتن، وهو ما يجب الانتباه إليه في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي يشهدها المغرب. إن دعوتنا لحزب العدالة والتنمية لمراجعة مطلب البناء الديمقراطي أو الانتقال الديمقراطي – ونحن لا نضع فرقا كبيرا بينهما (ملاحظة يتيم وحامي الدين) – تستحضر ثلاث اعتبارات رئيسة: – أولا، القراءات المتواترة التي ترى في تضخم النفوذ السياسي لحزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي المغربي مخل بالتوازنات السياسية الكبرى، وهو ما قد يضر بالمصالح الاستراتيجية والحيوية للمملكة المغربية إقليميا ودوليا؛ – ثانيا، إن المسألة لم تعد كما كان الحال قبل 2011م مسألة دستورية، فأظن أن ما نص عليه دستور الربيع العربي كاف من الناحية الديمقراطية، ويجسد في عمومه التطلعات الديمقراطية لحزب العدالة والتنمية، ومن ثم فالمسألة بالأساس هي مسألة متعلقة بالتحكم في المخرجات العملية للديمقراطية والتي تمارسها الجهة الراعية للعملية الديمقراطية؛ – ثالثا، إن تفهم موجبات التحكم والصبر عليها، واختراع تكتيكات متدرجة لتجاوزه من شأنه أن يعيد الاعتبار للسؤال الاقتصادي والاجتماعي في فكر العدالة والتنمية، ويدفع إلى الوراء بالسؤال السياسي وتأمين «الإصلاح في ظل الاستقرار». ومن ثم، فدعوتنا لهذه المراجعة ليست كما يظن صديقي الدكتور عبد العالي حامي الدين دعوة رجعية، الغاية منها استبدال الديمقراطية بنقيضها، بل على العكس من ذلك هي دعوة لتحيين الفكرة السياسية لدى العدالة والتنمية، ومن ثم فهي دعوة تقدمية، تضع المغرب وليس الحزب أمامها، كما أنها ليست تبييضا لوجه التحكم، بل تفكيكا له، واستشرافا لأفق مختلف لتجاوزه. خاتمة: إن الغاية من هذا النقاش وفي هذه الفترة بالذات ليس التشويش على المناضلين، والفَتُّ في عضدهم كما يتوهم البعض، بل التنبيه إلى الانعكاسات الخطيرة التي قد يتسبب فيها فشل هذا الرهان الحزبي، والتي تتعدى حزب العدالة والتنمية إلى تيار إصلاحي واسع. نُسطِر هذه الأحرف ونحن نستحضر ما جرى بالإقليم العربي الجريح، وما لحق بالمنجز الحضاري العربي والإسلامي من أضرار جسيمة ومؤلمة في السنوات الأخيرة. قد يقول علينا البعض أننا جبناء، ونفتقد لروح الإقدام اللازم في مثل هذه المنازل، لكن كل هذه الأوصاف هينة بالنسبة لي ولا أهتم بها، قدر اهتمامي بالمصلحة العليا لهذا الوطن المتمثلة في الأمن والاستقرار والتقدم، ومستقبل المشروع الإصلاحي الوطني، الذي يجسد بعضه حزب العدالة والتنمية، ومن ثم لا أجيز لنفسي الصمت عما أدركه من حقائق وما أراه من خطر. ودور المثقف في هذا السياق ليس الدعاية والحشد، بل التأمل في الأفعال، وصون الأمال، والتعبد بالسؤال، سؤال الخير والفلاح، قد يخطئ في التقدير، لكن خطأه فضيلة وليس رذيلة.