حلقة اليوم من برنامج "حكايات من زمن فات"، الذي يُقدمه "اليوم 24" يوميا، خلال شهر رمضان المُعظم، عن أحد الصحابة العظماء، وأحد أكثر الناس قُرباً من النبي صلى الله عليه وسلم ومولاه، إنه الصحابي الجليل زيد بن حارثة. وكان زيد ابناً لأبوين يُحبانه حباً جماً، إلا أنه ذات يوم وبينما كان لا يزال غلاماً صغيراً وكان بصُحبة أمه في زيارة لأهلها، تم اختطافه وبيعه في سوق عكاظ، واشتراه حكيم بن حزام لعمته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهبته له، وفي موسم الحج رآه بعض أقاربه وعرفوه، فعادوا إلى ديارهم وأخبروا أباه، فأسرع حارثة إلى مكة بصحبة بعض من قومه، وما إن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال له: يا بن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه، فقال صلى الله عليه وسلم: ومن هو؟، فقالو: زيد بن حارثة، فقال صلى الله عليه وسلم: فهلا غير ذلك!، فقالو: وما هو؟، فقال صلى الله عليه وسلم: ادعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا، فأتوا به وسأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل تعرف هؤلاء؟، فقال زيد: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: من هذا، فقال: هذا أبي، وهذا عمي، فقال صلى الله عليه وسلم: فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم. فقال أبوه: ويحك يا زيد!، أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك! فقال زيد: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيء، ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبد، فلما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك قال: يا من حضر، اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه ذلك طابت نفوسهما وانصرفا، وأصبح يُدعى زيد بن محمد حتى جاء الإسلام فنزلت الآية: {ادعوهم لآبائهم}، فدعي يومئذ زيد بن حارثة. وزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنة عمته زينت بنت جحش "رضي الله عنها" ثم طلقها زيد فزوجه من بركة الحبشية حاضنة رسول الله «أم أيمن» وولدت له ابنه أسامة. وخص الله الصحابي الجليل بما لم يجعله لأحد غيره من الصحابة، وهو أن ذكر اسمه صراحة في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة، وذلك بعد أن طلق زوجته زينب بنت جحش، فأمر الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجها، ونزلت الآيات {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}. وشهد زيد مع الرسول صلى الله عليه وسلم بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر، وأمّره صلى الله عليه وسلم على القوات لأول مرة في سرية إلى مكان يُسمى "الفَردة"، ثم أرسله في سرايا أخرى مثل "الجَموم، و"العيص"، و"الطَّرَف"، و"حشِمي"، و"الفضافض"، وغيرهن من السرايا، حتى جاءت غزوة مؤتة، وعينه الرسول صلى الله عليه وسلم أميراً على جيش الأمراء، وقال صلى الله عليه وسلم: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة. وبعد أن انطلق الجيش صعد صلى الله عليه وسلم المنبر وأمر أن ينادى الصلاة جامعة، وخطب في الناس قائلاً: ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، انطلقوا فلقوا العدو فأصيب زيد شهيدا استغفروا له، فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء حعفر بن ابي طالب فشد على القوم حتى قتل شهيدا استغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فثبتت قدماه حتى قتل شهيدا استغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه، ورفع الرسول صلى الله عليه وسلم ضبعيه ثم قال اللهم هو سيف من سيوفك انتصر به فمن يومئذ سُمي خالد بن الوليد سيف الله. ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر استشهاد زيد أخذ يردد: اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما رأيناك تبكي شهيدا مثله، فقال صلى الله عليه وسلم: هو فراق الحبيب لحبيبه. واستُشهد سنة ثمان من الهجرة، وقتل رضي الله عنه يومئذ وهو ابن خمس وخمسين سنة.