حلقتنا اليوم من برنامج "حكايات من زمن فات" الذي يُقدمه "اليوم 24" لقرّائه خلال شهر رمضان المُعظم، عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد صحابته العظماء، إنه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. ولد جعفر رضي الله عنه في مكةالمكرمة سنة 34 قبل الهجرة، وهو ابن أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخو عليّ بن أبي طالب لأبويه، وأسلم بعده بقليل، وروي أن أباه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي وبجواره عليّ رضي الله عنه فقال لجعفر: صِل جناح ابن عمك، وصَلِّ عن يساره، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم أبو المساكين، فقد كان يلازمهم ويعطف عليهم ويكرمهم، فيقول أبي هريرة كان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء، فنشُقُّها فنلعق ما فيها. وقد كنَّاه النبي بأبي المساكين؛ لأنه كان يلازمهم. وهاجر جعفر إلى الحبشة، يستنصر النجاشي، وذهب في مقابله عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ليمنعوا النجاشي من نصرتهم، ووقف جعفر أمامه في ثبات وثقة وقال: "أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فعدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث." وتابع فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك، فسأله النجاشي قائلاً: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟، فقال جعفر: نعم، فقال النجاشي: اقرأه عليَّ. وقرأ جعفر عليه آيات من سورة مريم، وما كاد أن ينتهي حتى انهمرت دموع النجاشي وكان نصرانيا حتى ابتلت لحيته، وبكى الأساقفة، وقال: إن هذا والذي جاء به موسى (وفي رواية: عيسى) ليخرج من مشكاة واحدة"، ثم التفت إلى عمرو وعبد الله بن أبي ربيعة وقال لهما: "انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا". ولم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله إلى المدينة، ثم هاجر إليه وهو بخيبر، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: "لا أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر". وكان جعفر رضي الله عنه يُشبه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر: "أشبهت خُلُقي وخَلْقي". وفي غزوة مؤتة، سنة ثمان من الهجرة خرج المسلمون لقتال الروم، وأمر صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس"، ومضى الجيش حتى تخوم البلقاء فلقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة، فأخذ جعفر الراية فقاتل بها بيمينه حتى قُطعت، فأخذها بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل، وأنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم بما حدث فقال: أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر، فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم صمت حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أخذها عبد الله بن رواحة، فقاتل بها حتى قتل شهيداً. ولما أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل جعفر، أتاه جبريل فقال: "إن الله تعالى جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جعفرًا ملكًا يطير بجناحيه في الجنة". رحم الله جعفر ورضي عنه وأنزله خير منزلة