قال عبد الرحيم الحجوجي، الرئيس السابق لاتحاد مقاولات المغرب ، إن الجواهري كان يردد سنة 1983 بأن "سلامة الاقتصاد الوطني مرتبطة بالحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية" هل من المقبول أن تمارس الباطرونا أدوارا سياسية وتنتقد الحكومة كما حصل مؤخرا؟ كرئيس سابق لاتحاد مقاولات المغرب، أقول إنه من غير المقبول أن تتدخل الباطرونا في الحقل السياسي أو الانحياز لحزب ما، لأن من مهام هذه الأخيرة، التي يمثل أطرافها جميع التيارات السياسية، الدفاع عن ازدهار ومصالح المقاولة في مفهومها الواسع بدون انحياز لأي جهة على حساب أخرى. لكن هذا لا يمنع في بعض الحالات، التي يكون لها تأثير أو وقع على المقاولة، أن تتخذ موقفا واضحا يرمي في الأساس إلى تحسين أدائها. انتقادات الرئيسة الحالية للباطرونا انصبت على الأداء الاقتصادي للحكومة، فضلا عن معطيات أخرى تضمنتها مذكرة ثلاثية وقعتها مع بنك المغرب وجمعية البنوك؟ للحديث عن موضوع أداء الاقتصاد الوطني في ظل الحكومة الحالية، سأتكلم بقبعة الفاعل السياسي. وللإجابة عن سؤال "هل بالفعل يعرف الاقتصاد تدهورا نتيجة ما قيل إنه سوء تدبير أو لفشل الحكومة في هذا المجال". أود أن ألفت النظر على أنه إذا أردنا تقييم وقياس فعالية أو مردودية هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى، في المجال الاقتصادي بنزاهة وموضوعية، سيتوجب علينا الأخذ بالاعتبار النقاط التي ترمي إلى مقارنة ما بين الأوضاع السالفة والحالية. إن الحديث عن حصيلة وأداء هذه الحكومة في المجال الاقتصادي، يعيدني إلى الحديث الذي كان يردده عبداللطيف الجواهري نفسه سنة 1983عندما كان وزيرا للمالية، حيث كان يقول دائما "بأن سلامة الاقتصاد الوطني مرتبطة بالحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية"، الأمر الذي أفضى إلى اللجوء إلى سياسة التقشف أدت ثمنها بالخصوص المقاولات. أما الآن فهذه الحكومة قامت بحكمة وتريث بالرجوع إلى التوازنات الماكرواقتصادية دون فرض أي سياسة تقشفية. للأسف هناك بعض الصحف التي صنفت نفسها ضمن الصحف المختصة في المجال الاقتصادي، صارت في بعض الأحيان تنقل أخبارا وتحليلات دون موضوعية، بل تحاول إعطاءها صورة مأساوية وبئيسة لترسم بذلك أداء سلبيا للحكومة،علما أن الحقيقة عكس ذلك، حيث إن الوضع الاقتصادي يعرف تحسنا ملموسا سنة بعد الأخرى منذ تولي هذه الحكومة في أوائل 2012 زمام الأمور. الأرقام المتعلقة بعدد من المجالات تؤكد ما أقول، خاصة في ما يخص عجز الميزانية التي انخفضت من 7.5 في المائة سنة 2012 إلى 3.5 في المائة سنة 2016، وعجز الحساب التجاري لميزان الأداءات الذي انتقل من 10 في المائة سنة 2012 إلى أقل من 2 في المائة سنة 2015، ثم احتياطي العملة الصعبة الذي صار يغطي 7 أشهر في 2015 بدل 4 أشهر فقط، في 2012. زد على هذا نسبة التضخم التي قُلصت إلى 1.2 في المائة بدل 2.3 في المائة. فضلا عن أن هناك تطورا حتى في حجم الالتزامات الاجتماعية إذ اكتفت الحكومة السابقة بإبرامها على أساس دفعها لاحقا، في حين خصصت لها الحكومة الحالية أزيد من 13 مليار درهم. ولهذا فمن المنصف القول إن هذه الحكومة اتخذت مبادرات شجاعة وجريئة سعيا منها إلى تحسين التوازنات الماكرواقتصادية وإضفاء المصداقية أمام المستثمرين من الخارج، خاصة ما يتعلق بمعالجة صندوق المقاصة الذي انخفض ضغطه من 50 إلى 14 مليارا، وتقديم مشروع تعديل قانون المعاشات. فضلا عن إنهاء حملة الإضرابات العشوائية على مستوى عدد من القطاعات، وفي الجماعات المحلية. المقارنة بين الولايات الحكومية، سيقودنا إلى خلاصة أن هذه الحكومة كانت شجاعة في فتح عدد من الملفات مثل صندوق المقاصة، الذي لم تتجرأ أي حكومة على فتحه أو ملف التقاعد أو ملف الإضراب. ولهذا يجب أن نقوم بقراءة منصفة وموضوعية مع الصرامة في التحليل وألا نميل بخفة إلى أي جهة في مواجهة أخرى. لكن إذا أصررنا كما أشرت على إغفال المعطيات الاقتصادية ودعمها بالمقارنات بين التجارب، فسنكون حينها نتخذ مواقف سياسية. الباطرونا تشتكي من الأزمة التي تعيشها عدد من المقاولات، خاصة بسبب عدد من المشاكل وتقول إن حلها بيد الحكومة؟ بخصوص تدهور وضعية بعض المقاولات ففي رأيي هذا راجع لعدة أسباب، منها تراجع البنوك عن سياسة توزيع القروض تفاديا لأية مجازفة، خصوصا في قطاع العقار الذي عرف تراجعا ملموسا أدى إلى إيقاف عدد من المشاريع. بحيث صارت البنوك مترددة في مساندتها الأساسية للمقاولات المتأزمة بالإبقاء على الفوائد البنكية المرتفعة ما بين 6 إلى 7 في الوقت الذي عمد فيه بنك المغرب إلى خفض معدل النسبة الأساسية. بالطبع هناك حالات لم تفلح الحكومة في تسويتها مثل محاربة الرشوة، وذلك راجع لكونها أصبحت وبغاية الأسف، ثقافة منغرسة في جميع الأوساط يصعب اقتلاعها بسرعة ويتطلب علاجها النضال في المدرسة والبيت والشارع والإدارة والمجتمع، وبذلك يكون مسارها شاقا وطويلا يستلزم الصرامة والعزم والنفس الطويل. أما بخصوص البطالة، فقد بقيت في المستوى نفسه الذي كانت عليه في السنوات الماضية. وهنا يجب أن نتطرق إلى هذا الملف بكل صرامة وشجاعة، علما أن الاقتصاد الحديث والرقمي أصبح في بعض الحالات يهدم فرص الشغل أكثر مما يخلقها، وهذا راجع، أساسا، إلى أن جل المقاولات الصناعية والخدماتية تبحث دوما عن الحفاظ على مكانتها في السوق لتحسين إنتاجيتها وتنافسيتها. والإنتاجية، في الكثير من القطاعات، تعني تقليص عدد مناصب الشغل واستبدالها بأدوات حديثة وسريعة وفعالة. هذه حقيقة مرة ومؤسفة ولها صبغة كونية يجب على المغرب أن يتطرق لها بإيجاد حلول خاصة بالسوق المغربية.