يعج التقرير الذي قدمه عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أمام الملك أول أمس بالمؤشرات السلبية التي طبعت الاقتصاد الوطني سنة 2012 ، أول سنة من عمر حكومة بن كيران، تفاقمت خلالها الأوضاع الماكرو اقتصادية مسجلة أرقاما سلبية على العديد من المستويات. وسجل تقرير بنك المغرب تدهور المالية العمومية بعدما وصل عجز الميزانية 7.6 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي، وهو ما يفوق بكثير ما كان مسطرا في القانون المالي 2012، وعزا البنك المركزي هذه الوضعية الى ارتفاع النفقات بوتيرة أسرع بمرتين من وتيرة نمو المداخيل بسبب تزايد كتلة الأجور ب 8.2 في المائة، وارتفاع تكاليف المقاصة إلى 55 مليار درهم وتراجع مداخيل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات بفعل تباطؤ النشاط الاقتصادي، بالإضافة الى تراجع المداخيل الجمركية. وفي ظل هذه الوضعية المتأزمة لمالية الدولة، ارتفعت مديونية الخزينة بست نقاط دفعة واحدة، محطمة رقما قياسيا لتصل إلى 59.4 في المائة من الناتج الاجمالي ، علما بأن جميع الخبراء الاقتصاديين يحذرون من خطورة الوصول الى عتبة 60 في المائة، وهو ما نبه إليه الجواهري في تقريره «مما يزيد من إضعاف قابلية استمرار المالية العمومية على المدى المتوسط.» وكشف والي بنك المغرب أن علامات الفتور بدأت تتجلى أكثر فأكثر، لاسيما مع الاختلال المتزايد للتوازنات الاساسية خصوصا المالية والخارجية منها، واستمرار بطالة الشباب في مستوى مرتفع بالموازاة مع التقلص الملحوظ لهامش المناورة لدى السلطات الحكومية وهو ما دفع وكالات التصنيف في اكتوبر الماضي إلى وضع المغرب ضمن نظرة مستقبلية سلبية . وفي ظل هذه الوضعية، دعا عبد اللطيف الجواهري الى تسريع الاصلاحات الهيكلية وتوسيع نطاقها «مهما كان ذلك صعبا ولا يحظى بالتأييد الشعبي» في إشارة إلى ما قد يستتبع الاصلاحات من زيادات في الاسعار وارتفاع تكاليف المعيشة. واعتبر الجواهري أن تأخير هذه الاصلاحات «لن يؤدي إلا الى زيادة كلفتها الاقتصادية والاجتماعية». ودعا والي بنك المغرب أيضا إلى التعجيل بإصلاح أنظمة التقاعد التي يشهد توازنها المالي تدهورا متواصلا، كما شدد على إصلاح النظام الضريبي الذي أثار الكثير من النقاشات، معتبرا أن «محاور هذا الاصلاح واضحة وينبغي أن تكون من أولويات الحكومة». من جهة أخرى أكد الجواهري على إصلاح نظام المقاصة الذي يشكل تهديدا حقيقيا لاستدامة توازنات مالية الدولة ، والذي يتعين أن يكون من أولويات الحكومة، غير أنه ركز على أن يكون الاصلاح تدريجيا مع إرساء شبكات الأمان الاجتماعي من أجل التخفيف من تأثيره على الفئات الفقيرة. ومن أهم وصايا الجواهري للحكومة من أجل ضبط وضعية الميزانية: «خفض التكاليف غير المنتجة والاعتدال في زيادات الأجور وربطها بالانتاجية والمردودية» . واعتبر الجواهري أن «المكتسبات السياسية التي حققها المغرب في مناخ إقليمي مضطرب، تستلزم، للحفاظ عليها وتعزيزها، تقدما اقتصاديا ملموسا من شأنه تحسين مستوى عيش السكان . ونبه الجواهري جميع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين في البلاد الى صعوبة الوضعية الراهنة داعيا إياهم إلى ضرورة تجاوز المصالح الحزبية والفئوية الفردية و وضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل الاعتبارات.