رأيي أن المؤسسة الملكية ليس لها حلفاء، وليس لها طابع إيديولوجي مغلق، وليست لها خارطة طريق فكرية حداثية ولا أصولية ولا يسارية ولا يمينية... أخطأ فريق العدالة والتنمية في مجلس النواب عندما نقل السجال مع محمد المرابط، مندوب الأوقاف والشؤون الإسلامية في تطوان، من ساحة الفكر إلى مسطرة الشكاية، ومن مجابهة الآراء التي طرحها «الفقيه التقدمي» بآراء مخالفة إلى مطالبة رئيسه، وزير الأوقاف، بالتدخل لتأديبه لأنه خرج عن واجب التحفظ في الندوة التي عقدها الاتحاد الاشتراكي هذا الأسبوع، حيث قال المرابط: «وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يمهد لتحالف جديد بين الأصولية والمؤسسة الملكية، وأحمد التوفيق يبعد الملك عن التيار الحداثي والديمقراطي». هذا نقاش مهم وحيوي، وإن كان لدي عتب على فريق العدالة والتنمية لأنه وجه سؤالا كتابيا عاجلا إلى وزير الأوقاف يشتكي فيه مما قاله المرابط، فإن لدي عتبا على المرابط لأنه أثار موضوعا مهما حول من هم حلفاء الملكية اليوم، الأصوليون أم الحداثيون.. لكن أجوبته كانت مختزلة ومتسرعة وربما مسيسة، ولا توجه الباحث ولا العالم ولا المختص إلى عمق المشكل... المرابط يقول: «إن تنصيص دستور المغرب على كون الدولة إسلامية يعطي لبنكيران الحق في تأويل هذه المادة وتأسيس إمارة إسلامية في المغرب»، ويضيف مندوب الأوقاف «إن أحمد التوفيق بدفاعه عن التنصيص على الدولة الإسلامية في الدستور وخروج العلماء ببيان ناري إبان كتابة الدستور يطالبون بعدم المس بالفصل 19، ومعارضة سمو المواثيق الدولية على ما سواها... كل هذا يؤكد أن هناك «مشروع تحالف جديد عند وزير الأوقاف» بين القوى الأصولية والمؤسسة الملكية وضد الحداثة والحداثيين». رأيي أن المؤسسة الملكية ليس لها حلفاء، وليس لها طابع إيديولوجي مغلق، وليست لها خارطة طريق فكرية حداثية ولا أصولية ولا يسارية ولا يمينية... المؤسسة الملكية، بخبرتها وذكائها وذاكرتها، لها مصلحة واحدة تدافع عنها.. مصلحة البقاء، وحيازة أكبر قدر ممكن من السلطة، والتكيف مع المناخ السياسي والفكري والدولي المحيط بها. الباقي كله متغيرات... إذا كان الملك محمد السادس يحرص على حضور جل صلوات وخطب الجمعة، وعلى ختم القرآن في رمضان، وعلى ترؤس الدروس الحسنية، وعلى مراقبة الشأن الديني، وعلى لقب إمارة المؤمنين، فليس لأن هناك وزيرا للأوقاف اسمه أحمد التوفيق يريد له أن يتحالف مع التيار الأصولي ضد التيار الحداثي. أبدا، المؤسسة الملكية تعرف أن المجتمع المغربي غارق في «التقليدانية»، وأنه مجتمع محافظ، وأن القوى الدينية هي الأكثر قوة ونفوذا إيديولوجيا وسطه في هذه المرحلة وأن التيار الحداثي تيار ضعيف وخامل، ولهذا فالجالس على العرش لا يريد أن يترك للأصوليين الساحة فارغة فيزدادوا قوة وتأثيرا، ولهذا فإنه يراقب الشأن الديني عن كثب، ليس لأنه يعادي الحداثة وتيارها، ولكن لأن المؤسسة الملكية تعتمد أولا على شرعية تقليدية منذ قرون، وهي لم تقطع مع هذه الشرعية عندما اعتمدت الدستور ومؤسسات الحكم العصرية في صورتها الظاهرة على الأقل، بل بالعكس المؤسسة الملكية أخضعت «الملك الدستوري» لأمير المؤمنين، لأن الأول يده مقيدة بالدستور والقانون ومقتضيات الحكم العصري، فيما الثاني يده حرة، وسلطانه ماض إلى أبعد مدى يصل إليه النص الديني والتراثي، الذي تطرف في إطلاق يد الحاكم في شؤون رعيته بالاعتماد على تأويلات الأدب السلطاني والفقه السياسي الإسلامي الخائف من الفتنة، والخائف على بيضة الإسلام، متصورا ومتوهما أن السلطة هي التي تحمي الدين وليس المجتمع هو الذي يحمي هويته وقيمه... اليوم المعركة ليست في مضمار من يتحالف مع المؤسسة الملكية، الحداثيون أم الأصوليون؟ هذا سباق لا يقود إلى خط الوصول الديمقراطي. هذا سباق يقودنا إلى متاهة في غابة بلا خارطة ولا بوصلة. المعركة هي أن نضع القطار المغربي بكل مسافريه فوق سكة التحول الديمقراطي، وأن يتحالف الجميع من أجل إرساء قواعد سلوك ديمقراطي تحكم الممارسة السياسية بالنسبة إلى الملكية والأحزاب والحكومات والأصوليين والحداثيين الذين صار بعضهم في السياسة أكثر أصولية من الوهابيين.