قال النقيب الجامعي إن الاحتقان الذي تعيشه المحاكم المغربية بفعل الإضرابات ممكن أن نجد له مخرجا بالحوار وبالإنصات وتقديم مقترحات حلول، لأن هناك أزمة معيشية وإدارية لموظفي كتابة الضبط وللقضاة أنفسهم ينبغي التعامل معها بحكمة.واعتبر ضيف الجريدة أن 15 ألف من كتاب الضبط هم قوة حقيقية في مجال العدالة، وبدون نساء ورجال كتابة الضبط سيعجز القضاء عن أداء دوره وستشل المحاكم في بلادنا. وهناك أساليب أخرى حضارية وتنظيمية وقانونية لإيجاد الحلول. وأضاف الجامعي أنه ضد المقترح المتعلق بالاقتطاع لأنه أسلوب ضغط غير مناسب في هذه المرحلة، ولا يسمح به وضعنا المجتمعي، ولهذا لا ينبغي تجويع كتاب الضبط لدفعهم للإمثتال. { الأستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي مرحبا بك في حوار للإتحاد الاشتراكي،نبدأه من موقعك كحقوقي، لنسائلك عن أوضاع سياسية واجتماعية وحقوقية وطنيا و جهويا وإقليميا ودوليا. والبداية من الوضع المغربي الحقوقي بعد دستور 2011، ما هي وجهة نظركم في التداعيات الأولى التي أشرت عن المطالبة بالإعمال به أمام بطء إحداث القوانين المصاحبة التي تمكن من ذلك؟ أنا اعتقد بأن التأطير القانوني والمؤسساتي لكل ما يتعلق بالحقوق والحريات فلسفة واعتقادا ومنهجية وتحسيسا و ثقافة، لا يمكن أن يكون إلا إيجابيا في دولة تشكو من خصاص في مجموعة من الجوانب وفي مجتمع يعرف الجميع أن تاريخه مليء بالعمل النضالي الجدي المستمر المليء بالمطالب الملحة وبالمناشدات والمقترحات في مجال حقوق الإنسان. وأنتم تعلمون بأن الحركة الحقوقية في المغرب ممتدة عبر عقود وأنها كانت صمام أمام لحماية كل مكتسب استطاع المواطن المغربي تحقيقه في مسيرته ,سواء على المستوى السياسي أو الحقوقي أو الثقافي أو الاجتماعي. جاء دستور 2011 بديباجة متميزة عن ديباجات الدساتير السابقة، وبمقتضيات متميزة عن سابقاتها في مجال الإشارة والاهتمام بعدد من الحقوق والجوانب ذات البعد الانساني وكل ماله علاقة بالضمانات. وهذا تكريس إيجابي لا يمكن المرور عليه دون أخذ الاعتبار به. ومن هنا يقع علينا جميعا بكل مكوناتنا السياسية والمدنية، كما يقع على الدولة عدد من الالتزامات التي ستخلق مستقبلا حقوقيا ودينيا وسياسيا، يعيش فيه الجميع مجتمعا ودولة في تناغم سلمي واحتكاك إيجابي من أجل النهوض بكل ما يخص جوانب المواطنة. لكن السؤال المطروح هنا وبشكل عميق هو: أين تكمن الممارسة إزاء ما يدبجه القانون وفيما جاء به دستور 2011 ؟ أتذكر هنا بعض الأحداث التي لا تجعلني في اطمئنان كبير تجاه هذه المكتسبات التي نص عليها الدستور، ويتعلق الأمر بحق أساسي وهو الحق في الإضراب والذي لم يتم بلورته في نصوص تنظيمية ليكون حقا على أرض الواقع, مما يعني أن البعد القانوني في مجال الإضراب الذي كرسته الدساتير لم يجد في السلطتين التنفيذية والتشريعية ما يعطيه النفس ويخرجه مبدأ يمارس في ظله حق من الحقوق الأساسية. { مقاطعة... فعلا هذا هو المنحى الذي نتوخاه في أجوبتكم من منطلق تتبعكم للجوانب الحقوقية والقانونية في النصوص التشريعية. فهناك دستور متقدم جدا, لكن هناك فراغ كبير في القوانين المصاحبة، علما أننا على مشارف نهاية 2012، ولم تمرر القوانين الاستراتيجية التي بإمكانها أن تجعل من دستور 2011 دستورا واقعيا يطبق على أرض الواقع كما أراده الشعب المغربي ، وما أتت به الحكومة لحد الساعة يعتبر طفيفا وليس في حجم الحلم الذي ابتهجنا له جميعا بقناعة أننا سنركب مركب التغيير بالحراك الديمقراطي في الانفتاح على مستقبل مغاير و هادف,. فأين يكمن الإشكال هل في الحكومة أم في السلطة التشريعية , أم أن هناك نوايا بإقبار الدستور في هذا المسلسل البطيء ؟ يجب ان نكون واضحين، فهذه المكتسبات التي وضعتها بوابة دستور 2011 تكمن في الإرادة السياسية لنقل المناخ العام السياسي والحقوقي والاجتماعي في المغرب الى مستوى ما نصت عليه بنود الدستور، بمعنى أنه يجب أن يكون من بين الأهداف الاستراتيجية للمسؤولين السياسيين وفي مقدمتهم السلطات الحكومية والمؤسسة التشريعية على أنه في غياب القوانين التنظيمية سيظل الدستور وثيقة جامدة. فهناك 18 قانونا تنظيميا نحن في حاجة إليها اليوم، لفتح باب التفعيل الحقيقي ولا أقول الإنزال المادي. وأريد أن أعطي مثالا في هذا المنحى: كيف يمكننا تفعيل مسالة مراقبة دستورية القوانين، وكيف سنفعل مسألة فرض المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على القوانين والقضاء المغربي، وكيف سنفعل حق الإضراب والمناشدات والملتمسات التي يقدمها المواطن، كتحرير العرائض ، وتقديم مشاريع القوانين أو مقترحات أو صيغ لتفعيل عدد من الحقوق ،من طرف منظمات أو هيئات، في غياب هذه القوانين التنظيمية؟ فالجميع ينتظر أن يقوم المجلس الدستوري الذي هو في الدستور المحكمة الدستورية، بدوره . لكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا عرضت عليه القوانين التنظيمية ويتم ذلك بصورة أوتوماتيكية، لأن الدستور يلزم أن تعرض عليه القوانين التنظيمية، لمعرفة مدى ملاءمتها للدستور وعدم معارضته لها. وإذا لم ينتقل المناخ المغربي بجدية وبسرعة الى تفعيل الدستور فإن الأمور تسير في أفق غامض ولهذا وجب الانتباه الى عامل الزمن. وأعود في هذا الاطار الى الذاكرة الدستورية, فدستور 96 فيه بند ينص على محاكمة الوزراء، في حين لم تكن هناك قوانين مصاحبة. ولهذا أنا أخشى أن تظل هذه القوانين التنظيمية رهينة أجندة غير محددة في الزمن. والدور اليوم يقع على عاتق الحكومة، التي ليس لها عذر في ذلك, فسلطات الملك واضحة كما سلطاتها واضحة ، وعليها تفعيل الدستور لأن صلاحيتها الواسعة يكفلها لها الدستور نفسه، وأنا أعتقد أنها تخضع لضغط أعتبره وهميا. والمغاربة اليوم لا يمكنهم أن يصبروا أكثر مما صبروا، كذلك الفضاء السياسي العام، لأننا اليوم نحن في حاجة الى تأطير في كل المناحي التي وردت في الدستور سواء منها الثقافية و الفكرية الحقوقية والاقتصادية أو المؤسساتية ،وأن نخرج ذلك الى الوجود وإلا سنظل مجتمعا بدون هوية دستورية. في إطار غياب المجال الذي نتجاوب به عمليا مع مقتضيات الدستور. وفي إطار التشريع هناك دور يجب أن تقوم به الأغلبية ودور تقوم به المعارضة وبالتالي إذا لم يكن هناك نشاط تشريعي حي وحيوي يستشرف المستقبل ويخرج هذه النصوص التنظيمية من فواهة الحكومة ويفرض عليها التحرك إزاء ذلك فسيظل المغرب بدون مستقبل دستوري رغم وجود دستور في مستوى دستور 2011. وإلا سيكون المغرب في أتم استعداد للخروج من جديد في 20 فبراير جديدة للمطالبة بتفعيل ما جاء به الدستور. { في هذا الإطار يرى المراقبون أن المغرب يمر بمرحلة دقيقة و حساسة، بدأت تطفو فوق سطحها بوادر التراجع في الكثير من المجالات, سواء تعلق الأمر بالحريات الفردية أو حرية المعتقد أو مجالات أخرى تمس الجانب الفكري والثقافي و الديني، ويرى المراقبون أن التداخل القائم بين السياسة والدين يهدد الاستقرار الاجتماعي كما يهدد بالتراجع عن المكتسبات التي ناضل المغاربة في إحرازها في الدفاع عن المشروع الديمقراطي الحداثي، وآخرون يعتبرون أن هذه القراءة هي قراءة متشائمة ، نريد أن نعرف وجهة نظركم فيها؟ أنا أعتقد أن هذه القراءة ليست قراءة متشائمة ، بل قراءة موضوعية ترى ما يجري في الواقع على المستوى المحلي والإقليمي و الدولي، وترى ما نحن في حاجة إليه كمجتمع يعيش تداعيات تاريخية في الفكر وفي السياسات المتعاقبة ، كما تعيش واقعا فيه ما هو روحي ديني وما هو حداثي، تم فيه تخلف وتقدم ، وهذا الخليط في وضعنا السياسي والمجتمعي ، تولد عنه بعد الحراك الذي وقع في المحيط الجهوي والإقليمي على مستوى العالم العربي ،ونفس الأمر يتعلق بالحراك المغربي في 20 فبراير في المطالبة بمجتمعات تحترم التعددية والحرية والعدالة الاجتماعية . وفي السنتين الأخيرتين شعر المغاربة بنوع من الخوف ، و يتبين ذلك في الشعارات الكبيرة ذات الدلالات العميقة من الناحية السياسية، شعارات تتجه نحو وضع المرأة ، بالتردد ضد إخراج قانون العنف ضد المرأة الى الوجود، ناهيك عن الدعوات لتزويج القاصرات وأخرى تتهم المرأة بالتفسخ الجنسي، والهجوم على المنظمات الحقوقية و إتهامها بالتجني عن القيم الدينية والروحية أحيانا وأحيانا أخرى تتهمها بالتلاعب في الأموال وخدمة أجندة أجنبية ،واتهامات أخرى تتجه صوب الرموز السياسية الكبرى، وأستحضر في هذا الجانب استهداف الشهيد بنبركة وعدد من رفاقه، كما أن هناك اتجاه يمس حرية التعبير من خلال التضييق على المنابر الصحفية ، ومهاجمة الصحفيين وجرح كرامتهم في الشأن العمومي، معنى ذلك أن هناك صراعا كبيرا له جوانب خفية وأخرى ظاهرة . ولهذا وجب أن ننتبه الى هذه الظواهر كمجتمع وقوى حقوقية وسياسية حداثية وديمقراطية ، بامتلاك المبادرة المضادة لمواجهة هذه الطروحات والممارسات المناهضة للثقافة الديمقراطية وثقافة المساواة والحريات الفردية من ضمنها. وإن لم يتم ذلك فسوف نسقط في حلبة التخلف من نوع جديد { الآن يبدو في المشهد العام أن هناك صراعا بين التقليدانيين والحداثيين في أكثر من واجهة، السياسية والحقوقية والاجتماعية وفي مجمل الممارسات الثقافية والفكرية،مما يؤشر على أن هناك واجهتين واحدة بنيت بدعم من الدولة المحافظة في مسلسل نقرأه بكثير من التفحص في تداعياته اليوم في التعليم والتربية وفي المجتمع, أو إن شئت في مجمل منافذ الهواء، وبالمقابل نقرأ مسلسل الاضطهاد الذي تعرض له الفكر الحداثي في مختلف الواجهات في الممارسة والتعبير.وأريد أن أسألك اليوم هل الصف الحداثي الديمقراطي قادر على مواجهة هذه التقليدانية التي بنيت بالأمس بدعم لوجستيكي من الدولة المحافظة ، وهي اليوم محمية بالسلطة و بالإعلام وبالمال وبرياح التغيير التي تصب في إناء التقليدانية و الآتية من خارج الوطن باسم الحراك العربي ؟ ما يعيشه الحراك العربي وآثار ما حدث بعد الانتفاضات التي شهدتها مناطقه ونتائج ذلك والتطلعات التي كانت لدى التقليديين ولدى المحافظين وكل خصوم الحداثة و الديمقراطية والفكر الحقوقي الكوني، بدا أن هؤلاء المحافظون يكتسحون جبهات هامة في هذه المنطقة والأمثلة كثيرة في هذا الجانب وهناك انعكاسات على الساحة المغربية. المغرب عاش تطورات وكان الجميع ينتظر أنها ستكون في اتجاه معرفة نوع من نقل المجتمع من براثين التقليدانية والفكر المحافظ والأصولية المتخلفة الى أجواء من الفكر المتفتح المتشبع بالقواعد الديمقراطية كما هي معروفة في الفلسفات الكونية وبقواعد اللعبة السياسية التي تحترم التعدد، وليس فيها إقصاء بسبب الدين أو العقيدة أو بسبب الانتماء الإثني أو الاجتماعي. والآن هناك نكسة للحداثيين و الديمقراطيين، والجميع يتحمل المسؤولية في ذلك،لأن الديمقراطيين والحداثيين والمتشبعين بالفكر التنويري كما هو متعارف عليه في الفكر المعاصر، ساهموا في عدم شق الطريق للمستقبل لأسباب متعددة ذاتية وموضوعية و هيكلية و أخرى متعلقة بصراعات داخلية، وعمل البعض فيها على اللقاء مرحليا في الفضاء الواحد مع أطراف ليست في نفس التوجه مع الفكر الحداثي. لقد انطلق الإنتقال الديمقراطي ولكن لم يتجه نحو خلق قطيعة مع المؤسسة التقليدية وبالخصوص مع المؤسسات التي تخلط الدين بالسياسة وتجعل الدين غطاء للسياسة والعكس صحيح، ومعنى ذلك أنها تجعل من السلطة الإلهية والسلطة السياسية شيء واحد فيه ما هو مستوحى من العقيدة وما هو مستوحى من الفكر الأصولي، مما يجعل المجتمع يتخبط في الضغط النفسي داخل منظومة فكرية تقليدية. وأكرر أننا كلنا لنا مسؤولية في ذلك، وبالتالي فهيمنة هذا التوجه التقليداني المعادي للحداثة والتطور من موقع المباديء الكونية المعروفة في الدول الديمقراطية له خطورته على المغاربة ، علما أنني لست من دعاة نقل النماذج الى المغرب, لأن الأجيال السياسية المنفتحة التي حملت القيم السياسية والديمقراطية أرادت لهذا المجتمع أن ينتقل من التخلف الى الحداثة ولها من الوضوح في هذا الجانب ما يعطي للمغرب نموذجا له حمولته من كل الجوانب . ولهذا أقول يجب أن ننتبه جميعا وان نتمسك بالعديد من المقومات لنخلق رجة في التوازن. فمن يميلنا ويدفعنا الى هذا النوع من التقليد شعاره معروف، وأذكر في هذا الجانب ردود الفعل لدى بعض المجالس العلمية في الكثير من القضايا الحساسة السياسة والتي لم يكن للمجالس العلمية أن تحشر نفسها فيها، كذلك كثير من المفاهيم تنظر لها وزارة الأوقاف وتحاول أن تعطيها لباسا لا ينسجم مع مقومات الحداثة التي ينص عليها الدستور، وأعتقد أن هناك مؤسسات تشتغل على هذا الجانب ويجب أن ننتبه الى ذلك كما ان هناك مؤسسات تدفع الى إحاطة التوجه الديمقراطي و الحداثي في المغرب حتى لا يكون منفتحا على كل الجوانب، أي أن هناك ثقافة تسير نحو احتلال مواقع، وهناك ثقافة تسير نحو فقدان مواقف. ومن هذا المنطلق على المثقفين أن يلعبوا دورهم ، كما على القوى السياسية الديمقراطية الحداثية أن تلعب دورها وكذلك على الإعلام أن يلعب دوره لخلق مناخ يحتك فيه الرأي والرأي الآخر. وأقول في هذا الجانب أن الشارع التونسي لازال يدافع على مكتسبات ثورته بالوقوف ضد أشكال التقليدانية، الشيء الذي يدفعني الى القول أنه كلما تقوت سلطة الاستبداد الفكري المؤسساتي إلا واكتسحت سلطة الديمقراطية وسلطة المنافسة في الرأي والثقافة مجالات حيوية في المجتمع. { في هذا الخضم أريد أن أسألك كمدافع شرس عن الديمقراطية والحداثة عن التوجهات التي ظهرت في لم الصف الحداثي الديمقراطي، ومن هذا المنطلق هناك من ينادي بوحدة اليسار دون غيره بنفس الآليات وطرق الاشتغال التي لم توت أكلها في محاولات سابقة، وهناك من يرى أنه ينبغي أن تكون هناك جبهة تضم الحداثيين من اليسار و الليبراليين وكل المدافعين عن الحداثة من مفهومها الواسع، ثم هناك من يرى أن نضيف الى ذلك أطرافا إسلامية تدافع عن الديمقراطية. ما هي قراءتكم في هذا التمزق المدافع عن الصف الحداثي وهل يمكن لهذا التمزق في اختلاف وجهات النظر المحتدة والتي تنبع في غالب الأحيان من ما هو حزبي منظماتي ضيق، أن يخرج من هذا الكل نحو الوطن والمواطنة من منطلق الدفاع عن المشروع المجتمعي الحداثي؟ مطلب وحدة اليسار هو مطلب تاريخي، لا بد أن نؤكد أنه جاء في سياقات متعددة ، وكان مجالا لدعم جمع القوى الحداثية والديمقراطية من مختلف التوجهات بما لديه من تجارب وما قدمه من تضحيات، وهذا الشعار لازال حاضرا قويا ولا يمكن أن نقول أنه ولى مع الزمن أو ولى مع تطور نوع الصراعات التي يعيشها المغرب. ويفرض علينا الحديث في هذا الشق أن نستحضر التحالفات التي تمت سابقا في جبهات متعددة ، في الأحزاب وفي الحكومة والبرلمان ، أي أن هناك تقاسما في المحطات بين عدد من التيارات السياسية والتي أحيانا تتنافر في توجهاتها وأحيانا اخرى تقترب في شق وتختلف في شق آخر, معنى ذلك أن هناك تجارب عاشتها الساحة السياسية في المغرب والتي عملت من مواقع مختلفة في خلق جو من التقارب على أرضية سياسية أو مطلبية أو مرحلية معينة. و أفتح قوسا في هذا الجانب لأقول أن نموذج منظمات المجتمع المدني يقدم معطى على أنه بالإمكان -في مراحل محددة تاريخيا وأمام معطيات مجتمعية معينة- أن تتكون جبهات في إطار برامج ومواقف محددة، لأن عددا من المنظمات تجتمع رغم اختلاف توجهاتها ومكوناتها أمام ملفات حقوقية معينة رافعة شعارات تهم الوطن والمواطن كما تهم الرأي العام ، وقوة هذه المنظمات معروفة.ربما تقولين أن العمل الميداني ليس هو العمل السياسي بقواعده ومعتقداته و برامجه، ولكن نحن في حاجة الى فتح جبهة قوية من أجل النضال لتحقيق مواطنة متكاملة. ليس في المواطنة توجهات بل للمواطنة مقومات، الحرية بكل معانيها ودلالاتها والمساواة وفتح الفرص والمساهمة في تدبير الشأن العام والرأي والرأي الآخر ، وكل هذه المقومات ممكن أن تجعلنا بكل قوانا السياسية تنسجم في صياغة نموذج مغربي من أجل مواجهة من يبشرون بمجتمع التزمت والتخلف الفكري والعودة الى القرون الغابرة. ولهذا فلمواجهة هذا الخطر نحن مطالبين اليوم بالتكتل في جبهة قوية توحدنا شعارات ومطالب واضحة رغم وجود الاختلاف، لأن هذه الأخيرة لا تعني القطيعة كما لا تعني شن الحروب بين القوى المؤمنة بالحداثة والديمقراطية بل إن المؤمنين بذلك لهم مكانة في الإلتفاف حول بعضهم البعض. وبكل أسف أسجل بأن اليسار والقوى الديمقراطية و الحداثية تقفز على ما يفتت وعلى ما يعمق الخلاف و الابتعاد عن الهدف المنشود ولكن ينبغي أن تتبلور هذه المجهودات في شكل وثيقة توحد و تعكس هذا التخوف من أن تبتلعنا اتجاهات تريد أن يظل مجتمعنا في مواقع متخلفة. والخطر قريب منا في حكومات تحتمي بالعقيدة و الشريعة في منطقتنا. { في هذا الإطار أبان الحراك العربي أن رياح التغيير لا تأتي فقط من داخل الحدود الوطنية, بل إن رياح التغيير هي رياح آتية أيضا من المحيط الإقليمي و الجهوي والدولي. ووسط هذه الرياح يبدو الخليج سيد الموقف لينتقل من دعم وجهه بالأمس الى حماة الفكر الوهابي في المغرب بطرق أقلقت النظام نفسه الى دعم يوجه اليوم بمسالك رسمية. فهل رياح الخليج الجديدة هي غير الرياح التي توجهت الى تقوية طرف على طرف آخر بالدعم اللوجيستيكي المالي على الخصوص وكيف سيتعامل الصف الديمقراطي مع هذا التوجه الجديد, هل بحسن نية أم بحذر؟ يجب ألا يغيب عن ذهننا أن القوى الكبرى في العالم تراقب التغيرات التي تجري في العالم وفي المغرب ومحيطه والتي تمتد الى منطقة ذات أهمية استراتيجية والمتعلقة بالخليج ، كما أن الدول الكبرى تعرف ما يجري في كل دولة على حدة من دول هذه المنطقة وتعرف أين هي امتدادات الصف المحافظ وماذا يمكن أن يقوم به هذا الاخير من أجل إفشال حركة التغيير في الوطن العربي وهذا شيء مفهوم, لأن هذه الحركة التي وقعت في هذه المنطقة تطرح سؤالا :هل فعلا هي مدعمة من طرف من ينسب نفسه للدول الديمقراطية وهل أمريكا تريد لهذا التغيير أن يسير في الاتجاه السليم, أي أن يسقط الاستبداد والفساد ويخلق الديمقراطية بكل مفاهيمها الكونية و يخلق مجتمعات المواطنة الحقيقة ونبذ الفكر الجاهلي التقليداني، أم أن الأمر يتعلق بمصالح يجب المحافظة عليها كيفما كانت المتغيرات في المنطقة ومن أجل ذلك وجب استعمال جهات وقوات وأنظمة لتخلق توازنا حتى لا تضيع الفرصة على القوات المتحرشة بالمنطقة . الخليج الآن يتوجه الى عدد من الدول التي وقعت فيها الثورات والتغييرات ليحكم تواجده ويحاول أن يصل بثقله الاقتصادي والمالي وكذلك السياسي ليحصر في إطار محدد المسار الذي ممكن أن تنتقل إليه أي تغييرات في المنطقة وبالمقابل نجد أن هناك تجاوب. ومثلا المغرب يتجاوب مع أطروحة الخليج فيما يتعلق بخلق مناخ اقتصادي الذي لا يستبعد المناخ السياسي.لأنه لا يمكن أن نقول أننا في المغرب محتاجين الى الدعم الاقتصادي والمالي لدول الخليج باستثمار رؤوس لأموال خليجية بدون أن يكون مغلفا بمقومات وشروط سياسية على المستوى الإقليمي و الدولي، وطبعا هذه لعبة تدخل في إطار الصراع الذي تخوضه العديد من الدول وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى لا يفلت من بين يديها مشروعها الذي وضعه بوش وهو مشروع الشرق الاوسط الكبير. وصاحب هذا المشروع توجهات في خلق ثقافته ومؤسساته ووضع اتفاقيات لتدبيره إما بالوضع المتقدم لبعض الدول أو إدخال بعض الدول الى الحلف الأطلسي من بوابة أنها قريبة وإن ليست عضوا فيه، باستعمال أراضيها من طرف قوات متعددة الجنسيات أو قوات كبرى في العالم. واستمعنا هذا الاسبوع الى حديث وزيرة الخارجية الأمريكية في الجزائر التي قالت أنها جاءت الى هذا البلد لأخذ رأيه في التدخل العسكري في شمال مالي. وأعتقد أن هذه الأمور يجب ألا تغيب عنا ، لأن هناك تخوفا كبيرا أن تسير الثورات في اتجاه بروز التطرف أولا ودعمه من طرف القاعدة في المغرب الإسلامي وعلاقتها بالقاعدة في منطقة الخليج، ثم التخوف من أن ينقلب السحر على الساحر هو أن ينقلب هذا التوهج الديمقراطي الحداثي الذي خلقته الحركات في هذه المنطقة الى ما يهدد مصالح عدد من الدول في أنظمتها السياسية ومن يحالف هذه الأنظمة. { في هذا الإطار نريد أن نفتح معك قوسا عن الحبل الذي تتحكم فيه الإدارة الأمريكية وهي تستعد لإجراء انتخاباتها الرئاسية ، وهو حبل «إسلاموي « فهي تدعم الاسلاميين في خطهم السياسي والدعوي وتدفع في اتجاه تبوئهم مراكز القرار السياسي بمقاعد هامة في رئاسة دول الحراك العربي وتشجع تحركاتهم المدنية بالتنسيق المستمر مع رؤساء منظماتهم مستعملة في ذلك آلياتها الدبلوماسية في السفارات والقنصليات بمخطط إنشاء دولة المجتمع المدني في قلب الدولة الرسمية، وهي في نفس الوقت تدفع الى الحوار مع الجهاديين في السجون كما تدفع في اتجاه الحرب على الجناح المسلح من الاسلاميين في بؤر التوتر ولعل وجود وزيرة الخارجية الأمريكية في الجزائر يؤشر عن أجندة أخرى للإدارة الامريكية في منطقة الساحل والصحراء أو ما يعرف بقضية محاربة الإرهاب في مالي. ولهذا فالخطوط كثيرة ومتداخلة سياسية اقتصادية فيما يخص السعودية والمغرب وعسكرية تنسيقية فيما يخص الجزائر. ما هي قراءتكم لهذه الخطوط المتشابكة وغير الواضحة في غالب الأحيان في هذه المنظومة العالمية دون أن ننسى دور أوربا هل هو تابع أم مستقل ؟ الصراع في العالم أصبح له مبادئ و لأمريكا قبضة كبيرة على كل ما يجري في مختلف المواقع الساخنة في العالم من حيث المعارك التي تشهدها أو من حيث المواقع الإستراتيجية وهذا التوجه جاء بعد 11 سبتمبر بالخصوص, حيث حاولت أمريكا أن تجعل حلفاءها كل من يرفع شعار محاربة الإرهاب ويجعل من المد الإسلامي والأصولي مدا معتدلا وقابلا للتعايش مع غيره من التوجهات السياسية الأخرى، ولذلك فلا غرابة أن تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية لها هذه الحساسية -من منطلق كونها شرطي العالم- اتجاه كل ما يمكن أن يخدم مصلحتها ، الشيء الذي يتعلق بالبحث عن الاستقرار حتى يكون هذا الأخير طريقها للنفاذ الى المناطق التي تدخل ضمن مخططاتها وهي مناطق الثروة والاقتصاد واللعب بالناتج المالي والاقتصادي لهذه المناطق. وأعتقد أن مقاربات أمريكا للمغرب والجزائر تدخل في نموذجين، الأول انها وجدت في المغرب حليفا يناصرها فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، وفتح أراضيه لمرور الطائرات العسكرية ولاستجواب معتقلين من داخل المغرب وخارجها من طرف استخباراتها. وحليفا لأنه يفتح أسواقه للإنتاج الأمريكي ويروج لبضاعته. ووجدت في الجزائر كما يعلم الجميع قوة بترولية في مجال انتاج النفط و الغاز، والآن ستجد فيها بعد زيارة وزيرة الخارجية للجزائر منطقة نفوذ من أمريكا نحو منطقة صراع ساخنة ، بدأ يتفاعل فيها البحث عن مواقع من مختلف الدول الكبرى, فالغرب يبحث عن منطقة مرور للتدخل العسكري وأمريكا تنتظر فقط أن تستشير دول الجوار من أجل التدخل العسكري في المنطقة وبالتالي فالسؤال المطروح: هل الولاياتالمتحدةالامريكية لها خوف من التحول الاجتماعي الذي يسري في المنطقة أم لا ؟ أعتقد بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية وجدت اطمئنانا من مختلف الأنظمة, سواء في مصر أو السعودية أو تونس، لأن الجميع أعلن استعداده للتعامل في إطار الاتفاقيات التي أقامتها مع هذه الدول. مما يؤشر على أن الجانب الإستراتيجي العسكري هو الذي يهم الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل كل شيء. إن هذا المسار لا يختلف عما قاله بوش :» سننقل الصراع بالحرب الى المناطق التي تتواجد بها القاعدة حتى لا تأتينا القاعدة.» و الان أمريكا تتعامل بنفس المنطق رغم وعود أوباما بالانسحاب من أفغانستان, حيث لازالت قواته هناك وتبحث عن امتدادات القاعدة ، وغدا سنعرف كيف ستتدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أن أوباما في حملته الحالية لم يؤكد ما قاله في حملته السابقة على أنه سينسحب من افغانستان وأنه سيقلل من تواجده العسكري في هذه المناطق واليوم نجده يبحث عن مناطق أخرى للتدخل العسكري .... { مقاطعة..ألا يتعلق الأمر بتثبيت قدم في المنطقة، الشيء الذي رفضته أنظمة الدول المغاربية بالأمس القريب عندما نوقش الأمر في مستويات عالية، ألا يتعلق الأمر بمسار محكم ومدروس من الإدارة الأمريكية بلغة محاربة الارهاب ومحاربة القاعدة في المغرب الإسلامي؟ السؤال الآن كيف سيكون رد فعل هذه الدول، في الجزائر والمغرب و السينغال و المالي، و نحن في حاجة الى توضيح كرأي عام من طرف المسؤولين. وعلى الحكومة المغربية أن تضعنا في الصورة وأن نعلم كيف سيكون موقف المغرب إذا طلب منه أن يستعمل مجاله الجوي أو البري أو البحري أو إرساء قاعدة فوق ترابه للمحاربة الإرهاب في الجوار. فمحاربة الارهاب ممكنة لأنه مناقض للحرية وللكرامة ولكن التعامل معه بالتدخل العسكري صعب, خصوصا إذا كانت المنطقة ستواجه تهديدات أخرى اكبر، فسنوات من محاربة القاعدة عسكريا في أفغانستان لم تنه القاعدة ولم تنتصر أمريكا هناك، فهل سنخلق من منطقة تقع على حدودنا المغربية أفغانستان جديدة لنعيش وقع الحرب والدمار وإراقة الدماء ، فغدا سيطلب منا أن ننظم كمغرب الى هذا الحلف, ماذا سيكون الجواب؟ ولهذا أقول نحن محتاجون الى توضيح في هذا الموضوع من طرف الحكومة المغربية. { ألا يمكن أن نستحضر في هذا الإتجاه الوضع الصعب الذي يعيشه المغرب وهو مكبل بما يحاك به في وحدته الترابية، ويشفع له ذلك في صمته الى حد ما عن ملفات تخص الوضع الإقليمي في المنطقة؟ يجب أن ننتبه أن صناعة الأزمات سهلة ولكن التصدي لها شيء صعب، فشئنا أم أبينا الأزمة بالنسبة للمغرب قائمة في جنوبه ولازالت هناك مخاطر مرتقبة ولسنا في مأمن من اعتداءات أخرى بأي اسلوب آخر..بمعنى أن المغرب ليس في وضع مريح إن فتحت لا قدر الله جبهة الحرب بجوارنا وفي جنوبنا بالتدخل العسكري في المنطقة. { دشن المبعوت الأممي كريستوفر روس الى الصحراء زيارته للمغرب بلقاء فعليات حقوقية ومدنية , وفي اجتماعه مع هذه الفعاليات حاول روس تبرير موقفه غير المحايد على أساس أن التقرير الذي رفعه الى الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء، والذي أساء فيه الى المغرب مما ترتب عنه رفض الطرف المغربي أن يكون روس وسيطا في قضية الصحراء، حيث قال روس أنه تكلف بالجانب السياسي في التقرير, في حين تكلفت جهات أخرى بالباقي وحددت هذه الجهات في المينورسو والمندوبية السامية للاجئين والمندوبية السامية لحقوق الإنسان. من هذا المنطلق، أنتم كحقوقين ومدنيين كيف تقرأون ذلك وهل العودة من الأبواب المدنية بإمكانها أن تفتح أفقا مغايرا في الوساطة الأممية أم أن الأمر يعد التفافا حول القضية بخلق مسالك أخرى للحوار غير واضحة المعالم, خصوصا وأن المجتمع المدني في المغرب ليس معنيا بشكل مباشر بطاولة الحوار؟ أريد اولا أن أسجل أنه إذا كان روس بمجرد عودته فضل لقاء عدد من الفاعلين المدنيين فهذا أمر لم يسبق لوزارة الخارجية أن قامت به، حيث لم تتفاعل خارجيتنا مع المجتمع بكل مكوناته بشكل مباشر, بل إننا نشتكي كمجتمع مدني من قلة المعلومة ونتتبع الأخبار مما يأتينا من الخارج حول قضيتنا الوطنية أكثر مما تفيدنا به الدبلوماسية المغربية وهذا شيء مؤسف ونتمنى أن يتغير الوضع ليكون إشراك المواطن ومساهمته باعتباره دعامة أساسية في الدفاع عن الوحدة الترابية. وأؤكد في هذا الجانب أني لست مع القطيعة، فالأممالمتحدة لعبت دورا مهما بدعوة من المغرب بعدما فشلت الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، لتقديم حلول لهذا الملف. وإذا عاد روس يجب أن يعود بفكر آخر وبنوع من الحياد الحقيقي ليخلق توازنا يتجه نحو إجادة صيغة حل ، فإذا كان مجلس الأمن في كل مرة يقدم له تقرير حول نتائج تواجد المينورسو و يعطي التفويض من جديد ويدعم الأمين العام حتى يبقى المينورسو والقوات الأممية في المنطقة فهذا شيء إيجابي, لكن الحل السياسي يجب أن يتحرك وإذا فشلنا في هذا الحل السياسي، فسوف يكون هناك نفس آخر لمن يريد من هذه المنطقة ان تظل مشتعلة ونحن نعرف أن هناك مصالح من مختلف الأطراف وخصوصا جيراننا في الشرق. ولهذا يجب أن نفهم بأن رجوع روس هو رجوع لدبلوماسية الأممالمتحدة الى المنطقة . والمغرب عبر عن مواقفه في كل اللقاءات، في منهاست وغيرها، كما عبر عنها في أكثر من مناسبة أمام مجلس الأمن ، وعلى روس أن يعرف أنه ليس بالمغرب مجال للمناورة, بل هناك عقلية لتقريب وجهات النظر والدفاع عن الحل السياسي المناسب وليس التحيز الى هذا الطرف أو ذاك. ويجب علينا كمجتمع مدني وكأحزاب وحكومة أن ننظر بنظرة أخرى للتدبير المستقبلي لهذا الملف, لأن هناك فشلا في تدبيره اليوم, الشيء الذي لم يدفع الأممالمتحدة لتقطع مع التردد إزاء مواقف غير واضحة ، واعتقد بأن هذا الرجوع لروس يحتاج نفسا آخر يقوي من الحظ في أن يكون الحل المغربي له وقعه ويحسم في عدم واقعية الحلول المضادة ... { مقاطعة هل هذه دعوة الى تفعيل الدبلوماسية الموازية..؟ الدبلوماسية الموازية ليست هي الدبلوماسية البرلمانية, بل هي خلق ديناميكية في الرأي العام المغربي من طرف منظمات المجتمع المغربي التي يقع عليها دور كبير في هذا المنوال لفتح نقاش من أجل الاستماع الى كل الملاحظات من كل الأطراف المختلفة في المغرب حول القضية الوطنية. ولم يسبق في اعتقادي وتقديري أن أعطيت فرصة لهذا التفاعل المجتمعي من أجل طرح وجهات النظر المختلفة في ملف الوحدة الترابية المغربية؟ { طيب السيد النقيب نريد أن نوجه النقاش صوب ملف آخر تناضلون فيه باستماتة, ويتعلق الامر بسير العدالة في بلادنا وهو ملف فتح في محطات مختلفة في تاريخنا الوطني مرتبطا بمفهوم الإصلاح ليصل اليوم الى محطة الحوار الوطني لإصلاح العدالة, إلا أن هذا الحوار الوطني يعرف تعثرات و مطبات و إقصاءات ومشادات بعضها ذاتي وبعضها موضوعي مرتبط بالاختلاف في مفهوم منظومة الإصلاح في حد ذاتها, ما هي قراءتكم السيد النقيب لهذا الوضع من بوابتكم الحقوقية ومن اشتغالكم المهني وانشغالاتكم بهذا الملف ؟ منظومة العدالة وما تطرحه من إصلاح ليست وليدة اليوم, بل هي موضوع مجتمعي اشتدت قوته مع اشتداد الأزمات في مجال العدالة فكلما تعثرت العدالة كلما فقد القضاء استقلاله وفقدت معها المكونات القضائية وقعها وموقعها واحتدمت الثقة بعدمها والأمل بفقدان الامل ,فتنتكس العمليات القضائية. ومن هنا أريد أن أشير الى أن الانتكاسات القضائية عبر التاريخ معروفة محطاتها ولأدل على ذلك الخلاصات التي جاءت بها هيئة الإنصاف والمصالحة في هذا المجال. وإذا كان العقد الأول من القرن 21 توج بالحوار الوطني، فأنا أقول أنه عقد الشعارات الملحة في مجال انطلاق ثورة قضائية حقيقية في الإصلاح، ثورة قضائية لأنها تجسدت من خلال إطلاق مسلسل مجتمعي من فاعلين حقوقيين ومهنيين وقانونيين وقضاة ومحامين وجامعيين يلحون على إنقاذ المغرب ليس من السكتة القلبية الاقتصادية والسياسية ولكن من السكتة القلبية القضائية التي تجسدت في انفلات الصف القضائي ووجود الكثير من الاندحار الأخلاقي ومظاهر الفساد الكبرى في تفاقم أوضاع القضاة وفي عدم وجود عمليات قضائية نزيهة وسليمة . الشيء الذي جعل ملك البلاد في كثير من المحطات يدعو الى إصلاح منظومة القضاء في كل مناسبة يتوجه فيها بخطاب للرأي العام. وإنطلاق الحوار الذي جاء مع تنصيب الحكومة الجديدة هو محاولة خلق مناخ لهذا الحوار ويجب أن نقول فيه ما ينبغي أن يقال.فأولا الحوار ليس غاية في ذاته بل الحوار هو فتح باب لتشريح واقع العدالة في المغرب، ونظرا لصعوبة ذلك يجب أن يساهم المعنيون بالأمر.صحيح أن العدالة شأن كل مواطن، لكن هو موضوع له من التعقيدات ومن الحساسيات ومن التقنيات لا يقدر على فكها إلا من له الدراية و التجربة، ومن هنا كان من الضروري أن تكون لهذه التجربة منطلقات سليمة . ولكن المنطلقات التي انطلق منها تأسيس هذه الآلية لفتح باب النقاش لا يشك في سلامتها أحد ولكنها عملية ناقصة لأنها اتخذت موقفا للتقليل من وزن الفاعلين في الجانب القضائي ووزن الفاعلين في كتابة الضبط. ثانيا أن الحوار الوطني لإصلاح العدالة انطلق في جو من الاختناق تجسده مطالب شريحة واسعة من القضاة كما تجسده مطالب شريحة واسعة من الموظفين.وهذا الاختناق أعتقد بأنه يؤشر على أمرين ، الاول هو عدم رضا على منطلقات هذا الحوار لأنه لا يضم كل الفاعلين المعنيين وثانيا أنه يشكل صعوبة في الاستمرار من أجل أجوبة حقيقية لمسألة العدالة ولذلك أقول بأنه يمكن أن يتدارك المسؤولون عن الهيئة هذا الوضع من خلال استقبال كل القوى القانونية والآليات العملية التي تتفاعل مع القضاء من أجل المساهمة ، وبالتالي وضع الاختيارات الكبرى التي هي الأصل ليست واضحة وإن كانت تهدف الى إصلاح منظومة العدالة وإصلاح القضاء ولكن ينبغي التساؤل حول الآليات والوسائل والبرامج ، لأنه لا ينبغي أن يغيب عنا أن العملية التي تجري الآن هي فقط لوضع ميثاق من أجل الإصلاح ،وهذا الميثاق هو مجموعة من المبادئ والأفكار والتصورات التي يمكن أن تخلق أسس الإصلاح.لأن هذا الأخير لا يمكن أن يكون إلا بتغيير المؤسسات وتغيير المنظومات القانونية ووضع المساطر وإعطاء الاختصاصات , وهنا أقول لا إصلاح بدون وضع تصور حقيقي وسليم للتنظيم القضائي وخلق آليات حقيقية تعمل في إطارها السلطة القضائية، كما أنه لا إصلاح دون وضع المؤسسات القضائية في محلها الحقيقي وكذلك النيابة العامة والشرطة القضائية وإيجاد حلول حقيقية لأزمة المحاكمة العادلة ، فعلى الهيئة والمشاركين فيها أن يقدموا الحلول الحقيقة وأن كانت هذه الحلول لا تعجب من يقرر في شأنها وأقصد الحكومة ، وأريد أن أشير إلى أن على الهيئة أن ترفع من سقف الأجوبة التي تمس الأوضاع في جوهرها لتكون الهيئة في قلب معركة التغيير في منظومة العدالة. والحذر أن ننتبه الى المنزلقات وألا تغيب عنا الأهداف الحقيقية وأن لا ننطلق في صراعات جانبية مع كتابة الضبط والقضاة لأن هؤلاء هم جزء وجوهر الاصلاح وهم فاعلون فيه. أما الاحتقان الذي نشاهده الآن في المحاكم بفعل الإضرابات ممكن أن نجد له مخرجا بالحوار وبالإنصات وتقديم مقترحات حلول، لأن هناك أزمة معيشية وإدارية لموظفي كتابة الضبط وللقضاة أنفسهم ينبغي التعامل معها بحكمة. { طيب، السيد النقيب فربما وزير العدل لن يأخذ بخطابك الداعي الى تفهم أوضاع العاملين والموظفين في قطاعه، فقد نعثهم قبل أربعة أيام في جلسة عامة بالبرلمان وكان يقصد الذين خاضوا الإضراب في ممرات المحاكم وهم أغلبية، أنهم محتلون ومناضلو آخر زمان كما جاء بالحرف على لسانه؟ وأنا أعتبر 15 ألف من كتاب ضبط نفس وقوة حقيقية في مجال العدالة، وبدون نساء ورجال كتابة الضبط سيعجز القضاء عن أداء دوره وستشل المحاكم في بلادنا. فهناك أساليب أخرى حضارية وتنظيمية وقانونية للانتباه الى المشاكل لإيجاد الحلول. وأنا ضد المقترح المتعلق بالاقتطاع لأنه أسلوب ضغط غير مناسب في هذه المرحلة، ولا يسمح به وضعنا المجتمعي، ولهذا لا ينبغي تجويع كتاب الضبط لندفعهم للإمثتال، فعلينا أن نخلق وسائل ضغط أخرى لامتصاص الغضب بالحوار والإنصات المتبادل بين كل الشركاء المعنيين بقطاع العدل في الوظيفة العمومية وأمانة الحكومة والمالية..إلخ ..لكني أنا ضد التجويع, لأن المغاربة يجب ألا يمسوا في معيشهم اليومي. { سؤال أخير السيد النقيب، فأنتم تخوضون اليوم معركة كبرى من واجهة الإئتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام, تواجهون فيه بحاجز يدخل في تصور الحكومة لقضية الإعدام وربطها بالجانب الديني، وقد عبرت هذه الأخيرة صراحة في العرض الذي تقدم به المغرب في الاستعراض الدوري الشامل في محطتين متتاليتين بجنيف برفض مطلب إلغاء عقوبة الإعدام. وأنتم الآن منفتحون على واجهة دولية لإلغاء عقوبة الإعدام, كيف ستدبرون هذا الملف مع الشركاء الدوليين وما هي سبلكم في مواجهة هذا الرفض من خلال هذه الواجهة الدولية في ملف وطني؟ نحن نواجه عقوبة الإعدام من خلال عدة زوايا، ونواجهها دوليا من خلال الهيئة الدولية لإلغاء عقوبة الإعدام التي تتسع وتكتسي مناصرين و مواقع، كما نواجهها من بوابة الدستور الذي جاء ببند الحق في الحياة، كحق نصت عليه أول وثيقة كونية لحقوق الإنسان. وإذا كان دستور 2011 قد وضع صيغة عمومية مغلفة بالحق في الحياة ،لكننا نعتقد في الإئتلاف المغربي والدولي أن الحق في الحياة هو قمة الحقوق وبالتالي لا يمكن الإبقاء على عقوبة الإعدام لأنها مناهضة لأسمى حق من حقوق الإنسان. والحكومة ومن خلال تصريحاتها التي استمعنا إليها وسجلنا عليها أن لها موقف مسبق من عقوبة الإعدام وهو موقف يتناقض مع الوثيقة الدستورية كما يتناقض مع توجهات الإنصاف والمصالحة ومع كل المواثيق التي يريد المغرب أن ينخرط من خلالها في المنظومة الكونية، إضافة الى علاقات المغرب الدولية، فالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي تتطلب وصول الترسانة الحقوقية والمدنية الى مستوى عال وعلى رأسها إلغاء عقوبة الإعدام من القوانين الوضعية. فالحكومة ومعها من لا يريد إلغاء عقوبة الإعدام لا تريد أن يكون هناك قانون يحمي الحق في الحياة. فالقانون الجنائي المغربي والنصوص التي تحوم حوله ليست لها أصول من الشريعة أو القرءان، بل هي مستمدة من أصول وضعية وبالتالي نحن نطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي وإلا اسألوا من لا يريدون أن تلغي عقوبة الإعدام: لماذا لا تدعون الى المطالبة بتطبيق عدد من العقوبات الأخرى المنصوص عليها في النص وفي الشريعة. إن هذا الموقف له من السخافة القانونية والسياسية ما يجعلنا نطالب الحكومة المغربية أن تتفاعل مع هذه الدعوة وأن تتوجه الى الأممالمتحدة في ديسمبر المقبل للتصويت بالإيجاب على إلغاء عقوبة الإعدام. وأخيرا لن تكون عقوبة الإعدام رادعا لمحاربة الجريمة، فنحن مع محاربة الجريمة ووجود آلية لذلك لأنها تمس بحقوق المواطن وباستقراره وبالسلم الاجتماعي لكن الإعدام مخالف لكل القيم الإنسانية.