لم أتفاءل بتعيين وزير صحة في الحكومات المتعاقبة، بعد البروفيسور الراحل عبد الرحيم الهاروشي، بقدر ما تفاءلت بتعيين البروفيسور الحسين الوردي وزيرا للصحة في حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، ثم الاحتفاظ به في نسختها المرمّمة. فالرجل عميدٌ سابق لكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، ورجل سياسة فوق ذلك، لذلك لن يحتاج، مبدئيا، إلى من «يورّيه خدمتو». وفي خضم الحديث عن تخفيض أسعار 800 دواء، وفي انتظار الإعلان عن لائحة هذه الأدوية ونتأكد من «حقيقة» التخفيضات التي قيل إنها ستتراوح بين 50 و60%، حتى لا نُصدم بحقيقة أخرى؛ مثل تلك التي وقعت في السنة الماضية، عندما أعلن الوردي عن اتخاذ قرار بتخفيض أثمان حوالي 320 دواءً، فتبين أن الأمر يهم، أساسا، الأدوية التي تقتنيها وزارته، يجب أن نتساءل عن وجود سياسة دوائية أصلا، لأن الأمر لا يتعلق، فقط، بهذا الجانب، على أهميته القصوى... نعلم جيدا، قبل تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس المنافسة والبنك الدولي والمنظمة العالمية للصحة ودراسة المعهد الأمريكي لحساب وزارة الصحة، وحتى التقرير الشهير للجنة البرلمانية، أن ثمن الدواء مرتفعٌ جدا في المغرب. وهو ما يجعل المغربي يعزف عن الذهاب عند الطبيب الذي يخشى من أنه بمجرد الوقوف أمامه «يبدا يخطّط ليه» وصفة لا قبل له بمقابل لائحة أدويتها، وهو الذي لا يخصص، في المعدل، أكثر من 376 درهما للأدوية، فتجده يُقبل على «دْوا العرب»، الذي يستغل مروِّجوه من المشعوذين (تحت أسماء جديدة من قبيل «الطب البديل») ثالوث الفقر والجهل والمرض لتخريب ما تبقى من أجساد المغاربة، قبل جيوبهم. ومن المشاكل الكبرى التي تواجه ولوج المغاربة إلى الأدوية الفقر والهشاشة أولا، فبطاقة «راميد» تفتح باب المستشفى، ولكن لا علاقة لها بالصيدلية. وحتى الذين يتوفرون على تغطية صحية يعانون من مشاكل لا حصر لها. وهنا أذكر إحدى المفارقات الغريبة، حيث إذا توفرت للمريض تغطية صحية، فهي تَحتسب له أحيانا ثمن الأدوية بقيمة «الجنيسة» منها، حتى وإن اقتنى الأدوية العادية! وطبعا المسؤولية هنا تقع على الطبيب الذي يجب أن يصف الأدوية الجنيسة أو على الأقل يضع مريضه «في الصورة»، ويدع الاختيار له. والمشكلة أن بعض الأطباء، سامحهم الله، «دايْرين اليد» مع شركات الأدوية على حساب «زبنائهم»! في هذا السياق، لماذا يُعاب على بعض المغاربة اللجوء إلى الأدوية المهربة ب«سوق الفلاح» بوجدة وغيرها، وثمن الدواء في بلادهم قد يضاعف ثمن مثيله في دول أخرى... 47 مرة؟! تصوروا أن ثمن الدواء يفوق بكثير الأسعار المتداولة في أوربا وأمريكا وأغلب الدول العربية! أين المشكل إذن؟ إذا علمنا أن المملكة الشريفة تتوفر على 42 مختبرا تُصنّع الأدوية وأن ما بين 8 و10% من مستحضراتها تصدره إلى أوربا، فحينها نعلم أن المشكلة كبيرة وتبدأ من المنبع، لأن الدواء متوفر، بالقدر الذي «يتوفر» فيه جشع المصنعين والموزعين وحتى بعض الصيادلة. وأقصد بهؤلاء من يرفضون تخفيض ثمن الأدوية، في الوقت الذي يقوم بعض زملائهم بتطبيق تخفيضات تصل إلى 10% من تلقاء أنفسهم لزبناء «الحومة»! ما نسمعه من لغط كبير، خصوصا في صفوف «لوبيات» المصنعين، مفهوم، لأن تخفيض أثمنة الأدوية بمقتضى المرسوم الجديد، الذي ننتظر بفارغ الصبر نشره، كما لائحة الأدوية المعنية، بالجريدة الرسمية، يعني «خسارة» هؤلاء، والعهدة على وزير الصحة، ل100 مليار سنتيم التي «لا يجمعها إلا الفم»، وبالتالي، نفهم لِمَ يتقولون عليه بعض الأقاويل! ما يجب أن يعرفه هؤلاء هو أنه كلما انخفض ثمن الدواء، كلما كثر استهلاكه، وكلما زادت أرباحهم، وهو ما يسمى ب«قاعدة الأرقام الكبرى»، وهو ما يتقنه الصينيون على سبيل المثال والاستئناس فقط، الذين أغرقونا بكل منتجاتهم، ولو فُتح لهم الباب لباعونا أدويتهم ب«الكيلو»، ولما احتجنا إلى أي تخفيض!