التطورات الأخيرة التي تمر بها قضية الصحراء المغربية تؤشر على منعطف جديد للقضية الوطنية، منعطف قائم على ثلاثة أبعاد أساسية: البعد الأول يرتكز على التملك الجماعي لقضية الصحراء من طرف المغاربة، إذ لا يتعلق الأمر بقضية دولة، ولكن بقضية شعب بأكمله، فقد أبانت مسيرة 13 مارس على حجم الاستعداد الكامن في وجدان الشعب المغربي والقابلية الهائلة للتعبئة من أجل الدفاع عن أرض الصحراء، كما أبانت عن حجم الغضب الذي يشعر به المغاربة عندما يتعرضون للظلم أو للإهانة.. البعد الثاني، يرتكز على محاولة إرساء نموذج تنموي جديد قائم على الإنسان بالدرجة الأولى، الإنسان كمساهم في إنتاج الثروة وكمستفيد من العائدات التنموية للمنطقة، وكمواطن يتمتع بحقوقه الأساسية وبكرامته الإنسانية، ذلك أن حجم المشاريع التنموية التي أطلقها الملك محمد السادس في الأقاليم الجنوبية لا يفسره إلا اليقين في عدالة القضية والاطمئنان على مستقبل القضية، مادام الشعب بمختلف فئاته الاجتماعية هو حاضنها الرئيس، وهو ما يجد أساسه في النظرية الواقعية للعلاقات الدولية، وهي النظرية التي تؤمن بما هو كائن على الأرض وليس بما ينبغي أن يكون في المثال، فالحقائق التي ترسم على الأرض تَخلق واقعا جديدا تجعل العالم يقتنع بحقائق التاريخ والجغرافيا بعيدا عن المناورات التي تعرفها القاعات المكيفة في العديد من العواصم العالمية.. كل شيء يتوقف على جبهتنا الداخلية التي ينبغي أن تظل متماسكة ومتراصة، وأن ترسل إلى العالم رسالة واضحة بأن الرهان على مشاريع التجزئة والتفكيك هو رهان فاشل.. البعد الثالث، يستند على التطور المؤسساتي والديمقراطي الذي أصبح خيارا لا رجعة فيه بالنسبة إلى المغرب، وهو ما ينتظر من خلال التنزيل الفعلي لمقتضيات الجهوية المتقدمة في مجموع التراب الوطني بما فيها جهات الصحراء، وهو ما يعني أن الجهوية كخيار سياسي يجعل ساكنة المنطقة تدبر شؤونها بنفسها في إطار الوحدة الوطنية، في أفق تنزيل مقتضيات الحكم الذاتي باعتباره خيارا مستقبليا جديا، وليس مناورة للاستهلاك الخارجي.. كل هذه الأبعاد ينبغي أن تنصهر في ترسيخ الإصلاحات السياسية والديمقراطية الضرورية، فوحدها المؤسسات الديمقراطية القوية تمثل الصخرة التي تتحطم عليها مؤامرات الخصوم..