ب في قطاع الشباب: المقاربة في هذا المجال تستدعي جانبا كبيرا من الحكمة والتروي وكأنه المشي في حقل ملغوم، فالشباب عادة ما يكون عرضة للمغالطات وتشويه الحقائق بحكم اندفاعه اللامحسوب نحو الأطروحات المتطرفة ويسيرة المنال. ومن السهل في هذا الشأن أن تسخر شريحة الشباب لخدمة الأعداء، سواء بالمال أو بالإيديولوجيات المسماة بالتقدمية. فالدور متعدد الوظائف للمرأة الصحراوية، كما أسلفنا، لا بد أن يساهم في التأثير على المزاج العام للشباب. وقد أظهرت لنا الحركات الاحتجاجية في بعض المواقع في الأقاليم الصحراوية وجود الشباب إلى جانب النساء اللائي كن يتقدمن تلك المظاهرات. ولذلك، فإن الاشتغال على العنصر النسوي هو منفذ من بين منافذ أخرى لتأطير الشباب. وإذا كانت المراهنة قد قامت في ما مضى على أعيان القبائل الصحراوية، فهي أيضا لا تخلو من أهمية سواء في الماضي أو في الحاضر. ولسنا مع طي صفحة لنبحث عن البديل، فقد لا يشكل ذلك فقط مقاربة مغلوطة، وإنما قد يحمل تداعيات خطيرة ينبغي الانتباه إليها وعدم الوقوع في منزلقاتها؛ فالرهان على الأعيان هو مكسب وينبغي الحفاظ عليه مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الديمغرافية التي طرأت على المجتمع الصحراوي كشبابه الذي يجهل تاريخ أجداده وتاريخ أمته وأصوله الضاربة في عمق المغرب، فله موروث مستحق في وسطه وشماله، ومن جنوبه انطلقت السلالات التي تعاقبت على حكم المغرب.. حقائق تاريخية لا بد من تلقينها لهذه الفئة من المجتمع الصحراوي كي لا تطمئن إلى ما يروجه أعداء وحدتنا الترابية من أن المغرب محتل، فقبائل الركيبات هي قبائل من السلالات الشريفة التي تمتد جذورها إلى أشراف مولاي بنمشيش، وقس على ذلك من القبائل الأمازيغية التي اندمجت وانصهرت في القبائل الحسانية. فالبعد التاريخي، على أهميته من حيث استظهار الأصول، يظل ركنا أساسيا في تكريس الهوية، ومن يغفل ماضيه فلا حاضر ولا مستقبل له. وأبناء البيئة الصحراوية أكثر الأقوام تشبثا بجذورهم التاريخية. وإذا كانت للماضي حمولته، فالحالي والآتي ينبغي ترجمتهما على أرض الواقع بسياسة من الاندماج تستهدف الشباب من خلال إشراكه في تحمل المسؤوليات وتدبير الشأن المحلي، في ممارسته للسلطة على مختلف أوجهها، الرسمية منها أو ذات الطابع التمثيلي. وما تضمنه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من توصيات في مجال تطوير وتنمية الأقاليم الجنوبية يعتبر بحق سياسة حكيمة وعقلانية قد يكون لها الأثر القوي في إعادة تصحيح بعض الاختلالات في المفاهيم والمقاربات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدت في السابق على اقتصاد الريع، فكان من نتائجها الإحباط والإحساس بالتهميش لشريحة واسعة من شباب المجتمع الصحراوي. ولذلك، فإن تجربة الماضي ينبغي استحضار ما فيها من زلات وثغرات لتجنبها في تنفيذ توصيات المجلس الاقتصادي، وذلك من خلال اختيارات عقلانية للقطاعات المستهدفة بهذه التنمية كي يتم الوصول إلى إدماج حقيقي لساكنة الصحراء، والشباب على وجه التحديد. لكن يجدر التنبيه، في هذا الصدد، إلى ضرورة شمولية هذه المشاريع التنموية لكل من ساكنة كلميم وطانطان وطرفاية باعتبارها التخوم الصحراوية التي أبانت عن وطنية صادقة ولارتباطها الوثيق بالوطن الأم منذ استرجاع تلك المناطق المحررة. وغير ذلك قد يؤدي إلى حالة من الإحباط والشعور بالتمييز ما بين فئات مترابطة أسريا وقبليا على مدى جغرافي يمتد من كلميم إلى الداخلة. ومثلما يسري هذا الأمر على تنمية المناطق الصحراوية، وجب استحضاره أيضا في مقاربة الجهوية الموسعة. ج تنزيل الجهوية الموسعة على الأرض: كل المقاربات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية واستحضار التاريخ بحمولته في الحاضر، لا بد لها جميعا من إطار حاضن يعطي على الأقل الإحساس للساكنة بوجود إرادة عليا لسياسة حقيقية تريد إسناد الشأن العام المحلي إلى ذويه وأهله. وهذا الإطار آن أوان تطبيقه في ما أصبح معروفا بالجهوية الموسعة. ولعل هذه الحكامة في تدبير الشأن المحلي باتت ضرورية أكثر من ذي قبل، وعلى وجه الاستثناء بالنسبة إلى الأقاليم الصحراوية، لصد المناورات والمخططات المناوئة وتفنيد المغالطات الجزائرية من قبيل استغلال المغرب لثروات وخيرات هذه الأقاليم. فإدخال توصيات المجلس الاقتصادي حيز التنفيذ وتنزيل الجهوية الموسعة من ِشأنهما أن يحدثا قفزة نوعية بفعل الحكامة والتنمية والاقتصادية، سواء على مستوى تحسين الظروف المعيشية للساكنة أو على مستوى تغيير الذهنيات والمواقف الجاهزة. وبإنجاز هذا التحول، سيكون المغرب قد حقق مكسبا هاما بخصوص الاستحقاقات والمواعيد التاريخية التي تنتظره. كما تبرز أهمية تنزيل الجهوية الموسعة في بلورة نمط فكري معين قائم على تهيئة أرضية صلبة وعلى درجة من اليقين في الاتجاه النهائي نحو تطبيق مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي للقضية الوطنية. لا شك أن هذه الاختيارات القائمة على سياسة القرب، وبفضل تضافر جهود جميع المؤسسات الرسمية والحزبية والنقابية وهيئات المجتمع المدني، مع تنفيذ دقيق للسياسات المرصودة ومع تأطير جيد ومحكم للساكنة، لا شك أن كل ذلك سوف يؤدي إلى النتائج المتوخاة والأهداف المسطرة، وستكون له انعكاسات إيجابية على السياسة الخارجية للمغرب وعلى تحركاته في المحافل الإقليمية والدولية، ومنها: - أولا، إراحة الدولة المغربية وتحريرها من دائرة الاستهداف كأداة لقمع وكبت الحريات؛ ثانيا، إخراج الصوت الوحدوي إلى حيز الوجود وإيصاله إلى الخارج كقوة على الأرض لها حضورها الوازن بالمقارنة مع الأقلية الانفصالية التي تعمل بجهاز التحكم عن بعد خلف التراب الجزائري؛ ثالثا، وهو الأهم، إعطاء شحنة قوية للدبلوماسية المغربية وجعلها تعمل في راحة وفي مجال رحب يتسع لكل التحركات دون خشية أو إحساس بأن هناك خلفية معيقة في الصحراء مما كان يحد من الاندفاع والحماس المطلوبين في الحقل الدبلوماسي؛ المعطى الرابع، وهو تحصيل لكل ما سبق، ويتمثل في قطع تلك اليد الخفية وتعطيل التحرك الجزائري وحرمانه من ورقة دخل بها مؤخرا كأداة مساومة في المنظومة الحقوقية على مستوى المحافل الإقليمية والدولية. لحسن الجيت