جاء مشروع الجهوية الموسَّعة؛ الذي صاغتْه اللجنة الاستشارية للجهوية، ليُخْرِجَ إلى الوجود خُطَّة لإعادة النظر في سياسة اللاَّتمركز، وإعادة تقسيم تراب المغرب وتقليص جهاته إلى 12 جهة بَدَلَ 16 جهة؛ وذلك بهدف خَلْقِ التوازن بين الجهات، وخلق جهات متجانسة، ومتكاملة، ووظيفية. وقد أَوْلَت اللجنة عناية كبيرة للتقطيع الجهوي الخاص بالأقاليم الصحراوية؛ إذ أوردت اللجنة ضمن تقريرها ما يلي: "وقد حظيت مسألة التقطيع الجهوي للأقاليم الصحراوية باهتمام خاص من لدن اللجنة الاستشارية للجهوية... ذلك أن الهدف المتوخَّى من التقطيع؛ هو تعزيز جهوية تسعى إلى تحقيق تنمية ملموسة في هذه الأقاليم، وتكون مَدْخَلًا لتطبيق مقترح مخطط الحكم الذاتي "؛ وهو نفس ما أكده خطاب الملك محمد السادس المؤرخ ب 09 مارس 2011؛ حيث جاء فيه: "ويظل هدفنا الأسمى إرساء دعائم جهوية مغربية، بكافة مناطق المملكة، وفي صدارتها أقاليم الصحراء المغربية". وقد أسفر التقسيم الجديد على ثلاث جهات صحراوية وهي: * · جهة كلميم-وادنون: تضم كلا من كلميم وطانطان وسيدي إفني وآسا الزاك؛ * · جهة العيون الساقية الحمراء: تضم كلا من طرفاية والعيونوالسمارة وبوجدور؛ * · جهة الداخلة- وادي الذهب: لم يلحقها أي تغيير، وتضم كلا من الداخلة وأوسرد.
وهي ثلاث جهات يُفْتَرَضُ فيها أن تسير بنفس السرعة التي ستخطو بها باقي جهات المغرب؛ فهل يَسْمَح المناخ السياسي المَوْجُود اليوم في الصحراء لتكييف هذه السرعة مع سرعة الجهات الموسعة الأخرى؟ والمعلوم لدينا اليوم أن الأقاليم الجنوبية، باتت مَرْتَعًا للمفسدين من المنتخَبين والأعيان؛ الذين تاجروا في قضية الصحراء، ومازالوا يُتَاجِرُون فيها، واعتبروها تجارة لا تَبُور ولن تَبُور. إن الشرط الأساسي لتنزيل مشروع الجهوية الموسعة إلى أرض الواقع لتطبيقه؛ هو دَمَقْرَطَة المناخ السياسي في الصحراء، وسَحْب البِسَاط من تحت أقدام المفسِدين من الأعيان والمنتخَبين، وقَطْع جذور الأعراق المَنْصِبِيَّة لعائلات عُرِفَتْ باحتكارها للمناصب عن طريق انتخابات غير شفافة؛ رغم أنها تُجْرى في صناديق شفافة. إن إرساء دعائم جهات الصحراء الثلاث الموسَّعة، وتعبيد الطريق لمخطط الحكم الذاتي؛ لن يكون خارج قواعد الديمقراطية، وأيُّ محاولة لإقامة جهات موسعة خارج الفعل الديمقراطي ستكون تغريدًا خارج سرب الديمقراطية، وستصطدم بعوائق جَمَّة؛ ستَترتَّب عنها عملية تناسخ الجهات؛ أي حلول الجهات القديمة بكل مميزاتها داخل الجهات الجديدة الموسَّعة دون أي تغيير إلا في الاسم؛ لأن الفعل الديمقراطي في الصحراء، يقتضي بالضرورة التَّخلص من تَسَلُّط الأعيان والمنتخَبين، لأن الفساد لا يُتَخَلَّصُ منه إلا بقطع جذوره وأصوله. كيف سيُحَدَّدُ مَنْصِب رئيس الجهة في ظل الجهوية الموسعة؟ بالتعيين أم بالاقتراع؟ وهل سيَفقِد الوُلَّاة بعضا من سُلطِهم في ظل وجود رؤساء الجهات؟ أسئلة ظلت تُزعجنا في الفترة التي غَطَّتها أشغال اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية الموسعة؟ فجاء الخطاب الملكي -09 مارس 2011- وكذا تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية للإجابة عن بعض الأسئلة المزعجة؛ التي كانت تُؤرق مضجع الباحثين في مجال التقسيم الترابي والإداري، والمهتمين بموضوع الجهوية الموسعة. وقبل أن يتم الإعلان عن ما توصلت إليه لجنة الجهوية، قام الملك بتعيين وُلَّاة جُدُد في الصحراء بَدَل الوُلَّاة القدامى؛ وذلك بهدف التحضير لتطبيق الجهوية الموسعة، وتوفير المناخ السليم لإنزالها إلى الواقع؛ لأن هؤلاء الوُلّاة القدامى راكموا أخطاء كثيرة لم تَعُد تُخوِّل لهم البقاء في أماكنهم، وبما أن الخطاب الملكي وتقرير اللجنة الاستشارية للجهوية نَصَّا على انتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر، وعلى التدبير الديموقراطي لشؤونها؛ فإن هذا الأمر يُحَتِّم ويَفرض تَنقية الجو السياسي في الجهات؛ كي تُتاح الفرصة لأشخاص تتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة لتسيير الجهات، لأن رؤساء المجالس الجهوية ستُخوَّل إليهم سلطة تنفيذ مقرراتها، بَدَل العمال والوُلَّاة؛ فالكفاءة والنزاهة إذن شرطان ضروريان في رئيس الجهة، وهو الأمر المُلقى على عاتق الولَّاة الجُدُد في الصحراء؛ فهل سيعمل هؤلاء على تنقية الجو لانتخاب أُنَاس أكفاء، ومرور العملية في جو نزيه أم أنهم سيزيدونه تعكرا واكفهرارا؛ وذلك اتباعا لأهواء المفسدين من الأعيان والمنتخَبين؟ إن واقع الحال في الصحراء يقول: إن أول درس يتعلمه الوافدون الجُدُد إلى الصحراء، وسيُلقَى على مسامع الولَّاة الجُدُد؛ هو ضرورة تلقي الأوامر من عائلات معينة، وأعيان محدَّدين، لا يتجاوز مستواهم الدراسي الثالثة إعدادي؛ لأن الأقاليم الجنوبية للمغرب قُدِّرَ لهَا أن تُحكَم بقبضة من حديد من طرف نُخْبَةٍ أُمِّيَّةٍ خَلَّفتها سياسة تدبير ملف الصحراء من طرف الدولة، وزكَّاها بقدر كبير الولَّاة والعمال القدامى في المنطقة خلال السنوات التي قضوها ولَّاة وعمالا على أقاليم الصحراء.
لن نعود إلى الوراء كثيرا لنقف عند المخلفات السلبية التي راكمها بعض ولَّاة الصحراء، وهي مخلفات لن تُعَبِّد الطريق لأي جهوية موسعة كي تَدُق أوتادها في الصحراء، ما لم يتم تَجاوزُها، ورميُها إلى مزبلة التاريخ؛ لأنها لا تتماشى والطرح الديموقراطي؛ الذي بُنِي عليه أساسًا مشروع الجهوية الموسعة؛ فالوُلَّاةِ الجُدد؛ الذين تم تعينهم في الأقاليم الجنوبية خلفًا لِوُلَّاةٍ عَظُمت أخطاؤهم؛ فجنوا على قضية الصحراء كثيرا؛ كوالي العيون السابق "محمد جلموس"، ووالي كلميم السابق "أحمد حمدي"... هؤلاء الولَّاة الجُدُد بدؤوا مهامهم على إيقاع سيمفونية الأخطاء في مرحلة حساسة؛ تتميز أساسا باستمرار المفاوضات حول الصحراء، وعمل "جبهة البوليساريو" على استغلال كل أخطاء الدولة في الصحراء في شخص وُلَّاتِهَا، خصوصا فيما يخص ملف حقوق الإنسان في الصحراء؛ وذلك ابتداء بأحداث كلميم وصولا إلى أحداث الداخلة؛ بَيْد أننا لن نركز هنا على الملف الحقوقي؛ بقدر ما يهمنا أن ننظر إلى علاقة السلطة في الصحراء، وضرورة تهيئ المناخ السليم لإنجاح الجهوية الموسعة في الصحراء، وتَعْبِيدِ الطريق نحوَ الحكم الذاتي. كما تهمنا الإشارة إلى ضرورة فتح نقاش حول وجوب خَلْق آليات جيدة وفعالة لتدبير التنوع الثقافي في الصحراء؛ خصوصا وأن المنطقة عرفت مؤخرا تنامي الصراع ما بين الأمازيغ والحسانيين. فالوالي الجديد لكلميم بدأ مسؤولياته على إيقاع احتجاجات كبيرة لم تشهد لها المنطقة مثيلا فيما سلف من الأيام، وتم تفريق 30 سنة من السجن على بعض الشباب من طرف المحكمة الابتدائية في كلميم، دون أن يتم بذل أي مجهود في الوصول إلى الأسباب الحقيقية للأحداث، أو حتى محاولة الاعتراف بأن هناك خطأ كبيرا في محاكمة هؤلاء الشباب على خلفية استمرار أحداث 20 فبراير2011، وتنامي احتجاجات المعطلين، والمهمشين، وتسجيل حالة حرق للذات تُوجت بالوفاة في المستشفى العسكري بالمدينة ذاتها، إن شباب كلميم اليوم يشكلون حبرا كتب به رئيس المجلس البلدي لكلميم، وأعيان المنطقة درسًا افتتاحيًا أولًا للوالي؛ وهو حبر يتم مسحه عندما ينتهي الدرس، والمسح هنا دلالة على سجن الشباب الذي حرقته نيران صراع الأعيان والرئيس مع الوالي الجديد "عبد الله عميمي"؛ فهل فَهِم الوالي الدرس الأول، وسيطبِّق تعاليم المعلمين الكبار في كلميم، وسيَرضخ لنزواتهم؟ إن الخريطة السياسية في الصحراء ترسمها شبكات عائلاتية وعرقية تنبني أساسا على القبلية والولاءات القبلية؛ ففي كلميم مثلا تسيطِر عائلة بلفقيه ومن لفّ لفَّها على أهم المناصب الحساسة في المدينة، والإقليم، والجهة ثم المركز؛ وذلك على الشكل التالي:
* عبد الوهاب بلفقيه: على المستوى المحلي يشغل منصب رئيس بلدية كلميم، وعلى مستوى المركز يشغل منصب مستشار في الغرفة الثانية؛ * الحسن بلفقيه: على مستوى الجهة يشغل منصب النائب الأول لرئيس المجلس الجهوي؛ * محمد بلفقيه: على مستوى الإقليم يشغل منصب رئيس المجلس الإقليمي.
فالوضع في مدينة كلميم كما في الصحراء عموما يمكن أن نستنتج منه شيئين اثنين؛ أحدها يكتسي الصحة والثاني خاطيء، إما أن النزاهة والكفاءة في تسيير الإدارات والمؤسسات تقتصر على عائلات بعينها، أو أن عامل المال والفساد الانتخابي يحكم اللعبة، والحقيقة أن الاستنتاج الثاني يفرض صحته فرضا، وما يمكن أن نشير إليه هنا هو أن الوضع الكائن حاليا في كلميم زكته الدولة عن طريق وزارة الداخلية في شخص الوالي السابق "أحمد حمدي"، الذي تَستَّر عن جملة من الخروقات والتجاوزات مقابل مصالحه المادية مع الأعيان والمنتخَبين؛ وبذلك تكون الدولة مُلزَمة بالتدخل لتنقية الجو السياسي، وتوفير آليات وضمانات انتخاب رئيس جهة موسعة ومتقدمة نزيه وكفئ لا يخرج من رحم الوضع الحالي الفاسد في كلميم، وإلا فلتحتفظ الجهة بنفس التسمية أي جهة كلميم- السمارة؛ إذ إن عدم تغيير المناخ السياسي الفاسد لا يستوجب تغيير اسم الجهة؛ فهل سيعمل "عبد الله عميمي" على إصلاح ما أفسده "أحمد حمدي"؟ وهل سيقف الوالي إجلالا للرئيس والأعيان أم أن الوالي سيوقف الرئيس والأعيان عند حدودهم؛ التي تعدوها منذ زمن طويل؛ فظلموا أنفسهم، وظلموا ساكنة المنطقة؟ إن القادم من أيام ولاية "عبد الله عميمي" سيجيبنا على سؤالنا؛ والذي نرى في الإجابة عليه تنويرا وإضاءة على مستقبل جهة كلميم- وادنون الموسعة؛ والتي وجب أن تمشي بنفس الخطى والسرعة ذاتها التي تخطو بها باقي جهات المغرب . لن يختلف الوضع في العاصمة الجهوية للصحراء العيون عن الوضع القائم في كلميم، ما دامت خصوصية منطقة الصحراء تجمع بينهما؛ إذ إن هذه الخصوصية هي المشجب الذي يُعَلِّقُ عليه الأعيان والمنتخَبون جُل مظاهر فسادهم واختلالاتهم؛ ف"آل الرشيد" عَثَوْا فسادا في الصحراء والعيون؛ فلم تسلم لا رمال الصحراء ولا ساكنتها من ظلمهم وفسادهم؛ فالكل في الصحراء يعرف كيف وصل ناهبو رمال الصحراء إلى أعلى المناصب في المنطقة؛ وذلك على الشكل التالي:
* خليهن ولد الرشيد: رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية؛ * حمدي ولد الرشيد: رئيس المجلس البلدي لمدينة العيون؛ * سيدي حمدي ولد الرشيد-الصغير-: رئيس جهة العيون-الساقية الحمراء؛ * كما يشكل خليهن وحمدي الشجرة التي تغطي كل امتدادات عائلة آل الرشيد وأفراد قبيلتهم –الرقيبات- في مناصب عديدة من داخل الصحراء.
ستكون مهمة "الخليل الدخيل" الوالي الجديد للعيون صعبة إذا ما أراد أن يُعَبِّد الطريق للجهوية الموسعة، ومخطط الحكم الذاتي؛ خصوصا وأن انتماءه لقبيلة "الركيبات" سيعسر من مهمته؛ لكن لا مناص من تدخله الإيجابي والمحايد إن أرادت الدولة خيرا لجهة العيون-الساقية الحمراء؛ خصوصا وأن آل الرشيد كانوا قد سحبوا بساط التسيير من الوالي السابق "محمد جلموس"؛ فكان متفرجا وملاحظا أكثر مما هو والٍ. يَصْلُح هذين النموذجين لكي يُسقَطا على باقي مدن وجهات الصحراء؛ ولا يهمنا هنا مناقشة الأشخاص أو العائلات والقبائل؛ بل يهمنا أن نؤكد على أن أي تغيير في الصحراء سيكون مستحيلا، لأن الأعيان والمنتخبين يشكلون قوة مانعة للتغير، ومن منطق أن من لا يريد التغيير وجب تغيره؛ فإننا نرى أن الدولة ملزمة بالتخلص من مخلفات سياسية موروثة عن فترة حكم "الحسن الثاني" ويده اليمنى "إدريس البصري"، وإلا فإن خطاب التاسع من مارس سيبقى مجرَّد نوايا حسنة غير قابلة للتطبيق؛ لأن المناخ السياسي الفاسد في الصحراء لا يسمح بترجمتها إلى أفعال ديمقراطية ومشاريع تنموية على رمال الصحراء القابلة للتحرك في أي لحظة؛ لأن تلك المخلفات السياسية نهبت رمال الصحراء، وجِمالها، ومالها العام، ومحروقاتها، وها هي اليوم تستعد لإفساد مشروع الجهوية الموسعة، وعرقلة مخطط الحكم الذاتي. إن أكبر الضمانات والآليات الناجعة لترجمة نوايا خطاب 09 مارس 2011، وتقرير اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة إلى حقيقة واقعية في الصحراء هو؛ قطع دابر الأعيان والمنتخبين، وتنقية المناخ السياسي من طرف الدولة، لأن استمرار نفس المناخ السياسي في الصحراء سيؤدي إلى إعادة إنتاج جهات ضيقة مُتَخَلِّفَة بتسمية جديدة فارغة من مضمونها الأساسي المُرَكَّز أساسا في الديمقراطية سياسيا، والتنمية اقتصاديا واجتماعيا.