تشير خطط السعودية لخفض الإنفاق وتقليص دعم الطاقة إلى أن أكبر بلد مصدر للنفط في العالم يستعد لمواجهة تدني أسعار الخام لفترة طويلة. وتقول مصادر في قطاع النفط ومحللون إنه لم يصدر عن المملكة ذات الثقل في منظمة أوبك ما يشير إلى أنها مترددة في الاستراتيجية النفطية الطويلة الأجل التي تتبناها منذ العام الماضي. وبدلا من ذلك يبدو أنها مستعدة لتحمل هبوط أسعار النفط للدفاع عن حصتها في السوق والانتظار حتى تتوازن السوق بدون خفض الإمدادات. وفي واحد من أقوى التلميحات بأن المملكة ستمضي قدما على هذا المسار رغم تأثر ماليتها العامة قال رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية خالد الفالح إن بلاده أكثر قدرة على الصمود من المنتجين الآخرين. وقال الفالح في مؤتمر صحفي مساء أمس الاثنين إنه يتوقع أن تتوازن السوق في 2016 وأن يتجاوز الطلب المعروض في نهاية المطاف، ويمتص جزءا كبيرا من فائض المخزون وأن تستجيب الأسعار بغض النظر عن توقيت ذلك ومدى الاستجابة. وأضاف "السعودية أكثر قدرة من غيرها على الانتظار لحين تحقيق هذا التوازن في السوق." وقال محللون إن الخطط التي أعلنت أمس لتقليص العجز القياسي في الموازنة الحكومية من خلال خفض الإنفاق وإصلاح دعم الطاقة والسعي لزيادة الإيرادات من الضرائب والخصخصة تظهر أن الرياض تتوقع تراجع الإيرادات. وقالت امريتا سين كبيرة محللي شؤون النفط لدى إنرجي أسبكتس للاستشارات "لا نتوقع أي تغيير في سياسة السعودية النفطية فيما يتعلق بالإنتاج. "تشير التغييرات في الميزانية إلى أنهم يتوقعون أن تظل أسعار النفط منخفضة لبعض الوقت والإصلاحات تشكل خطوة صغيرة في مواجهة ذلك." وتمثل ميزانية 2016 والإصلاحات التي أعلنتها السعودية أكبر تغير في السياسة الاقتصادية للمملكة خلال ما يزيد عن عشر سنوات، وتهدف إلى تقليص العجز إلى 326 مليار ريال من 367 مليار ريال أو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015. وتتوقع موازنة العام القادم إنفاقا قدره 840 مليار ريال انخفاضا من 975 مليارا في 2015. وقالت الحكومة إنها قررت رفع أسعار الوقود والمياه والكهرباء والغاز المستخدم كلقيم في الصناعة في إطار إصلاحات للدعم حساسة سياسيا. وقال عاصم بختيار رئيس البحوث والاستشارات الاستثمارية لدى السعودي الفرنسي كابيتال "أنفقت المملكة في الماضي بسخاء على الصحة والتعليم والبنية التحتية في أوقات صعبة علما منها بأن أسعار النفط ستكون داعمة… وإذا دخل النفط دورة هبوط ستكون الغلبة لسياسة شد الحزام." وصار الفالح -الذي يشغل أيضا منصب وزير الصحة- رئيسا لمجلس إدارة أرامكو أكبر شركة طاقة حكومية في العالم في وقت سابق هذا العام بعد أكثر من 30 عاما قضاها في الشركة. والفالح واحد من بين شخصيات قليلة في المملكة يراقب التجار والمحللون آراءهم عن كثب للاستدلال بها على الاستراتيجية النفطية للمملكة. ولطالما اعتبر الفالح خليفة محتملا لوزير النفط السعودي علي النعيمي (80 عاما) وخصوصا بعد ظهوره مع وزيرين آخرين في المؤتمر الصحفي لإعلان الميزانية والذي أبدى فيه وجهات نظره بشأن أسعار النفط وتقييم السوق. ولم تغير منظمة أوبك سياسة الإنتاج في اجتماعها الأخير في الرابع من ديسمبر كانون الأول. وكانت الرياض هي المحرك للتحول في سياسة المنظمة العام الماضي إذ رفضت دعوات خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط، والتي تراجعت هذا الشهر لأدنى مستوياتها منذ 2004 وآثرت بدلا من ذلك الدفاع عن الحصة السوقية في مواجهة المنافسين ذوي تكلفة الإنتاج العالية. وقال الفالح إن تلك السياسة أتت ثمارها. وأضاف أن دورة الهبوط التي شهدتها أسواق النفط على مدار العام الماضي أثرت كثيرا على العرض والطلب إذ استقرت إمدادات المعروض في أمريكا الشمالية، ثم بدأت في التراجع بشكل كبير متوقعا أن يستمر هذا الاتجاه أو ربما يتسارع في 2016. وتم تداول خام القياس العالمي مزيج برنت قرب 36.85 دولار للبرميل اليوم الثلاثاء بانخفاض حاد عن مستواه المرتفع البالغ 115 دولارا في يونيو 2014 قبل أن تغير أوبك سياستها. ولم تفصح وزارة المالية السعودية عن متوسط سعر برميل النفط الذي وضعت على أساسه ميزانية 2016 لكن خبراء اقتصاديين يقدرونه عند نحو 40 دولارا، ويتوقعون أن يستمر إنتاج المملكة مرتفعا بما يتجاوز عشرة ملايين برميل يوميا العام القادم. وقال محللون لدى جدوى للاستثمار السعودية المالية في مذكرة اليوم "لا نتوقع أن تقوم السعودية.. بخفض الإنتاج لدعم تحرك الأسعار صعودا. حتى الآن تؤتي سياسة المملكة لكسب حصة سوقية ثمارها ويؤدي هبوط الأسعار إلى تقليص حصص المنافسين سواء من داخل أوبك أو خارجها في أسواق رئيسية."