منذ أيام حلّت الذكرى 22 لاغتيال المعطي بوملي الطالب اليساري المنحدر من ضواحي جرسيف، الذي كان يتابع دراسته في كلية العلوم بجامعة محمد الأول بوجدة، ففي الفاتح من نونبر 1991 أعلن عن اكتشاف جثة بوملي، بعد يوم كامل بالتمام والكمال قضاه رهن الاحتجاز بعد اختطافه من إحدى قاعات الأشغال التطبيقية بكلية العلوم. جريمة حوكم بسببها 12 طالبا من طلبة "العدل والإحسان" الذين اتهمهم رفاق بوملي بارتكاب الجريمة، في أوج الصراع بين الطلبة العدليين والطلبة القاعديين، بعدما أعلن الجناح الطلابي لأكبر جماعة إسلامية في المغرب الدخول إلى المواقع الجامعية وخوض الصراع من داخل هذه المواقع. وإذا كان المعتقلين 12 الذين القي القبض عليهم خلال اليومين الموالين لارتكاب الجريمة قد انهوا محكوميتهم بعدما أدينوا ب 20 سنة سجنا نافذا، فإن قبر المعطي لم يظهر إلى حدود الساعة. أين دفن المعطي! جل من استطلعت أرائهم "اليوم24" من رفاق بومالي عن المكان المفترض لدفنه بمدينة وجدة، لا يستطيع الجزم والحسم، "عندما عثر عليه من قبل حارس ليلي ملقى على قارعة الطريق على مسافة ليست بالبعيدة عن المنزل مسرح الجريمة وبجانبه قنينة ممتلئة من دمائه، حضرت الشرطة بتعزيزات كبيرة إلى المكان" يقول أحد المقربين من بوملي الذي رفض الكشف عن هويته قبل أن يضيف "في ظرف وجيز لملمت الشرطة جثته المقطوعة الأوردة والعضلات واتجهت بها إلى مستودع الأموات بمستشفى الفارابي، ومنذ ذلك الحين لم يظهر شيء عن جثة المعطي". وإذا كان معظم المهتمين بالملف يجهلون المكان الحقيقي لدفنه، فان مصدر متابع للملف كشف في تصريح ل" اليوم24" أن المعطي على الأرجح سيكون مدفونا بمقبرة سيدي يحيى، وعزّز نفس المصدر فرضيته بكون المقبرة نفسها شهدت سنة 1984 دفن 3 من المحتجين خلال تلك الأحداث التي عرفتها وجدة وباقي المدن المغربية، وهي الأرجح المقبرة التي كانت تحتضن مثل هذه الحالات التي تكون اغتيالاتها لدواعي سياسية. منذ أن برز الحديث عن الاختفاء القسري خلال السنوات الأخيرة وملف بوملي مطروح على أجندة الحقوقيين بالمغرب خاصة بالمنطقة الشرقية، وفي هذا السياق طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالكشف عن قبر المعطي، وكان أخر ما قامت به هذه الجمعية الحقوقية توجيه رسالة مفتوحة إلى وزير العدل والحريات السنة الماضية، وقبله كانت نفس الجمعية وجهت مراسلة إلى الوكيل العام باستئنافية وجدة، لتعيين قبر المعطي، إلا أن رد النيابة العامة عن تلك المراسلة زاد الملف غموضا وتعقيدا، حيث قال الوكيل العام بأنه بعد البحث الذي قامت به النيابة العامة، لم يتم العثور على قبر المسمى قيد حياته المعطي بوملي.
القبر أولا! "لابد من تعيين قبره وهذا حق بديهي لا يمكن التنازل عنه، لأنه لأي شخص كما له الحق عند الحياة في الاسم وغيره فهو له الحق في أن يتوفر على قبر" يقول حفيظ إسلامي رئيس المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجهة الشرقية، قبل أن يضيف بان الجمعية تعاملت مع ملف بوملي من زاوية حقوقية ما حتم عليها النضال من اجل الكشف عن قبره، إلا أن الخطوات التي قامت بها لم تثمر إلى حد الساعة عن أي مؤشر دال على وجود رغبة في التعاون للوصول إليه "الرسائل التي توصلنا بها كلها تتسم بالغموض" يكشف إسلامي قبل أن يتساءل في تصريح ل"اليوم24" "إذا كان الوكيل العام في سنة 1991 هو الذي أعطى الأوامر بالدفن بعد 10 أيام قضاها بوملي بمستودع الأموات، فكيف للوكيل العام اليوم أن يقول بأنه بعد البحث لم يتم التوصل إلى قبره؟". إسلامي أرجع تحفظ الدولة عن الكشف عن قبر بوملي إلى تخوفها من تحول قبره إلى مزار يومي لرفاقه وعائلته، "مثله في ذلك مثل العديد من المختفين قسرا، على رأسهم المهدي بن بركة والمانوزي وزروال وحتى قبر محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي يسوده الكثير من الغموض حول عدم استرجاع رفاته إلى المغرب"، قبل أن يؤكد بأن الدولة "فطنت إلى الرمزية السياسية التي يمكن أن تخلقها قبور هؤلاء"، لكن ذلك لا يمنع وفق نفس المتحدث من الاستمرار في المطالبة بالكشف عن قبره والوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها الجمعية أمس "تأتي في سياق نضالنا من أجل تعيين القبر".