لوحظ نوع من الخمود في عمليات الاستقطاب والتجنيد في مدن شمال المملكة لصالح تنظيم "داعش" هذا العام، على عكس السنوات السابقة.. إلى ما ترجع ذلك؟ هناك تفاوت في مسألة الخمود هذه بالنسبة إلى مدن شمال المملكة، لكن يصح القول بأن ما حدث هذا العام في مدينة الفنيدق باعتبارها كانت مركزا للاستقطاب لصالح «داعش»، أمر ملفت للانتباه لأن تلك المنطقة قدمت موارد بشرية كبيرة لصالح التنظيمات المتطرفة في العراقوسوريا طيلة ثلاث سنوات، قبل أن يخمد الوضع وكأن قوسا قد جرى إغلاقه. إن السبب الرئيس في نظري في حدوث هذا الخمود في تلك المنطقة هو مقتل عبد العزيز المحدالي. ومن المهم أن نشير إلى أن هذا الحادث شكل منعطفا حادا في مسار الاستقطاب والتجنيد في الفنيدق وبعض نواحيها لأن هذا الشخص كانت لديه مسؤولية مباشرة في تجنيد الكثير من الشباب المحليين، أو لنقل إنه كان هو العامل الأساس لانضمامهم إلى «داعش» أو إلى «جبهة النصرة» قبلها. ومع مقتله، شرعت أعداد المرشحين للقتال في صفوف «داعش» في التناقص بشكل مهول حتى تبخروا تماما هذا العام. ولكن لم يكن هو السبب الوحيد في ذلك على كل حال، لأن تزايد أعداد القتلى من المدينة نفسها بات عاملا مثبطا للهمم، وكان من الصعب إقناع الشبان بالانضمام إلى «داعش» في وقت يسقط فيه ما بين 7 و8 شبان من تطوان ونواحيها قتلى. وقد ظهر لي أن فكرة الهجرة من أجل الموت لم تعد تمتلك جاذبية كبيرة في صفوف الشباب، لأن الأبطال المزعومين كالمحدالي سرعان ما نُسي أمرهم أو تحولوا إلى موضوعات للشك. ولكن الكثير من الشباب هناك ممن انضموا إلى «داعش»، كانوا يعرفون أنهم سيواجهون احتمالات كبيرة للموت؟ طبعا، ولذلك، فإن الموجة الثانية التي كانت متوقعة للشباب الراغبين في الالتحاق ب»داعش»، بالرغم من أن احتمالات موتهم الفوري أو الحتمي وهم هناك، كان يجب أن يضع حدا معينا لطموحاتها. لقد كانوا قليلي العدد في كل الأحوال، وربما كانت الخلايا المحلية تبذل مجهودات أكبر لإقناعهم بعد فقدان المحدالي، ولذلك كان لتدخل السلطات مفعول مساعد على وقف الموجة الثانية. إن عدد الخلايا التي جرى تفكيكها في الفنيدق أو تلك المرتبطة بتطوان أو بمناطق أخرى بالمغرب، وكان لفاعلين نشطين في الفنيدق صلة بها، كان عددا ضخما مقارنة مع مناطق أخرى، وقد تعرض تنظيم «داعش» بالفنيدق لعملية تجفيف حقيقية لقواعده في الاستقطاب والتجنيد والتمويل. وحتى وإن تشكلت لدى شبان محليين قناعة بالانضمام إلى «داعش»، فإن قدرتهم على تنفيذ خطتهم كانت محدودة أو في كثير من الأحيان مستحيلة، لأنهم لم يعثروا على أشخاص يساعدونهم على التخلص من رقابة السلطات، أو تمويل رحلاتهم كما كان يحدث بفضل الإرشادات العملية لعبد العزيز المحدالي، وحتى لو كانت لديهم الإمكانات لِفعِل ذلك، فإن هواجس اعتراض طريقهم في الحدود المغربية كانت عاملا معيقا. لقد وجد المتطرفون في الفنيدق على الخصوص أنفسهم في وضعية حصار شديد. وماذا يعني هذا؟ هل انمحت «داعش» من جغرافيا الفنيدق ومحيطها؟ لقد أجرينا بحثا في منظمتنا، واكتشفنا بأن تناقص أعداد الشبان الذين ينضمون إلى «داعش» من مدينة الفنيدق، يقابله ارتفاع عدد الذين يفعلون ذلك من مدينة مارتيل وتطوان، على عكس ما كان عليه الحال من قبل، وبالأخص فيما يتعلق بمدينة مارتيل. لقد كان التفسير المحتمل لهذا التغير هو أن وجود اسم الفنيدق على جواز سفر قد تحول إلى مشكلة، ومع تركيز سلطات مراقبة الحدود في مطار الدارالبيضاء عليه، فإن الشبان المنحدرين من مدن أخرى بشمال المملكة لم يكونوا يلقون مشاكل كبيرة في تجاوز عقبات الحدود. وهنا يجب التنبيه إلى أنه بالرغم من كل شيء، فإن الأعداد المعنية لهذا العام تبقى قليلة في حالة تطوان، فيما بقيت أرقام مارتيل في مستوى منخفض، ولم تصل إلى حجم مثير للفزع كما كان يحدث مع الفنيدق. وطيلة هذا العام، أيضا، لم تنفذ السلطات عملية تفكيك لخلايا في تطوان أو مارتيل أو نواحيها، وحتى في طنجة، ويبدو أن المشكلة لم تعد كبيرة. ومع ذلك، من الضروري أن نقول بأن هذه المؤشرات العملية أو الظاهرية لا يجب أن تخفي علينا حقيقة أن «داعش» مازالت مستمرة في مناطق شمال المملكة، وكل ما يحدث الآن في رأيي هو انحناءة تكتيكية، وقد نرى موجة هجرة جديدة إن ظهرت بؤرة توتر أخرى، وقد وقع ذلك في 2004 في قضية العراق، وعادت في مشكلة سوريا، وستعود مرة أخرى بشكل مؤكد. محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الانسان