الظاهر تثير الانتباه فعلا خصوصا منذ باتت سوريا والعراق ساحة للحركات الجهادية الإرهابية.. أغلب المغاربة الذي يلتحقون بهذه التنظيمات الإرهابية من شمال المغرب، خصوصا مدن تطوانوالفنيدق وطنجة وما حولها. فما هي أسباب هذا التركيز على شباب الشمال؟ وكيف يجري استقطابهم؟ هذه محاولة للإجابة. ما لا يقل عن خمس إلى ست شبكات فككتها السلطات الإسبانية ونظيرتها المغربية خلال السنة الماضية، وفي شهر يناير من السنة الحالية، وكلها تعمل في مجال تجنيد الشباب للقتال في سوريا والعراق، تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». بيد أن الأمر المثير في عمليات التجنيد هو أن أغلب المجندين، إن لم نقل جميعهم، يتحدرون من مدن الشمال، وعلى رأسها مرتيل والفنديق، المدينتان الحدوديتان مع سبتةالمحتلة، فيما يعد المجندون من المدن الأخرى الداخلية أو الجنوبية على رؤوس الأصابع. ويبقى التساؤل المطروح، لماذا يتم استهداف الشباب المتحدرين من مدن الشمال دون غيرهم؟ ولماذا الشماليون هم أكثر عرضة للسقوط في أحضان هذه الجماعات المتطرفة؟ خصوصية المنطقة محمد بنعيسى، مدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان، الذي أعد دراسة حول الجهاديين في مدن الشمال، يرى أن منطقة الشمال لها خصوصية جغرافية، بحكم قربها من أوروبا، ولها خصوصية تاريخية تتمثل في كون شباب المنطقة طالب، عبر مسيرات احتجاجية؛ لاسيما في الريف، بالاستفادة من خيرات البلد. ويضيف بنعيسى في حديث ل «اليوم24» أن هناك عاملا اقتصاديا؛ فأغلب شباب المنطقة يتميز بنشاطين بارزين، الأول هو نشاط التهريب المعيشي، والثاني هو التجارة في المخدرات. ويؤكد المصدر أن التحقيقات مع شبكات التجنيد كشفت أن أغلب المجندين كانت لهم سوابق في مجال تهريب المخدرات، أو أنهم عملوا في مجال التهريب المعيشي، هذا بالإضافة إلى المستوى التعليمي المتدني، بل إن منهم من لا يعرف القراءة ولا الكتابة. محمد يونس، فاعل حقوقي وجمعوي يتحدر من مدينة الفنيدق، يرى -من جهته- أن استهداف شبكات التجنيد لشباب المدينة يعود، بشكل أساسي، إلى قلة الوعي لدى هؤلاء، وسهولة ارتمائهم في حضن هذه الجماعات. وأضاف في حديث ل «أخبار اليوم»: «هؤلاء لا عمل لهم ويعيشون فراغا قاتلا، وهم مستعدون لخوض أي نشاط كيفما كان لجلب المال. وهذه الجماعات تحاول إغراءهم بالمال والسكن إن هم قبلوا بالانضمام إلى صفوفها». بهذه الكيفية جرى استقطاب العشرات من شباب الشمال، وتحديدا بمدينتي الفنيدقومرتيل. الشماليون قادرون على تنفيذ العمليات الشماليون قادرون على تنفيذ العمليات، خاصة بالتراب الإسباني، وهم قادرون أيضا على عدم إثارة انتباه الأجهزة الأمنية الإسبانية، وهو ما تصبو إليه التنظيمات الجهادية، لأن هذا يبقى عاملا أساسيا في نجاح أي عملية. هذه الفكرة أكد عليها الباحث والمتخصص في الجماعات الإسلامية والتنظيمات الجهادية محمد ضريف، الذي أضاف في حديث ل «اليوم24» أن الخلفية الجغرافية للمجندين والقدرة على التواصل تبقى من أبرز وأقوى الأسباب التي تدفع هذه التنظميات إلى اختيار المنطقة والجهة التي ستتم فيها عمليات التجنيد. أما محمد بنعسيى، الباحث الحقوقي والجمعوي، فيضيف سببا آخر، وهو خلاصة بحث قام به المرصد الذي يترأسه حول هذه الفئة، إذ أشار إلى أن المجندين، في الغالب، ينحدرون من مستوى اجتماعي متدني، إذ يعمل العديد منهم في مهن هامشية (جباس أو بناء.. أو غيرهما). أما مستواهم التعليمي فلا يتعدى الإعدادي في مجمله، مع وجود عدد قليل منهم لا يتجاوز تعليمه مرحلة التعليم الثانوي أو الجامعي. وهناك من المجندين من كانوا منخرطين في اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين السياسيين، التي تنشط بكثافة في منطقة الشمال بمدينتي تطوان وطنجة. هؤلاء يرون أن الإسلاميين –عموما- يعانون من الاضطهاد والظلم، لذلك وجب مواجهة «الفئة الظالمة»، ولن يتأت لهم ذلك إلا عن طريق الانخراط في الجماعات المقاتلة. هذا الأمر أكده ضريف عندما كان يتحدث عن شروط التجنيد، وقد اعتبر رفض الواقع الحالي كشرط ثالث لتجنيد الشباب لفائدة التنظيمات الجهادية. ما الحل إذن؟ أسئلة كثيرة تطرح حول استهداف شباب مدن شمال المملكة من لدن التنظيمات الجهادية، لذلك تبلورت عدة مقترحات وحلول للحد من هذه الظاهرة، منها ما دعا إليه مرصد الشمال لحقوق الإنسان عندما طالب بضرورة وضع إستراتيجية وطنية، من أجل الحد من تجنيد الشباب للذهاب إلى سوريا والعراق. وتعتمد هذه الاستراتيجية، وفق المرصد، على إشراك منظمات المجتمع المدني، والصحافة، والمجالس العلمية، والمؤسسات الدينية لوضع مخطط يهدف إلى وقف هذا النزيه الذي يستهدف شباب في زهرة عمرهم، والذي امتد أيضا ليستهدف حتى الفتيات. أكد المرصد أيضا على ضرورة حياد الدولة الإيجابي بالنسبة للصراعات التي يعرفها العالم، والتي تشكّل صمام أمان بالنسبة لشبابها، وعدم تكرار تجربة أفغانستان، والعراق وسوريا..، وغيرها. هناك حل آخر اقترحته إحدى الأمهات الذي كان ابنها ضحية هذه التنظيمات الجهادية، وهو يتحدر من مدينة الفنيدق. هذه السيدة ناشدت في اتصال ل «أخبار اليوم» المسؤولين بضرورة فتح حوار مع هؤلاء الشباب، ومنهم عدد كبير من المرجح أن يكون رقما جديدا في صفوف هذه الجماعات، لمعرفة مطالبهم ومحاولة معالجتها، وتضيف هذه الأم: «أن يبقى الشباب في حضن الدولة أفضل من أن يذهبوا إلى سوريا للموت، ولا ندري هل هم شهداء كما يقولون أم أنهم ضمن الفئة التي تقتل الناس». الهاجس الأمني يظل سيد الموقف الهاجس الأمني هو سيد الموقف بشمال المملكة؛ لاسيما بمدينتي الفنيدقومرتيل، لأنهما المدينتان الأقرب إلى الحدود، ولأن أغلب شبكات التجنيد توجد في سبتة ومدن الجنوب الإسباني، لذلك فإن عمليات المراقبة تتم على أعلى مستوى بالمدينتين من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة. هذا الوضع، ترى جمعيات حقوقية بالشمال أنه «غير صحي»، وسيساهم في توتر الأوضاع، وتطالب بالبحث عن حلول أخرى بديلة، فيما يرى المسؤولون الأمنيون أن ما يجري –الآن- في مدن الشمال هو عمل عادي تقوم به المصالح الأمنية لمراقبة هذه الفئة التي تشكل خطرا على أمن البلاد. ولأن معظم شبكات التجنيد توجد في سبتةالمحتلة، فإن تنسيقا أمنيا غير مسبوق تقوم به المصالح الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية في مكافحة هذه التنظيمات. وخير دليل على ذلك هو إرسال عناصر أمنية إلى إسبانيا للعمل هناك مع زملائهم الإسبان، ذلك أن المجندين هم من أصول مغربية ومن منطقة الشمال تحديدا، لذلك رأت السلطات الإسبانية أنه من المفيد أن يتواجد الأمن المغربي على أراضيها لتعزيز التعاون والتنسيق الأمني لمواجهة هذه التنظيمات ومكافحة عمليات التجنيد التي تتم سواء بسبتةالمحتلة أو مدن الجنوب الإسباني.