عندما زار الرئيس السوري السابق شكري القوتلي بلدة القصبين سنة 1943 قرأ عليه طفل سوري موهوب اسمه علي أحمد سعيد إسبر قصيدة. وهي القصيدة التي تلقاها الرئيس باستحسان ليسأل الطفل السوري عما يمكن له القيام به من أجله، ليجيب ذلك الطفل الذي سيتحول في ما بعد إلى واحد من كبار الشعراء العالميين قائلا: «أرسلني إلى المدرسة». لم يكن ذلك الطفل سوى أدونيس المزداد في سوريا سنة 1930، قبل أن يجبر على النفي نحو لبنان سنة 1956، والذي غادره في ظل الحرب الأهلية صوب باريس سنة 1986. في هذا الحوار يتحدث عن مجموعة من القضايا المثيرة للجدل في الوقت الراهن بدءا بالهجمات الأخيرة التي شهدتها العاصمة باريس ورأيه في الأنظمة والحكام العرب واللاجئين السوريين وردود الفعل الأوروبية… كيف كان شعورك عندما وصلت الحرب السورية إلى قلب باريس؟ لم تفاجئني. داعش والإرهابيون يرغبون في تدويل المسألة لكي يبينوا للعالم أنهم هناك، وأنهم أقوياء. لِمَ تعتقد أن الخطاب الداعشي يجد له صدى بين بعض الشباب؟ بدون شك، يؤثرون في العقول. هناك ذكريات تاريخية عن الغرب تدخل على الخط، إلى جانب الحالة السيكولوجية لهؤلاء الشباب، بالإضافة إلى فشل العرب في جميع المستويات. لهذا، يمكن لداعش أن يؤثر على عدد كبير من الأشخاص. لقد تمكن داعش من أن يجد له مساحة في عقول بعض العرب الذين يعيشون في وسط غارق في العدمية. لذلك من الضروري البحث عن جذور هذا التأثير، علاوة على ضرورة محاربة داعش بالثقافة. إذ إنه لم يمكن مواجهته فقط، بالجيوش. هل تعتقد أن الثقافة قادرة على تقديم نتائج أكثر من التحركات العسكرية؟ دوما هي الأكثر أهمية. الجيش لا يمكن أن يُقاتل، يمكن أن يسحق، لكن لن يحقق الكثير. لا يمكن الانتصار على العنف بالمزيد من العنف، لذلك يجب البحث عن طرق أخرى. كتابك الأخير المنشور في إسبانيا يتحدث عن الثقافات في المكسيك قبل «اكتشاف» أمريكا من قبل كولومبوس يصف العنف وإبادة شعب. هل شعرت بتأثير ما يحدث في سوريا فيك عند كتابته؟ لا، هو كتاب حول غزو المكسيك، والذي تم خلاله إبادة حضارة. لكن، الأكيد، هو أن جميع الأديان السماوية تقوم على العنف، على الأخ الذي يقتل الآخر، قابيل قتل هابيل. العنف موجود، وهو واحد. هل هناك مخرج للصراع السوري؟ دوما يجب انتظار مخرج، أي شعب يمكنه إيجاد مخارج. لذلك لا يمكن أن نفقد الأمل. الأمل هو جزء من شخصية جميع الشعوب. لكن يبدو أن الجرح السوري غائر، لأنه صار صراعا متوحشا جدا؟ جراح الحروب الأهلية دوما ما تكون غائرة، والإسبان يعرفون ذلك جيدا. حرب أهلية هي جرح في حد ذاتها، لكنني لازلت متفائلا من قدرة الشعوب على التحرك، ومتشائما من حيث الأنظمة الحاكمة. هذه الأخيرة لا يمكنها فعل أي شيء. من وجهة نظري لا فرق بين الأنظمة العربية، إذ كلها ديكتاتورية. فقط هناك اختلافات صغيرة، يتعلق الأمر باختلاف في الدرجات فقط، وليس الجوهر. لذلك لا يوجد نظام عربي ديمقراطي واحد في وطننا العربي. إذ لا مجال للحديث عن حقوق الإنسان، فالنساء كمثال لازلن مسجونات في إطار رؤية دينية معينة. هذا، وعلى الرغم من أن تونس عرفت تطورات مهمة، فلا وجود للنساء، كما أن مصيرهن ليس بين يديهن. الأنظمة العربية كلها من طينة واحدة: ديكتاتوريات. والذي لازال يثير الاستغراب أكثر هو أن معارضيهم ينتمون إلى الطينة نفسها. بعبارة أخرى، يجسدون الوجه الآخر للعملة نفسها، ذلك لأن أغلبية المعارضين ليس لديهم مشروع للقطع مع الدين ومع العادات والتقاليد والطائفية. كما أن كل اهتماماتهم منصبة على السلطة، والعمل على إسقاط نظام يهيمن عليه رجل واحد، أي تغيير شخص وتعويضه بآخر ليس تغييرا. منذ 1950 تغيرت الكثير من الأنظمة، لكن في العمق لا شيء تغير. بالنسبة إلي السياسة هي جزء من الثقافة. لذلك لا يمكن أن تقوم قائمة لثورة عربية دون الفصل الكلي والجذري بين الدين والثقافة، وبين المجتمع والسياسة. هل تعتقد أن المفتاح هو الفصل الذي تتحدث عنه؟ بدون شك، غير هذا لا يمكننا الحديث عن الثورة. الذي يشهده العالم العربي هو صراع على السلطة، لأن في فكر المسلمين لا يوجد المشكل في المجتمع، بل في الحكم (السلطة). هل تمت قراءة ما يقتضيه الكلام عن فصل الكنيسة عن الدولة من أجل تحرير المرأة؟ أبدا. الصراع عندنا هو صراع من أجل الحكم، في حين أن الأهم هو تغيير المجتمع وليس نظام الحكم. هل تعتبر الربيع العربي فرصة ضائعة؟ للأسف، نعم. كتبت الكثير حول هذا الأمر. فقد انتهى وتحول إلى صراع دولي. العنف تجاوز بشكل كبير الرقعة السورية. كسوري وباريسي ما الذي أحسست به ليلة الجمعة؟ شيء مرعب ومفزع. ليسوا سوريين، بل مرتزقة. يقال في صفوف داعش أشخاص من 80 بلدا، ذبحوا أناسا، ووضعوا النساء في الأقفاص، واللواتي تم بيعهن كما لو أنهن بضاعة. شيء مخيف. دمروا عددا كبيرا من الأعمال الرائعة في العمارة والفن. علاوة على تدمير ونهب المتاحف. هذا ليس بثورة. الثورة يجب أن تصون وتحفظ التاريخ والفن… هل هناك ثورة تقبل بتدمير سوق حلب ذلك الإرث الرائع؟ هل هناك ثورة سورية حقيقية تسمح بتدمير حلب وتدمر؟ هربت من بلدك سورية سنة 1956، بعد ذلك وجدت نفسك من جديد مجبرا على الفرار من بيروت بسبب الحرب الأهلية. بما تشعر عندما تشاهد ملايين السوريين يزحفون نحو أوروبا بحثا عن اللجوء؟ شيء تراجيدي عندما ترى هؤلاء الأشخاص يُعاملون بطريقة سيئة من قبل الأوروبيين الذين يرفضون استقبالهم. يجب أن نحيي ألمانيا لأنها البلد الأوروبي الأكثر رحمة ورأفة بهم، على الرغم من أنها لم تكن واحدة من الدول المستعمرة للعرب، بحيث إن الدول التي استعمرت العرب مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا كانت أقل كرما مع اللاجئين السوريين. هذا يطرح سؤالا واحدا: ألا تشعر أن في ذمتها دين أخلاقي تجاه العرب؟ هل تعتقد – كما تلك الحكاية التي ترددها بكون الأطفال العرب يحتاجون، على وجه الخصوص، إلى الذهاب إلى المدرسة- أن الثقافة يمكن أن تحل عددا كبيرا من مشاكل العرب؟ هذا كان في ال40 من القرن الماضي. بدون شك الثقافة شيء ينقصنا نحن العرب، لكن نحتاج أيضا إلى فرص الشغل. البطالة مشكل عويص لدينا. بحيث لازالت المشاكل الجوهرية مثل القبلية والطائفية والروابط الاجتماعية والعرقية حاضرة عندنا. لم نصل بعد إلى أي حل لأننا لم نفصل بين الدين والدولة، إذ لازلنا في العصور الوسطى، فقط، تغيرت الواجهة، بحيث أصبحت لدينا سيارات وطائرات، لكن الثقافة المهيمنة هي ثقافة قبلية ودينية قديمة. هل هذا ما ورثه الشباب العربي في الأحياء الفرنسية الهامشية؟ نعم. الجمهورية الفرنسية تشعر أنها لا تربطها علاقة بهؤلاء الشباب، وهم أيضا يشعرون بالشيء نفسه تجاه الجمهورية. إذ يفصل بينهما جدار كبير. كيف يمكن هدم هذا الجدار؟ ليس لدي جواب عن هذا السؤال، لأنني لست سياسيا. عن «إلباييس»