قد نحتاج إلى قراءة نتائج انتخابات رؤساء ومكاتب مجالس الجهات 8، وربما إلى نتائج انتخابات رؤساء ومكاتب الجماعات، خاصة في المدن، لكي نخرج بالخُلاصات الأساسية في موضوع التحالفات، وخاصة حول المنطق السياسي الذي حكمها. لكن، وقبل ذلك، يمكن لنا إثارة جُملة ملاحظات أولية يسمح بها تتبع الديناميات التي تفاعلت، في علاقة بالتدبير السياسي والحزبي لعملية بناء الأغلبيات داخل الجهات والجماعات. بدءا، لقد وقفنا خلال الحملة الانتخابية على أن التقاطب أغلبية / معارضة كان طاغيا على المزاج السياسي العام الذي أطر مُجرياتها، ولعل حضور هذا التقاطب – لا قادر لوحده – أن يشكل أحد مؤشرات تسييس الاقتراع المحلي الأخير، وهو ما جعل كل من العدالة والتنمية كحزب قائد للأغلبية من جهة، وأحزاب المعارضة من جهة أخرى، يبادرون مُباشرة بعد إعلان النتائج على تعميم رؤيتهم لمسألة التحالفات، في صيغة توجيه حزبي وطني لمنتخبيهم في الجهات والجماعات. ورغم أن هذه الرؤية الأولية قد طالتها تصويبات وتقويمات على ضوء التطورات السياسية، فالجدير بالاهتمام هنا هو التأكيد على حضور فكرة التوجيه الوطني الحزبي في تدبير مسألة ظلت سابقا- في الغالب متروكة للسياقات المحلية. ويكفي أن نذكر هنا الفشل الذريع الذي آلت إليه مبادرة عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي – حينها – للدفاع عن تعميم تحالف الأغلبية الحكومية، ليشمل التحالفات الجماعية بعد الاقتراع المحلي للعام 2003. وهنا، لابد كذلك، من التأكيد بأن دينامية بناء التحالفات، لم تكن دائما مرتبطة بالقرار الحزبي المُستقل، بل كثيرا ما شكلت صناعة الأغلبية لحظة مثالية للسلطة من أجل الضبط والتّحكم في الانفلاتات الممكنة «للإرادة الشعبية»، على النحو الذي وقع بكل بشاعة عام 2009. نزعم اليوم، بأن هناك تحولا كبيرا في شأن موضوع التحالفات، وأنها على الأرجح باتت – نسبيا- أكثر انضباطا للمنطق السياسي الوطني، مما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة. بل إن هناك طلبا سياسيا واضحا من لدن الرأي العام على تسييد هذا المنطق، ولعل هذا الطلب هو ما جعلنا نُتابع في حالات عديدة تقليدا جديدا يتعلق بإصدار الأحزاب المتحالفة لبيانات مشتركة في صيغة مواثيق أخلاقية للإعلان عن تحالفاتها. وقد يكون من دلالات هذا التحول، «احتفاء» الصحافة بالحديث عن التحالفات المُخالفة للطبيعة، فهذا الحديث نفسه، يوضح أن هذه التحالفات هي بمثابة استثناء «محلي» على قاعدة المنطق السياسي «الوطني». على أنه من المُهم التذكير بأن الكثير من المخاطر السياسية، وحتى الأخلاقية للعبة التحالفات، عندما تُصبح إقبارا للمنهجية الديمقراطية وتحايلا على إرادة الناخبين، يُمكنُ التّحكم فيها بآلية القانون، فالتفكير في منح أفضلية قيادة الأغلبية للائحة الحائزة على أكبر عدد من المقاعد أو على نسبة معينة منها، قد يكون حلا ملائما لدرء تحول مناسبة تشكيل المكاتب إلى دورة ثانية للانتخابات تسمح بالانقلاب على قرار صناديق الاقتراع. تماما مثل ما سَتُقلص – بلا شك- تقنية التصويت العلني في انتخابات رؤساء ومكاتب الجماعات، من حالات البيع والشراء وسط «الناخبين الكبار»، في انتظار طبعا «السوق الحرة» للانتخابات غير المباشرة لمجلس المستشارين! حسن طارق