ربما طغى هاجس دمقرطة انتخابات جماعاتنا الترابية عند الكثير من المشاركين فيها، من ناخبين ومنظمين ومترشحين… وذلك بناء على شهادات أغلبية القوى المتنافسة، بل وحتى شهادات متابعين ومراقبين دوليين. وبعيدا عن اشكالية هزالة نسبة المشاركة في هذه الإستحقاقات الإنتخابية، فإن القليل منا من انتبه على أن الشرذمة والزخرفة الحزبية هي الضربة القاضية للديموقراطية المحلية المتبجح بسلامة عمليتها الإنتخابية، وذلك من خلال اعتماد تكتلات وتحالفات حزبية لا تعبر عن اختيارات ناخبيها وتجعل من ديمقراطية انتخاباتنا عبارة عن سحاب ينجلي بمجرد ما تعلن نتائجها وتتكون تحالفاتها الهشة على عكس اختيارات الناخبين ولا تتماشى وارتجالية الإديولوجيا الحزبية ودعايتها الإنتخابية. ويمكن توضيح وهم وخرافة ديمقراطية انتخابات الجماعات الترابية بفعل التحالفات الحزبية من خلال النقط الثلاث التالية: * تحالفات حزبية تأكد من جديد غياب اديولوجيات حزبية واضحة: فالمتتبع للتحالفات الحزبية المعلنة اوالمرتقب ابرامها من أجل تكوين مكاتب الجماعات والجهات التي لم يستطع فيلق حزبي الفوز بأغلبية مقاعد مجالسها، يحاول استيعاب بعض التحالفات بين أحزاب الأغلبية أو بين أحزاب المعارضة الحكومية من جهة، ومن جهة أخرى يتفاجأ بتحالفات أخرى بين أحزاب الأغلبية وأخرى من المعارضة، وهي ان دلت على شيئ فهي تأكيد صارخ عن هون المنظومة الحزبية وغياب أي تشبع باديولوجيات قد تتبجح بها رغم تشابه العديد من الأحزاب في منطلقاتها الفكرية أو برامجها الإنتخابية. فحتى أحزاب الأغلبية الحكومية هي ذات تكوين يميني محافظ (حزب العدالة والتنمية) وآخر يساري (نموذج التقدم والإشتراكية)، وهي نفس شاكلة القطب المعارض بين اليساري الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية واليميني المحافظ حزب الإستقلال. فأين قناعة اليمين واليسار؟ وأين هي نعوتات التماسيح والعفاريت وأحزاب الشياطين بعدما جمعت شملهما بعض مكاتب المجالس الجماعية؟ فهل ارتهنت الأحزاب حقا بغرابة تحالفتها للمصلحة العامة كما يروج لها المتحالفون؟ أم هي خدعة سياسة لسذاجة اختيارات المصوتين من أجل التطاول على ارادة المصوتين واقصاء المتصدرين لانتخابات بعض المجالس؟ * تحالفات حزبية لا تستقيم وصدارة كتل حزبية لنتائج الإنتخابات: لقد اتضح بالملموس أن التحالفات الحزبية المبرمة من أجل تكوين مكاتب مجالس جماعاتنا الترابية عملت على اقصاء أحزاب متصدرة لنتائج الإنتخابات من أي تمثيلية لها بالمكاتب المشكلة، أو من تمثيلية وازنة داخلة تلك المكاتب التي تعنى بتدبير شؤون الجماعة. وبناء عليه تكون اختيارات الناخبين الذين فضلوا أحزابا أو مرشحين بعينهم من أجل أن تكون لهم الكلمة العليا داخل تلك المجالس المنتخبة عبارة عن سراب، وتضرب إرادتهم عرض الحائط بتلك التحالفات المرتجلة، وهي تأكيد ثاني على ديموخرافية انتخابات جماعاتنا الترابية. فنموذج الترشح عن تحالف الأغلبية الحكومية لجهة فاسمكناس بامحند العنصرعن حزب الحركة الشعبية لرئاسة الجهة بتسع مقاعد للسنبلة من أصل 69 مقابل 22 لحزب المصباح تعطينا نظرة أولية أن الترضيات السياسية كانت ذات أولوية على حساب رغبة الناخبين التي أعطت الصدارة للعدالة والتنمية بما يناهز ثلث مقاعد المجلس. * تشتيت وتجاوز التحالفات الإنتخابية لاختيارات الكتل الناخبة: من المؤكد أنه من ضمن ما يؤرق المنظومة الحزبية ببلادنا هو كثرة الأحزاب المتناثرة كحبات الرمل التي تجعل المواطن في حيرة الإختياربينها، كما يعمل تعددها على إضعاف قوتها وقدرتها على اكتساب أغلبية مريحة تساعدها على فرض وتنفيذ برامجها ووعودها الإنتخابية، غير أن الأسوأ وارتباطا بموضوع انتخابات جماعاتنا الترابية هو أن التعدد الحزبي يجعل المواطن في اختياراته بين الصالح والطالح شتاتا يطابق شتات الأحزاب. فصوته الذي ابتغى به ترجيح هذا عن ذاك من أجل منع ذاك وذاك من تدبير شؤونه المحلية، يصطدم بعد الفرز للأصوات إما بانعدام أغلبية حزبية، أو اكراه التحالفات التي قد تقصي متصدري نتائجها، وأحيانا أخرى تكتلات لتحالفات اعتبرت خطوطا حمراء معلن عنها في الحملات الإنتخابية. فاختيارات المواطنيين قد انصبت على كتل بعينها عقابا لفشل مكاتب سابقة في تدبير مجالس جماعته أولعدم اقتناعه باديولوجية أحزابها وبرامجها ومرشحيهم، ليصفع بعدها بتحالفات تعيد نفس الوجوه لتدبير تلك المجالس، اذ لو علم الناخب مسبقا أن اختياره قد يتحالف مع من صوت ضدا فيه لتراجع عن اختياره وفضل وجهة أخرى. فالتحالف المعلن ببلدية تطوان بين 23 مقعدا للمصباح و9 للجرار والستة للميزان، هو تحالف فاجئ الجميع بين كتلتين للمعارضة مع زعيم أحزاب الأغلبية الحكومية، فقناعة الناخب التطواني لم تتوقع مثل هذا التحالف، مما يعني أنه قد يكون جاء على عكس ميولات ورغبات الناخبين بفعل الصراع والسجال السياسي الذي طبع علاقة العدالة والتنمية وقطبي المعارضة الحكومية، فهل كان متوقعا نيل تلك الأحزاب لتلك الأعداد من المقاعد لو اطلع الناخب مسبقا عن امكانية حصول مثل هذه التحالفات؟ وبناء عليه، نعتقد على أنه حان الأوان لتقنين تلك التحالفات من خلال اعتماد تحالفات معلنة قبل الإنتخابات جبرا، واعتمادها فقط في حالة عدم تحقيق الأغلبية، وبالتالي منع أي تحالف غير معلن ومصادق عليه من قبل السلطات المعنية واطلاع جمهور الناخبين بها سلفا، وهي ضرورة لا محيدة عنها حتى تتضح للمواطن اختياراته ولا يصدم بتحالف صوته مع من صوت من أجل إقصائه من تدبير شؤونه، ليكون الناخب هو الشخص الوحيد المخول له باختيار التحالفات الممكنة داخل كل جماعة على حدى. من هذا وذاك يتضح أن العملية الإنتخابية التي مرت علينا داخل المجالس الجماعية والجهوية، نجدها اضرمت نارا بفعل تحالفات هجينة لا تستقيم ودمقرطة اختيارات الناخبين التي رجحت كتلا بعينها لتصدر الإنتخابات على أخرى، وهو ما يعني استمرارية لديمخرافية انتخابية في ظل عدم ضبط وعقلنة تلك التحالفات داخل مجالس الجماعات الترابية. *طالب باحث بماستر القانون الإداري وتدبير التنمية الكلية المتعددة التخصصات – تطوان