قبل أيام فقط، كانت علامات التذمر بادية على الملامح. وكل من تسأله عن أسبابها، يجيبك: المدينة لم تتحرك بعد، والرواج التجاري لم ينطلق. إذ رغم أن شهر يوليوز يعتبر فترة مهمة من عطلة الصيف، إلا أنه لا يحمل معه بشائر صيف مذر بالنسبة إلى سكان مدينة أصيلة. غير أن عطلة عيد العرش الأخيرة شكلت بداية التحول، حيث بدأ يفد عليها السياح المغاربة. هكذا، شكلت الأيام الأولى من شهر غشت الجاري فأل خير بالنسبة إلى تجار المدينة. وتشهد مدينة أصيلة، كباقي المدن الشاطئية المغربية، هذه الأيام، إقبالا كبيرا من طرف المصطافين. يفدون عليها من مختلف المدن المغربية من أجل الاصطياف والاستجمام، ومن أجل الإفادة الفكرية والفنية. هذا الإقبال الكبير انعكس، بشكل إيجابي كبير، على الحركة الاقتصادية في المدينة، وهي التي تعرف بركودها وجمودها على امتداد شهور السنة. وتبرز أهم معالم هذا الرواج من خلال الاكتظاظ في المطاعم، خاصة بعد الظهر، حيث لا تفرغ مائدة، إلا ليحتلها زبناء جدد. والمقاهي لا تفرغ منذ ساعات الصباح الأولى حتى آخر الليل. والجرائد تنفد ما أن تصل إلى الأكشاك. ولا مكان لك على الشاطئ ما لم تبتعد بالكيلومترات عن الشاطئ القريب للمدينة. وفي الشارع، تصادف شبانا يلوحون بمفاتيح، في إشارة منهم إلى وجود إمكانية كراء بيوت للإقامة الصيفية. جمهور أصيلة، هذه الأيام، يتكون من أطفال المخيمات، والعائلات المغربية، والسياح الأجانب، والشباب الرحل، فضلا عن ضيوف موسم أصيلة الثقافي. كل هؤلاء يساهمون في حركة المدينة، يجعلون ليلها غير نهارها. إذ تكتظ المدينة أكثر خلال الليل، خاصة على شارع الكورنيش، الذي يحتله الباعة المتجولون، ويسطو عليه أصحاب المقاهي بطاولاتهم وكراسيهم. أحيانا تتساءل من أين يخرجون هذا الكم الهائل من الطاولات والكراسي، وهم الذين يملكون مقاه صغيرة على الجهة المقابلة للبحر. وهكذا يشهد الشاطئ والشارع المجاور له تجارة خاصة به، عبارة عن مأكولات وعدة اصطياف واستجمام، مثل واقيات الشمس وكرات القدم أو المضرب وصدريات الإبحار، إلخ. وتشهد المدينة هذه الأيام تجارة فريدة من نوعها، تظهر على جنبات الأزقة والدروب والشوارع. إذ يعرض عدد من الشباب، هم من الرسامين ومحترفي التشكيل، وحتى الفنانين التشكيليين، لوحات إبداعية أو مستنسخة للبيع. فضلا عن ذلك، هناك من يعرض خدمة إنتاج بورتريهات للسياح والمصطافين بأسعار متفاوتة حسب الشكل والحجم. أما وسط المدينة، فيشهد تجارة تزدهر في هذه الفترة على الخصوص، وهي «الجوطية»، بعضها ينتظم في دكاكين رسمية، بدل السوق العشوائي الذي يقوم هنا وهناك في فترات متباينة من النهار أو الليل. تدب حركة غريبة في الشوارع والأزقة. يكثر المارة، وتمتلئ المقاهي عن آخرها. بعد أن تغرب الشمس، يغص شارع الكورنيش بالمارة، حيث يغلق في وجه أصحاب السيارات. تشهد المطاعم و»السناكات» إقبالا كبيرا، ابتداء من الساعات الليلية الأولى. وسط هذه الأجواء، تبقى أصيلة مستيقظة إلى ساعات الصباح الأولى، حيث يختفي الجميع في انتظار مساء الغد. أما آخر المغادرين، فهم عناصر الشرطة المكلفين بمهام الأمن في هذا الشارع، أو في تلك المؤسسة. هكذا، تغفو أصيلة قليلا، لتستيقظ في المساء الموالي. لكن أصيلة تفقد زبونا مهما خلال هذا الشهر، وهو السائح الأجنبي. وهذا ما أكده نادل في مطعم الجريدة، حيث أشار إلى أن السياح الأجانب لا يزورون المدينة خلال هذه الفترة، تفاديا للمضايقات والاكتظاظ. غير أنه أخبرنا أن هذا السائح سرعان ما يظهر بين أزقة المدينة ودروبها ما أن يحلّ شهر شتنبر.