أخبار اليوم يلقبه البعض بملك الضربات الحرة، ويراه البعض الآخر أسطورة كرة القدم الفرنسية، بينما يعتبره آخرون ملكا غير متوج خلافا للجوهرة السوداء البرازيلي بيليه الذي أحرز ثلاثة ألقاب عالمية؛ إنه الفرنسي ميشال بلاتيني، الذي أعلن، أول أمس (الاربعاء)، ترشحه رسميا لرئاسة الاتحاد الدولي «فيفا». عشق بلاتيني الكرة منذ نعومة أظافره، ولم ير مستقبلا له في أي مجال آخر عدا رياضة كرة القدم. بدأ مساره في نانسي وأنهاه في يوفنتوس الايطالي، وقاد منتخب بلاده إلى لقب بطولة أوروبا للأمم عام 1984. ولد في 21 يونيو 1955 في جوف في منطقة اللورين الفرنسية من عائلة ايطالية الأصل، حيث هاجر جده فرانسوا إلى فرنسا ليعمل في مصنع قبل أن يشتري مقهى سماه «مقهى الرياضة»، أما أبوه آلدو فكان مدرسا لمادة الرياضات، وبلاتيني يدين كثيرا لأبيه، حيث قال ذات مرة: «لو كان هناك معلم في حياتي أدين له بالجميل فسيكون دون شك والدي». وآلدو كان عاشقا للكرة بدوره، وكان لاعبا جيدا في صفوف فريق منطقة اللورين، غير أن عشق بلاتيني الابن للكرة كان أكثر، فما كان على الأب إلا الرضوخ لرغبة ابنه فعلمه المبادئ الأولى للعبة حتى بلغ السادسة عشرة. ولما أحس ميشال أنه صار يداعب الكرة بتحكم أكثر، واكتسب الثقة اللازمة قرر الالتحاق بأحد الأندية الفرنسية، فاختار أولا نادي متز، غير أنه فشل في الاختبارات البدنية ونصحه طبيب النادي بعدم التفكير في لعب كرة القدم، لأن بنيته الجسدية ضعيفة وقلبه لا يحتمل المجهود البدني الذي تطلبه اللعبة. ولأنه لم ير لنفسه مكانا في ميدان آخر غير الميادين الخضراء، قرر الشاب بلاتيني رفع التحدي واتجه إلى نانسي ثاني أكبر الأندية في منطقة اللورين بعد متز، وهناك استطاع أن يظهر أول مواهبه مع مجموعة من الشباب، وكان بلاتيني يعشق المراهنة مع زملائه على النجاح في التسجيل من الكرات الحرة، وكان ثمن الرهان كأس من عصير الفراولة. لعب بلاتيني في فئة الشباب في نادي نانسي، قبل أن يلتحق بفريق الكبار في العام التالي (1972)، وصار لاعبا أساسيا في هذا الفريق المتواضع الذي يحتل عادة وسط ترتيب الدوري الفرنسي. وفي عام 1976 تعاقد الاتحاد الفرنسي مع مدرب جديد للمنتخب هو ميشال هيدالغو، فأحدث الأخير تغييرا جذريا على أغلب عناصره. وكانت المباراة الرسمية الأولى لهيدالغو ضد تشيكوسلوفاكيا سابقا على ملعب «بارك دي برانس» في 27 مارس 1976 فظهرت لأول مرة أسماء جديدة في صفوف المنتخب الأزرق أمثال بوسيس وسيكس … وبلاتيني الذي اكتشف لأول مرة أجواء التشكيلة الوطنية الفرنسية. وكانت اللحظة التاريخية في اللقاء وفي حياة بلاتيني الدقيقة 37 من المباراة، عندما حصل الفرنسيون على ضربة حرة فأراد هنري ميشال صاحب الخبرة والتجربة في المنتخب أن ينبري إليها، إلا أن بلاتيني اقترب منه وهمس له في أذنه، «مرر لي الكرة وسأسجل» وهو ما حصل فعلا، عندها اكتشف الفرنسيون والعالم بزوغ نجم جديد. والحديث عن أهداف بلاتيني من الضربات الحرة يطول، إلا أنه يجدر التذكير بذلك الهدف الذي سجله في 18 نونبر 1981 في مرمى منتخب هولندا ضمن التصفيات المؤهلة إلى مونديال اسبانيا 1982 والذي كان جواز سفره إلى النهائيات. أما في صفوف نانسي فكان بلاتيني النجم الأول من دون منازع فكان قائدا وهدافا من الطراز الرفيع وقاد فريقه إلى الفوز بكأس فرنسا عام 1978 عندما سجل هدف المباراة النهائية الوحيد في مرمى نيس. وفي عام 1979 انتقل النجم الفرنسي إلى فريق سانت اتيان العريق في الدوري الفرنسي صاحب الأمجاد، والذي تمكن من الظفر بلقب الدوري الفرنسي لموسم 81-82. وبدأ مسار بلاتيني الأوروبي في صفوف سانت إتيان، ورغم عدم قدرة الفريق الفرنسي على منافسة فرق أوروبية عريقة كليفربول الانكليزي ويوفنتوس الايطالي، إلا أن للاعب الفرنسي ذكريات جميلة في كأس أوروبا للأندية أبطال الدوري آنذاك كفوز فريقه على ايندهوفن الهولندي بستة أهداف نظيفة والخماسية التاريخية في مرمى هامبورغ الألماني. غير أن بلاتيني لم يتمكن حتى عام 1982 من الفوز بأي لقب كبير يليق بسمعته، حتى كانت نقطة التحول في حياته بانضمامه إلى فريق «السيدة العجوز» يوفنتوس الايطالي، حيث كان الموعد مع التتويجات المحلية والأوروبية فكانت بداية العصر الذهبي لابن فرنسا المدلل، فنال أول لقب أوروبي عام 1984 ضمن منافسات كاس الكؤوس الأوروبية في ذلك الوقت وهي السنة التي حصل فيها على لقب الدوري الايطالي أيضا. وتواصلت بعد ذلك سلسلة الألقاب والبطولات فنال لقب كاس أوروبا للأندية أبطال (دوري أبطال أوروبا حاليا) عام 1985 في المباراة النهائية المأساوية أمام ليفربول الإنجليزي على ملعب هيسل في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث شهدت مدرجات الملعب فوضى عارمة وأعمال عنف وشغب تسبب فيها أنصار النادي الإنجليزي، ما أدى إلى سقوط 39 ضحية أغلبهم من الايطاليين، غير أن تلك الأحداث لم تمنع زملاء بلاتيني من انتزاع الكأس وإهدائها إلى ضحايا أعمال العنف هذه علما بأنه سجل هدف المباراة الوحيد من ضربة جزاء. كما نال بلاتيني مع يوفنتوس لقب «السكوديتو» (الدوري الايطالي) مرتين عامي 1984 و1986 وكأس ايطاليا عام 1983. وإذا كانت فرنسا لم تتذوق قبل بلاتيني أي لقب قاري أو عالمي، فإنها تمكنت في عصره وبفضله من التتويج بلقب كأس أمم أوروبا عام 1984 التي احتضنتها، حيث فرض بلاتيني نفسه نجما لها من دون منازع، وكان مايسترو المنتخب وقائده وهدافه في آن حيث سجل 9 أهداف في 5 مباريات. ولبلاتيني قصة حزينة مع كأس العالم حيث بقي لقب هذه المسابقة الوحيد الذي ينقص سجله الحافل. بداية النجم الفرنسي مع كأس العالم كانت في مونديال الأرجنتين عام 1978، وكانت متواضعة حيث خرج المنتخب الفرنسي الشاب آنذاك من الدور الأول. وكانت البداية الحقيقية لبلاتيني في منافسات كأس العالم خلال مونديال اسبانيا 1982، حيث واجه المنتخب الفرنسي آلام الإقصاء من الدور نصف النهائي بضربات الترجيح أمام ألمانيا الغربية في مباراة تاريخية بقيت عالقة في أذهان الفرنسيين وبلاتيني حتى الآن. فعلى الرغم من تقدم فرنسا بثلاثة أهداف لهدف في الوقت الإضافي، فإن الألمان وبإرادتهم الفولاذية تمكنوا من التعديل وحسموا المباراة بضربات الترجيح لتخرج فرنسا من الباب الضيق للمنافسة تحمل خيبة كبيرة وهي التي كانت تأمل في التتويج باللقب العالمي لأول مرة في تاريخها خاصة وأنها كانت تملك ترسانة من اللاعبين من الطراز العالي كتيغانا وبوسيس وسيكس وتريزور… والقائد بلاتيني. بعد خيبة مونديال 1982 تجددت الفرصة لزملاء بلاتيني في مونديال المكسيك 1986 وهو المونديال الذي كان يعقد عليه الفرنسيون آمالا كبيرة لمحو آثار النسخة السابقة. غير أن الديوك سقطوا مجددا أمام ألمانيا في الدور نصف النهائي أيضا ليتبدد الحلم. بيد أن إخفاق بلاتيني في نيل لقب كأس العالم لم يمنعه من أن يكون نجم أوروبا والعالم من دون منازع حيث نال الكرة الذهبية ثلاث مرات متتالية أعوام 1983 و1984 و1985 وهو إنجاز خارق في حد ذاته. وأنهى بلاتيني مسيرته في الملاعب وكان مسارا زاخرا سجل خلاله 368 هدفا في 680 مباراة خاضها منها 41 هدفا مع منتخب بلاده و54 هدفا مع يوفنتوس جعلت منه أفضل هداف في الكالتشيو ثلاث مواسم متتالية (1982-83 و1983-,84 و1984-85)، كما ارتدى القميص الدولي 72 مرة سجل خلالها 41 هدفا يحتل بها المركز الثاني على لائحة الهدافين التاريخيين للديوك. أشرف بلاتيني على تدريب منتخب بلاده في الفترة بين 1988 إلى 1992، وانتخب رئيسا للاتحاد الاوروبي لكرة القدم في كانون الثاني/يناير عام 2007 ولا يزال يشغل هذا المنصب حتى الآن، بعد أن ارتدى طوال مسيرته القميص رقم 10 لكنه يريد أن يصبح الرقم واحد في العالم من خلال رئاسة الفيفا.