أصدر المجلس الدستوري في الأسبوع الماضي قرارهُ المُتعلق بالبت في دستورية القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، وهو القرار الذي حدّد فيه هذا المجلس موقفه من الجدل المؤسساتي والعلمي الذي طال مسألتي إيداع القوانين التنظيمية، وشروط التصويت عليها، كما عبر من خلاله عن موقفه من الفقرة المثيرة للنقاش والمتعلقة بتكييف قرار الحزب القاضي بوضع حد لانتماء أحد أعضائه من المُستشارين الجماعيين، كتخل عن الحزب يُرَتب إمكانية التجريد من عضوية المجلس الجماعي. من جهة أخرى، كرّس المجلس الدستوري اجتهادا سابقا له بخصوص قابلية المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 146 من الدستور للتجزيء في أكثر من قانون تنظيمي واحد، كما أقر بدستورية إجراء «التصويت العلني» كقاعدة لانتخاب رئيس مجلس الجماعة ونوابه وأجهزة المجلس. المجلس الدستوري اختار – كما فعل أكثر من مرة سابقا- حسم بعض التفسيرات المتناقضة للدستور، والناتجة بالأساس عن صياغة معيبة وغير منسجمة للنص الدستوري. يتعلق الأمر هنا بحالتين؛ الأولى تهم مسألة إيداع مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية والتنمية الجهوية والقضايا الاجتماعية، إذ ثار جدل في الموضوع بين من يعتبر أن الإيداع يجب أن يكون بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 78 من الدستور، والتي تنص على أسبقية الغرفة الثانية في تداول المشاريع المتعلقة بالمواضيع المذكورة، وبين من يعتبر أن الإيداع يجب أن يتم لدى مكتب مجلس النواب تطبيقا للفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور التي تضع مسطرة خاصة لتداول مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، وهو الرأي الذي أيده المجلس الدستوري. الحالة الثانية، تهم تفسير الفصل 85 من الدستور، التي تنظم مسطرة التصويت على القوانين التنظيمية، والتي كانت موضوع جدل بين الحكومة والمعارضة بمناسبة التصويت على القانون التنظيمي موضوع هذا القرار، وهنا اعتبر المجلس الدستوري أن مجلس النواب، بتصويته النهائي على مشروع القانون التنظيمي المذكور، في قراءة ثانية، ب 211 صوتا من أصل 395 من أعضائه، قد تقَيّد بأحكام الدستور. القرار الأخير للمجلس الدستوري، حسم كذلك النقاش في فقرة تمت إضافتها- باقتراحٍ من فرق المعارضة – في مقتضيات المادة 51 من هذا القانون التنظيمي، والتي تنص على أنه «يعتبر عضو مجلس الجماعة من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخل عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية والقضائية». المجلس الدستوري اعتبر أن هذه المادة تتوسع في تطبيق أحكام الفصل 61 من الدستور، الذي ربط بين التجريد (من العضوية البرلمانية) وبين التخلي – كفعل إرادي – عن الانتماء السياسي. وهو ما يجعلها تُناقض كذلك، مقتضيات أحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، والتي عممت التجريد من صفة عضو في البرلمان على كل من تخلى عن الانتماء إلى الحزب السياسي الذي تم الترشح باسمه للانتخابات في مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية. القرار اعتبر أن التجريد من صفة عضو يضع حدًّا لانتداب ممثلي المواطنات والمواطنين في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه؛ لذلك، فإذا كان يحق للأحزاب السياسية، وضع حد لانتماء بعض الأعضاء إليها، فإن اعتبار عضو مجلس الجماعة في وضعية تخل عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الأخير وضع حد لانتسابه إليه، بما يترتب عن ذلك من إمكان تجريده من العضوية بمجلس الجماعة، يشكل مساسا بالانتداب الانتخابي لهذا العضو. هل كان يُمْكِنُ أن نتصور قرارا آخر في غير هذا الاتجاه؟ وهل كان من المُمكن – خارج العيب الدستوري الفاقع- أن يتم وضع كل أعضاء الجماعات تحت رحمة مسؤولي أحزابنا التي يعرف الجميع كما تُدبر – غالبيتها- اليوم؟ المؤكد أن البنية التقنو سياسية للداخلية كانت تملك الجواب السليم عن هذين السؤالين، لكن الوزارة فضلت في النهاية ترك تعديل معقول للأغلبية يتم التدقيق من خلاله فعل «التخلي الإرادي» عن الانتماء، وقبلت بهذا التعديل. الغالب أنها فعلت ذلك انخراطا في تسوية سياسية، لكنها قامت بذلك وهي متأكدة تماما من أن هذه الفقرة لن تَمر في أبسط اختبار لدستوريتها! في النهاية، وبلغة أُخرى قرار المجلس الدستوري يوضح لنا أن هناك فعلا فرقٌ بين الترحال وبين «التّكْتاف».