اعتاده القراء والباحثون أستاذا أكاديميا متخصصا في أكثر المواضيع حساسية وتعقيدا. يطرح الأسئلة المقلقة، ويسائل التاريخ البعيد والقريب من زاوية الأنتربولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ، وهو المنطلق من تخصص اقتصادي. كتب عن «العبد والرعية» في أحد أشهر كتبه، وأشرف على كتاب نشره مجلس الجالية المغربية في الخارج يشرح معاني أسماء الله الحسنى ويكشف جماليتها. شرّح «المخزن» في منطقة سوس الأقصى، ووضع العبودية تحت المجهر في علاقتها بالإسلام. هو حاليا أحد أكثر الكتاب والمفكّرين نشاطا وحضورا في الشبكات الاجتماعية، في تدوينات شبه يومية تعلّق وتنتقد وتفسّر. هذا الركن فسحة جديدة ل«تدوينات» مختلفة، ترصد تحوّلات الواقع بعين محمد الناجي. لا، لن أكون عصريا إذا كان الأمر يتعلق بعرض مشاهد على الشاشة تمس المرأة، مثل مشهد السيقان المرفوعة في الهواء، وعذرا على العبارة. لا أقول ذلك اعتبارا للأطفال، ولكن اعتبارا لنفسي، واعتبارا لهذا الكائن الرائع الذي هو المرأة، الذي نقوم بتدميره انطلاقا من تبرير واهم يدّعي تحريرها. نعم، أنا رجل حرّ يخضع كل شيء للنقد على المستوى الفكري، لكنه يحتفظ بمكانة عالية لأمه وزوجته وصديقاته، ولا يريد رؤيتهن في مشاهد مسيئة على الشاشة كما لو كنّ في عداد الدواب. لا، الحب ليس هكذا، سواء في السينما أو في غيرها، الحب إحساس ينفلت عبر النظرة واللمسة والقبلة، وعبر كل إشارات الرقة التي يسلبها العمل الإباحي من الكائن الحي، ويحوّله إلى آلة تنضح بالبغض والتقزز من الذات، وعبر كل هذه الأشياء التي لا تكشفها العاهرات أنفسهن إلا لرجالهن. هؤلاء المنافقون الذين يدافعون -لسبب أو لآخر- عن هذا الذي يسمونه حرية في عرض المشاهد، سواء كانت قد خضعت للتوضيب أم لا، بينما هي لا تليق بالكائن البشري المتحضّر، يسيرون ضد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان واحترام الكرامة الإنسانية. حداثتهم ليست حداثتي. هم لهم حداثتهم ولي حداثتي. كيف نعتقل يوميا رجالا ونساء لأسباب تتعلّق بالجنس دون أن يكون لذلك تبريرات كافية؟ فجأة يأتي من يحاول جعلنا نبتلع قطعا كاملة من الثعابين من خلال صور مثقلة بالمآسي. الفضاء العام ليس مجالا لإهانتنا، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نرددها بصوت مرتفع. كذبة 8 مارس الثامن من مارس يجعل المرأة مخلوقا ثانويا. الثامن من مارس فخ وخدعة، وحيلة بخلفيات تجارية تستهدف الإناث، وهو محاولة لتخريب أية محاولة من حواء لرفض الدور الذي أسند إليها. إنه ليس منحة ولا حتى تنازلا لصالح المرأة، بل فخ للإيقاع بكتلة كبيرة من النساء اللواتي صدّقن هذا الاعتراف المبتور والمنمّق والأخرق، وهذا ما تعرفه جيدا النساء الذكيات. نقول لا للثامن من مارس، ونعم لعصر المرأة، أي ذلك الزمن الذي انتصرت فيه النساء بفضل نضالات جرت في كل أنحاء العالم. زمن مستحق بعد كثير من المكر والخسة. عصر القطيعة مع زمن الخطيئة الأصلية والأجور المتدنيّة والتحرّش والمضايقات المنحطة.. عصر يحق للمرأة فيه أن تطالب بالحقوق نفسها التي لدى الرجال. لقد ولّى العصر الذي خاط فيه الآلهة والرجال مقاسا مناسبا لهم للمرأة، واليوم تقدّم إله آخر ليتصدّر الواجهة، إله الحرية والمساواة والحب والعمل في كل شيء. عصر المرأة موجود أصلا، مكانه في القلوب والأرواح. هو سر الجمال، لهذا يجب أن نقاطع هذا اليوم المخصص للمرأة لأنها ليست حصانا أو نوعا من المخلوقات المهددة بالانقراض حتى نخصص لها يوما، والإحصائيات تثبت ذلك عندما ننظر إلى نسبة النساء من مجموع السكان. هل تخصيص يوم للمرأة يعني الاحتفاء بها أو محاصرتها في مجال ضيّق لا أمل لها في الفرار منه؟ صحيح أن شهر مارس هو بداية الربيع، وموعد تفتّح الورود وروعة الطبيعة. تاريخ يرمز إلى السعادة والجمال، ومهما كانت الدلالات التي تمنحها الأساطير للرقم ثمانية، فإنه يبقى ذلك اليوم الذي يلي أيام الخلق والعطلة الأسبوعية، أي أنه خارج هذه الحقبة الأساسية، ومنحه للمرأة يعني أنها كائن ثانوي، ومخلوق تكميلي. لو كنت مكانها لما اعترفت بهذا اليوم المثير للريبة، ولا رتبت له كثيرا حتى أتمكن من الخلاص من القيود الذهبية التي يحاولون إلباسي إياها.