قبل بضعة أيام، صدرت نتائج التحقيق في حادثة طانطان. «اليوم24»، تقدم في هذا الحوار، مع إدريس الناجح، مهندس مغربي خبير في حوادث السير بألمانيا لمدة ثلاثين سنة، قراءة متأنية ودقيقة لمشكل حوادث السير في المغرب. الناجح يقول إن هناك فوضى في قطع الغيار، ونقصا في المراقبة، يمكن أن يكونا سببا رئيسيا في ارتفاع عدد الحوادث والضحايا. يلاحظ أنه كلما وقعت حادثة في المغرب، كلما تم إلقاء المسؤولية على العنصر البشري. في نظركم كخبير دولي في مجال حوادث السير، إلى أي حد يمكن قبول هذا الدفع الرسمي؟ لا نستطيع أن نسوّي بين الحوادث، فكل حادثة هي حالة مستقلة بنفسها، والخبرة هي التي تحدد الأسباب التي أدت إليها، فهناك نسبة مهمة من الحوادث- لاسيما في العالم العربي والعالم الثالث- تعود إلى العنصر البشري، بحكم ضعف أو انعدام التربية الطرقية، أو التربية على الوقاية من حوادث السير، بل هناك دول- مثل المغرب لاسيما في عهد هذه الحكومة- قامت بمجهود بيداغوجي مهم من أجل التحسيس بمخاطر حوادث السير، لكنها لم تنجح إلا بشكل محدود في التقليص من حوادث السير. فالمغرب مثلا استعمل الإمكان القانوني، ووظف كل الإمكانيات البيداغوجية المتاحة، من فن، ودروس دينية، وتوعية إعلامية، لكن نسب الحوادث وأشكالها تبين أن مستوى التجاوب لا يزال محدودا. ففي حادثة خنيفرة مثلا، كان تناول الكحول سببا رئيسا في وقوع هذه الحادثة التي ذهب ضحيتها فريق رياضي، وفي حادثة ورزازات الأخيرة، تشير الأنباء إلى أن سائق الحافلة ظل يسوق لوحده من مكناس إلى ورزازات لمدة تفوق 12 ساعة، دون أن يستبدل بسائق آخر، وهكذا تشير كثير من الحوادث إلى أن مسؤولية العنصر البشري ثابتة. أنتم توافقون إذن على المقاربة الحكومية الرسمية؟ ليس بالضرورة. فهناك حوادث أخرى يرجع السبب فيها إلى الجانب التقني، وهو مرتبط بالسياسة الحكومية من جهة، ومستوى المراقبة الطرقية من جهة ثانية، ومرتبط ثالثا بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. فهناك على سبيل المثال قطع غيار ممنوعة التداول في السوق الأوروبية، بسبب عدم انضباطها لشروط السلامة، ويتم للأسف بيعها وتسويقها في المغرب، ومن ذلك على الخصوص الفرامل، والعجلات، وغيرها مما يعتبر السبب المباشر في وقوع كثير من الحوادث، فلحد الآن، ليست هناك سياسة حكومية في اتجاه مراقبة السوق الداخلية، وقطع الغيار المستوردة لفرض معايير الجودة الضامنة للسلامة، ومن جهة ثانية، فرغم الجهود التي قامت بها الحكومة في مجال ضبط ومراقبة الفحص التقني، إلا أن جهودها في المراقبة الطرقية لا تزال محدودة، وتظهر حوادث السير أن الموارد البشرية التي تملكها وزارة النقل غير قادرة على ضبط ومراقبة أسطول النقل المتنوع الذي يستعمل الطريق في المغرب. ومن جهة ثالثة، فهناك الاعتبار السوسيوقتصادي، فإذا فرضت معايير الجودة والسلامة على قطع الغيار، فسيتم الحكم على شرائح عديدة من المغاربة، لاسيما منهم ذوي الدخل المحدود بالحرمان من استعمال الطريق، وهذا ما يجعل السياسات الحكومية تسير في اتجاه المرونة في الجانب التقني مراعاة للبعد السوسيواقتصادي، لكنها في الأخير تجد نفسها في وضع جد حرج لما تقع حادثة يكون سببها تقني. الحكومة في المغرب اليوم لا تستطيع ضبط سوق العجلات، ولا سوق تهريب العجلات التي يعاد تصنيعها، وهي ممنوعة أوروبيا، هذا دون أن نتحدث عن معايير السلامة في قطع غيار أخرى مثل الفرامل وممتص الصدمات. لكن دعني أقول لك إن السياسة التي اعتمدتها وزارة التجهيز، في توسيع الطرقات وصيانتها، وفي إتمام برنامج الطريق السيار، قد قلصت إلى حد كبير مسؤولية الجانب المرتبط بالبنية التحتية. انتظر المغاربة كثيرا صدور نتائج التحقيق في حادثة طانطان التي راح ضحيتها 35 شخصا، لنفاجأ بحفظ المسطرة بسبب وفاة السائقين، ما هو تعليقكم على نتائج التحقيق؟ لا يهمّني هنا تحديد المسؤولية المدنية عن الحادثة، فهذا شأن قانوني يعتمد بدرجة أولى على إفادات الشهود، ومن كان السبب في الاصطدام، وأظن أن المحكمة هي التي يناط بها الاستماع إلى إفادات الشهود لتحديد المسؤول عن الحادثة. لكن ما يهمّني في نتائج التحقيق هو ما يرتبط بتحديد سبب الانفجار الضخم الذي تسبب في استشهاد هذا العدد الكبير من القتلى، فنتائج التحقيق تتحدث عن عاملين اثنين أساسيين: الأول هو الاصطدام، والثاني هو حمل قنينة غاز، بالإضافة إلى ما يترتب عنهما من اشتعال الديازل الذي كان محملا في خزانتي الشاحنة والحافلة المصطدمتين. المعطيات الوصفية التي وردت في التحقيق تقول إن درجة الحرارة وصلت إلى ما يزيد عن 700 درجة، والصور المتوفرة تشير إلى أن بقعة الديازل المشتعل امتدت لمساحة كبيرة، وتشير من جهة ثانية لاحتراق كامل للحافلة، وارتفاع اللهيب إلى علو جد مرتفع. ما يمكن أن أقوله في الموضوع هو أن هذه المعطيات الفزيائية المرتبطة بدرجة الحرارة، ورقعة الاشتعال، واحتراق الحافلة بالكامل، وعلو اللهيب، تفيد بأن كمية الديازل المشتعل كانت كبيرة جدا، وأن دور قنينة الغاز كان هو تحطيم نظام التأمين الذي في العادة ما يكون محاطا بخزانات الوقود، وتشتيت الديازل في مساحات بعيدة، وتيسير الاشتعال. من الناحية العلمية، يمكن أن تكون هذه الوقائع معقولة لو كانت الشاحنة والحافلة من النوع الحديث الذي تصل فيه حمولة الوقود لكل آلية منهما إلى أزيد من ألف لتر، أما إن كانت الحمولة عادية، فأستبعد أن تمتد البقعة المحترقة إلى المدى الذي بينته الصور، كما أستبعد أن تصل درجة حرارة الاحتراق إلى ما يزيد عن 700 درجة. هل نفهم من كلامكم أن الشاحنة كانت تحمل خزانا إضافيا للبنزين المهرب؟ أنا أتحدث بصفتي خبيرا في حوادث السير، ولست معنيا بالجواب عن وجود خزان إضافي أو بتهريب بنزين أو نقله بصورة شرعية أو غير شرعية، أنا فقط أتحدث عن الاصطدام والانفجار الذي تولد عنه، والبقعة المشتعلة وامتدادها وعلو اللهيب والاحتمالات التي يمكن أن تفسرها علميا. وما قلت بالتحديد هو أن كمية المحروقات التي اشتعلت كانت كبيرة جدا. أما أن أدخل في الجواب عن وجود خزان إضافي، أم لا؟ وهل هذه الشاحنة كان من حقها نقل المحروقات أم لا؟ فهذا من مسؤولية الجهات المختصة. أعود وأكرر بأن التفسير المقبول لهذه الحادثة هو أن كمية كبيرة من المحروقات اشتعلت، ويحتمل أن تكون خرجت من خزاني الآليتين، وفي هذه الحالة، هناك احتمال واحد، هو أن يكون خزان الشاحنة والحافلة من النوع الحديث الذي يتسع لحوالي 100 متر مكعب، أي ما يفوق 1000 لتر في كل خزان، أما أن تكون الآليتان تحملان خزانا أقل من هذه الحمولة بكثير، فهذا الاحتمال بعيد. في نظركم – ما عدا المسؤولية المدنية- ما هي المخالفات التي وقعت في هذه الحادثة؟ الجواب عن هذا السؤال مرتبط بسابقه، فإن كانت الشاحنة محملة بخزان إضافي، فالأمر يتعلق بشروط السلامة في نقل المحروقات، وهل هذه الشاحنة يحق لها نقل المحروقات أم لا؟ وفي حالة استحقاقها القانوني لذلك، هل احترمت شروط السلامة ومعاييرها الدولية أم لا؟ أما المخالفة الكبيرة، فهي نقل قنينة غاز، وهذا ممنوع قانونيا، وكما تعلمون، فنقل المواد المشتعلة، بما في ذلك نقل قنينات الغاز، يخضع لمعايير دولية معروفة. ولا نحتاج هنا أن نذكر أن المواد القابلة للاشتعال تصنف دوليا إلى أكثر من ثمانية أصناف بحسب نوعيتها ودرجة خطورة اشتعالها، وهناك معايير دولية في نقلها، تخص نوعية المركبة، ونظام الأمان المتبع فيها، الذي يبتدئ من وضع العلامات، والتنبيه على خواص المادة المشتعلة، وينتهي بضمانات السلامة. كل هذه الاعتبارات تمثل الشروط الضرورية لاستخلاص الترخيص لنقل هذه المواد، ولا أدري بالضبط في حادثة طانطان ما إذا كانت الشاحنة كانت تحمل بنزينا أم لا؟ وفي حالة نقلها؟ هل رخص لها بذلك أم لا؟ وفي حالة الترخيص؟ هل احترمت شروط السلامة أم لا؟ على العموم، نتائج التحقيق تتحدث عن اشتعال وقود خزانات الشاحنة والحافلة، ولا يتحدث عن خزان ينقل فيه البنزين. تزامنا مع صدور نتائج التحقيق في حادثة طانطان، جاءت فاجعة ورزازات التي راح ضحيتها 9 قتلى. ما هو تعليقكم؟ هل هي لعنة الطرق تلاحق وزارة النقل في المغرب؟ الأرقام المتوفرة تقول إن جهود وزارة النقل المغربية آتت بعض أكلها رغم هذه الحوادث المفجعة، فهناك نقص محدود في عدد الحوادث بالمقارنة مع السنوات الماضية، لكن ما يغطي على هذه الجهود هي هذه الفواجع التي تأتي في هذه الصورة، فشركة النقل التي تفرض- لاعتبارات مالية- على السائق أن يسوق لمدة 12 ساعة، لا يجوز لها أن تستمر في القطاع، وعلى الحكومة أن تكون صارمة في فرض الحدود المتوسطة من شروط السلامة. ينبغي أن يكون هناك تشدد كبير في مراقبة السرعة، وتناول الكحول، وفي مراقبة مدد السياقة بالنسبة للسائقين، ثم يليه فرض شروط تدرجية في الجانب التقني، بحيث تخرج الحكومة إجراءات تصاعدية تلزم فيها المقاولات العاملة في قطاع الغيار باحترام معايير السلامة الدولية.