على الرغم من أن بعض دول العالم العربي شهدت موجة احتجاجات خلال فترة الربيع العربي، انتهت بتطبيق مبدأ "الإصلاح في ظل الاستقرار"، إلا أنها تمكنت من انتزاع مجموعة من المطالب كما هو الشأن في المغرب. وقالت "واشنطن بوست" في تقرير حديث إن الاحتجاجات التي عرفها المغرب في ظل حركة 20 فبراير خلقت فرصا استثنائية، قدمت خلالها الحركات السياسية مجموعة من المطالب من أجل الضغط على الأنظمة لتقديم تنازلات، وهو ما مكن من بروز مجموعة من الفاعلين السياسيين على الساحة، من بينهم الإسلاميين وأيضا النقابات العمالية والحركات النسائية، الذين استغلوا الظرفية من أجل انتزاع مجموعة من المطالب، على الرغم من أنهم فشلوا في تنفيذ استراتيجيات أوسع للديمقراطية. الصحيفة الأمريكية قالت أيضا، إن النقابات العمالية استطاعت الاستفادة من عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد من أجل قيادة تغيير في السياسة الداخلية، وتمكنت من انتزاع مكاسب جديدة كانت تطالب بها منذ عام 2000، كما مكن الحراك من تحالف عدوين تقليديين هما اليمين واليسار اللذان جمعتهما مطالب موحدة تصب في اتجاه دعم الطبقة المتوسطة. المصدر نفسه، أشار إلى أن مسألة الرفع من الحد الأدنى للأجور كانت مستبعدة تماما قبل "20 فبراير 2011″، إذ في الوقت الذي استفاد فيه رجال الأعمال المغاربة من تحرير النظام الاقتصادي ما بين عامي 1990 و2000، عرف مستوى المعيشة ارتفاعا بنسبة 16 في المائة مع حلول عام 2009، وهو ما دفع المركزيات النقابية الثلاث الأكثر تمثيلية (الاتحاد المغربي للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل) إلى الضغط على الحكومة آنذاك من أجل رفع الحد الأدنى للأجور، وهو الأمر الذي كان مرفوضا منذ عام 2009 ، ما أدى إلى توالي الوقفات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات. وأوضحت الصحيفة، أنه قبل انطلاق شرارة "20 فبراير" عرفت نسبة الاحتجاجات ارتفاعا في المغرب بنسبة 8 في المائة بعد الثمانية أشهر الأولى من عام 2010، كما شهد يناير من عام 2011 أكبر إضراب، وعرف نسبة مشاركة 90 في المائة من موظفي القطاع العام، وعلى الرغم من ذلك ظلت الحكومة ترفض الرفع من الحد الأدنى للأجور. وبعد انطلاق موجة الربيع العربي في مصر وتونس وامتداد شرارتها إلى المغرب في نهاية فبراير 2011، خرجت النقابات أيضا من ضمن محتجي "20 فبراير" فانتقلت المطالبة من تحسين الدخل إلى دعوة الدولة إلى رفع يدها عن القطاعات الرئيسية للاقتصاد، بما في ذلك تحرير بعض الشركات التي تدخل ضمن الهولدينغ الملكي. وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن النظام خشي من احتجاج النقابات أكثر من الناشطين الشباب، مذكرة بالاحتجاجات التي كانت قد قادتها الحركة النقابية في الثمانينيات والتي سرعان ما تحولت إلى موجة عنف، معتبرة أن ذلك كان سبب اختيار المغرب تقديم تنازلات مالية هذه المرة عوض تكرار السيناريو نفسه، كما ذكرت أن عباس الفاسي الوزير الأول آنذاك فتح حوارا مع النقابات في اليوم الموالي ل"20 فبراير 2011″ وبالضبط في 21 من الشهر نفسه، وهكذا انطلقت سلسلة الحوار الاجتماعي الذي توج في النهاية بالرفع من الحد الأدنى للأجور في عهد حكومة يقودها الإسلاميون.