بعد مماطلة من قبل حكومة عباس الفاسي في ملف الحوار الاجتماعي في شهر شتنبر الماضي، بسبب عدم التجاوب مع النقابات حول مجموعة من المطالب النقابية، عادت من جديد إلى طاولة المفاوضات مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية خلال بدايات شهر أبريل الجاري. الجولة الجديدة من الحوار بين الحكومة والنقابات جاءت في سياق معطيين: الأول يتعلق بالتحولات الاجتماعية والسياسية الجديدة، التي أفرزتها مرحلة ما بعد مسيرات 20 فبراير وخطاب 9 مارس للملك محمد السادس، والمعطى الثاني مرتبط بالاحتفالات المرتقبة في عيد العمال العالمي يوم فاتح ماي المقبل. معطيان أقنعا الحكومة بضرورة التخلي عن سياسة إدارة الظهر للنقابات والجلوس إلى مائدة الحوار، في سياق البحث عن طريقة جديدة في التعاطي مع المطالب الاجتماعية، استبقتها الحكومة بالإعلان عن تخصيص مناصب شغل للمعطلين على الخصوص. ويمكن القول إن الهاجس السياسي هذه المرة تغلب على منطق الحكومة في التعامل مع موضوع الحوار الاجتماعي، بدل الهاجس المالي الذي ظلت تتذرع به باستمرار في الجولات الماضية، مما كان يعطل الحوار في كل مرة نتيجة عدم الاتفاق بين الحكومة والنقابات حول مجموعة من المطالب، وعلى رأسها مطلب الرفع من الأجور. وبسبب هذا الهاجس السياسي قررت الحكومة القيام بتنازلات ملحوظة، تمثلت في الإعلان عن الرفع من الأجور بمبلغ 500 درهم لجميع الموظفين ابتداء من فاتح شهر يوليوز المقبل، والرفع من الحد الأدنى للمعاشات من 600 درهم إلى 1000 درهم، ورفع حصيص الترقية من 30 في المائة في سنة 2011 إلى 33 في المائة سنة 2012، وإحداث درجات جديدة مع ربطها بسن التقاعد إلى سن 62 سنة. كما أعلن الوزير الأول عباس الفاسي، خلال الجلسة الأولى من الحوار الاجتماعي في بداية الشهر الجاري، أن الحكومة ستخصص حوالي ثلاثة مليارات درهم لحل الملفات العالقة، سيحصل فيها قطاع التعليم على أكثر من مليار و500 درهم، إلى جانب المهندسين وكتاب الضبط، وإقرار السلم المتحرك للأجور بزيادة أوتوماتيكية خلال كل سنة بنسبة 2 في المائة... تنازلات مالية من شأنها أن تكلف خزينة الدولة زيادة بمقدار خمسة مليارات درهم. لكن الاقتراح الحكومي لم يلق تجاوبا واسعا وسط المركزيات النقابية، التي رأى بعضها في العرض الحكومي نوعا من التهرب من مواجهة مطالب الشغيلة، مما دفع كلا من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى الانسحاب في جلسة 4 أبريل الجاري، قبل أن تقرر المركزيتان العودة مجددا إلى طاولة الحوار. وطالبت المركزيات النقابية برفع الزيادة في الأجور إلى 700 درهم، كما انتقدت غياب أي تصور أو سيناريوهات لبرمجة تلك الزيادات، والاكتفاء بالحديث عن الكلفة الإجمالية التي ستثقل كاهل ميزانية الدولة، وعدم تحديد نسب الفئات المعنية والسلالم المرتبة فيها تلك الزيادات، وعدم التجاوب مع مطالب النقابات فيما يتعلق بالترقية الاستثنائية التي تقول الحكومة إنها ستكلف الخزينة مبلغ 16 مليار درهم. ويواجه الحوار الاجتماعي تحدي التوافق بين الحكومة والنقابات حول جملة من المطالب التي تقدمت بها هذه الأخيرة، من أجل نزع أي فتيل للمواجهة بين الجانبين في ظرفية اجتماعية ساخنة أملتها الدينامية الجديدة، التي انخرطت فيها البلاد وحراك الشارع المغربي، إذ أصبح الملف الاجتماعي يلقي بثقله على الحكومة، سواء تعلق الأمر بمطالب فئات تبحث عن مكانها في الشغل أو بمطالب النقابات العمالية والمهنية، وهو ما يعني أن الآلية التي كانت تنهجها الحكومة في الحوار الاجتماعي لم تعد ممكنة اليوم نتيجة ارتفاع إيقاع المطالب الاجتماعية وتزايد وتيرة المسيرات المطالبة بالشغل والرفع من الأجور والرواتب والحد من ظاهرة الغلاء ومحاربة البطالة وضمان حق المواطن في الصحة والتعليم والشغل. وفي الوقت الذي لا تريد الحكومة أن يتكرر سيناريو الجولات السابقة من الحوار، أي سيناريو الفشل، وهو أيضا نفس التخوف لدى النقابات، يبقى المطروح على الحكو مة وضع آلية لتلبية مطالب النقابات وإيجاد جدولة زمنية محددة للتطبيق، وتحقيق التوافق بخصوص القانون المنظم للنقابات وقانون الإضراب، وهما المقترحان اللذان لم يحققا أي تقارب في وجهتي نظر الحكومة والنقابات في الجولات السابقة.