رحل عنا إلى دار البقاء العالم المربي الدكتور عبد السلام الهراس، يوم الجمعة 20 فبراير بفاس..يعرفه العاملون في حقل الدعوة الإسلامية باعتباره أحد رواد العمل الإسلامي بالمغرب الذين كان لهم اهتمام كبير بقضايا الأمة العربية والإسلامية.. ولد بمدينة شفشاون سنة 1936 ودرس بها تعليمه الأولي، عايش خلالها ملاحم المقاومة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي وساهم في ذلك، قبل أن يرحل إلى القرويين لاستكمال دراسته ومنها إلى المشرق العربي.. درس بالكلية الشرعية ببيروت بلبنان، كما عاش فترة بالقاهرة ودمشق، التقى خلالها بعبد الكريم الخطابي وغيره من كبار المصلحين في العالم العربي والإسلامي..يرجع له الفضل في التعرف على المفكر الجزائري مالك بن نبي، حيث عاش معه في القاهرة وبيروت ودمشق، وكان يكتب باللغة الفرنسية، وهو من عرّف الدكتور عبد الصبور شاهين على مالك بن نبي، واقترح عليه ترجمة كتبه، وساهم إلى جانبه في طبع ونشر أبرز كتبه التي لاقت قبولا واسعا في العالم الإسلامي. حصل الدكتور عبد السلام الهراس على دكتوراه الدولة من كلية الآداب بجامعة مدريد سنة 1966م، حول الأدب الأندلسي، وكان من الأوائل الذين حصلوا على هذه الشهادة في المغرب. عاش بمدينة فاس وعمل بها أستاذا بجامعة محمد بن عبد اللَّه من سنة 1964 إلى سنة 1997. كما عمل أستاذا محاضرا بالعديد من الجامعات في إسبانيا وماليزيا ومصر والسعودية والكويت والبحرين وقطر، كما شارك في العديد من الندوات بإفريقيا وأوروبا وآسيا والعالم العربي. اشتغل بتحقيق التراث الأندلسي وعمل على ترجمة العديد من الأعمال الأدبية والمسرحية الإسبانية.. جالس الدكتور الهراس أقطاب الحركة الوطنية المغربية وعلمائها ومن بينهم علال الفاسي، وعبد الله كنون، والمكي الناصري وغيرهم.. عمل إلى جانب إخوانه في مدينة فاس على تأسيس جمعية «جماعة الدعوة الإسلامية» في منتصف السبعينيات، وكانت من أوائل الجمعيات الإسلامية المعترف بها قانونيا.. اهتمت الجمعية ببناء مدرسة تربوية دعوية متميزة قائمة، أساسا، على محاولة الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية، وبناء الإنسان الرسالي الذي يعمل من أجل الدعوة بعيدا عن التعصب الحزبي أو الانغلاق الطائفي..والتحسيس بأهمية المسألة العلمية في بناء المشروع الحضاري الإسلامي.. لم تهتم الجمعية بالعمل السياسي المباشر، ولم تنخرط في التقاطبات الفكرية والسياسية، التي عرفتها بلادنا، مُفضّلة خطاب الموعظة الحسنة تجاه الجميع.. يحسب لشيوخ الجماعة إسهامهم التاريخي في بناء فكرة وحدة التنظيمات العاملة في الحقل الإسلامي، والإسهام في ترشيد العمل الدعوي، وتحصينه ضد دعوات الغلو والتطرف ومصالحته مع بيئته المغربية.. لقد كان الدكتور عبد السلام الهراس من أبرز المدافعين على الخصوصية المغربية وتحصين العمل الإسلامي ضد التأثير المشرقي..ويشهد الجميع كيف أن المرحوم الهراس ظل محافظا على لكنته الجبلية رغم تجربته المشرقية الطويلة. رحم الله الدكتور عبد السلام الهراس وأسكنه فسيح جناته..وإنا لله وإنا إليه راجعون.