هو شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة ومرشد الأجيال، هو من أقدم المغاربة المعاصرين اهتماما بالعمل الإسلامي الحديث، ومن رواده ومؤسسيه وآبائه، هو من السابقين إلى التأسيس القانوني للعمل الإسلامي بالمغرب، هكذا وصف العالم المقاصدي أحمد الريسوني، العلامة الراحل عبد السلام الهراس الذي سلم الروح إلى بارئها صباح الجمعة المنصرم بالعاصمة العلمية فاس. الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قال في حق الفقيد "إنه عالم المغرب، ورجل مثقف وداعية كبير". من هو الراحل عبد السلام الهراس؟ الراحل ابن شفشاون فارس الدعوة ومربي الأجيال، كما يسميه عدد من معارفه، من مواليد مدينة شفشاون سنة 1930، بها نشأ وترعرع. وقال الراحل وهو يحكي عن أيام طفولته ليومية "التجديد" سنة 2003، "ولدت في فترة كانت فيها مدينة شفشاون تئن تحت آلام الاحتلال الإسباني، وقد كنا نشاهد صباح مساء الجيش الإسباني يمرح ويتجول ويتدرب ويستعرض عضلاته وقوته أمامنا في حفلاتهم ومناسباتهم وذكرياتهم، ورأينا الإذلال من الإسبانيين حين كانوا يتسلطون على الضعفاء، وعشنا كذلك طفولتنا مع كثير من المجاهدين الأبطال، وكان فيهم فقهاء أجلاء وعلماء وأشراف، عشنا أيضا آلام بعض العادات الغربية السيئة التي بدأت تغزو بلادنا مع الاحتلال الإسباني مثل الخمر والتبغ والدعارة المنظمة، وإن كانت من قبل بعض هذه الظواهر كالخمر والتبغ موجودة عندنا، غير أنها كانت ضمن حالات شاذة ومستترة". وكان خالي الفقيه أحمد المرابط يقول الراحل، هو أول من أسس مدرسة حرة بشفشاون، وكان أيضا أول من دعا إلى قراءة القرآن جماعة يوم الجمعة كما رآها في فاس، حيث بادر السلفيون مثل علال الفاسي والفقيه الغازي والحاج الحسن بوعياد رحمهم الله إلى جمع الناس على قراءة القرآن، واتخذوا ذلك وسيلة لبث الوعي في الناس بوطنيتهم وقوميتهم وانتمائهم الإسلامي، فنقل خالي هذه العادة إلى شفشاون، كما أنه (خالي) أول من أسس نواة للكتلة الوطنية بشفشاون ثم لحزب الإصلاح، مضيفا وهكذا في الطفولة عاصرنا وتربينا في أحضان الأجيال الأولى للوطنية، مما حفزنا على التمسك بديننا وعلى كراهية المحتل وعاداته، وعلى العمل وفق تصورات بسيطة ووفق ما نملك من وسائل بسيطة للدفاع عن أنفسنا وهويتنا. وقال العلامة لما كان عمري حوالي الخامسة أو السادسة، كان أبي يحرص على أن يجمعني بالعديد من الوطنيين المجاهدين، وكان كلما رأى مجاهدا أو عالما، وخصوصا من أبناء الجبل، يقدمني له ويسأله أن يدعو لي، وأبي رحمه الله كان له ارتباط قوي بالمجاهدين، ومنهم من لم أتعرف عليه إلا بعد أن كبرت، ومنهم مثلا القائد بنسعيد، وهو من أبطال الإسلام المغاربة الذين لم نوفهم حقهم ويا للأسف. ومن ميزات القبائل الشفشاونية يقول الراحل أنها تتعهد أطفالها بحفظ القرآن والتعليم الديني، وتجعلهم يتعلقون بالمساجد، وهكذا نشأنا على كره التشبه بالنصارى، وكان آباؤنا لا يسمحون للشباب منا مثلا بحلق اللحى، وكان حلق اللحية مذمة وعلامة على التشبه بالنصارى، وما زلت أذكر أول أربعة حلقوا لحاهم، وكان ذلك سبة في حقهم ومنقصة من أصالتهم، وأصبحوا يوسمون بالتشبه بالنصارى، وإن كان جل هؤلاء قد ماتوا وهم في قوة الصلاح والتقوى. وأضاف الفقيد كان ممنوعا كذلك في تلك الفترة أن ترى الشعر على رأس الرجل أو الشاب، بل وحتى الطفل، وكنا نسمي الشعر على رأس الرجل بالفريزي (نسبة إلى العبارة الفرنسية cheveux frisées التي تعني الشعر المجعد والمموج)، وكان واجبا علينا حلق رؤوسنا، ومن أبى يحلق له رغم أنفه، ومن أبشع وأطرف ما أذكر في هذا الشأن أن رجلا أحرق لابنه شعر رأسه لأنه لم يكن يريد أن يرى ولده يتشبه بالنصارى، قائلا "أسس الإسباني في شفشاون مدرسة ابتدائية للأولاد وأخرى للبنات، غير أننا كنا ننفر من مدارسهم، وكانت قبائل شفشاون لا تسمح لأبنائها بالالتحاق بالمدرسة، إلا من اضطر إلى ذلك". أيام الفقيد بجامعة القرويين قال الراحل لذات اليومية "أول ما دخلت للقرويين بعد نجاحي في الابتدائية سنة 1946 1949 وجدت نفسي أمام كتب يصعب فهمها مستقبلا وعلوما جلها جديد علي، وقد أكرمنا الله في عامي الأول بالأستاذ علال الجامعي الذي كان يشرح لنا الشيخ خليل شرحا واضحا، ثم جاءنا أستاذ آخر وهو الأستاذ أحمد الحبابي الذي كان يدرسنا بعض المواد منها: النحو والصرف وقد كان الرجل حفظه الله وبارك في عمره واضح العبارة يتصرف في إعادة تصرف الخبير حتى تبدو أمامنا سهلة سائغة بعدما كنا قبله لا نكاد نفهم شيئا، إذا كان كتاب الصرف اسمه مفتاح الأقفال فكنا نسميه إقفال الأقفال، ولولا هذا الرجل لكان مصير بعضنا الرسوب ومنهم أنا الذي جئت من مدرسة ابتدائية عصرية تدرس كتبا حديثة مع الإسبانية. وتابع العلامة كان بالقرويين أساتذة وشيوخ ذوي مستويات مختلفة، أذكر جيدا أنه من خيرة أساتذتنا الذين استفدنا منهم كثيرا الأستاذ عبد الله الداودي، هذا الرجل الذي تعلمنا منه منهج دراسة النصوص الفقهية. وكان رحمه الله يدرسنا فقه القضاء تحفة ابن عاصم، وما أظن أن أحدا يخالفني في أنه كان آية من آيات الله في درسه وعلمه، فقد كان يعجبه الطالب الذي يتصرف تصرفا يدل على فهمه وإدراكه وملكته وقدرته على ترتيب أفكاره أثناء التحليل والتركيب والمقارنة والاستنتاج والإدلاء بالرأي العلمي مع تعزيز ما يقول بالدليل والحجة، أما الجواب المعتمد على مجرد الحفظ ونقل ما هنالك فكان رحمه الله يقول أنت نسخة مكررة من المطبوع. المواد الأدبية والاجتماعية كانت نسبتها ضئيلة في المقرر يقول الفقيد كما أن الكتب المقررة كانت عموما فقيرة وقديمة مثل أدبيات اللغة، والأدب الوسيد وهما كتابان مصريان، والأدب العربي للزيات وبعض النصوص القديمة والأندلسية وكان مدرسو الأدب قلائل مثل الأستاذ عبد الكريم العراقي والشاعر محمد الحلوي حفظهما الله، أما الجغرافية فمن حسن حظنا أنه كان عندنا الأستاذ بوزيان وهو مدرس ناجح جدا في تدريس هذه المادة، وكان رحمه الله يرسم لنا الخرائط بالطباشير الملونة في الحائط، أما الحساب فكان حظنا منه قليلا وكئيبا خصصا بالنسبة لنا الذين درسنا بالمدارس الإسلامية العصرية التابعة لسلطة الحماية. الكتب التي شغلت الراحل وأفاد الفقيد أن من الكتب التي شغلت القراء أساتذة وطلاب في ذاك الوقت قصص جرجي زيدان، قائلا "التي كنا نظن أنها كتب أدب وتاريخ وقصة وكان بعض أساتذتنا يعتمد عليها في التاريخ، فلما ذهبنا لمصر اكتشفنا أنها كانت داخلة في مخطط رهيب لتشويه التاريخ الإسلامي بتقديمه في قوالب قصصية مشوقة"، مضيفا ومن الكتب التي أعجبنا بها كتب محمد حسين هيكل، وكتب العقاد وسيد قطب والغزالي وأحمد أمين وطه حسين، ومن الكتب التي استأثرت بإعجاب الطلاب وبعض شيوخهم، كتاب من هنا نبدأ لخالد محمد خالد رحمه الله، الذي كان ثوريا، وجل الطلاب لم يلتفتوا لكتاب من هنا نعلم للرد عليه ألفه الشيخ محمد الغزالي، إظهارا من الطلبة لمناصرة ثورية خالد محمد خالد، أما القصص فكان يروج عندنا قصص إحسان عبد القدوس وقصص يوسف السباعي. أما سلسلة كتب أحمد أمين يقول الفقيد الهراس فكنا نلتهمها التهاما وما زلت أذكر أني بعت جلابة لي شاونية جديدة واشتريت بثمنها: كتاب ضحى الإسلام في ثلاثة أجزاء من الحاج عبد الكريم القادري رحمه الله رحمة واسعة، الذي ظللنا على محبة وتواصل إلى أن التحق بجوار ربه منذ ثلاث سنوات تقريبا، ومن الكتاب الذين كنا نقرأ لهم: مصطفى صادق الرافعي صاحب وحي القلم، والمنفلوطي صاحب العبرات والنظرات، وكنا معجبين بأدب المهجر مثل جبران وإيليا أبو ماضي. الصحف التي يقرأها الفقيد أما الصحافة التي كنا نقرأها في الرأي العام ولاسيما الغمرات يقول المرحوم الهراس للأستاذ محمد بن محمد الوزاني، والنقد الذاتي للأستاذ علال الفاسي، "وكان الأستاذ محمد بن عبد العزيز الحبابي ينتقد مقالات الأستاذ، وقد كان يشارع أن ذلك النقد كان وراءه مجموعة من الكتاب، وكانت هناك جريدة العلم ومن الأبواب الجيدة، من النافذة لأحمد زياد رحمه الله بتوقيع أبو طارق فيما أظن، وكانت هناك رسالة المغرب وهي مجلة محترمة كان الأستاذ عبد الكريم غلاب حفظه الله مسؤولا عنها، وكنا نقرأ الأبواب الأدبية في جريدة السعادة التي كانت تابعة للإقامة العامة، وكانت هناك بعض المجلات الخطية ومنها مجلة الأستاذ عبد النبي السفياني ولعل اسمها كان المطرقة. واسترسل الهراس "أما جريدة البصائر الجزائرية فكانت تحتل الصدارة عندنا وكنا ننتظرها بلهفة وشوق، ولاسيما مقالات الشيخ بشير الإبراهيمي التي ما تزال تحتفظ بقيمتها الأدبية إلى الآن، لقد كان الرجل من بلغاء العرب في القرن الرابع عشر ويمتاز بأسلوب يجمع بين الأسر والجزالة والعذوبة والإشراق والتدفق والسخرية اللاذعة، واختراع المعاني والقدرة على التصوير وروعة الإيقاع وتنوع العبارات والبراعة في استثمار التراث والقدرة الفائقة في الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وكنا نقرأ من حين لآخر مجلة الرسالة للزيات والثقافة لأحمد أمين والأديب اللبنانية لألبير أديب يقول الهراس، والمسلمون لسعيد رمضان وكانت خزانة القرويين من أهم المؤسسات الثقافية بفاس، فكنا نقصدها للمطالعة والقراءة فتراها غاصة بالطلاب وقليل منا من كان مبتلى بالمخطوطات التي كانت هذه الخزانة غنية بها قبل أن تمتد إليها أيادي النهب والسلب. سر الحب للمشرق في حكايات الفقيد عن حياته، كشف سر حبه هو وطلبة جيله، خصوصا رفاقه بجامعة القرويين للمشرق، قائلا "إن ارتباطنا بالشرق كان جد وثيق، كنا نعرف عن الشرق ما لا نعرف عن بلدنا، ولذلك كان أملنا وطموحنا أن ندرس بالقاهر، وقد تحقق هذا الطموح بالنسبة لعدة طلاب أعرف منهم حوالي العشرين، ومنهم من كان قد حاز العالمية من القرويين وذهب للقاهرة لنيل الإجازة من جامعة القاهرة، ولاسيما في كلية دار العلوم أو الآداب أو الأزهر الشريف. وأبرز العلامة أن الكثير من أصحابه الطلبة وهو معهم لم يكونوا يتصورون، الآفاق بعد التخرج في القرويين، "فكنا نطلب العلم للعلم لنصبح علماء أدباء كتابا خطباء شعراء، شيئا ذا قيمة لوطننا، حتى أنه عندما أتيحت لنا الفرصة ليلتحق معلمين بالمدارس الابتدائية بالمنطقة السلطانية بأجرة مغرية، لم نستجب لهذا الإغراء بل آثرنا مكابدة طلب العلم مع شظف العيش على أن نلتحق بوظيفة معلم بأجرة تصل إلى 200 درهما تقريبا، وهي أجرة تكفل لنا العيش في رفاهية وتساعدنا على الزواج ومساعدة الأسرة". وأضاف الراحل قد عرضت على والدي فكرة الالتحاق بسلك المعلمين، وأنا غير جاد، فقالت لي والدتي رحمها الله، نحن وهبناك لله لا للمال، فعندنا الكفاف والحمد لله، إذاك قلت لهما، إذن تسمحان لي أن أتابع دراستي بالشرق فأجابت الوالدة اذهب يا ولدي حينما رأيت الفائدة فأنت في سبيل الله، أما سيدي الوالد فكان يتمنى أن أظل بجانبه لا أفارقه لأنني كنت وحيد الأسرة التي أصيبت بفقد ثلاثة أطفال ولم يبق للوالدين إلا عبد السلام الذي عزم على السفر إلى الشرق الذي كان مطمح جميع شباب المغرب يوم كانت هناك وشائج قوية بين المغرب والمشرق، وكان المغاربة أكثر حبا للمشرق ومعرفة به واعتزازا بعلمه وثقافته. المسار العلمي والأكاديمي للراحل العلامة والأب لستة أبناء جال عدة عواصم عربية منها القاهرة وبيروت ودمشق، ودرس بالكلية الشرعية ببيروت بلبنان، وحصل على الإجازة بكلية الحقوق جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1661، ودكتوراه الدولة من جامعة مدريد، كلية الآداب مدريد ( 1966م )، وعاش معظم حياته بفاس حتى توفي بها رحمه الله. وكان الفقيد أستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس بمدينة تطوان، وأستاذ بجامعة محمد بن عبد اللَّه بفاس من سنة:( 1964م 1997م)، ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها من سنة: ( 1975م 1991م )، وأستاذ زائر و محاضر بعدة جامعات وهي جامعة الخليج بالبحرين حين حاضر في موضوع رجال الإصلاح «الأفغاني، محمد عبده، مالك بن نبي »، وجامعة مدريد كلية الآداب، إسبانيا، قسم اللغات الشرقية، جامعة الإمام محمد بن سعود، كلية اللغة، وجامعة القاهرة، كلية الآداب، القسم الإسباني، وجامعة قرقيزيا الكويتية، قسم اللغة العربية، والجامعة الإسلامية، ماليزيا. كما كان الراحل عضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية لمدة عشر سنوات، وعضو المجلس الأعلى للمساجد رابطة العالم الإسلامي، وعضو الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وعضو بهيئة علماء العالم الإسلامي بقطر، وشارك الراحل في أكثر من ثلاثين مؤتمرًا وندوة بالوطن العربي وبإفريقيا، وأوروبا. وقام الهراس بتحقيق كتب أندلسية؛ مثل: كتاب التكملة لابن'الأبار أربعة أجزاء ديوان ابن الأبار البلنسي، طبع بتونس ثم بالرباط صلة الصلة لابن الزبير الغرناطي ودرر السمط في خبر السبط ) الثلاثة بالاشتراك مع العلامة الشيخ سعيد أعراب)، وكان يكتب زاوية « بارقة » في جريدة « المحجة » بالمغرب منذ ( 13 ) سنة، وترجم عن الإسبانية قصائد، وقطع أدبية ومسرحية للكاتب العالمي خاسينطو بنابنطي وبعض الأبحاث الأدبية، وأشرف على أكثر من خمسين دكتوراه و ماجستير في الأدب الأندلسي، والفكر الإسلامي والدراسات الإسلامية، إضافة إلى عدد كبير من المقالات والحوارات المبثوثة في عدد من المجلات والجرائد منها: التجديد والمحجة والشهاب والوعي الإسلامي وأخرى. ومن مؤلفاته رحمه الله "الإسلام دين الوسطية والفضائل والقيم الخالدة"، "أبوبكر الصديق وإدارة الأزمات"، "سعادة المرأة في ظل الإسلام"، "الأندلس بين الاختيار والاعتبار"، والجزء الأول من « قصة الأندلس من الفتوح إلى النزوح »، وتوزع إنتاجه بين المقالة، التحقيق والترجمة، ونشر كتاباته بعدة منابر: المناهل، دعوة الحق، البحث العلمي. مفكرون وأدباء ودعاة مرموقين عاصروا العلامة المغربي وعاصر الفقيد المعروف بسخاء العطاء في طريق الدعوة، كبار المفكرين والأدباء والدعاة والمصلحين في العالم العربي والإسلامي، أبرزهم المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي عاش معه في القاهرة وبيروت ودمشق مدة طويلة، وساهم في طبع ونشر بعض كتبه التي لاقت قبولا واسعا في العالم الإسلامي، حيث يحكي الراحل الدكتور عبد الصبور شاهين الذي ترجم أعمال مالك بن نبي من الفرنسية الى العربية، أن الراحل عبد السلام الهراس كان هو من دله على مالك بن نبي الذي يكن يعرفه قبل ذلك واقترح عليه ترجمة كتبه، وكان ذلك اللقاء بعد خروج شاهين من السجن واشتداد الخناق عليه من طرف أجهزة عبد الناصر، الذي وصل درجة حرمانه من ولوج أي عمل، فامتدت العلاقة التي أنتجت نقل تراث ابن نبي إلى العربية، وفتح مدرسة جديدة في الفكر الإسلامي مازالت دواليها مثمرة وقطوفها دانية. الصورة: ( الجالسون من اليمين إلى اليسار : عبد السلام الهراس، مالك بن نبي، الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، كمال الحناوي مدير وكالة الشرق الأوسط للأخبار، عبد الوارث الدسوقي مدير جريدة الشعب). وحكى الراحل في إحدى الحوارات الصحافية كيف بدأت علاقته بالمفكر مالك بن نبي قائلا "انطلقت للبحث عن هذا المفكر الجديد، وعثرت عليه في بيت الضابط المغربي الذي كان أحد المجاهدين الكبار الذين أسهموا في تأسيس جيوش التحرير في كل من المغرب والجزائر وتونس وهو الكولونيل الهاشمي الطود الذي يعرف أسرارا عن الثورة الجزائرية لا يعرفها الكثيرون"، مضيفا "أتينا بمالك إلى بيتنا حيث يسكن فيه كل من عمر مسقاوي، وناصر الصالح، وعبد الرحيم طريف، وحسين صالح وأنا، ومن ذلك البيت في الدقي ثم حي المنيل انطلقت أفكار مالك لتملأ الفراغ الكبير الذي خلفه غياب فكر الإخوان الذي كان هو الفكر السائد." بعض الشهادات في حق الرجل الشيخ يوسف القرضاوي وصف الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العلامة المغربي الراحل عبد السلام الهراس بعالم المغرب، والرجل المثقف والداعية الكبير، وقال إن مؤلفاته رصينة وتحقيقات نافعة لاقت قبولا واسعا. وتابع القرضاوي في تعزية له نشرها موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نعزي الأمة الإسلامية، ونعزي أسرته، ونعزي أنفسنا، في فقدان الهراس الذي قضى شبابه، وكهولته، وشيخوخته، وعمره كله في خدمة الإسلام والدعوة إليه، وإلى رسالته العالمية، وإلى أصوله ومنهجه، وإلى لغته العربية وآدابها، مضيفا "إنا لله، وإنا إليه راجعون، له ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى". وأبرز القرضاوي أن للشيخ الهراس كانت له صلات وثيقة بكبار رجالات العلم والفكر في العالم الإسلامي، ويعتبر أحد تلاميذ المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي، "حيث لقيه وأخذ عنه، وساهم في نشر أفكاره ورؤاه، وأشار على الدكتور عبد الصبور شاهين بترجمة كتبه لأهميتها". وذكر القرضاوي بأن الشيخ الهراس كان من ضمن المؤسسين المهمين للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قائلا "وله دائما حضور ملموس، ومشاركات ايجابية رصينة في كل الاجتماعات في الهيئة الخيرية، وفي اتحاد العلماء، وفي كافة اللقاءات، تميز فيها بحرصه البالغ على سلامة الدين واللغة والأخلاق من التحريف والتزييف والتميع". وقد شارك فضيلة الشيخ عبد السلام الهراس يقول القرضاوي بكتابة بحث عن شخصي الضعيف، في الكتاب التذكاري المنشور عني بمناسبة بلوغي سن السبعين بعنوان (الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي القيادة الحكيمة في مسيرة التأصيل والتجديد والتوحيد. وأضاف القرضاوي أن الشيخ الهراس له مقالات دعوية، ومؤلفات رصينة، وتحقيقات نافعة لاقت قبولا واسعا، مثل تحقيقه ل(التكملة لابن الأبار)، ومشاركته في تحقيق (أزهار الرياض في أخبار عياض) لشهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، و(ديوان ابن الأبار البلنسي)، و(صلة الصلة) لابن الزبير الغرناطي، و(درر السمط في خبر السبط). وكان مجيدا للغة الإسبانية، وترجم عنها عدة قصائد وقطع وأبحاث أدبية. العالم المقاصدي أحمد الريسوني قال العالم المقاصدي أحمد الريسوني في حق الراحل "أستاذنا وفقيدنا الكبير الدكتور عبد السلام الهراس، هو شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة ومرشد الأجيال. الأستاذ الهراس من أقدم المغاربة المعاصرين اهتماما بالعمل الإسلامي الحديث، ومن رواده ومؤسسيه وآبائه". وتابع الريسوني "فهو من السابقين إلى التأسيس القانوني للعمل الإسلامي، حيث أسس في منتصف السبعينيات جمعية جماعة الدعوة الإسلامية، ثم غيرها من الجمعيات الثقافية والاجتماعية، كجمعية العمل الاجتماعي والثقافي، وهو معلمنا وشيخنا في الاعتدال والوسطية والتأني والاتزان. وهو رائدنا وراعينا في الاهتمام بالعمل الأكاديمي والتكوين العلمي". وأضاف الريسوني "ورغم أنه عاش كثيرا في المشرق العربي، واتصل واحتك بأقطاب الحركات الإسلامية وشبابها هناك، فقد حافظ على أصالته ومميزاته المغربية، وظل ينكر علينا تقليدها غير المتبصر، بل ويحذرنا من منزلقاتها وسلبياتها، وهكذا أسهم إسهاما أساسيا في ترسيخ تجربة ومدرسة دعوية إصلاحية مغربية متميزة، فعليه رحمات الله وبركاته، وجزاه عنا وعن المسلمين كل خير". تعزية الأمين العام لجماعة العدل والإحسان محمد عبادي تلقينا، في جماعة العدل والإحسان، نبأ وفاة الشيخ الداعية الدكتور عبد السلام الهراس رحمه الله، أحد أعلام العمل الإسلامي بالمغرب، وأحد رجال الفكر والدعوة البارزين.وإننا إذ ننعى الراحل الفقيد ونعزي فيه أهله وإخوانه وأحبابه خاصة، والحركة الإسلامية عامة، وهو الذي عرف بسخاء العطاء في طريق الدعوة، وبقوة البذل في ميادينها، ندعو الله تعالى أن يرزقهم جميل الصبر والسلوان، وأن يتغمده بواسع رحمته، ويغمره بعميم فضله، ويسبل عليه من كريم عفوه، ويسكنه فسيح جناته، مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. وفاة العلامة وعن سن يناهز 85 عاما لبى الفقيد نداء ربه مخلفا وراءه إرثا فكريا وعلميا ودعويا مُهما، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة من الذين شيعوه إلى مثواه الأخير جنازته.