تدعو أسماء المرابط، ورئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، العلماء إلى الخروج من قوقعتهم حتى تكون فتاواهم أقرب للواقع، معتبرة أن الفقه صور المرأة كبضاعة يتزوج بها للمتعة. { نقل عنك تصريح جاء فيه أن الحجاب ليس أولوية وليس ركنا من أركان الإسلام، ما هو مستنَدك في ذلك؟ بالفعل قلتها وأكررها. هو ليس من أركان الإسلام كما أنه ليس أولوية، فالأولوية للعلم والعدل والأخلاق وليس للحجاب. هذا لا يعني أن الحجاب ليس من الدين الإسلامي، بل هو من الدين الإسلامي، ولكن اللفظ الذي جاء به القرآن ليس هو «الحجاب» كما هو معروف اليوم، فالحجاب المذكور في القرآن يعني الستار، وجاء في العديد من الآيات بذلك المعنى، ومنها الآية التي كانت موجهة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى سترهن من الرجال الأجانب نظرا لمقامهن كأمهات للمؤمنين. والحجاب كما نفهمه اليوم بغطاء الرأس، ورد في القرآن بكلمة «خمار» من خلال الآية الكريمة «ولْيَضْربِن بِخُمُروهِن عَلَى جُيُوبِهِن»، فأصبح الخمار اليوم، يُفهم بأنه «الحجاب»، وهو مفهوم إيديولوجي سياسي ظهر مع حركة الإخوان المسلمين في مصر. ذلك أن الحجاب بالمعنى الذي نراه اليوم ظهر في أواخر القرن التاسع عشر مع الإسلام السياسي والإخوان المسلمين حيث ظهر كرد فعل ضد الاستعمار الذي كان يريد إزالة النقاب. فمن مفهومي الشخصي، وأكرر وأقول بأنني لست بعالمة ولا مفتية، وإنما أنا باحثة وناقدة للفكر الإسلامي وانطلاقا من ذلك، أقول إن الخطاب الذي انتشر اليوم عن «الحجاب» قد أفرغه من حقيقته. فالحجاب أو الخمار كما يُذكر في القرآن هو «حق» للمرأة، بلغة العصر، وبالتالي، فمن حق المرأة أن ترتديه كما من حقها ألا ترتديه وهو ليس رمزا للتدين كما يتداول اليوم، لأن من يروج لهذه الفكرة هو الخطاب الذي يركز على جسد المرأة ويلخص تدينها في الحجاب، وهذا للأسف ما أوقعنا في النفاق الاجتماعي، بحيث نرى اليوم نساء يرتدين الحجاب ولا يصلين مثلا، لذلك، فالحجاب ليس أولوية، بل الأولوية للعبادات والأخلاق والعلم والتربية. { بما أن الحجاب يختلف عن غطاء الرأس، وبما أن الحجاب حق، فهل غطاء الرأس واجب؟ أعود وأقول بأن غطاء الرأس أو الخمار جاء في آية واحدة، وغطاء الرأس «الخمار»، كما جاء به القرآن يرتبط بالقناعة وحرية الاختيار أكثر من الإجبار. { أنت تضعين غطاء الرأس، فهل ذلك من منطلق وجوبه أو اقتناعك به؟ الاقتناع طبعا، الاقتناع هو أساس كل شيء، أما الإجبار فهو ما يسقطنا في النفاق الاجتماعي، فكثير من النساء يحافظن على غطاء الرأس ويجهلن أخلاقيات الدين الإسلامي ولا يقمن بأي من عباداته وكأن غطاء الرأس يختزل كل شيء، لذلك، فالأساس في وجوبه هو الحرية والاقتناع، وغير ذلك فهو تدين عليل لأن التدين الحقيقي ليس في المظاهر، وإنما في المعاملات، فكم من امرأة لا ترتدي غطاء الرأس وتكون محتشمة أكثر من تلك التي تضعه كما أن سلوكها يكون أحسن. { انتقدت احتكار الرجال للافتاء، هل هذا يعني بأنك فكرت في إصدار الفتاوى؟ مطلقا، أنا لم أقل هذا لأن الفتوى ترجع للعالمة في الدين ومن قامت بدراسات إسلامية معمقة، ولكن الإشكال المطروح في عصرنا أن العالمات وحتى العلماء لم تعد لهم صلاحيات الإفتاء، لكثرة التقليد وانعدام الاجتهاد، حيث ظلوا يتخبطون في مفاهيم قديمة في الوقت الذي يعرف الواقع تطورا مستمرا يحتاج إلى الاجتهاد. أولا الفتوى يجب أن تكون جماعية وغير حكرا على عالم الدين، لذلك وجب التعاون بين الفقيه والطبيب وعالم الاجتماع وغيرهم، قبل إصدار أي فتوى حتى تكون منسجمة مع الواقع. في هذا السياق أشير إلى أنه أحيانا يقال لي «أنت طبيبة ما دخلك في الدين؟» ويكون ردي أنني مواطنة مغربية ومسلمة ومن حقي البحث والتفقه في ديني والإدلاء برأيي وهذا حق يعطيه لي الإسلام. للأسف علماء الدين في هذا العصر يعيشون حبيسي قوقعتهم وفي أبراج عالية بعيدة عن الناس، هم علماء النص حيث يعتمدون في فتاواهم على النص فقط، لذلك، يكون من الصعب تنزيلها على أرض الواقع. { هل يمكن أن نعتبر الاقتصار على النصوص في إصدار الفتاوى التي يكون من الصعب أو من غير الممكن تطبيقها هو ما جعل الدين عسيرا أكثر على الإنسان في هذا العصر؟ بالفعل، ولذلك نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى فقه جماعي وواقعي، وعلى العلماء الخروج من قوقعتهم والبحث في القضايا التي تشغل الناس وإيجاد حلول واقعية تتماشى مع ظروف العصر الحالي والسياق الراهن. { في سياق الحديث عن احتكار الرجال للإفتاء، هل أنت مع وجود نساء مفتيات في الأمور التي تتعلق بأمور المرأة باعتبارهن أدرى بها؟ لا يجب أن نحبس أنفسنا في هذا الفكر الذكوري الذي يقول إن المرأة لها علم فقط، في شؤون النساء، ولكن ينبغي أن تتجاوز ذلك لأن مثلها مثل الرجل، فالسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تفتي وتتدخل في السياسة. السيدة عائشة منذ 14 قرنا كانت من السبعة الذين يفتون في المدينة، وكانت تفتي في أمور عامة تهم مختلف القضايا وليس فقط، ما يخص النساء. المساواة في القرآن واضحة. والقرآن يذكرنا كبشر متساوين في الحقوق والواجبات، باستثناء بعض الاختلافات القليلة، لذلك من حق المرأة أن تكون عالمة ومفتية في جميع المجالات والقضايا. { على الرغم من أن الإسلام كرم المرأة إلا أن الملاحظ اليوم أن المرأة «محگورة»، باسم الإسلام والتأويلات الخاطئة له، فصارت المرأة تحرم من حقوقها باسم الدين، ما رأيك في هذا الخصوص؟ لقد صار لزاما على النساء أن يتعلمن ويعرفن حقيقة دينهن كما أن على الرجال أن تكون لهم دراية بالدين الحق وليس الدين كما يؤوله البعض، وفي هذا، يجب التفريق بين ما قاله الله سبحانه وتعالى وما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام وكذا بين تأويلات الفقهاء الذين نحترمهم، فالاحترام لا يمنع القيام بالنقد الذاتي، خصوصا حين نرى بعض الفقهاء يتحدثون عن المرأة بشكل مسيء وينظرون إليها نظرة دونية. فالقرآن تحدث منذ 14 قرنا عن بيعة النساء التي ترمز لمشاركتهن السياسية، وشجعهن على الهجرة التي كانت سياسية أيضا ومكنهن من حق الطلاق وحق الإرث في الوقت الذي كانت النساء في مختلف الحضارات محرومات منه، كما تحدث عن المسؤولية في قوله تعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض»... عندما نرى كل هذا، نستغرب ما نراه اليوم من إساءة للمرأة وتقليل من شأنها وحقوقها، والطامة الكبرى أن الفقه صور المرأة كبضاعة للنكاح يتم الزواج بها قصد التمتع فقط، بينما القرآن في حديثه عن مبادئ الزواج يختلف كليا عن تلك التأويلات، فبخصوص الزواج جاء القرآن بتعبير جميل جدا هو «الميثاق الغليظ» الذي يجمع الزوجين، ويتحدث عن كون النساء والرجال لباس لبعضهم البعض كما يتحدث عن التشاور والتراضي والرحمة والمعروف... للأسف نحن نهمل كل هذا ونعتمد على التأويلات والقراءات الفقهية البعيدة كل البعد عن روح الدين الإسلامي، والمؤسف أن التربية بدورها تلعب دورا سلبيا في هذا السياق، حيث إن الأبناء لا تتم تربيتهم على أساس المساواة بين الذكور والإناث. { بالعودة إلى الفتاوى، أكيد أنك تتابعين الفتاوى التي يطلقها بعض الفقهاء من حين إلى آخر والتي «تميع» الدين وتبدو بعيدة كل البعد عن حقيقة الإسلام، ما تعليقك على تلك الفتاوى؟ هذا هو التدين العليل الذي أشرت إليه سابقا، فالدين من المفروض فيه أن يرتقي بمستوانا الفكري والأخلاقي، وللأسف الفتاوى التي صرنا نسمعها تقوم بالعكس، والواقع أنه يحز في نفسي رؤية البعض وهم ينزلون بالدين إلى ذلك المستوى المتدني والمنحط، لذلك أعتبر التربية الدينية أساسية وعلينا العودة إليها بمقاربة حداثية وجديدة تواكب العصر وأفكار الشباب، بدل الخطاب الديني الذي يتبناه أغلب الفقهاء اليوم والذين يفتون بفتاوى لا تفيد أحدا ويطلقون على هواهم صفتي الحلال والحرام، اللتين تعتبران دخيلتين على المجتمع الإسلامي لأن «الحلال بيّن والحرام بيّن»، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام. نحن اليوم بحاجة لعودة الدين إلى أصله وإلى مركزه وأن نحميه من الاستغلال السياسي، لذلك لابد من حماية الدين من الاستغلال السياسي والتلاعب بعقول الناس. والمؤسف أنه لا توجد إرادة سياسية اليوم ليجلس الجميع إلى طاولة الحوار للقيام بنقد ذاتي وتصحيح المفاهيم وإكمال الطريق الذي بدأه محمد عبده في الفكر الإصلاحي والإسلام التنويري والذي لم يتمكن من إتمامه بسبب الصراعات والحسابات السياسية، لكون ذلك الفكر التنويري الإصلاحي بما فيه من الالتزام بمبادئ العدل والحرية ونقد الاستبداد، يتناقض ومصالح الأنظمة السياسية التي طالما استعملت الدين لمصلحتها. { في ظل الإشكال الذي طرحه الإسلام السياسي في العالم العربي، تعالت الأصوات المنادية بالعلمانية في مواجهة صوت «الإسلام هو الحل»، في رأيك الإسلام هو الحل أم العلمانية هي الحل؟ أنا ضد هذه الشعارات. الإسلام ليس هو الحل لأنه من غير الممكن أن نحمل الدين أكثر من طاقته، الإسلام في روحانياته وأخلاقه يعطينا التوجهات والمبادئ الكبرى والقيم العليا، ولكنه لا يمكن أن يكون هو الحل لمشاكلنا، الحل في عقولنا، والله سبحانه وتعالى مَنّ علينا بنعمة العقل لنفكر ونجد الحلول للمشاكل التي تواجهنا في مختلف المجالات. أيضا العلمانية ليست هي الحل لأن المجتمعات العربية والإسلامية جربتها، فكانت علمانية صدام حسين مثلا وعلمانية العديد من الأنظمة قبله، كما أن العلمانيات المعمول بها في بعض الدول العربية لم تحترم لب وحقيقة مبادئ العلمانية التي تتضمن احترام جميع الديانات وعدم ترك السياسة تتدخل في الدين، بل بالعكس تميزت العلمانيات المعمول بها بالاستبداد، ولذلك، فأنا ضد هذه الشعارات وفي المقابل، علينا إيجاد حل وسط يكون فيه ديننا هو مرجعيتنا وهويتنا ومسألة أساسية لا تراجع عنها مع تغيير مقاربتنا له، ولهذا، يمكن لنا اختيار مبادئ العلمانية المناسبة لسياقنا خصوصا أن لها نماذج مختلفة. لذلك أنا عموما لست ضد مبادئ العلمانية، ولكن أنا ضد أن ُيفرض علينا نموذج معين من العلمانية، مثل العلمانية التي تقصي الدين. هناك نماذج كثيرة للعلمانية، وعلمانية بريطانيا مثلا ليست هي علمانية فرنسا أو أمريكا أو ألمانيا، فكل مجتمع أخذ من العلمانية ما يناسبه، وبالتالي من الممكن أن نعتمد مبادئ علمانية خاصة بنا تتضمن احترام الآخر وحريته وحرية المعتقد وأن تكون السياسة بعيدة عن استغلال الدين وهذه أشياء كلها لا تتناقض مع ديننا.
{ بخصوص الإشكال الواقع بين النص والواقع، ما رأيك في تقنين الإجهاض الذي يطرح خلافا كبيرا بين مؤيديه لاعتبارات إنسانية واجتماعية وطبية، ومعارضيه لاعتبارات يقولون إنها دينية؟ أنا مع التيار الوسطي، أولا من الناحية الدينية، أقرّ أغلب العلماء أن بعد 120 يوما يصبح الجنين كائنا حيا وتنفخ فيه الروح، وحينها يعتبرون أنه من غير المقبول إجراء إجهاض، ثانيا وكطبيبة أرى أن الإجهاض يجب أن يرتبط بمبررات وشروط كأن يطرح الحمل خطرا على صحة وحياة المرأة أو أن يكون الجنين به تشوهات مثلا، لذلك، لا يمكن منع الإجهاض في إطار هذه الظروف بالمطلق، بل يجب تقنينه. وللعلم فقط، لا توجد امرأة تقوم بالإجهاض وهي سعيدة. الإجهاض بالنسبة إلى المرأة أشبه باقتطاع جزء من روحها ومعروف حتى في الدراسات العالمية في علم النفس أن المرأة تصاب بالاكتئاب بعد تعرضها للإجهاض، لذلك، فالحرية المطلقة للإجهاض مرفوضة، ولكن يجب تقنينه والنظر لكل حالة على حدة، ولذلك أقترح أن يكون هناك مجلس أعلى للأخلاقيات conseil éthique يضم العلماء والأطباء وغيرهم لإعطاء رأيهم في قضايا مماثلة. { خلال الحديث عن الحجاب رفضت اختزال تدين المرأة في حجابها، ما رأيك في اختزال عفة المرأة في عذريتها؟ هذه ثقافة عامة في أنحاء بلدان البحر الأبيض المتوسط وهي موجودة حتى في جنوب إيطاليا وجنوبإسبانيا واليونان، بل إن المرأة في بعض البلدان تُقتل حين يكتشف في ليلة زواجها أنها فاقدة لعذريتها، مع العلم أن هناك بنات قد يولدن بدون غشاء بكارة أو بغشاء رهيف وهناك من يكون لها غشاء سميك جدا ويصعب افتضاضه من طرف الزوج، وبالتالي فالعفة لا علاقة لها بالغشاء. أما بالنسبة إلى القرآن الكريم، فهو حين يتطرق للعفة/ العفاف، فهو يذكر النساء وأيضا الرجال، ولكن لأننا نعيش في مجتمعات ذكورية، فالرجل مسموح له القيام بما يريد والمرأة لا، لذلك أنا مع المساواة في العفة بين الجنسين، كما أن الغشاء ليس معيارا للعفة، بل الأخلاق هي المعيار. { ما رأيك في الدعوات التي يطلقها البعض اليوم لإلغاء الفصل الذي يجرم العلاقات خارج مؤسسة الزواج؟ كمسلمة أطبق شعائر ديني، هذا مرفوض دينيا، سواء في الإسلام أو في جميع الديانات السماوية، فهي تحرم العلاقات خارج مؤسسة الزواج، لأن هذه الأخيرة تهدف إلى حماية النساء والرجال، وأشدد على ذلك لأنني أعارض منع النساء وتحرير الرجل الذي يقوم بما يريد وحين يفكر في الزواج يختار فتاة على أساس انعدام تجاربها الجنسية. هذا هو الخلل، ولذلك علينا أن نربي حتى الأطفال على هذا المبدأ وعلى كون العلاقات تكون في إطار الزواج. أيضا لا يجب أن نمنع وكفى، بل علينا إيجاد حلول وبدائل للشباب، فظاهرة العلاقات المتحررة بين الشباب والمراهقين موجودة، ولكن علينا ألا نحكم عليهم، بل أن نحاول فهم المشكل وإيجاد الحلول الملائمة معهم وأن يشارك في الحوار علماء دين منفتحون ويقبلون الحوار حتى يستوعبوا هؤلاء الشباب، فالقول بأن ذلك حرام وكفى لا يحل المشكل، وللأسف هذا ما تقوم به المؤسسة الدينية، فهي تحرم ولا تجد الحلول والبدائل، والنتيجة أن الظاهرة موجودة، وللأسف هناك ظواهر كثيرة جدا تحتاج للنقاش، ولكننا نغض الطرف عنها ونصدر فتاوى لا علاقة لها بالواقع وبالمشاكل الحقيقية التي يعانيها المجتمع.