إن أسباب إضطهاد المرأة عديدة جدا مثل الصراع الطّبقي ,الهيمنة التّاريخيّة على الشّأن العامّ ذكوريّا ,المعطى الديني ,و النّمط الاقتصادي. ولكني اعتبر الصراع الطبقي هو الاكثر شمولا من الاسباب الاخرى وذلك لوجوده في جميع المجتمعات الدينية واللادينية .لان المجتمع الديني يكون اضطهاد المراة فيه مضاعف متمثل بالصراع الطبقي وهيمنة البورجوازيّة بتوظيفها النصوص الدينية. منذ ظهور الاديان حاولت,حاول القائمون عليها تقنين وتشريع السيطرة على المراة من خلال نصوص دينية ميزت فيها الرجل عن المراة, حتى النساء في الاسلام تم تمييزهن عن بعض حينما اراد نبي الاسلام محمد تمييز نسائه عن بقية النساء ففرض عليهن لبس الحجاب ليميزهن عن باقي النساء وبعدها في محاولة لتمييز الاحرار عن الإماء فرض لبس الحجاب على الإماء لتمييز نساء الوجاهات القبليّة وأسياد الإقطاع عن غيرهنّ من "العامّة" . فنلاحظ ان التمييز الطبقي كان عاملا كبيرا في تمييز الطبقة التي تنتمي لها النساء سواء كن نساء نبي الاسلام محمد او النساء المنحدرات من نفس الإنتماء الطّبقي. وبالتالي ربطت مسالة لبس الحجاب ربطت مع السبب الديني بشكل تدريجي مع أنّ ليسه كان متفشّيا في مجتمعات المنطقة كلّها(المشرق). ونرى النساء المسيحيات في بعض المناطق رغم عدم لبسهن للحجاب الا اننا نراهن تلبسن غطاءا على الرأس في الكنسية هذا يعني ان تغطية الشعر ربطت دوما مع الدين بل والأخوات من داخل الإيكليروس لا نراهنّ سافرات الرّاس أبدا . فموضوع تغطية شعر المراة كان مشكلة في كل الاديان حتى في اليهودية باعتباره عامل فتنة ولكن سؤالي للنساء والرجال .هل فعلا تغطية الشعر يمنع المراة من فتنة الرجل ؟ وكما اسلفت فان لبس الحجاب ربط بالدين بصورة تدريجية ومع التطورالاجتماعي التاريخي ويصر العديد على ان الحجاب فرض على جميع النساء المؤمنات بالله في نصوص قرآنية رغم إثبات المفكّر الأزهريّ قاسم أمين أنّه ليس أصلا في الإسلام,وفي حقبة ما,كان الحجاب مقتصرا على الفئة الارستقراطية وليس على"العامّة"كما سمّتهم أدبيّات الفترة موضوع الحديث,ليتحول لبس الحجاب بمثابة إختصاص عند الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين والفقراء وفي القرى والأرياف خصوصا ويختفي في الطبقاتالمهيمنة إقتصاديّا وسياسيّا نلاحظ إذن ان التحكم بلباس المراة وخاصة تغطية شعرها كان محورا اساسيا دوما في نظرة المجتمع للمراة بغض النظر عن مستواها الثقافي والعلمي.ولكن العامل الاقتصادي اثر كثيرا على فرض الحجاب من اجل التحكم بالمراة واضعافها واستغلالها وذلك بمنحها مرتبة دونيّة في المجتمع وتحويل الأنظار عن حقيقة الصّراع وحصره في صراع مرأة/رجل وليس غنيّ/فقير بالمعنى البسيط. ان اضطهاد المراة في المجتمع الديني الاسلامي على الخصوص كان اكبر من اضطهاد المراة في الاديان الاخرى لقساوة القواعد والمعايير الاخلاقية التي عليها الالتزام بها مثل التحكم بملبسها (الحجاب) وغيره. وبالمقابل ان اضطهاد المراة في الاديان الاخرى وارد ايضا حيث كانت المراة في اوروبا قديما تحرق اذا اتهمت بالسحر او الزنى و يتمّ رجمها وحاليا تضطهد المراة المسيحية في افريقيا بفتاوي البابا بنديكتوس السادس عشر رأس الكنيسة الكاثوليكيّة بابا الفاتيكان: فهو يقف موقفا صارما ضد الاجهاض وضد استخدام الواقي (الكوندوم) حيث انه لا يعتبره عامل وقاية ضد الايدز رغم اهميته للوقاية من المرض واهميته في تحديد النسل وخاصة في هذه البلدان الافريقية التي تعاني من انتشار مرض الايدز والفقر والجوع وبحاجة ماسة لتحديد النسل مع الانفجار السكاني العالمي. إن موضوع إضطهاد المرأة يتناول يوميا من قبل فئات مختلفة المستويات علميا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ,وكل يتناوله من جانب معين ويربطه بأسباب تختلف وفق إختلاف زوايا النّظر. وقد تناولته النساء والرجال على حد سواء. ولكل منهم له وجهة نظر معينة في اسباب اضطهاد المراة ومنهم من لايرى ان المراة مضطهدة بل انها حصلت على حقوق ربما اكثر من الرجل وهذا غير صحيح طبعا . فليس من الضروري ان يكون خروج المراة للعمل لان زوجها او والدها مؤمن في حريتها الشخصية وحقها في المشاركة في بناء المجتمع بل الحاجة المالية قد تكون هي السبب. فلا نستطيع معرفة السبب الحقيقي لتصرف المرأة على نحو ما الا اذا وجهنا لها السؤال بشكل شخصي. فلايمكن ان نقول بان جميع المحجبات فرض عليهن الحجاب من الاهل والمجتمع لان بعضهن اخترن الحجاب لغرض شخصي مثل خروجهن للعمل بل وبعض النّساء لا يقبلن فيه جدالا وفيهنّ حتّى من يعتبره مكمّلا جماليّا . وازمة العديد من الكاتبات والكتّاب العرب أنّهم يحصرون إضطهاد المرأة في غشاء البكارة والختان وهذا نقد قاصر جدا متناسين العديد من اشكال الاضطهاد للمراة فحسب التقارير الاخيرة لوزارة الخارجية الامريكية الدورية يقدرعدد النساء اللواتي يتم تهريبهن سنويا للخارج في كل انحاء العالم يصل الى 800,000 و 70% منهن يعملن في البغاء بل تجبرن على البغاء وحسب منظمة الاي او ام فانه تباع سنويا نصف مليون امراة وطفل للبغاء في اوروبا. تقول الكاتبة نوال السعداوي "قهر المرأة التاريخى طبقى أبوى لا علاقة له بأ ى دين أو جغرافيا شرق غرب أو ثقافة معينة "الحوار المتمدن - العدد: 3123 - 2010 / 9 / 12 لقد الغت هناعامل تاثيرالدين على قهر المراة رغم انه كما اوضحت انه يلعب دورا كبيرا في تحقير ودونية المرأة ولايجوز تجاوزه باي شكل من الاشكال. والتحكم بالمراة من خلال الخطابات الدينية للشيوخ والفتاوي التي تتشبع بها النساء العربيات من القنوات الفضائية التي يملكها الاثرياء السعوديين والخليجيين فالتحكم بالمراة يربط برباط الله وتسلم به الكثير من النساء. وبامكاننا اعطاء ادلة عديدة على دور الدين في اضطهاد المراة واهانتها بشكل لاانساني باسم الاسلام بالفتاوي العديدة من رضاع الكبير ومفاخذة الرضيع ونكاح القاصر والاعتداء بالضرب وبيع النساء في سوق الرقيق ورجم المراة كان مشروعا على السيدة ماجدولين الا ان اوقف رجمها السيد المسيح وفي اوروربا كانت تحرق النساء الزانيات ولم ينلن البعض من حقوقهنّ السياسيّة إلاّ مؤخّرا ونضالات الحركة النّسويّة لا تزال ماثلة في الأذهان وأبرز ما كتب فيها:"الجنس الثّاني"للمفكّرة سيمون دو بوفوار أحد مرجعيّات إنتفاضة مايو 1968 في فرنسا ومازال رجم النساء مستمرّ في ايران بتهمة الزنا ولدينا قضية راهنة حيث صدر حكم بحق السيدة سكينة اشتياني عام 2006 بالرجم بسبب الزنا والان تحول الحكم الى الاعدام بعد ان غيرت التهمة من الزنا الى التآمر في قتل زوجها . وتعتبر ايران ثاني دولة بالعالم بعد الصين في عدد الاعدامات السنوية ثم تاتي السعودية وفق احصائيات منظمة العفو الدولية. والمثير للاستغراب ان الكاتبة الدكتورة السعداوي الغت عامل الثقافة في تاثيره على قهر المراة رغم انني اعتبرالعامل الطبقي الذي حددته هي ماهو الا احدى العوامل الاجتماعية و يصب في بوتقة الثقافة السائدة على المجتمع. وحتى الدين الذي ألغته د.السّعداوي ماهو الا عامل ثقافي/أيديولوجي مهم في تاثيره على اضطهاد المراة العربية والمسلمة على وجه الخصوص. إذن هناك اشكال عديدة لاضطهاد المراة لاسباب مختلفة, والسؤال هنا هل الاضطهاد مقتصرا فقط على المرأة؟ بالتاكيد ان ثقافة الطبقة المهيمنة إقتصاديّا وهي ثقافة البورجوازيين والراسماليين حاليا في كل المجتمعات ساهمت على تبضٌيع المراة ولكن ساهمت ايضا على تبضٌيع الرجل على حد سواء من خلال الاعلام الفاسد وتّخدير الفكر لدى الشعوب. فاضطهاد المرأة حسب المنهج الماركسي (أعتمد هنا على كتابات ألكساندرا كولونتاي الواردة بموقعها الفرعيّ على الحوار المتمدّن)ركزعلى الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتارية او بين الرجعية والتقدمية. لكن تاثير هذا الصراع برايي لم يقتصر على المراة بل شمل الرجل ايضا. فالصراع الطبقي البرجوازي خلق النظرة الدونية للمراة ولكن اضطهد الرجل ايضا فهناك العديد من الوظائف التي لايحبذ الرجل ان يشغلها بسبب الاعراف الاجتماعية لانه رجل . فمثلا مهنة التمريض نجد عدد الممرضات من النساء في الدنمارك يصل الى 97 % والعمل في رياض الاطفال ومهنة التدريس رغم الحاجة الماسة للعنصر الذكري في هذه المهن. وهناك وظائف لايستطيع الرجل الفقير او الغير معروف اجتماعيا ان يحصل عليها في حين يمكن للمراة الحسناء ان تحصل عليها وربما بدون كفاءة علمية. ومازلنا نرى التمييز في عدد نساء مديرات الشركات في الدنمارك اقل بكثير من عدد الرجال المدراء ونسبة ارباح النساء ايضا اقل بكثير من نسب ارباح الرجال بسبب قلة التعامل معهن بشكل عام مع وجود حالات استثنائية بالتاكيد. والتمييز ايضا في الاجور فالطبيب الاستشاري الرجل يكسب 3300 كرونة دنماركية شهريا اكثر من زميلته ورئيس الاطباء يكسب 10000 كرونة شهريا اكثر من زميلته رغم ان احد الاطباء اكد ان السبب في ذلك بان الرجل افضل من المراة في التفاوض مع رب العمل حول رفع الاجر. والجراحين الرجال اكثر بكثير من عدد النساء فعامل الطبقية البرجوازية إضطهد المراة والرجل, ولكن المراة كانت الاكثر نصيبا في هذا الاضطهاد. ولكن اختلاف المجتمعات يعطينا فكرة اعمق عن اضطهاد المراة الى جانب الثقافة الاقتصادية المهيمنة حيث النمط الغالب فيها إما ريعيّ قائم على عائدات خامات وخاصة النفط أو رأسماليّة تابعة تهم جنوب الجزيرة العربيّة والهلال الخصيب وشمال إفريقيا وكلها ذات تقسيمات إجتماعيّة واحدة مع إختلاف طفيف في عادات وممارسات وطقوس لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي المقابل اتناول مقالة للاستاذ حمه همامي الناطق الرسمي لحزب العمّال الشيوعي التونسي المحظور نشرتها صحيفة الأفق الاشتراكي الإلكترونيّة يتناول إضطهاد المراة التونسية التي مازالت تتعرض للميز والاعتقالات الجائرة وطرد من العمل والدراسة وحصار بوليسي واغتصاب السجينات السياسيات المعارضات من قبل المخابرات ورجال الامن وتعذيبهن بابشع الطرق . هذا الشكل من اضطهاد المراة اي العامل السياسي يمارس ايضا على الرجل على حد سواء وقد تجاهلته العديد من الكاتبات العربيات رغم انه يمثل جزء من الثقافة المهيمنة في المجتمع اي العامل الثقافي الذي ألغته الدكتورة نوال السعداوي. ويتناول السيد حمه الهمّامي العامل الاقتصادي في اضطهاد المراة" ارسال هؤلاء إلى الشغل لم يندرج ولا يندرج في إطار إستراتجية تهدف إلى تحرّرهن. فقد وقع إخراجهن إلى سوق الشغل كقوّة عمل قصد استغلالهن، وهو ما جعل وضعهن في الشغل هشّا،" ان ما أراد السيد حمة الهمّامي قوله ان اعطاء المرأ ة التونسية حق العمل ليس من باب الايمان بحق المراة المشاركة في بناء المجتمع وانما بغرض استغلالهن برواتب اقل من رواتب الرجل كيد عاملة رخيصة قادرة على تغطية الحاجة المكثّفة لليد العاملة من قبل رأس المال في قطاعات إنتاجيّة معيّنة أهمّها النّسيج. "ووضع المرأة، مرتبطة على نحو وثيق ببنية النظام الاقتصادي وهيكلته. فتطور الإنتاج الاشتراكي يقود إلى تفكك الأسرة التقليدية ويوفر للمرأة بالتالي تحررا وحرية متعاظمتين باطراد. لكن بما أنه من المستحيل تجنب بعض الالتواءات والتعويقات في تشييد مجتمعنا الاشتراكي، فهذا يعني بطبيعة الحال أن سيرورة تحرر المرأة الواسعة قد تتوقف لفترة من الزمن". ان الدفاع عن اضطهاد المراة يمكن ان يستغل لصالح فئات سياسية واحزاب مختلفة ويمكن للبعض ان يسئ الفهم عندما ادافع انا عن حق المراة في تقرير لبسها مثل الحجاب الذي اعتبره انا شخصيا اضطهاد للمراة فيعتقدون انني ادافع الحجاب ولكنني في الواقع ادافع عن حق الفرد في اختيار قراراته الشخصية بما في ذلك إرتداء الحجاب طوعا دون أن تتدخّل القوانين الزّجريّة وقوى البوليس فيه. وعلينا ان ننتبه ان تدخل الحكومات الغربية الحالية اليمينية المتطرفة في حق المراة في لبس الحجاب مثلا من باب الدفاع عن حرية المراة ومنع اضطهادها ليس صحيحا لانها في الواقع تهدف لكسب الشعبية من الفئات العنصرية واليمينية للاستمرار في السلطة وهذا التدخل هو تجاوز على مبادئ العلمانية والديمقراطية وحق الفرد في اختيار ممارساته لعقائده تلك المبادئ التي ناضل الغرب من اجل نيلها لسنين عديدة في عصر التنوير والثورة الفرنسية والتي مازلنا نحن نناضل العرب لنيلها. وانا شخصيا ضد اي قرار سياسي للدولة يفرض الحجاب والنقاب على المراة بالقوة مثل ايران والسعودية وضد اي قرار سياسي للدولة يفرض منع الحجاب اوالنقاب بالقوة على المراة مثل فرنسا" لان الاضطهاد هو فرض شئ على المراة بالقوة وهي لاتريده فالتدخل بلبسها بلبس او نزع الحجاب هو اضطهاد لها لانه تدخل بقراراتها انا لااتحدث عن المراة التي اجبرت على الحجاب من قبل اهلها اتحدث عن المراة التي اختارت الحجاب بارادتها. وبعد عرضي هذا المطول استنتج بان اضطهاد المراة كان نتيجة العامل الاقتصادي الى جانب العامل الثقافي بكل مايتضمنه من دين وعقيدة وصراع طبقي بين البرجوازية الكبيرة والبرجوازية الصغيرة والتربية الاسرية والعادات والسلوك الفردي والمفاهيم السائدة في المجتمع كل ذلك يساهم في اضطهاد المراة و اضطهاد الرجل ايضا ولكن ايهما يضطهد اكثر يختلف باختلاف قوة احد هذه العوامل وبروزه على الاخر في سياق تطور المجتمع. ومن جهة اخرى فان كل هذه العوامل السابقة التي تناولتها تتحكم بها الحكومة ورجال السياسة والاثرياء في الدول من خلال سيطرتهم على الاعلام فربما يبدوا لنا بان الحكومة تدافع عن حرية المراة باخراجها للعمل او بمنع الحجاب مثلا على اساس انه صورة لاضطهادها ولكن في واقع الامر هو ان الحكومات هذه اليمينية المتطرفة لايهمها اضطهاد المراة بقدر اهتمامها بمصالحها الاستثمارية الشخصية وكسب شعبية كبيرة من الاغلبية والحفاظ على علاقاتها مع الدول النفطية وبقائها في الحكم لمدة اطول وماهي في الواقع الا حكومات "استبدادية فاشية راسمالية برجوازية نيوليبرالية" تجاوزت قيم العلمانية والديمقراطية" ومن زعمائها من يتحدّث بإسم الإلاه نفسه مثل جورج بوش". واخيرا اتمنى من المراة العربية المسلمة ان تصل بنفسها لقراراتها وبعقلانية حول موضوع الحجاب والخروج للعمل وموضوع الجنس والزواج والاجهاض وترفض بشكل قاطع ان يفرض عليها بقرارات قسرية من رجال السلطة ورجال الدين اوالاهل بل يحترم قرارها الشخصي في كل ذلك وبهذا تكون قد تحررت فعلا من كل القرارت السياسية والدينية والا جتماعية التي تفرض عليها يوميا ودخلت المشاركة الفعليّة في صياغة الغد الأفضل لكلّ المجتمع بما أنّها الخليّة الأولى في البنيان الإجتماعي كما تقول الكاتبة المغربيّة فاطمة المرنيسي. *مركز مساواة المرأة