مجلس الشيوخ في البراغواي يدعم سيادة المغرب على صحرائه    رسائل عيد الاستقلال    مخاوف حول سلامة علب التونة في السوق المغربية بعد تقارير دولية عن التلوث بالزئبق    حزب الله يؤكد مقتل محمد عفيف    الركراكي يختتم استعدادات المنتخب    "أشبال U17" يتعادلون مع التونسيين    الملعب الكبير للحسيمة .. افتتاح ببعد قاري إفريقي    اختفاء شخصين خلال "رحلة سياحية جبلية" يستنفر السلطات المغربية    مجلس الشيوخ الباراغواياني يؤكد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    4 مؤشرات دولية ومحلية تؤكد أن ملف الصحراء اقترب من الحسم    نفق جبل طارق.. حلم الربط بين إفريقيا وأوروبا يصبح حقيقة    داخل قنصلية المغرب بنيويورك.. ياسين عدنان يتحدث عن الغنى الثقافي للمملكة    أسعار اللحوم البيضاء تعود للارتفاع بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    مسؤول إسباني.. تدخل الفرق المغربية أحدث فارقا كبيرا في جهود الإغاثة بفالنسيا    فيضانات إسبانيا.. الجهاز اللوجستي المغربي "ساهم بشكل كبير" في ترميم البنية التحتية المتضررة (مسؤول إسباني)    قائمة أسماء الشخصيات التي اختارها ترامب لتتولّى مناصب في إدارته    الدرهم يرتفع مقابل الأورو على خلفية ارتفاع ملحوظ للتداول البنكي وفقا لبنك المغرب    العصبة تُحدد موعد "ديربي البيضاء"    التفاوض حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقسم النقابات في المغرب    فى الذكرى 21 لرحيل محمّد شكري.. مُحاوراتٌ استرجاعيّة ومُحادثاتٌ استكناهيّة مع صَاحِبِ "الخُبزالحَافي"    خاتمة العلوي تعود ب"شدة وتزول" بعد سنوات من الاعتزال    دنماركية تفوز بمسابقة "ملكة جمال الكون" 2024    عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة يبلغ 171 مرفقا    مصرع طفل في تطوان جراء ابتلاعه "كيسا بلاستيكيا"    المنتخب المغربي يعزز خياراته الهجومية بعودة سفيان رحيمي    تجار القرب يعلنون تكتلهم لمواجهة توغل الشركات الكبرى بالأحياء السكنية    قلة الأطباء والأَسرّة وطول المواعيد.. وزير الصحة يؤكد أن خدمات الطب النفسي بالمغرب تبقى أقل من المطلوب    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    حقوقيون يستنكرون استمرار تعليق رواتب 18 أستاذا رغم الأحكام القضائية    احباط تهريب 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    موعد مباراة المغرب ضد ليسوتو بالتصفيات الأفريقية والقنوات الناقلة    المغرب يطلق أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية باستثمار 1.3 مليار دولار    بعد الانتصار على الغابون.. المنتخب المغربي يضيف لرصيده 5 نقاط ويقترب من المركز 12 عالميا    جوليا نشيوات.. من ضابطة استخبارات إلى مستشارة للأمن الداخلي في إدارة ترامب    التهراوي: هامش ربح الصيدلي والموزع محدد أساسي لأسعار الأدوية في المغرب    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية        مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يعيش فقراء المغرب على فتات أغنيائه
نشر في اليوم 24 يوم 24 - 01 - 2015

بعيدا عن لغة الأرقام والإحصائيات حول الواقع المغربي لتوزيع الثروات، كشفت الدراسات التي قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منذ تنصيبه في سياق الحراك الشعبي لعام 2011، عن مظاهر وتجليات الهوة العميقة بين أغنياء وفقراء المغرب. هوة خرج معها الرئيس السابق للمجلس، السفير الحالي للمغرب في فرنسا، شكيب بنموسى، ليحذّر من انعكاساتها على التماسك الاجتماعي.
صدم معهد «أوكسفام» اللندني البشرية الأسبوع الماضي، حين أصدر تقريره الجديد حول توزيع ثروات العالم، مُعلنا استحواذ 1 في المائة من سكان العالم على نصف الثروات الموجودة فوق البسيطة. نعم، ونصف ما تبقى من الثروات، يحوزه عشرون في المائة فقط من ساكنة العالم، لتكون النتيجة اكتفاء حوالي 80 في المائة من سكان العالم ب5.5 في المائة من الثروات. التقرير الجديد الذي انتشر بسرعة قياسية وتٌُرجم إلى عدة لغات، توقّع أن يستمرّ منحى تركّز الثروات بين أيدي أقلية قليلة من الأغنياء والمليارديرات، حيث إن واحدا في المائة من الأفراد الأكثر غنى سيحوزون خلال سنتين من الآن ثروات تفوق ما يملكه باقي البشر. 80 مليارديرا الذين تتضمّنهم قائمة «فوربس» لأغنى أغنياء العالم، رفعوا قيمة ثرواتهم من 1300 مليار دولار إلى 1900 مليار دولار في السنوات الأربع الأخيرة فقط. لتصبح ثروات ال80 شخصا الأكثر غنى، تفوق ما يملكه نحو 3 ملايير ونصف مليار من البشر.
استمرار تعميق الهوة بين أغنياء وفقراء العالم يتمّ عبر قطاعات اقتصادية معيّنة وبطرق خاصة تعتمد أساسا على مجموعات الضغط المستفيدة من تمويلات خيالية، بهدف انتزاع إعفاءات وامتيازات لفائدة أصحاب الثروات. على رأي القطاعات التي تعمّق هذه الفوارق، يقول تقرير «أوكسفام» إن قطاع الشركات المالية والتأمينات يحتلّ الصدارة، يليه قطاع الصناعات الصيدلية والطبية. وفيما يحوز أغنياء القطاع المالي أكثر من ألف مليار دولار، يستحوذ أغنياء القطاع الصحي على 250 مليار دولار، مقابل 170 مليارا فقط قبل سنة واحدة. هذا المنحى العام لتركيز الثروات، الذي يفرضه منطق السوق الحرة الآخذ في العولمة، لا يستثني المغرب، حيث جاء الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، ليدقّ ناقوس الخطر، مسجّلا عدم توزيع الثروات بشكل متكافئ بين المغاربة، ليصبح بذلك القول بوجود تفاوت كبير بين فقراء وأغنياء المغرب، معطى رسميا بعد عقود من الجدل الإيديولوجي والسياسي حوله.
الخبير الاقتصادي المتخصص في الإحصاء، عبد الخالق التهامي، قال ل «اليوم24» إن التفاوت الكبير في توزيع الثروات في العالم ينطبق على المغرب. «هذه الفوارق موجودة منذ الاستقلال، وبقيت ثابتة كما تؤكد مختلف الدراسات الإحصائية المتوفّرة، والتي توضّح تركّز هذه التفاوتات في العالم الحضري أكثر من القرى». التهامي عاد ليوضّح أنه لا يتوقّع تفاقم هذه التفاوتات، «بل أعتقد أنها ستتراجع على المدى الطويل وتدريجيا، لأن الطبقة المتوسطة والضعيفة في المغرب تقاوم وتدافع عن حقها في الثروة». وضرب التهامي المثال بكل من البرازيل والصين، وما شهداه من تقلّص في الفوارق خلال السنوات الأخيرة. من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد، عثمان كاير، إن المغرب يمضي في نفس الاتجاه العالمي، «حيث أصبحنا نشهد ما يصطلح عليه بالأغنياء الجدد، بفعل التحولات التي شهدها المغرب منذ مطلع الألفية الحالية». تحوّلات قال كاير إنها أفرزت دينامية تتمثل في «تطور بعض الأنشطة ذات الربح الكبير والسريع والتي مكّنت بعض رجال الأعمال من مراكمة ثروات قياسية». ظاهرة قال كاير إن كل الدول التي مرّت بفترة انبثاق وانتقال اقتصادي مرّت منها، «لكن ما أبانت عنه تلك التجارب هو أن نفس أسباب ارتفاع غنى الأغنياء كانت وراء تعميق فقر الفقراء، علاوة على السياسات العمومية المتّبعة، والتي تؤدي في المغرب إلى عدم المحافظة على الجزء السفلي من الطبقة المتوسطة وإلحاقه بالطبقة الهشة، وهو ما ينذر بتقاطب خطير يهدد الاستقرار. فكيف هو حال توزيع الثروات بين المغاربة؟ أين يتجلّى هذا التفاوت، وما هي المخاطر التي ينطوي عليها؟
80% من الثروة في يد 20% من الشعب
في ندوة انعقدت أياما قليلة بعد انطلاق حركة 20 فبراير بالرباط، قال وزير التعليم العالي الحالي والمتخصص في الاقتصاد داخل قيادة حزب العدالة والتنمية، لحسن الداودي، إن 80 في المائة من ثروات المغرب تقع تحت ملكية 20 في المائة من المغاربة، معلّقا على ذلك بالقول إنه أمر غير مقبول. الداودي الذي كان –حينها- أحد أقوى أصوات المعارضة، ذهب إلى القول إن اقتصاد الريع الذي تسيطر عليه العائلات الثرية هو الذي يسير بالمغرب نحو مزيد من التأزم، وأن هذه العائلات الثرية في المغرب لا تعتبر المغاربة إلا «خماسة يعملون عندها».
نقد أضاف إليه صوت معارض آخر لم يخفت رغم التحاق حزب رئيس الحكومة الحالية بالمسؤولية، هو عبد العزيز أفتاتي، قال يومها إن السلطة لا يجب أن تتزوج بالمال في دولة الديمقراطية. فيما قال الباحث السوسيولوجي الأستاذ العطري أن الدولة لا يمكن أن تستمر في تقليص الطبقة المتوسطة، باعتبارها الضمانة لاستمرار سير المجتمع وتلاحمه، معتبرا أن الحركة الشبابية الجديدة والتي ارتبطت ب «الأنترنت» يمكن أن تتحول إلى حركة اجتماعية واقعية، لأنها بدأت تلتزم بالشروط المحددة لها.
وبعد تجاوز المملكة محطة الربيع العربي بمخاطرها، وتولي حزب أفتاتي والداودي مقاليد الحكومة؛ راحت هذه الأخيرة تبحث عن طريقة لإعادة التوازن إلى المجتمع، والبدء بإيقاف نزيف الفئات الأكثر فقرا وهشاشة. وبعد انتهاء سنتها الأولى، خرج رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ليعلن عن بعض ملامح إصلاح صندوق المقاصة، وقال إنه يعتزم توجيه مساعدات إلى الأشخاص الفقراء؛ تتراوح بين 250 و300 درهم، مما سيمكن أسرة تتكون من 5 أفراد من الحصول على 1500 درهم من الإعانات في الشهر. واعتبر بنكيران أن هذه الإعانات ستصل إلى 24 مليار درهم لفائدة 8 ملايين مغربي، بدل 40 مليار درهم التي يستهلكها صندوق المقاصة. إلا أن توالي الشهور كشف عن استحالة تحقيق ولو عُشر هذا الحلم، وتقلّص الدعم الموعود تدريجيا ليصبح بضع مئات من الدراهم لفائدة الأرامل المعوزات الحاضنات للأيتام. وتحوّل النقاش إلى الفضاءات الأكاديمية والصراع حول تعريف الفقير والغني والمنتمي إلى الطبقة المتوسطة. وفي مقابل التعريف الذي تبنّته المندوبية السامية للتخطيط، حصلت الحكومة –مؤخرا- على نتائج دراسة كلّفت أحد مكاتب الدراسات بإنجازها، حول الطبقة المتوسّطة في المغرب. مصدر حكومي رفض الكشف عن تفاصيل الدراسة، وقال ل»أخبار اليوم» إنها في طور الترجمة إلى اللغة العربية، لكون مكتب الدراسات قدّم نتائجها باللغة الفرنسية، قبل أن يتم توزيعها على المؤسسات الدستورية في مقدّمتها البرلمان.
المرض والإهانة للفقراء
بعيدا عن لغة الأرقام والإحصائيات حول الواقع المغربي لتوزيع الثروات، كشفت الدراسات التي قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منذ تنصيبه، في سياق الحراك الشعبي لعام 2011، عن مظاهر وتجليات الهوة العميقة بين أغنياء وفقراء المغرب. هوة خرج معها الرئيس السابق للمجلس، السفير الحالي للمغرب في فرنسا، شكيب بنموسى، ليحذّر من انعكاساتها على التماسك الاجتماعي.
فبناء على طلب تقدّم به بنكيران للحصول على تشخيص شامل لوضعية الخدمات الصحية الأساسية في المغرب. كشف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن التشخيص الأسود الذي بات يُقدم عليه وزير الصحة، الحسين الوردي، في جلّ خرجاته السياسية والإعلامية؛ وأضاف إليه معطى جديدا، يتمثّل في ربط الاختلالات الصحية الحالية بأخرى اقتصادية واجتماعية، ليخلص التقرير إلى أن تأهيل المنظومة الصحية للمغرب لن يتحقّق إلا بالحد من تفاقم الفقر والهشاشة. التقرير قال إن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأفراد تمثل محددا أساسيا من محددات حالتهم الصحية، ما يعني إن كنت فقيرا في المغرب، فإن الأمر يجعلك أكثر عرضة للمرض وأقل حظا في العلاج. «فتحسين الحالة الصحية للمعوزين في كل أنحاء العالم، ليس فحسب هدفا ذا أهمية، ولكنه أيضا محرك رئيسي للتنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر»، يقول التقرير، مضيفا أن مجال الصحة يمثل رهانا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا كبيرا، لا ينحصر تدبيره في مجال التدبير المحاسباتي للمصاريف الصحية». وذهب التقرير إلى أن التفاوتات الموجودة في توزيع الموارد الوطنية، «تفضي إلى أوجه تفاوت مماثلة تتبدى آثارها في مجال الصحة والوفيات».
التشخيص الصادم الذي قدّمه المجلس، في رأيه، الموجّه إلى رئيس الحكومة، نبّه إلى أن المغرب يشهد انتقالين هامين، سيكون لهما انعكاس مباشر على الوضع الصحي؛ الأول، ديمغرافي، حيث تشهد ساكنة المغرب شيخوخة متنامية، وانتقال وبائي، حيث أدى تركيز السياسات العمومية على محاربة الأمراض المعدية إلى تنام للأمراض غير المعدية. فيما تظلّ الأمهات المغربيات ضمن أكثر أمهات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عرضة للموت، «فأن يكون المرء فقيرا، وأن يعيش في منطقة قروية، معطيان يعدان من بين الأمور المنذرة بخطر الوفيات بين الأمهات والأطفال». وحتى نظام المساعدة الطبية «راميد»، الذي شرعت الحكومة في تطبيقه في السنتين الماضيتين، قال التقرير إن أنماط تدبيره غير فعالة، ولا يشمل فئات كبيرة بعضها شديد الهشاشة. أبرز تلك الفئات، الطلبة وأصحاب المهن الحرة، والذين قدّر الدكتور جواد شعيب، أحد المشاركين في إعداد التقرير، عددهم بنحو10 ملايين شخص.
وفي تقرير آخر حول علاقة المغاربة بالإدارة، كشف المجلس أن أكثر الفئات تضررا من الإدارة العمومية هم الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، «في حين أن مهمة المرافق العمومية هي مساعدتهم على هذا النحو». فيما يأخذ العجز في مجال الخدمات المقدمة حجما أكبر عندما يتعلّق الأمر بالوسط القروي، وفي غالبية المدن الصغرى والأحياء الهامشية بالمدن الكبرى والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
الأبناك.. ثروة من جبين الفقراء
التقرير الدولي الذي نشره معهد «أوكسفام» البريطاني، صنّف القطاع المالي من بنوك وتأمينات كأول محتكر لثروات العالم بما يفوق ألف مليار دولار. وأوضح التقرير أن أسباب اغتناء هؤلاء إلى جانب تجار الأدوية والمعطيات البنكية، هي نفسها أسباب تفقير الفقراء. تشخيص لا يبدو أن المغرب بعيد عنه، حيث كشف تقرير أنجزه مجلس المنافسة أن 17 مليون حساب بنكي في المغرب موزّعة بين 19 مؤسسة بنكية؛ أكبرها وأكثرها هيمنة في السوق هي تلك التي تستهدف جميع أجور وموارد الفئات ذات الدخل المحدود، ومنحهم قروض الاستهلاك وشراء البيوت.
ورغم أن محدودي الدخل هم زبناء وسند كبريات المؤسسات البنكية، فإن هذه الأخيرة تعتمد بشكل شبه كامل على عائدات فوائد القروض، خلافا لما هو معمول به عالميا، وحتى في دول الجوار. ورغم أن عائدات الفوائد مرتفعة، إلا أن الأبناك المغربية تستغل الزبون إلى أقصى الحدود، فلا تمكّنه –مثلا- من حقه القانوني في إبرام عقد لتأمين القرض مع شركة للتأمين يختارها بنفسه ويتفاوض معها، بل تعمد الأبناك على ربط منح القرض بإبرام عقد التأمين أيضا معها. تلك هي أبرز ما خلصت إليه دراسة معمّقة أنجزها مكتب دراسات متخصص لحساب مجلس المنافسة. فالفوائد المترتبة عن القروض تظلّ هي المورد الأساسي لأرباح المؤسسات البنكية في المغرب، مقارنة مع العمولات التي تجنيها الأبناك عادة في المعاملات البنكية. وتصل نسبة فوائد القروض، ضمن عائدات المؤسسات البنكية المغربية، إلى نحو76 في المائة. نسبة بيّنت الدراسة التي عُرضت ارتفاعها الكبير مقارنة بدول المنطقة المتوسطية، بما فيها بعض الدول في الضفة الجنوبية مثل تونس.
أكبر المؤسسات البنكية في المغرب وأكثرها انتشارا وقدرة على التنافس في السوق المالي هي تلك التي تقتات على المعاملات المالية لذوي الدخل المحدود، وتتجسّد هذه الأبناك في كل من مجموعة البنك الشعبي، والتجاري، وفا بنك، وبريد المغرب، والقرض الفلاحي. فيما صنّفت الدراسة كلا من بنك «الشركة العامة» والبنك المغربي للتجارة الخارجية ومصرف المغرب والبنك المغربي للتجارة والصناعة، ضمن فئة الأبناك التي تستهدف ذوي الدخول المرتفعة.
دعم المقاصة والتنمية البشرية.. «الشحمة في ظهر المعلوف»
القرارات التي اتخذتها الحكومة –مؤخرا- بسحب الدعم العمومي عن المواد الأساسية، مثل: المحروقات، لم يكن لأسباب تقشّفية ومرتبطة بالأزمة الاقتصادية فقط، بل لأن كل التشخيصات والدراسات أثبتت أن الملايير المخصصة لدعم الفقراء تصبّ في جيوب الأغنياء. وحتى بعد سحب كامل الدعم الموجّه إلى المحروقات مثل البنزين والغازوال؛ انتقل النزيف ليصيب مادة أخرى من المواد الأساسية لحياة الفقراء، وهي غاز البوتان، حيث ارتفعت نفقات دعمه بأكثر من 80 مليار في وقت تشهد فيه الأسعار الدولية انخفاضا صاروخيا.
وأكبر محاولة قام بها المغرب في العقد الأخير لتقليص الهوة بين الفقراء والأغنياء، كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي تكمل هذا العام عقدا كاملا من وجودها. والطابع الاحتفالي والرسمي الذي يحيط بالمبادرة لا يمنع ظهور نقائص واختلالات هذه المبادرة، سواء منها المتعلقة بتحقيق الأهداف الأصلية، أو طريقة تدبيرها بشكل مواز ومعزول عن السياسات الحكومية التي يصب جلّها في الحقل الاجتماعي. فالدراسات المنجزة حول آثار المبادرة تقول إن الفئة المستفيدة منها هي الطبقة المتوسطة ضمن الفقراء، وليس الأكثر فقرا، وهي من بين المفارقات التي كشفت عنها المعطيات الإحصائية الأخيرة وكشفت عنها التنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أيضا، حيث تحتل مثلا ولاية الرباط مركز الصدارة بفارق كبير ضمن جهات المملكة، من حيث المبالغ المالية التي استفادت منها مشاريع المبادرة المنجزة في السنة الماضية. فمدينة الرباط لوحدها استأثرت بأكثر من 233 مليون درهم، أي ما يفوق 23 مليار سنتيم، محتلة بذلك المرتبة الأولى وطنيا، في الوقت الذي جاءت فيه المبادرة لدعم المناطق المهمشة والنائية. المفارقة تزداد وقعا حين نعلم أن 25 مشروعا فقط كلها أنجزت في الرباط، أي بمعدل يقترب من المليار سنتيم لكل مشروع، بل إن هذه المشاريع تستثني بشكل كامل العالم القروي رغم وجود قرى مهمشة وفقيرة في محيط العاصمة.
المرتبة الثانية من حيث التمويل الذي استفادت منها كل عمالة أو إقليم لم يخرج عن تراب ولاية العاصمة، حيث استفادت عمالة سلا المجاورة. هذه الأخيرة حازت لوحدها قرابة 197 مليون درهم، أي حوالي 20 مليار من السنتيمات. وفيما بلغ مجموع المشاريع المنجزة في مدينة سلا 99 مشروعا، تركّز القسم الأكبر في المجال الحضري، ونال المحيط القروي للمدينة 8 مشاريع فقط. وبإضافة التمويلات التي استفادت منها كل من عمالتي تمارة والخميسات، تكون ولاية الرباط قد استأثرت بأكثر من نصف مليار درهم، أي 52 مليار سنتيم تم توزيعها على المشاريع المنجزة. بينما لم تتجاوز حصة جهة أخرى تصنف في مراتب متقدمة حسب خارطة الفقر وطنيا، مثل جهة مكناس- تافيلالت، 23 مليار سنتيم من التمويلات، ولم تتعد حصة جهة فقيرة، مثل تازة- الحسيمة- تاونات، عتبة 15 مليار سنتيم موّلت المشاريع المنجزة في السنة الماضية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.