في الساعات الأولى من صباح اليوم (الجمعة) حطت الرحال بمطار "تشامبينو " بروما طائرة عسكرية تابعة للأجهزة الإستخباراتية الإيطالية قادمة من تركيا، وهي تقل على متنها شابتين إيطاليتين، إستطاعت إيطاليا تحريرهما من بين أيدي إحدى كتائب جبهات القتال التي إحتجزتهما في سوريا منذ شهر يوليوز الماضي. الطائرة حطت على الساعة 4 صباحا وكانت المحتجزتين على متنها ويتعلق الأمر ب : "فانيسّا مارسولو" ،21 سنة تنحدر من مدينة "بيرغامو " شمال البلد طالبة في شعبة اللغات بالجامعة وكانت صاحبة فكرة الذهاب إلى سوريا في إطار مبادرة إنسانية أطلقت عليها تسمية "حريتي" ، الخطوة غير محمودة العواقب ضمت مجموعة من الجمعيات التطوعية وكانت تهدف إلى حمل الأدوية إلى الأراضي السورية وتعليم السوريين طريقة تقديم الإسعافات الأولية في حالة وقوع إصابات. أما المحتجزة الثانية فتدعى "غريتا راميللي" طالبة بدورها في شعبة علوم التمريض بجامعة "فاريزي" متطوعة في المنظمة الدولية للإسعاف وتبلغ من العمر 20 سنة ،وكانت قد قادتت تجارب تطوعية في زامبيا وبعض الدول الإفريقية. في أوقات سابقة. المتطوعتان الإيطاليتان كانتا قد ركبتا سفينة المغامرة وغادرتا إيطاليا في بداية سنة 2014 ودخلتا الأراضي السورية وتم إحتجازهما يوم 31 يونيو 2014. بين حلب وإدلب .الإحتجاز قاده مسلحون قاموا بعده بتسليمهما إلى مقاتلي "جبهة النصرة لأهل الشام" المحسوب على تنظيم القاعدة حسب تقارير إستخباراتية أمريكية. يوم 31 دجنبر 2014 تم نشر شريط فيديو تظهر فيه الفتاتين مرتديتين لباسا أسودا وتضعان الحجاب ، الفيديو تدعوان فيه الحكومة الإيطالية إلى بدل الجهد للإفراج عنهما وبأنهما عرضة للقتل إن لم تتدخل عاجلا. ولزمت السلطات الإيطالية الصمت طوال مدة الإختطاف غير أنها بالموازاة مع ذلك كانت أجهزتها السرية تقوم بمفاوضات سرية عبر قنوات معقدة للإفراج عنهما. وهو ما تم بالفعل. يوم أمس قامت الحكومة الإيطالية بنشر تغريدة على موقع "تويتر" أكدت فيها خبر إطلاق صراح الرهينتين لكن خبرا على القناة التلفزية الإمارتية "الآن" حوّل إنجاز الحكومة والاجهزة السرية الإيطالية إلى موضع هجوم من المعارضة التي رأت في الصفقة ابتزازا ودعما للإرهاب. حيث نقلت القناة التلفزية كون الدولة الإيطالية دفعت مبلغا قدر ب12 مليون دولار أمريكي مقابل الإفراج عن الفتاتين . "ماتيو سالفيني " زعيم حزب "رابطة الشمال " اليميني المتطرف عندما تناهى إلى علمه خبر الإفراج عن موطنتيه قال " يبدو أنه تم الإفراج عن الفتاتين الإيطاليتين ، أتمنى ذلك من قلبي ، لكن أتمنى أيضا أن لا يكون ذلك بمقابلٍ مليونيٍ لفائدة الإرهابيين الإسلاميين" ، و ما أن سمع ثمن الصفقة حتى علق من جديد : " إذا كان صحيحا أن الحكومة دفعت من أجل هذا الإفراج 12 مليون دولار أمريكي فهذا فعلا أمر مقرف ". ولزمت الحكومة الإيطالية الصمت كما هو معتاد بشأن إن كانت قد دفعت أمولا أم لا واكتفت بنقل خبر الإفراج كما انتقل وزير الخارجية الإيطالية "باولو جينتولوني " شخصيا إلى المطار لاستقبال الفتاتين عند وصولهما إلى مطار العاصمة الإيطالية.وكان رئيس الوزراء شخصيا هو من هاتف عائلات الفتاتين من أجل إخبارهم بخبر الإفراج. بعد إستقبال الفتاتين من قبل عائلاتهما ووسط دموع الفرحة تمت مرافقتهما إلى المستشفى العسكري ليتم فحص حالتهما الصحية ، وينتظر أن يتم إستقبالهما اليوم من طرف رئيس الوزراء "ماتيو رينسي" على أن يتم الإستماع إليهما لاحقا اليوم من طرف القضاة وسيتم تحرير محاضر لهما كما تقتضي ذلك القوانين. يبدو أن إيمان الأوربيون بقداسة حق حياة مواطنيهم وبالقيمة الفردية لأي إنسان يحمل جواز سفر بلد أوربي بالإضافة إلى الضغوط التي تتعرض لها الحكومات من طرف الرأي العام وسعيها إلى حماية صورتها من الإهتزاز هو من يدفع حكومات هذه الدول إلى دفع مبالغ ضخمة مقابل الإفراج عن مواطنيها الذين تحتجزهم الجماعات المسلحة في جبهات القتال في بؤر التوتر عبر العالم.لكن العمليات الإرهاربية التي شهدتها باريس تدفع إلى طرح السؤال التالي: ألا تقوّي الحكومات الأوربية هذه الجماعات التي تعتبرها إرهابية بمنحها مبالغ مالية ضخمة للإفراج عن رهائنها ،وهو المال ذاته الذي يُستعمل لمهاجمة أهداف إستراتيجية أوربية محتملة ؟