سيدخل عبد الإله بنكيران إلى كتاب غينيس المغربي كرئيس أول حكومة أقلية أمضت ثلاثة أشهر وهي تبحث عن أغلبية، ولم تجد إلى الآن طريقا للإعلان عن تشكيل الحكومة الثانية رغم أن حزب الأحرار موافق على الدخول إلى حمام الحكومة، ولا يهمه برنامج ولا سياسة ولا توجهات... بل إنه أعلن قبل شهر نهاية المفاوضات وتوصله إلى اتفاق مع بنكيران، فماذا حصل ويحصل حتى تظل حكومة تصريف الأعمال بدون أغلبية كل هذه المدة؟ بنكيران يتحدث في كل شيء إلا عن الحكومة الثانية التي قال إنها في جيبه، ويبدو أنه ضيعها في الطريق ولا يريد أن يعترف بذلك. لو كان في البلاد عداد يقيس الخسائر التي يتكبدها اقتصاد البلاد جراء الأزمة الحكومية التي طالت كل هذه المدة، وعطلت السير العادي للمؤسسات، لكنا إزاء رقم مهول يوجب المساءلة القضائية للطبقة السياسية، لكن من حسن حظ هؤلاء القوم أن البلاد تمشي بدون لوحة قيادة.. كل شيء بيد الله. لا الدستور الجديد نفع، ولا التجربة المغربية في الانتقال السياسي أسعفت، ولا حدة الأزمة الاقتصادية ضغطت على الجميع للإفراج عن الحكومة... المملكة كلها في قاعة انتظار، والهدف هو دفع الناس إلى اليأس والقنوط ومغادرة السياسة إلى غير رجعة. الحكومة عاجزة عن تشكيل أغلبية، والمعارضة عاجزة عن إسقاط الحكومة، والكل يدور في حلقة مفرغة لا تنتج شيئا سوى احتقار المواطنين للطبقة السياسية التي أصبحت تتحاور بلغة الحمير والبغال في الشوارع بعد أن عجزت عن الالتزام بالسلوك المدني. أين هو المشكل في ضياع الزمن الحكومي الآن؟ هناك كلام كثير يقال في الصالونات عن سبب تأخر إعلان الحكومة الثانية، وهناك تفسيرات عدة يتهامس بها الوزراء والطبقة السياسية، لكن أحدا لا يفتح فمه، وأحدا لا يملك الشجاعة السياسية ليضع النقط على الحروف، لهذا ليس أمام الرأي العام سوى الرجوع إلى الدستور الذي من المفروض أن يحكم سلوك الفاعل السياسي ليقرأ فيه أسباب هذا التأخر. رئيس الحكومة هو المسؤول دستوريا عن اقتراح الوزراء على الملك الذي من المفروض إما أن يقبل بالأسماء المعروضة عليه ويعينها بظهير، وإما أن يرفضها ويطلب من رئيس حكومته أن يقدم أسماء أخرى بديلة. هنا رئيس الحكومة أمام خيارين: إما أن يبحث عن توافق مع الملك حول أسماء وزراء حكومته، أو يقدم استقالته ويذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها بعد حل البرلمان. الحاصل اليوم أن السيد بنكيران عجز عن الوصول مع الأحرار إلى اتفاق حول المقاعد الوزارية التي كان يشغلها الاستقلال. مزوار «كبر كرشو» ويريد أكثر من مقاعد حزب شباط في الحكومة، وفوقها وزارة المالية انتقاما مما قيل عنه حول موضوع البريمات الشهير. بنكيران عوض أن يجلس مع الأحرار ويجد حلا لهذه الأزمة فضل تصديرها إلى القصر، والطلب من الملك نوعا من التحكيم والوساطة بينه وبين مزوار، مع أن هذا خارج الدستور، ومع أن التأويل الديمقراطي، الذي لم يعد يذكره أحد، يفرض على الحكومة أن تقرأ النص الدستوري قراءة برلمانية لا رئاسية. هنا خرجنا من الدستور ومن المكتوب ودخلنا إلى الشفوي وإلى السياسة. لا أحد كان سيلوم بنكيران لو نجح في تخطي هذه العقبة، ووصل مع الأحرار إلى اتفاق تخرج بموجبه الحكومة الثانية إلى الوجود، بوساطة الملك أو دونها، لكن المشكلة الآن أن هذه الطريق ليست سالكة بالصورة التي كان بنكيران يتصورها. حزب رئيس الحكومة عاب شباط على رميه العار على القصر وطلب التحكيم من الملك في أمر حزبي عندما كان يهدد بالخروج من الحكومة، وها هو بنكيران يفعل الشيء ذاته اليوم، ويطلب وساطة وتحكيم الملك بينه وبين حزب الأحرار. طيلة سنتين ورئيس الحكومة يتباهى بالشعب الذي صوت له، وبعدم خوفه من «الطبالة والغياطة»، واستعداده للذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، وها هو عند أول اختبار يرجع إلى الوراء، ويدخل إلى قاعة انتظار كبيرة مثله مثل أي مواطن مسكين، ينتظر أن ينزل الفرج من السماء. رجعنا عشر سنوات إلى الوراء، وعادت القواعد غير المكتوبة تحكم واقعنا عوض القوانين المكتوبة. اللوم كل اللوم يقع على رئيس الحكومة والأحزاب المتحالفة معه، التي تريد أن تمارس السياسة والسلطة دون مخاطر بتأمين مائة في المائة على حياتها فوق الكرسي، وكأن لا حياة خارج السلطة، حيث مازالت الطبقة السياسية تفكر بالعقلية السابقة على دستور 2011... هنا المشكلة وليست في مكان آخر.