الخبر في احداث امس وأول امس ليس انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة وانهيار الأغلبية، التي لم يكن بينها اي تضامن منذ وصول حميد شباط الى رئاسة حزب الاستقلال، على كل حال الحدث في نظري هو رفض الملك محمد السادس التدخل في أزمة الأغلبية وخلافات بنكيران وشباط، وتحفظه بعد طول تفكير على استعمال الفصل 42 من الدستور، والتحول الى حكم بين حزبين متصارعين في الوقت الذي يعطي الدستور للملك دور التحكيم بين المؤسسات وفي زمن الأزمات الكبرى وليس في وقت الصراعات الحزبية الصغيرة، هذا هو الحدث في تقديري بغض النظر عن التفاصيل والحسابات والظرفية التي جاء فيها القرار، والتي لم ترض حزب الاستقلال الذي احس بالمرارة في حلقه وكان ينوي استعمال النفوذ الملكي من اجل الضغط على غريمه، حتى وان جر القصر الى الحقل التقليداني، الذي حاول الدستور الى حد ما اخراج الملك منه.
ومن يقرا البيان الطويل للجنة التنفيذية والرجوع الى التاريخ والوطنية والتذكير بواقعة امحمد بوستة، الذي رفض الوزارة الاولى على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، يفهم الإشارات التي بعث بها حزب علال الفاسي، الى اكثر من جهة، آخرها بنكيران رئيس الحكومة.
الان حزب الاستقلال رسميا وبعد اكثر من شهر ونصف خارج الحكومة، وبنكيران تخلص من الم ضرس كانت تؤلمه، لكن أمامه اليوم درب طويل ومعقد لإدارة حكومة أقلية عليها بسرعة ان تجد حزبا بديلا من المعارضة يعوض حزب شباط في الحكومة.
عمليا ليس امام رئيس الحكومة الا حزب التجمع الوطني للأحرار لتعويض الاستقلال، لكن امام الحمائم الزرق عائقان قبل الدخول الى بيت الحكومة، الذي لم يفارقوه قط، منذ ان ولد الحزب في حجر المخزن في السبعينات: اولا الحزب في حاجة للحصول على ضوء اخضر من السلطة، لان الزرق تاريخيا كان حزب القصر، وهو تجمع أغنياء واعيان ونخب لا رابط أيديولوجي بينهم ولا تصور سياسي لديهم. ان ما يجمعهم هو الولاء للمخزن والدفاع عن مصالح رجال الاعمال الذين يصرفون على الحزب ويوفرون له قاعدة الأصوات والمقاعد في البرلمان، التي يحصلون عليها (بعرق جيوبهم).
رجوع الاحرار الى الحكومة يعني ان الدولة لم تتخل عن خدماتهم بعد ميلاد حزب الجرار، الذي كان ينوي حل حزب المنصوري، ودمجه في كوكتيل الاصالة والمعاصرة، لكن القيادة التي انقلب عليها مزوار رفضت الإحالة على المعاش هذه، ولهذا من المنتظر ان يعود المنصوري الى الواجهة الان، لان تحليله وتقديره كان صائبا رغم انه دفع الثمن غاليا.
العائق الثاني أمام دخول الاحرار الى الحكومة نفسي (سيكولوجي) وهو مرتبط اساسا بالأمين العام للحزب صلاح الدين مزوار، الذي قال فيه قادة حزب العدالة والتنمية ما لم يقله مالك في الخمر، وذلك على خلفية فضيحة البريميات في وزارة المالية والتي وصلت الى القضاء وكادت تقضي على المستقبل السياسي للحزب، وهذا الملف هو أيضاً قابل للحل، اذا سحبت وزارة المالية شكايتها، ضد المتهمين زورا بتسريب وثائق البريمات الى الصحافة، وطوت الملف.
اذا ما دخل الاحرار الى الأغلبية الحكومية في هذا الظرف الصعب الذي يمر منه بنكيران حيث أغلبيته تبخرت، وحيث إخوانه في مصر طارت من بين ايديهم السلطة بانقلاب عسكري باركه الغرب او سكت عنه في افضل الأحوال، فإن مزوار سيفرض شروطه على رئيس الحكومة ومنها الحصول على مقاعد وزارية أكبر من تلك التي كانت في حوزة الاستقلال، لكن هذا ليس هو الامر المهم في الحكاية.
الأهم هو ان بنكيران سيبقى طيلة ولايته الحكومية ممتنا ومعترفا بهذه الهدية التي أعطيت له، حيث أنقذت السلطة الحكومة من السقوط وأعطت زعيم الإسلاميين هدية هي عبارة عن حزب كامل، كان في قاعة الانتظار من اجل استكمال أغلبيته.
ومعلوم ان في السياسة لا توجد هدايا، السياسة مثل التجارة لكل شيء ثمن، والجميع يسعى للربح، ويسعى كل طرف لان يضع شيئا في جيبه. فماذا سيعطي بنكيران مقابل إنقاذ الحكومة من السقوط ؟ وما هو ثمن الاستمرار في الجلوس فوق الكرسي في زمن بدات حكومات الربيع العربي تنهار بمباركة الغرب وأمريكا، التي شجعت البلدان العربية على إعطاء فرصة للملتحين من اجل تجريبهم.
الجميع يعرف الان ان بنكيران لن يجرؤ على الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها ولهذا فانه سيبدأ مسلسل مفاوضات شاقة وصعبة، أبقوا قريبين من الشاشة، فالفيلم الاول انتهى وبدا فيلم اهم من الاول لنتابع..