بعد حوالي شهر ونصف على قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، استقبل الملك محمد السادس يوم الأربعاء الماضي بمدينة وجدة أمين عام الحزب حميد شباط، الذي قدم للملك مذكرة تشرح مبررات وأسباب موقف الانسحاب من الحكومة، تتضمن 19 نقطة يرى حزب الاستقلال أنها موضع الخلاف مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. ويظهر أن أمين عام حزب الاستقلال لم يظفر من اللقاء الملكي بأي إشارة على إمكانية تدخل القصر في الخلافات القائمة بينه وبين حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، فخرج حميد شباط لكي يعلن في برنامج تلفزيوني بأن قرار الانسحاب لا رجعة فيه. وأول أمس السبت انعقد اجتماع عاجل للجنة المركزية للحزب قال فيه شباط إنه يمهل رئيس الحكومة إلى حين إيجاد بديل عن حزبه في الفريق الحكومي، الأمر الذي يعني أن تنفيذ قرار الانسحاب بات مسألة وقت فقط. التحول الهام في التطور الأخير للأزمة بين الحزبين، منذ تاريخ إعلان حزب الاستقلال الانسحاب في 11 ماي الماضي، هو أن هذا الأخير الذي طالما لوح بالفصل 42 من الدستور للاحتماء بالمؤسسة الملكية وطلب التحكيم الملكي، كوسيلة لحل الأزمة، سوف يجد نفسه مضطرا هذه المرة للجوء إلى الفصل 47 من نفس الوثيقة، والتي تنص على أن للوزراء الحق في تقديم استقالتهم بشكل فردي أو جماعي إلى رئيس الحكومة الذي يرفعها إلى الملك الذي يقرر في الأمر بمشاورة رئيس الحكومة، فأمين عام حزب الاستقلال في حال نفذ قراره بالانسحاب سوف يقوم بذلك بناء على هذا الفصل، وذلك بدعوة وزراء حزبه إلى تقديم استقالتهم. غير أنه لا بد من ملاحظة أنه بالرغم من هذه الإشارات التي وجهها حميد شباط، سواء في حواره التلفزيوني أو فيما نقل عنه من داخل اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب يوم السبت الماضي، فإن هناك إشارات أخرى يستفاد منها أن حزب الاستقلال قد يشهد تحولا دراماتيكيا في موقفه من الانسحاب. فقد أعلن حميد شباط نفسه بطريقته الخاصة أنه من الممكن أن يبقى داخل الحكومة في حال ما إذا تم التفاهم بين الحزبين، وذلك عندما قال إنه لن يثق في بنكيران إلا إذا كان هناك شيء مكتوب يعتمد عليه. وفي نفس الوقت دعا امحند العنصر وزير الداخلية وأمين عام الحركة الشعبية إلى تجاوز الخلافات بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية، وأكد على أن تلك الخلافات مجرد خلافات في الشكل لا في المضمون، كما أعطى إشارات تفيد احتمال قيام الحزبين المشاركين في التحالف الحكومي، وهما الحركة وحزب التقدم والاشتراكية، بوساطة بين الطرفين، وذلك ما يفتح المجال أمام سيناريو بقاء حزب الاستقلال داخل الحكومة بشروط أفضل. مثل هذا السيناريو لن يكون مستبعدا، وسوف يكون انعطافا في موقف حزب الاستقلال، لكنه في نفس الوقت سيربح منه بعد كل تلك المعارك التي خاضها طيلة الخمسة وأربعين يوما التي مرت على إعلان قرار الانسحاب، خاصة وأن شباط أعلن بأن حزبه لن يغادر الحكومة قبل أن يجد رئيسها حليفا جديدا يقوم مقامه بما لا يؤثر على الأغلبية. خارج هذا السيناريو الذي قد لا يتحقق، ستكون مهمة رئيس الحكومة صعبة في إيجاد بديل لحزب الاستقلال لاستكمال العدد الكافي للحفاظ على أغلبيته. فالعلاقة بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب المعارضة توجد في حالة من التوتر والتباعد بما لا يساعد عبد الإله بنكيران على استقطاب حليف بينها يعوض الحزب المنسحب، وحتى في حال تمكن من إيجاد البديل فإن المشكلة الأخرى ستطرح على مستوى العدد الكافي لبقاء الأغلبية. ذلك أن حزب الاستقلال يتوفر على 60 مقعدا في مجلس النواب، من أصل 424 مقعدا، وتتوفر الأغلبية الحكومية حاليا على 217 نائبا، بيد أن انسحاب حزب الاستقلال سيطرح أمامها معضلة إيجاد حزبين سياسيين لتعويض حزب واحد، حتى تظل الأغلبية الحكومية متراصة. ويمكن أن يفتح رئيس الحكومة مفاوضات مع حزب التجمع الوطني للأحرار، غير أن هذا الأخير لا يتوفر سوى على 52 مقعدا، وستظل الحكومة في حاجة إلى أربعة مقاعد أخرى للحفاظ على الأغلبية. أما مع حزب الأصالة والمعاصرة فستكون المعضلة أكبر، إذ لا يتوفر هذا الحزب سوى على 47 مقعدا، بما لن يضمن للحكومة أغلبية مريحة. امتحان صعب تواجهه حكومة ما بعد «الربيع» المغربي، قد يقود إلى حل الحكومة وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها. وفي حالة اللجوء إلى مثل هذا السيناريو، سيكون المغرب قد ضيع قرابة سنتين.