قبل سنة من الآن كان الوزير أوزين ضيفا على إحدى الإذاعات الخاصة في الدارالبيضاء، وكان وسط كماشة من النقد حول حفل افتتاح الموندياليتو الذي كان مخجلا، فاختار الوزير سياسة «تخراج العينين»، وقال للصحافي، الذي كان يسأله عن رأيه في كل هذا النقد الذي ينزل على رأسه: «لا أحد باستطاعته أن يوقفني غير الملك»، وكذلك كان. صدقت نبوءة محمد أوزين، ولم يوقفه عن عمله إلا الملك محمد السادس من أبوظبي حيث يقضي عطلته هناك. نزل بلاغ الديوان الملكي كالماء البارد على ظهر أوزين والحكومة التي ساندت وزيرها من باب انصر أخاك ظالما أو مظلوما… يوم الخميس، وعوض أن يتحرك رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بسرعة لتطويق الأزمة التي كانت تكبر مثل كرة ثلج، بفعل غضب قطاعات واسعة من المواطنين، ووسطهم الشباب، من تداعيات فضيحة غرق ملعب مولاي عبد الله التي أصبحت فضيحة عالمية.. عوض أن يتحرك بنكيران والعنصر وباقي الوزراء، ويجدوا مخرجا لإنقاذ وجه الحكومة، فضل الجميع في الأغلبية الهروب إلى الأمام، وإدارة الظهر للأزمة، وانتظار نتائج التحقيق وكأننا أمام أزمة قانونية وليست سياسية. وحده الملك والمحيطون به التقطوا خطورة الأزمة، واقتراب النار من الحطب، فكان بلاغ الديوان الملكي الذي سجل سابقة سياسية ودستورية هي الأولى من نوعها في تاريخ الوزارات، فجرى توقيف أوزين عن العمل، ومنعه من الاقتراب من حدث كأس العالم للأندية، وكأنه موظف وليس وزيرا، والإعلان عن فتح تحقيق معمق في الحادث غير ذلك الذي فتحه أوزين بنفسه (أي أنه كان خصما وحكما في الوقت نفسه). لماذا هذا القرار الملكي يوم الجمعة الماضي؟ الغرض من توقيف أوزين عن العمل كان هو امتصاص الأزمة التي اندلعت وسط الرأي العام، وكانت تهدد بانفجار لا يعرف أحد شكله ولا توقيته ولا مكانه، وهذا ما لم يره بنكيران الذي اعتبر يوم الخميس، أي 24 ساعة قبل نشر بلاغ الديوان الملكي، أن الأمر ليس كارثة وطنية، وأنه لا يستوجب كل الضجة التي وقعت حول الموضوع، داعيا وزيره في الشباب والرياضة إلى العمل، وعدم الالتفات إلى الانتقادات التي توجه إليه. وهنا أخطأ بنكيران التقدير، الأزمة كانت أكبر مما توقع، وغضب الشارع وصل إلى درجة كبيرة، والناس شعروا بالإهانة بعد تدويل فضيحة «الكراطة والبونج» اللذين دخلا إلى الملعب لامتصاص الماء فزادا الطينة بلة… الكارثة التي لم يرَ بنكيران أنها وطنية كانت وراء إعادة قراءة فصل كامل ومهم (الفصل 47) من الدستور المغربي.. الدستور الذي كنا نطمع في تأويله ديمقراطيا، ثم صرنا نطلب تطبيقه حرفيا، وتحولنا الآن إلى التعايش مع تأويله رئاسيا… ما هذا اللغز؟ كان أغلب فقهاء القانون الدستوري يرون أن دستور 2011 يحمل بوادر نظام برلماني يمكن أن يتطور عبر الممارسة والأعراف والتأويل الديمقراطي للوثيقة الأسمى في الدولة، وأن بعض الصلاحيات التي بقيت للملك في إعفاء الوزراء بعد استشارة رئيس الحكومة مجرد صلاحيات احتياطية وانتقالية لن تُستعمل، وستتجمد كما هو حال اختصاصات كثيرة موجودة في الدستور الإسباني لا يستعملها الملك هناك، وكان المؤمل أن تكون لرئيس الحكومة سلطة كاملة على وزرائه، باعتباره يمثل حكومة منبثقة عن البرلمان، وهي مسؤولة أمامه، ولكون الدستور أوجب اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات… لكننا أمام نازلة أوزين أصبحنا أمام تأويل آخر لعلاقة الحكومة بالملك، الذي لم تعد له صلاحية إقالة الوزراء باستشارة مع رئيس الحكومة، بل صارت له صلاحية عقاب الوزراء وتوقيفهم عن عملهم جزئيا أو كليا، وهذا معناه أننا نرجع إلى الطابع التنفيذي للمِلْكِيَّة، حيث الوزراء مسؤولون أمام الملك، وأمام الملك وحده، بهذه السابقة وغيرها نبتعد شيئا فشيئا عن الطابع البرلماني الذي وعد به الدستور الجديد صراحة أو ضمنا… العتب كل العتب على رئيس الحكومة الذي لم يتدخل لإقناع أوزين أو العنصر بضرورة استقالة الوزير لإطفاء النار المشتعلة، وفضل بنكيران أن يتصرف، أولا، كراعٍ للأغلبية، وفضل، ثانيا، أن يتصرف كقاضٍ ينتظر نتائج التحقيق، في حين أن رئيس الحكومة سياسي يجب أن يتحمل مخاطر القرارات، والموازنة بين المفاسد، والتضحية بالوزراء من أجل الحفاظ على الاستقرار. الحقيقة والانطباع يتساويان في السياسة، ولا يهم هل الناس غاضبون عن حق أو عن باطل من أوزين، المهم أن المواطنين غاضبون، وعلى السياسي أن يتصرف لإخماد الحريق، لا أن يفتح تحقيقا حول أسباب الحريق، فيما ألسنته تأكل الأخضر واليابس.. فهمتني ولا لا…