حث مثقفون مغاربة وأجانب اليوم الثلاثاء على ضرورة أن ينص الدستور على مدنية الدولة وفصل الدين عنها وتثبيت مبادئ الحرية الإنسانية. جاءت الدعوة في ختام أنشطة ندوة علمية عنوانها "الحرية والدين" استمرت يومين في الرباط وانتهت بالتشديد على "ضرورة التنصيص الدستوري على مدنية الدولة وحرية الضمير كشرط رئيس لممارسة مختلف أوجه الحقوق المنصوص عليها." ودعا المشاركون في الندوة -التي نظمتها جمعية "ضمير" غير الحكومية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان – إلى "تثمين دور المجتمع المدني في معالجة قضايا الدين والحرية في المجالات العامة والتأكيد على ضرورة الانفتاح على الأفق الكوني المبني على احترام الأديان والاختيارات الروحية." وعلى مدى يومين انتقد مثقفون من المغرب والجزائر وتونس ومصر وألمانيا وسوريا وفرنسا علاقة الدين بالحرية من جهة وبالدولة من جهة ثانية في العالم العربي والاسلامي وقالوا إنه سؤال "يتخبط فيه المسلمون على مدى قرون ولم يستطعيوا الحسم فيه بينما سبق الغرب إلى ذلك" واعتبروا ذلك من أسباب تقدم الغرب. وقال الباحث والناشط الحقوقي المغربي أحمد عصيد أنه منذ بداية الإسلام تحول الدين إلى دولة فكانت "دولنة الاسلام بمعنى تحول الدين من معطى شخصي إلى معطى يلزم الجميع." واضاف ان "الايمان بالله اصبح يعني عبودية لله والتخلص من عبودية البشر. لكن عبودية الله ارتبطت بالطاعة لأولي الامر … لا يمكن لأي كان أن يفهم الاسلام دون أن يقبل بالحاكم الذي يسهر على تطبيقه." وحمل المسؤولية للفقه وخاصة "الفقه التراثي الماضاوي وهذا أدى إلى اختزال المجتمع في الجماعة فأصبح المجتمع اسير مفهوم الجماعة بحيث اصبحنا نستعمل الفقه الذي تبلور في اطار الدولة الدينية ومن هنا الصراع الموجود في المجتمع والتهديد بالقتل والارهاب." اما الباحث المغربي في التاريخ محمد جبرون فاعتبر أن الكثير من مشاكل العالم العربي والإسلامي سببها الابتعاد عن الأسس الفكرية والفلسفية والعلمية في حين انطلقت "التحولات الكبرى في العالم من العلم قبل ان تتحول إلى ايديولوجيات. عندنا ما حدث هو العكس التيارات لا تستند على أسس علمية." وقال إن الحرية لا تتحقق بالضرورة عن طريق الصراع مع الدين "وإنما قد تتحقق به" مشيرا إلى تجارب فقهاء ودعاة إصلاح مسلمين بدءا من القرن التاسع عشر كرفاعة الطهطاوي في مصر الذي "كان فقيها في الاصل وعندما سافر إلى فرنسا واحتك بالغرب.. لم يجد غضاضة في القول انه يجب ان نعتمد مبدأ المواطنة في دولة محمد علي والتي سماها بالاهلية." كما اعطى مثالا بالفقيه المصلح المغربي محمد بن الحسن الحجيوي الذي حث على العمل بمبدأ الشورى وأن "التفكير الفقهي في الانعطافات الفقهية الاساسبة لا يقف حاجزا امام التحرر." وفي استعراضه للتجربة الألمانية في فصل الدين عن الدولة قال كيرشنر هولشتاين ممثل الكنيسة البروتستانتية إن"الفصل بين الدين والدولة في المانيا كان لصالح الطرفين… العلمانية في ألمانيا ضامنة لممارسة الشعائر الدينية." وقال المترجم والكاتب السوري هشام صالح "إن الوعي الإسلامي دخل في ازمة حادة بل شديدة الخطورة مع نفسه ومع العالم بأسره" واعطى مثالا بتنظيم الدولة الاسلامية قائلا إن "أزمة الوعي الإسلامي لا تختلف عن أزمة الوعي المسيحي الأوروبي بين القرنين السابع عشر والثامن عشر." وأضاف أن "الفرق الوحيد أن العالم المسيحي واجه المشكلة الاصولية قبل قرنين او ثلاثة وحلها قبل نصف قرن اما نحن فقد ابتدأنا نواجهها اليوم." أما الباحث في علم الاجتماع الجزائري عروس الزبير فقال ان الجدل التاريخي لا يزال قائما بين أنصار الدولة المدنية وقوانينها الطبيعية وانصار الدولة المدنية ذات المرجعية الاسلامية التي كانت لها الغلبة "في المراحل التأسيسية الأولى."