إذا كانت المجتمعات البشرية تختلف في أنواع القوانين التي تطبقها، وتسير بها في حياتها، فانها على العكس من ذلك تشترك كلها في ضرورة السير بمقتضى قانون معين، لأنه لا يتصور مطلقا أن يعيش مجتمع ما بدون قانون، وهذا الارتباط القوي بين المجتمعات وبين القانون، هو ما عبر عنه برنارد شفارتز في كتابه (القانون في أمريكا) بقوله: «نحن جميعا من مستهلكي القانون، وبالتالي متأثرون بصفة شخصية في جميع تفصيلات حياتنا بدرجة جودة المنتوج القانوني الذي نستهلكه». وبالفعل فمثلما يظهر أثر الطعام الجيد على صحة الإنسان، وعلى جماله وسعادته، فإن أثر القانون المتقن ينعكس كذلك على نظام المجتمع واستقراره وسعادته الاجتماعية. ولما كان القانون الكوني من بين أجود مصادر الغذاء القانوني، ومن أكثرها شمولية وانتشارا، ثم ومن أقدمها في التاريخ الانساني، فلننظر إذن – قبل عرض الموضوع - كيف كان يتعامل التشريع الأمازيغي والفقه الاسلامي في بلادنا، مع هذا القانون، وذلك قبل أن يسود فيها استهلاك القوانين الحديثة، المتاثرة بالقانون الفرنسي . أولا : حول القانون الكوني: إذا كانت الحرية حقا طبيعيا للإنسان، فإن القانون الكوني هو الذي يقيد هذه الحرية، ويرسم لها حدودا الزامية، وهذا القانون هو الذي يعتبر أساس كل حياة اجتماعية إنسانية عادية وطبيعية، لاستناده إلى فكرة منقوشة في عقل كل إنسان مفادها: «على المرء أن يلتزم بأن لا يفعل مع غيره ما لا يود أن يفعله به». هذه الفكرة التي تتمحور حولها كل مبادئ هذا القانون وأخلاقه ومنطقه . أما أهم هذه المبادئ فهي: -احترام حق الحياة. -عدم ايداء الآخر في جسده أو في عرضه أوفي كرامته. -احترام حق الملكية. -احترام حق المعتقد والرأي والتعبير. -احترام حق المواطنة وما يتفرغ عنه من حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية. ومن مبادئه أيضا أن كل ما في الكون يسير بقوانين ثابتة أزلية انطلاقا من أصغر ذرة في الأرض إلى أكبر مجرة في الفضاء. وأن الانسان مدفوع غريزيا إلى العيش في المجتمع، لكونه لا يمكنه اطلاقا أن يحقق ذاته كإنسان خارج هذا المجتمع، ولذلك فإنه في سعيه لتحقيق طبيعته الاجتماعية هذه، لا يبحث عن انسان آخر كما يبحث الصياد في الغابة عن حصان يركبه، أو جمل يحمل عليه أثقاله، أو كلب يحرسه، أو بقرة ينتفع بحليبها ولحمها، أو ذئب يقتله ليطهر الغابة منه، أو عصفور يستمتع بتغريده وبجمال الوانه، بل يبحث عنه لذاته ليفرح بوجوده معه، كما يفرح التائه في صحراء خالية بلقاء إنسان. وهذا الشعور بالفرح الذي يحس به كل تائه، هو الذي يكرس الطبيعة الاجتماعية للإنسان، ويؤكد أن اجتماعه بأخيه الإنسان يعتبر غاية في حد ذاتها، بغض النظر عما يجلبه هذا الاجتماع لهما من زيادة الأمن، وزيادة القوة، والقوت، والراحة، والمعرفة، والمتعة والتسلية وغير ذلك من المنافع. وهذه الطبيعة الاجتماعية الفطرية، يمارسها الإنسان في ثلاث تجمعات بشرية هي : -الأسرة -العشيرة -الكيان السياسي فمجتمع الأسرة تخلقه ضرورة غريزة بقاء النوع، ومجتمع العشيرة تفرضه ضرورة تدبير الملكية الشائعة بين الاخوة والأقارب، أما مجتمع الكيان السياسي فتخلقه ضرورة العيش في السلام التي يمليها العقل، لأن العشائر المتجاورة المستقلة اقتصاديا عن بعضها والمتساوية في القوة، تجد أن خير وسيلة للمحافظة على حياتها واستقرارها هي التئامها في كيان منظم يسوده السلام، والتعاون، وتحقيق الخير المشترك. يقول الفيلسوف «جون لوك» في كتابه (في الحكم المدني) ما يلي: «عندما تجتمع كلمة عدد من الناس على تأليف جماعة واحدة، لكي يعيشوا عيشة رخية آمنة مسالمة، وأن يستمتعوا بأموالهم، ويأمنوا شر من ليس منهم يصبحون من حينهم هيئة سياسية واحدة تكتسب الأكثرية فيها الحق بالتصرف وبالزام الآخرين .. وتأليف مثل هذا المجتمع، وعلى هذا الوجه فقط، نشأت، وتنشأ كل حكومة شرعية في العالم». ثانيا : حول التشريع الأمازيغي : هذا الأمر بالضبط الذي ذكره لوك، هو ما فعلته المجتمعات الأمازيغية التي كان ينظر اليها انها تعيش في حالة السيبة، أي خارج القانون، اذ تؤكد كل معطيات وجودها، استنادها في تأسيسها وفي تلاحمها إلى مباديء القانون الكوني وإلى أهدافه المتمثلة في خلق مجتمع منظم، يخضع لسلطة عامة، مؤلفة في إطار الحرية والمساواة، من كل مكوناته، لغاية تحقيق السلام والتعاون والخير المشترك . أما الدليل على ذلك فهو تشريعاتها التأسيسية المختلفة، التي يستشف منها صدورها فعلا من مجتمعات حرة، تحكم نفسها بنفسها، بواسطة قوانين متفق عليها . ويكفي الاطلاع على ديباجة تشريع «أمقن» لمجتمع أيت وادريم المؤرخ سنة 1811 ميلادية، لإدراك مدى مطابقة أفكار هذا التشريع مع روح فكرة جون لوك الآنفة الذكر. وهذا هو نص الديباجة: «الحمد لله وحده وعلى الله وسلم على سيدنا ونبينا ومولانا محمد صلاة تدوم بدوام جودك وعطفك وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقائك يا رحمان الرحيم. فبحول الله وقوته وتوفيقه عقدنا عقدا ومؤاخاة ومسالمة ومشاركة ومتابعة بين بني وادريم من حد أقطار القبيلة، ومن انتسب اليها، وانضاف اليها، وانتصر لاربابها، عقدا يوجب لهم حفظ الدماء والأموال والأعراض، ويوجب رجوع كل شارد إلى وطنه بلطف الله وشفقته على عباده الضعفاء، وأن يقبض الأعيان القريب والبعيد والجانب والأخ بيد واحدة، ويوجب بحول الله أن يكون الجميع يدا واحدة، يتواصلون، ويتزاورون، ويتراحمون ويتوامنون، ويتشاورون في محدثاتهم، ويسلكون في مشورتهم الأصلح، ويتصابرون، ويتواصون على الفلاح، ويامرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويثوبون ويندمون على ما سلف أن صدر منهم من الكبائر والسيئات وقبائح المنكر، ويتعاونون في أمور دينهم ودنياهم على أن يكون اعتماد أمور القبيلة في يد الله ويد أعيانها الآتي اسماؤهم، واتفق رأيهم على ما سيذكر من الإنصاف (العقوبات) في كل حادثة، لا قديم الا الله، وعلى ذلك يكون عرفهم وعرف اعقابهم ان شاء الله، ويكون الإنصاف الاتي على الاثلاث الثلث للمصالح، والثلثان للأعيان، فالله يجعل البركة في رأيهم». لكن إن كان الفيلسوف لوك، قد برهن منطقيا على كون العقل والقانون الطبيعي المنقوش فيه، هما الأصل في تكوين الكيانات السياسية الشرعية، فقد ذكر أنه ووجه من طرف منتقديه باعتراضين يؤكدون له بهما ما يلي: – لسنا نجد في التاريخ شواهد على التئام فئة من الناس الأحرار المتساوين، وانشاء حكومة لهم على هذا الوجه – يستحيل شرعا أن يفعل الناس ذلك لأن البشر إنما يولدون في ظل حكومة ما، فوجب عليهم الخضوع لها، ولم يكن لهم الحرية في انشاء حكومة جديدة. وهكذا ففي هذا التاريخ أي ما بين 1632 و 1704 الذي عاش فيه لوك، والذي كان يدور فيه هذا النقاش السياسي في أوروبا، كان المغرب ما يزال يعج بتلك الكيانات السياسية الشرعية، التي ارتكزت في التئامها على الحرية والمساواة والارادة الحرة، وعلى القانون الكوني المنقوش في العقل، ولكن تخلف علم السياسة وفلسفة الحق في بلادنا آنذاك، أدى مع الأسف إلى عدم إدراك القيمة العلمية والتاريخية التي تمثلها تلك الكيانات، باعتبارها نماذج أصلية نادرة في العالم، للمجتمعات المدنية والسياسية الحقيقية، التي لم تخلقها إرادة فرد معين لما يملكه من قوة روحية او مادية، بل خلقها عقد اجتماعي سياسي رضائي، أساسه الارادة الحرة، و العقل وما يحويه من مبادئ القانون الكوني كما بينت ذلك من قبل في مقالة (الاصل المشترك لنظامي التشريع السياسي الأمازيغي والأمريكي ). تجليات القانون الكوني في تأسيس المجتمعات الامازيغية: تبرز هذه التجليات في تطابق عملية تأسيس هذه المجتمعات، مع أهداف القانون الكوني ومع مبادئه وأخلاقه. فأهداف هذا القانون ترمي كما سبق الذكر إلى خلق مجتمع سياسي منظم، خاضع لسلطة عامة منبثقة من كل مكوناته، لكي يسوده السلام والتعاون والخير المشترك. أما أخلاقه فبواسطتها يتلاحم أفراد المجتمع، وبها يقبلون بعضهم بعضا للتساكن والتعايش في مكان واحد، لاستهدافها بالخصوص، احترام حقوق الإنسان، من منطلق استحالة تحقيق أي تلاحم أو تعايش مشترك بدون هذا الاحترام. وتتمثل هذه الأخلاق في سائر فضائل المعاملات المعروفة من عدالة، وعفة، وتواضع، وحكمة، ومحبة، وصدق، وصبر، ورحمة، وشفقة، وشجاعة، وتعاون، وأمانة، واخلاص في العمل، وغير ذلك من أنواع الفضائل المتعارف عليها عالميا. ونظرا لنقش هذه ا لأخلاق في العقل، فان العقل هو الذي يصيغها في شكل الأوامر القانونية التالية: لا تكذب، لا تقتل، لا تسرق، لا تسب، لا تنتهك الحرمات، لا تحقر، لا تحقد، لا تحسد، لا تظلم، لا تقسو، لا تخن، لا تغش، لا تفسد، لا تكن قذرا، ولا فاجرا،ولا فوضويا الخ ... وكونها منقوشة في عقل كل انسان، فذلك ما يفرض بداهة وحتما أن الناس جميعا كانوا يعرفونها قبل ظهور الديانات، ثم لما كانت كل الديانات تذكر الناس بها، وتحضهم عليها، مصداقا للحديث الشريف (بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)، فذاك ما يجعلها تمثل قاسمها المشترك، والعنصر الذي تتوحد فيه، بعد اختلافها في العبادات، مما يمكن اعتبارها حقا بمثابة العقيدة الأزلية الخالدة، التي نقشها الله في العقل، ولم ينزلها من السماء على نبي أو رسول، بدليل أن شعوب العالم بمختلف دياناتها واجناسها، ما كانت اليوم لتتحد رضائيا، في منظمة الأممالمتحدة العالمية، لو لم تؤسس اتحادها على مبادئ هذه العقيدة الازلية، لان الجميع يعلم ما كانت البشرية قد عانته من ويلات وحروب، عندما ابتعدت عن قواعد هذه العقيدة، محاولة فرض اتحادها بالقوة، وبقواعد اخرى غيرها . وهكذا ومن تحليل ديباجة تشريع مجتمع أيت وادريم الآنفة الذكر، يتبين بوضوح اشتمالها على روح هذا القانون الكوني، من خلال ما يلي: مبدأ الإرادة الحرة الجماعية في خلق المجتمع السياسي، الذي يستنتج من جملة: ( فبحول الله وقوته وتوفيقه عقدنا عقد مؤاخاة) هدف السلام يتجلى في: (عقد مؤاخاة ومسالمة) وكذلك (عقدا يوجب حفظ الدماء والأموال والأعراض) مبدأ تكوين سلطة عامة منبثقة من مكونات المجتمع، يستنتج من : (على أن يكون اعتماد امور القبيلة في يد الله ويد أعيانها) وكذلك (يقبض الأعيان القريب والبعيد والجانب والأخ بيد واحدة) هدف تحقيق الخير المشترك، متضمن في : (ويتعاونون في امور دينهم ودنياهم) وكذلك (وسيكون في مشورتهم الأصلح ) ثم (ويامرون بالمعروف، وينهون عن المنكر) فضيلة العفو والمغفرة، متجلية في : (ويوجب رجوع كل شارد إلى وطنه) وكذلك في :(ويثوبون ويندمون على ما سلف أن صدر منهم من الكبائر والسيئات وقبائح المنكر) فضيلة الوحدة واضحة في : ( ويوجب بحول الله أن يكون الجميع يدا واحدة) فضيلة الأمن والثقة، واردة في : (ويتوامنون) فضيلة المشورة ( ويتشاورون في محدثاتهم) فضيلة الصبر : (ويتصابرون) حق المواطنة والمشاركة في السلطة العامة، متضمن في : (واتفق رأيهم على ما سيذكر من الانصاف (العقوبات)... وفي : (وعلى ذلك يكون عرفهم وعرف أعقابهم ان شاء الله.) هذا ونظرا لعدم تمييز الأستاذ امحمد العثماني السوسي كسائر اغلبية الفقهاء المسلمين، بين هذا القانون الكوني المنقوش في العقل، وبين الشرع الاسلامي الذي نزل به الوحي، فقد اعتقد في كتابه الواح جزولة أن التشريعات الأمازيغية يرجع مصدرها إلى الكتاب والسنة، معتمدا في ذلك على استنباطه هذا المصدرالديني من مبادئ نفس ديباجة تشريع مجتمع أيت واديم الآنفة الذكر. وفيما يلي نص الفقرة التي يؤيد بها هذا الاعتقاد : ( وقد اشتملت الديباجة على مبادئ وأصول وقيم أساسية . ومن جملة المبادئ الأساسية التي سجلتها ما يلي: توحيد كلمة الجماعة وتنظيم صفوفها والتضامن بين أفرادها (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم – سورة الأنفال) المحافظة على الشورى في كل ما جد (ولأمرهم شورى بينهم – سورة الشورى) السهر على المصالح العامة وعلى اقرار الأمن العام وعلى معاقبة المجرمين (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته – حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمدي) حفظ الدماء والأموال والأعراض من كل ما ومن يمس بها من سوء. (ان دماءكم واموالكم وأعراضكم بينكم حرام- حديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي) القيام بابلاغ الساهرين على تنفيد اللوح (التشريع) بكل المخالفات وبكل ما يخل بالأمن العام في دائرة الصدق والأمانة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان – سورة آل عمران) القضاء بارجاع كل منفي، وبالعفو العام عن الجرائم السابقة (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين – سورة آل عمران) المناصحة والتواصي (والعصر ان الإنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) التعلق بالله واستمداد العون والتوفيق منه على القيام بأمورالدين والدنيا (فتوكل على الله العزيز الرحيم الذي يراك – سورة الشعراء) الإخلاص للمثل العليا وللحق والعدالة وللأخلاق السامية (واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى – سورة الأنعام) جعل السلطة في أيدي الأعيان ئنفلاس (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم – سورة النساء) وبطبيعة الحال لا جدال في مطابقة المبادئ الواردة في الديباجة، مع أحكام الأيات القرآنية والأحاديث النبوية، المستشهد بها من طرف هذا الاستاذ المحترم، ولكن ما اختلف فيه معه هو أن هذه المبادئ، كان قد نقشها الله في عقل كل انسان، قبل أن تنزل في القرآن، أو ينطق بها الرسول في احاديثه الشريفة، بل وقبل ان ان تنزل في الانجيل وغيره، بدليل أن نفس هذا الاستنباط الذي قام به الأستاذ العثماني، قد سبق عمله أيضا من طرف الفيلسوف هوبز في كتابه (التنين) محاولا بذلك اثبات تطابق احكام الكتاب المقدس مع مبادئ القانون الكوني. وفيما يلي بعض المقتطفات من ا استنباط هذا الفيلسوف : ( فالقديس بولس في رسالته إلى اهل رومية ينحو باللائمة على الذين يسفكون الدماء ويغتصبون ويسحقون بقوله: طريق السلام لم يعرفوه)) (وفي انجيل متى : طوبى لصانعي السلام الاصحاح الخامس: 9 ) (وفي مزامير داوود – يتعانق البر والسلام ويقبل كل منهما الآخر – المزمور الخامس والثمانون: 10) (وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم أيضا بهم – انجيل لوقا الاصحاح السادس : 31 ) ( لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم – انجيل متى الاصحاح السابع : 2 ). (ان من يجازي عن خير بشر لن يبرح الشر عن بيته – الاصحاح السابع عدد 13 ). ( لا تخاصم انسانا بدون سبب ان لم يكن قد صنع معك شرا – الاصحاح الثالث 29-30.) ( جاء في موعظة الجبل: ان قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئد تعال وقدم قربانك –متى الاصحاح الخامس : 33 ) ( طوبى للرحماء لأنهم يرحمون – متى 7:5 ) ( لا تنتقم وتحقد على أبناء شعبك – الاصحاح التاسع عشر: 18 ) (ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا ابوكم السماوي، وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم – انجيل متى الاصحاح السادس عدد: 14-)15 ( الرب يكره كل متشامخ القلب – سفر الأمثار: 16-5.) ( من يحتقر قريبه يخطئ) (عندما يأتي الكبرياء يأتي الهوان.) ( لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فانه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين – انجيل متى الاصحاح الخامس عدد: 45) ( اقضوا بالحق بين الإنسان وأخيه ونزيله، لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء، الصغير كالكبير تسمعون. لا تهابوا وجه انسان لأن القضاء للله.) اذن مما تقدم يتضح بغير شك، أنه كما وردت اخلاق القانون الكوني ومبادئه في صيغ قرآنية وانجيلية، فقد وردت ايضا في صيغ ثوراتيه، وبودية، وهندوسية، وزرادشتية وكونفوشيوستية، وفي صيغ اخرى لديانات مختلفة، كما وردت كذلك على السنة الفلاسفة والحكماء والمفكرين، وكذا كل الناس الطيببن الطاهري القلب، اينما كانوا وفي أي زمن كانوا، لأن الجميع يعلمها، ويحترم من يعمل بها، وفوق ذلك يحس بتانيب الضمير عند مخالفتها . ومن هنا يبدو أن الأستاذ العثماني ان كان صادقا في مطابقة مبادئ ديباجة هذا التشريع مع آيات قرآنية وأحاديث شريفة، فليس ذلك معناه اعتماد هذا التشريع على الكتاب والسنة كمصدر له، بل اعتماده على مبادئ القانون الكوني التي نقشه الله في عقل الإنسان قبل ظهور الديانات، والتي اعتمد عليها اليونان والرومان قديما في تاسيس مجتمعيهما الديموقراطيين، ثم التي اعتمدت عليها الدول الغربية كذلك في العصرالحديث، في خلق مجتمعاتها الحالية . أما الدليل الحاسم الذي يثبت عدم صواب رأي هذا الاستاذ المحترم فيما ذهب اليه، فهو مضمون العقوبات المنصوص عليها في هذا التشريع، الذي يتفق الجميع على اختلافه جذريا مع حدود الشرع الاسلامي، لعدم اخد هذا التشريع بعقوبة الرجم والجلد وقطع اليد والصلب وقطع الاطراف والقصاص، وغير ذلك من الحدود والزواجر والتعازير الجاري بها العمل في القضاء الاسلامي . ولذلك اذا كان معلوما انصراف ارادة المجتمع المرابطي والمجتمع الموحدي في تأسيسهما دولة دينية، مصدرها الكتاب والسنة، فمن الواضح ان ارادة هذه المجتمعات، على العكس من ذلك، انصرفت إلى تأسيس كياناتها السياسية المدنية على مبادئ القانون الكوني العقلية . ثالثا : حول الفقه الاسلامي : على الرغم من وحدة الشرع الاسلامي، فمن المعلوم ان الدول الاسلامية كانت مختلفة حوله، تتوزعها مذاهب فقهية شتى . لكن ان كانت هذه المذاهب مختلفة في ارائها وتوجهاتها، فمن الملاحظ انها تتفق كلها على استبعاد القانون الكوني، وعدم اعترافها به كقانون مستقل، قائم بذاته . وتجدرالاشارة هنا انني اقصد الفقه الإسلامي التقليدي، المعروف قبل تعرض العالم الإسلامي للإستعمار الأوروبي في العصر الراهن، وتأثر الفقهاء المسلمين بثقافته الحديثة. واكيد أن السر في هذا الاستبعاد يرجع لا محالة إلى اعتبار الشرع الإسلامي هو المصدر الوحيد للأحكام، ولكل القوانين التنظيمية. فالفقه الإسلامي يعتبر هذا الشرع مستقلا في وجوده، وفي مصادره، كاملا، مكتف بذاته، غير محتاج لغيره. ومن هنا لما كانت احكام القانون الكوني وقواعده، تستمد كلها من العقل المحض وحده، بعيدا عن التقيد بأي دين كيفما كان، فقد استبعده الفقه الإسلامي، ولم يعترف به كمصدر مستقل من مصادر القانون، كما استبعد ايضا فكر المعتزلة الذي كان يقول بقدرة العقل على استنباط الاحكام الشرعية دون حاجة إلى تاييدها بالكناب والسنة، كما ورد ذلك في كتاب ( نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي ) للاستاذ احمد الريسوني . وهذه النظرة الكمالية للشرع الإسلامي هي التي جعلت الفقهاء لم يهتموا بغيره من الثرات القانوني العالمي، سواء كان مصدر هذا الثرات عقليا أو نقليا او روحيا وبالتالي لم يقوموا بترجمة أي اثر من آثار هذا الفكر. وما اثار حقا استغرابي في هذا الامر هو موقف الاستاذ علال الفاسي من انعدام هذه الترجمة، اذ عوض ان يتاسف على ذلك، معتبرا اياه خسارة وانغلاقا متعصبا على الذات، فقد اعتبره تصرفا ايجابيا، حافظ به الشرع الاسلامي على صفائه وعلى اصالته، مبتعدا به، على حد قوله، عن التاثر باي مذهب من المذاهب الاجنبية او الافكار الغير الاسلامية، وهذا الموقف هو ما يؤكد استمرار تلك النظرة الكمالية للشرع الاسلامي في العصر الحديث، وهي نفس النظرة التي لاحظها الاستاذ احمد الريسوني، واطلق عليها النظرة الاشعرية، مؤكدا استمرار وجودها إلى حدود اليوم. وفيما يلي ما ذكره الاستاذ علال الفاسي بخصوص انعدام تلك الترجمة : ((واذا كان المسلمون قد ترجموا من تراث الروم واليونان والفرس والهند الشئ الكثير، فلم يثبت أبدا أنهم ترجموا كتابا من كتب القانون، أو اتصلوا بشئ من أفكار القانونيين القدماء او المعاصرين لهم، وانك لتجد في علم الكلام الذي هو أمس شئ بالعقيدة الإسلامية، وبصفات الله، واحكام الرسل، آثارا من آثارالفلسفة القديمة وطريق الجدل والاستدلال، وتجد كذلك في العلوم المختلفة نقولا عن العلماء الأقدمين من كل جنس ودين، ولكنك لا تجد أي أثر من آثار المدارس الفقهية المختلفة في الفقه الإسلامي، وما ذلك الا لأن المسلمين امتثلوا أمرالله فلم يروا لأنفسهم حقا في اقتباس شريعة أجنبية، وادماجها في الفقه الاسلامي.)) هذا وفي الوقت الذي كانت فيه فكرة القانون الكوني غائبة ومغيبة في الفقه الإسلامي، فانها على العكس من ذلك، كانت حاضرة في الفقه المسيحي، اذ نجد القديس اوغسطين الامازيغي، الذي يعد من أبرز اباء الكنيسة، يعترف بالقانون الكوني، ويعتبره أساس الحياة الاجتماعية، مؤكدا أن الناس جميعا يحترمونه، ويتوصلون إلى معرفته بالعقل، لارتكازه على دعامتين أساسيتين هما : الا يفعل المرء مع غيره ما لا يود أن يفعلوا به، وأن يعطي لكل انسان حقه، كما يعترف أيضا بالقانون الوضعي، الذي تضعه السلطة الزمنية، وتحدد له ضوابطه واهمها ان يكون مستوحى من القانون الكوني، غير انه يعتقد أن السلطة الزمنية بمدينتها الأرضية، قد شاخت وهرمت، وحان الوقت لكي تترك الميدان لمدينة الله التي ليست سوى اتحادا للمومنين. وبعد اوغسطين جاء كذلك القديس توما الاكويني الذي قسم القانون إلى اشكال ثلاثة هي: القانون الأزلي وهو قانون العقل المقدس الذي يحكم العالم، والذي يعجزالانسان عن معرفته الكاملة. القانون الطبيعي (الكوني) الذي يمكن لكل انسان أن يدركه لكونه منقوش في العقل. القانون الإنساني وهو من صنع الإنسان، ويجب أن يستوحى من مبادئ القانون الطبيعي. اذن ما يتميز به الفقه الإسلامي عن الفقه المسيحي، ليس فقط تركيزه على الشرع الإسلامي، كمرجعية وحيدة للقانون، بل هو الغياب المعرفي المطلق لفكرة القانون الكوني كمرجع او كمصدر مستقل من مصادر القانون، بدليل خلو ذكره من مصنفات كبار علماء اصول الفقه امثال ابي حامد الغزالي، وابي الحسين البصري وابي اسحاق الشاطبي وغيرهم . غير انه بعد احتكاك العالم الإسلامي بالغرب في العصر الحديث، انتشرت نسبيا معرفة هذا القانون الكوني، في اوساط بعض الفقهاء، من أبرزهم في بلادنا الأستاذ علال الفاسي، الذي كان له معه موقف رافض وسلبي، ذكره في كتابه الانف الذكر بقوله: (( ونخلص من هنا إلى ميزة عظيمة في الشريعة الإسلامية، وهي أنها لا تعتمد في شيء من الاحكام التي تقع باسمها على غير الشريعة نفسها، فحينما ينعدم النص ولا نجد حكما سابقا نستتير به، لا نعمد إلى ضمير الملك كما يفعل الإنجليز، ولا إلى العدالة أو الإنصاف أو القانون الطبيعي، كما يفعل اللاتينيون اليوم، أو الرومان بالأمس، واليونان قبلهم، وانما ننظر في مقاصد الشريعة ونرجع إلى السياسة الشرعية، باحثين عن طريق التفكير والنظر في الأحكام، والحاق الاشباه بالنظائر، ولن نعدم أبدا وجه الحق الذي يريده الله)) وعن النظرة السلبية الدونية التي ينظر بها إلى القانون الكوني، ورد في نفس الكتاب ما يلي: ((وأن محاولة تأويل الأدلة النظرية الإسلامية على أنها نوع من القانون الطبيعي، أو قانون العدل والإنصاف، فذلك مجرد انحراف بالشريعة إلى اقوال أجنبية عنها، فالشريعة واضحة، ولا يمكن أن تقبل غموض القانون الطبيعي أو قانون العدالة، أو ضمير الملك، لأنها مجرد تخمينات لا تستند لغير ما يحسبه الناس انه حسن الإدراك و لا ضمان له، ولا دليل عليه )) وما من شك أن هذا التحامل على القانون الطبيعي، يستفاد منه شروع افكار هذا القانون في اختراقها للفقه الإسلامي، اذ لو ظلت أمور هذا الفقه كما كانت عليه في الماضي، لما كان هناك أي داع للتهجم عليه او نعته بالغامض. وبالفعل فقد نجح هذا الاختراق في دولة مصر، فاعترفت بهذا القانون في المادة الأولى من القانون المدني التي تنص على ما يلي: (( 1- تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تناولتها هذه النصوص في لفظها او في فحواها. 2- فاذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فاذا لم يوجد، فبمقتضي الشريعة الاسلامية، فاذا لم توجد فبمقتضي مبادئ القانون الطبيعي ومبادئ العدالة)) أما في المغرب فيبدو انه لا يزال يكرس بالكامل نظرة الفقه الإسلامي التقليدي التي لا تعترف بالقانون الكوني كمصدر مستقل للقانون، بدليل أن قانون الإلتزامات والعقود الصادر في أوائل القرن الماضي والمعدل في القرن الحالي، لا يذكر القانون الكوني من بين مصادره الواردة في الفصول : 474- 475 – 476، ونفس الشيء بالنسبة للدستور الجديد الصادر حديثا في سنة 2011، الذي رسخ المرجعية الاسلامية للدولة المغربية في التصدير، وفي اكثر من بند، هذه المرجعية التي لا تشوبها طبعا شائبة جعل الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية، لأن هذه الاتفاقيات المعنية بالسمو، يجب كما يقضي هذا الدستور، ان لا تتعارض مع أحكامه المرسخة لتلك المرجعية الدينية . اذن اذا كان القانون المصري قد انفتح على القانون الكوني الازلي الذي نقشه الله في العقل، سامحا له بأخد مكانه ضمن مصادر القانون، فان أبواب القانون المغربي لا تزال موصدة أمامه، ولعل السر في تأخر الاقرار بشرعية هذا القانون في بلادنا راجع في اعتقادي إلى تركيز رجال الحقوق والقانون والسياسة، على الفروع والجزئيات وكذا على المسائل التطبيقية والميدانية، واهمالهم البحث في فلسفة الحق وفي أصول القانون، بدليل اننا اذا ما استثنينا الفقرات المقتضبة جدا الواردة في درس مادة مصادر القانون، الذي يتلقاه الطلبة في كلية الحقوق، فاننا لا نكاد نعثر على اية دراسة او بحث معمق عن هذا القانون الكوني، سواء داخل الجامعات، أو في المجلات القانونية على كثرتها وتنوعها. أسلمة القانون الكوني بعلم أصول الفقه: اذا ما استثنينا مجال العبادات في الاصول، واقتصرنا فيه على مجال المعاملات فقط فان المقارنة بين مقاصده المستنبطة بالاجتهاد العقلي، وبين أهداف ومبادئ القانون الكوني، تبين وجود تطابق شبه تام بينهما، لدرجة تجعل هذا العلم يبدو في حقيقته قانونا كونيا مغلفا برداء اسلامي. هذا التطابق يتجلى في استهداف كل من تلك المقاصد الكونية، وتلك الاهداف الاصولية، غاية واحدة، هي المحافظة على الحياة بالدرجة الأولى، ثم كذلك على ضرورياتها وحاجياتها وتحسيناتها التي اطلق عليها ابو اسحاق الشاطبي في كتاب الموافقات المجلد الأول، مصطلح الكليات، ملاحظا ان شرائع سائر الامم وضعت للمحافظة على هذه الكليات . لكن ان كان الشرع الاسلامي يحتضن بدوره هده الكليات كسائر الشرائع، كما اكد الشاطبي، فمما يلاحظ ان علماء الاصول قد جانبوا الصواب في معرفة حقيقة مكمنها واصلها الاول، اذ يعتبرونها كامنة اصلا في القران والسنة، معتقدين أن العقل يكتفي فقط باستنباطها منهما بنوره، بينما الحقيقة تؤكد انها كامنة اصلا في العقل، منقوشة فيه سلفا قبل ظهور الديانات، الشيء الذي يجعل كل إنسان اينما كان، وفي أي زمان كان، يعرفها تلقائيا ومباشرة، بدون أن يحتاج إلى استنباطها من أي كتاب كان . ولدلك لما جرت عادة الفقه على اعتبار الشرع الاسلامي مصدرا وحيدا للقانون، فانه عند وجوده امام حالة فراغ عدم وجود نص واضح في الكتاب او السنة لحل اشكالية حادثة مستجدة، لم يكن مسموحا له استنباط الاحكام من مبادئ عقلية مجردة، ولذلك يعمد إلى الاجتهاد لربط الاحكام العقلية بالكليات المقاصدية للشرع الاسلامي، لاضفاء الطابع الاسلامي عل هذه الاحكام . وهكذا وباستعمال الفقهاء لهذه المعادلة الأصولية، اقترب العقل والشرع الاسلامي من بعضهما، او بعبارة اوضح احتضن الفقه الاسلامي مبادئ القانون الكوني . وهذه المزاوجة التي قام بها علم الاصول، بين العقل الحامل لذلك القانون، وبين الشرع الاسلامي، هي التي ذكرها الامام ابي حامد الغزالي في كتابه : المستصفى المجلد الأول بقوله: (( علم الفقه وأصوله يأخد من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول، بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد)) ولكن ان كان الفقه الاسلامي يقر بهذه المزاوجة فلابد من تسجيل كونه ينظر إلى العقل كمجرد ميزان لا غير، لقياس الاحكام المستنبطة من الكليات الكامنة في الكتاب والسنة، دون أن يعتبره قادرا وحده على معرفة تلك الأحكام، وهذه النظرة هي ما عبر عنها الاستاد علال الفاسي في كتابه السالف الذكر بقوله : ((ومحط نظر هؤلاء العلماء قاطبة هو استعمال ميزان العقل لاستنباط الاحكام من الكتاب والسنة المبينة له، وهذا ما سماه علماء المسلمين بالاجتهاد، وهو طريق سلوك دائما، يتمكن به أهله من تطبيق الكليات القرآنية على جزئيات الأحكام المستجدة )) وهكذا لما ثبت أن القانون الكوني قد نقشه لله في عقل الإنسان قبل ظهور الديانات وثبت ايضا أن هدفه الأساسي هو حفظ الحياة، وحفظ ضرورياتها وحاجياتها وتحسيناتها . ولما توصل علماء الأصول بالاجتهاد العقلي إلى استنباط كون مقاصد الشرع الإسلامي تستهدف تحقيق نفس ذلك الهدف، الذي اطلق عليه الشاطبي، اسم الكليات، لكن من غير ان يدركوا طبعا ان هذه الكليات، هي نفسها مبادئ ذلك القانون الكوني المنقوشة في عقولهم . اذن اذا كانت هذه الاسباب تؤكد بالفعل، ارتكاز علم اصول الفقه، على مبادئ القانون الكوني المنقوشة في العقل، فان النتيجة تؤدي في خط مستقيم إلى قيام هذا العلم باسلمة القانون الكوني دون طبعا ان يدري ذلك او يقصده . وهذه الطريقة التي تعامل بها الفقه الاسلامي قديما مع مبادئ القانون الكوني، هي نفسها التي أوصى الاستاذ حسن اسماعيل الهضيبي للتعامل بها حديثا، مع القوانين الأجنبية. وفيما يلي نص تلك الوصية كما نقلته من كتاب دفاع عن الشريعة للأستاذ علال الفاسي : (( ان قوانيننا جميعا يجب أن تكون مستمدة من القرآن ، وأنه اذا بدا لنا أن نأخد شيئا من القوانين والنظم الأجنبية، وجب أولا أن نردها اليه، فاذا اتسع لها أخدنا منها، لا على اعتبار أن مصدرها اجنبي، بل على اعتبار انها مستنبطة من القرآن. دعوة المشرع المغربي إلى الاقرارصراحة بالقانون الكوني : تاكيدا للمصدر الالهي للقانون الكوني، على اعتبار ان الله عز وجل هو الذي نقشه في عقل الانسان قبل نزول القران، او نزول أي دين سماوي اخر. وادراكا لتطابق اهداف هذا القانون مع مقاصد الشريعة الاسلامية، من حيث كونها تستهدف جميعها تحقيق نفس الغاية المثمثلة في حياة الناس في مجتمع منظم يسوده السلام والعدل والتعاون والخير المشترك . ونظرا لارتكاز القانون الكوني على احترام حقوق الانسان، وقيم الاخلاق، وسائر قواعد حسن السلوك، وهي نفس القيم التي يقوم عليها الدين الاسلامي، والتي تلخصها المقولة الاسلامية الماثورة التالية : الدين المعاملة . ووعيا بالاسباب التي جعلت الفقه الاسلامي التقليدي يستبعد الاعتراف بهذا القانون كمصدر مستقل للاحكام، والتي من بينها اعتقاده بكونه اما من صنع العقل المحدود للانسان، واما من صنع عمل الطبيعة المستوحى من مصطلح ( القانون الطبيعي ) الخاطئ الذي اطلقه الفلاسفة على هذا القانون . واقتناعا بان الاعتراف بهذا القانون الكوني يدخل في صميم الدين، خلافا لما يعتقده الفقه الانف الذكر. وانسجاما مع المنتظم العالمي الذي انتشر فيه الوعي بهذا القانون، متخدا من مبادئه قواعد للمعاملات الدولية . وتاكيدا للتطور الفكري والسياسي الذي عكسه الدستور الحالي لسنة 2011، الذي يبرهن على تقدم المغرب في اتجاه الخروج من دوامة الايديولوجيا والفكر العتيق، إلى فضاء العقلنة والحكامة الجيدة . وانسجاما كذلك مع تعود المغاربة، التعامل مع القانون الكوني، في المناطق التي كانت تسود فيها الاعراف الامازيغية، وذلك على منذ اقدم العصور، إلى حدود القرن العشرين . اذن استناذا لهذه الاسباب، فانه لا يوجد أي مبرر ديني او منظقي، لاستمرار بلادنا في استبعادها لهذا القانون، لاسيما وان دولة مصر الشقيقة، قد بادرت إلى الاعتراف به، وانه من هنا عسى المشرع المغربي ان يقرر بدوره الاقرار صراحة بهذا القانون الالهي الازلي، كمصدر مستقل من مصادر القانون . ذ- الصافي مومن علي محام بالدارالبيضاء المراجع 1)- في الحكم المدني- جون لوك- ترجمة ماجد فخري مجموعة الروائع الانسانية –الاونسكو- بيروت 1959 2)- الواح جزولة- الاستاذ العثماني امحمد السوسي 3) – توماس هوبز- فيلسوف العقلانية – تأليف: ذ امام عبد الفتاح امام 4)- تطور الفكر القانوني – احمد محمد غنيم – منشورات المكتبة العصرية بيروت 5)- علال الفاسي – دفاع عن الشريعة – سلسلة الجهاد الاكبر – رقم 1 6)-الموافقات في أصول الفقه – أبي اسحاق الشاطبي- المجلد الأول– دارالمعرفة – بيروت 7) – نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي – احمد الريسوني- المعهد العالمي للفكر الإسلامي 8) المستصفى من علم الاصول – أبي حامد الغزالي – المجلد الأول- دارالفكر 9)- المعتمد في أصول الفقه- ابو الحسين البصري- دارالكتب العلمية 10)- القانون المدني المصري – مجموعة القوانين المصرية – دارالفكر العربي 11)- قانون الالتزامات والعقود المغربي مع آخر التعديلات – انجاز وتقديم الدكتور الطيب الفصايلي. 12)- الدستور المغربي الجديد – ايسوفت . 13 – مقالة الاصل المشترك لنظامي التشريع السياسي الامازيغي والامريكي – الصافي مومن علي . استاذ باحث