للذين لم يفهموا ماذا يقصد الملك بالدرس الأخلاقي الذي أعطاه للبرلمانيين في افتتاح الدورة الخريفية للمؤسسة التشريعية يوم الجمعة الماضي، وحديثه عن ضرورة تخليق العمل البرلماني، والارتقاء بالخطاب والسلوك السياسي للنخب الحزبية حتى تعطي المواطن الثقة في المؤسسات.. للذين لم يفهموا الإشارات والرسائل المرموزة التي جاء بها الخطاب الملكي ما عليهم إلا أن يعيدوا تشغيل شريط غزوة «شباط واللبار» في البرلمان، وكيف استعمل الخصمان كل وسائل «الإقناع»، بما فيها العض والسب واللطم و«الكروشيات»، وكل هذا الفيلم المشوق جرى بعد ساعتين فقط من الخطاب الملكي وفي مؤسسة البرلمان، وأمام أنظار الرأي العام والصحافة ووسط حلف المعارضة… شباط يعرف أن غريمه اللبار يكرهه لحسابات قديمة بينهما، ليست فيها أفكار ولا سياسة ولا إيديولوجيا ولا برنامج، بل كل ما فيها مصالح ورخص وأراضٍ واتهامات كبيرة طالت الأبناء والعائلة، ومع هذا اتجه إلى السلام عليه بعبارته المستفزة: «مبروك العيد»، فما كان من اللبار إلا أن أجابه: «العيد مبارك ومسعود، والله يأخذ الحق في الظالم». هنا تطور النقاش السياسي بين الزعيم الاستقلالي والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة إلى أن وصل إلى ما تحت الحزام، ثم تحولت قاعة الاجتماعات إلى حلبة للملاكمة. الدكتور الكيحل كان في الموعد، ودون سابق إنذار توجه مباشرة إلى وجه اللبار وسدد له ما تيسر من لكمات، فما كان من اللبار إلا أن استعان بسلاح أسنانه للتصدي لهجمات الشاب الكيحل، الذي يثبت كل مرة أن وجوده على يمين الزعيم شباط مفيد وضروري وحاسم في بعض الأحيان… الذي يطالع الصور التي خرجت من «غزوة المعارضة»، حيث تبادلت نيرانا صديقة ضد بعضها، يلاحظ الرعب والخوف في وجوه النساء اللواتي حضرن المعركة، ومن حسن الحظ أنه لا توجد بينهن سيدة حامل، وإلا لكانت أجهضت حملها مثل ما أجهض حلف شباط ولشكر والباكوري ضد الحكومة. فمن حسنت بدايته حسنت نهايته، والعكس صحيح. من هنا فصاعدا على رئيس مجلس النواب، الطالبي العلمي، أن يتعاقد مع شركات متخصصة في إعداد حلبات الملاكمة في البرلمان، وذلك لتنظيم هذا النشاط الموازي للعمل البرلماني وتقنينه، ولمَ لا نقله مباشرة على القناة البرلمانية التي ستحظى بنسب متابعة كبيرة إذا عرضت هذا النوع من الفرجة. على الطالبي العلمي عوض منع الصحافيين من تغطية أشغال البرلمان أن يسمح لقنوات «الكاتش» ومجموعة «bein sport» بنقل هذه الرياضة الجديدة للمشاهدين في العالم كله. سيصبح هذا النشاط مدرا للدخل وليس باعثا على حرق أعصاب الناس. ولمنع أخطار هذا النوع من الرياضة، على إدارة البرلمان، مثلا، ألا تسمح للبرلمانيين مستقبلا بدخول مؤسسة التشريع دون قفازات الملاكمة، كما يمنع على المتبارين الضرب تحت الحزام أو في الرأس مباشرة، كما حدث مع اللبار، ولا بأس أن يعين رئيس مجلس النواب من بين أعضائه حكاما مؤهلين للإشراف على هذا النشاط البرلماني الجديد.. هذا أفضل من عروض «الستربتيز» التي دشنها إدريس الراضي السنة الماضية وهو يعري بطنه أمام المشاهدين الذين كانوا يتابعون مداخلات رئيس الحكومة في الغرفة الثانية. هل يمكن أن نكتب عن مثل هذه النخب السياسية والبرلمانية بغير ريشة الكاريكاتير.. أنا شخصيا عاجز عن ذلك. قبل أن يجف المداد الذي كتب به خطاب الملك الذي يوصي السادة البرلمانيين خيرا بالأخلاق وبصورة المؤسسات وسمعة البلاد.. قبل أن يجف هذا المداد كتب شباط واللبار صفحة جديدة من المهازل في الكتاب الأسود للبرلمان، تنضاف إلى مغامرات إدريس الراضي، والسكر الطافح لبرلماني آخر في قاعة التشريع، والكلام النابي للوزير الوافا، وغير ذلك من المهازل التي تسيء إلى البرلمان وإلى الانتخابات وإلى السياسة… مثل هؤلاء البرلمانيين لا تنفع معهم دروس الأخلاق، ولا وصايا الآداب الحميدة حتى وإن جاءت من أعلى سلطة في البلد.. مثل هؤلاء يجب عرضهم على النيابة العامة، وترك القضاء يقول كلمته فيهم، وفتح كوميساريات كثيرة وفرق للآداب في وسط البرلمان والأحزاب والمجالس الجماعية، فمثل هؤلاء المنتخبين يخافون ولا يستحيون… العيب ليس عليهم فقط.. العيب على نظام انتخابي لا يفرز في الغالب سوى أسوأ ما يوجد في المجتمع، لأن جل ولاد الناس لا يملكون الجرأة و«السنطيحة» ليقدروا على مجاراة هذا الإيقاع المتدني، ولا حول ولا قوة إلا بالله.