مباشرة بعد مراسيم افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان، التي تميزت بخطاب ملكي غاضب، شديد اللهجة، ضد الطبقة السياسية والبرلمانيين في مقدمتهم، وبعد مغادرة الملك قبة البرلمان، اندلعت حرب ثأرية داخل أروقة المؤسسة التشريعية، بين عضوين من أعضاء البرلمان، هما حميد شباط وعزيز اللبار، الأول هو الأمين العام لحزب الاستقلال والأمين العام للاتحاد العام للشغالين، والثاني من قياديي حزب الأصالة والمعاصرة ورجل أعمال معروف في مجال الفندقة والسياحة. المتعاركان من مدينة واحدة، وقد جرّا خلافاتهما ودحرجاها ككرة ثلج كبرت لما وصلت إلى العاصمة الرباط، فأقفلت الممر الذي احتشد فيه البرلمانيون بغاية فك العراك، وقد أخذ بعضهم حقه ونصيبه من اللكم والشتم ورذاذ اللعنات، بل إن أحدهم كان حظه أوفر من ذلك، عندما أخذ معه أصبعه معضوضا عضة لا تنسى، وستبقى علامة تذكره بعضويته في البرلمان في حياته القادمة.
الكلام البذيء الذي تطايرت شظاياه في فضاء البرلمان يعطي صورة مكثفة عن حال برلمان المغرب، ومدى الثقافة الموسوعية التي يتمتعون بها، وإن قال أحدهم إنه يمثل وينوب عن قاع المجتمع فلا تكذبوه، بل يكفي أن تشموا رائحة القاع المنبعثة من فمه. بل إن الملتصقين بالقاع في أدنى السلم الاجتماعي سيتبرؤون من الشتائم التي تبادلها المستشار اللبار مع النائب شباط.
وبعدها يتساءلون عن العزوف السياسي لدى الشباب. فعم يتساءلون؟
على البرلمان في جلسته المقبلة، أن يقترح تعديل قانونه التنظيمي وإضافة لجنة خاصة تحت اسم "لجنة الشتائم والسباب العليا"، وأن لا تكون العضوية داخل هذه اللجنة اختيارية، بل تكون بالتعيين، وتضع على رأسها حميد شباط، وعزيز اللبار مقررا.
ليس عيبا أن يتعارك أعضاء البرلمان لدينا، فهذا من علامات النضج البرلماني الذي يرتقي ببلادنا إلى مصاف البلدان التي تشهد باستمرار عراكات وتبادل ألفاظ نابية، والتراشق بالكؤوس والكراسي، كدليل على نشاط البرلمانيين وتمثيلهم لمن أوصلوهم وصوتوا عليهم، أحسن تمثيل.
والصدفة الماكرة جعلت مكان العراك التاريخي تحت لافتة لأحزاب المعارضة، تتضمن شعارات حزب الاستقلال: الميزان، جنب شعار الأصالة والمعاصرة: الجرار. والمنطق يميل إلى غلبة التراكتور وتحطيمه للميزان تحت عجلاته الضخمة والكبيرة، لكن الأخبار تفيد أن شباط استقبل استقبال الأبطال في باب الحد، وتناوب محازبوه على الإشادة به "اعطيتي لمو". أما التراكتور فقد داست عجلاته على راكبه، حين اجتمع بعض قادة البام وأصدروا قرارا عاجلا بطرد اللبار.
وقد علمنا أن عزيز اللبار سيستأنف قرار طرده لما شمله من عيوب قانونية. والمثل المغربي يقول: "اللي عندو غار واحد الله يسدوا عليه"، واللبار الذي يعد من أشهر الرحالة البرلمانيين تنقل بين أكثر من حزب، لا تعوزه الوسيلة ولا الغاية ليدخل غارا آخر، ويتلون بلونه.