شمالي حلب: محمد أحمد عدة في واحدة من أقسى التجارب الصحفية وأخطرها، دخلت «اليوم24» الأراضي السورية عبر الحدود البرية التركية، لتنقل إلى القارئ المغربي من داخل ميدان المعارك والمواجهات، حقيقة الوضع في شمال سوريا. من معبر باب السلامة وحتى مشارف حلب، « اليوم24» تزور جبهات القتال. «هل ترى تلك الأضواء؟ إنها حدود داعش، لديهم مدفع من نوع 57 ملم، ولو علموا أننا نقف هنا لجعلوا هذه السيارة حفنة من الغبار»، هكذا تحدث «منذر سلال»، الناشط وعضو اللواء الثاني بالجيش الحر (مجموعة منبج)، الذي رافق « اليوم24» في رحلة داخل خطوط النار في التراب السوري. كانت هذه واحدة من أقوى لحظات دخول جريدة «24 اليوم» إلى الشمال السوري عبر الحدود التركية برا من مدينة كيليس الى مشارف حلب، حيث عاينت «اليوم24»، في تجربة مثيرة، ميدان الحرب والقصف في بلاد الشام، وجالت عبر جبهات القتال مباشرة، حيث يرابط مقاتلو مختلف الكتائب والفصائل المنتمية إلى الجبهة الإسلامية. الطريق إلى سوريا تستغرق المسافة بالطائرة من اسطنبول إلى «غازي عنتاب» حوالي ساعة وعشرين دقيقة، يكفي أن تقطع تذكرة في إحدى وكالات الطيران الداخلي التركي لتصبح على بعد 40 دقيقة من التراب السوري عبر بلدة تركية صغيرة تدعى كيليس، لتسنى لك الحصول على سيارة أجرة أو حافلة لتصبح وجها لوجه مع حدود سوريا أو حدود الحرب حيث تنصب كل مجموعة مقاتلة حواجزها، وحيث دولة البغدادي تتمدد وتقصف من السماء. على الحدود السورية هناك آلاف الناس يفترشون الأرض بأثاثهم البسيط مشكلين حلقات من النازحين، بينما أطفالهم يتقدمون نحوك طالبين المساعدة: أكل أو مال أو أي شيء، أو يعرضون خدماتهم لحمل الحقائب والأكياس مقابل ليرة تركية. يتفحص بوليس تركيا الجواز ثم يختمه بكل بساطة ويشير بيده: «ادخل إلى سوريا». دخلت « اليوم24» سوريا من باب السلامة، خيرت بين باب الهوى وباب السلامة، فاختارت باب السلامة. عند ختم الجواز من الشرطة التركية لا تبقى أمامك أي حدود، وعلى المتوجه إلى سوريا أن يمشي سيرا على الأقدام مسافة 3 كيلومترات ليصل إلى حيث يرفع العلم السوري.. «علم الثورة». في الطريق عبر الحاجز، تصادفك لافتة كتب عليها «منطقة قنابل وألغام»، ثم تظهر سوريا بهضابها وجبالها الرمادية ودخان بعيد. هنا، حقيقة، لا يوجد دخان بدون نار. يقودنا المرافق نحو المركز الإعلامي للجبهة الإسلامية، التي تجمع كل الفصائل المعارضة المقاتلة. داخل المركز، إعلاميون شباب لا يتجاوز عمرهم 21 سنة، يسألون عن كل شيء: الغرض من زيارة الجريدة، مدة الجولة، موقف الجريدة من «الثورة في سوريا». دقائق بعد ذلك، يدخل ضابط بزي عسكري يسأل: «أين الصحفي المغربي؟»، ويقدم نفسه: «أنا الملازم أول أمجد» من الجبهة الإسلامية. يخضع صحفي « اليوم24» لاستجواب دقيق يشمل كل المعلومات. بعد الكثير من الأسئلة يمنح تصريحا بالدخول الى سوريا (الوثيقة1) ثم يقول الملازم أمجد: «أنت مغربي والمغاربة يأتون إلى سوريا ليقاتلوا في صفوف داعش. أنت بضاعة ثمينة، وعلي أن أخبرك بأنهم لو علموا بوجودك هنا لاختطفوك وأنت تدخل من معبرنا. علينا أن نحميك». يسلمنا الضابط السوري التصريح ويتمنى لنا حظا سعيدا.. قبل المغادرة يقول الملازم أمجد إن الصحافة العربية توقفت عن دخول سوريا منذ تأزم الوضع، وخصوصا بعد إعلان تنظيم الدولة «داعش» تشكيل دولته، وذلك حسب سجلات كل الفصائل المقاتلة. بالعزاء تستقبلك الشام نستقل السيارة نحو أعزاز، أول المدن السورية في الشمال، يأتي معنا ثلاثة شبان بعدما عبؤوا أسلحتهم (الكلاشينكوف)، وتبدأ رحلة نحو أكثر المناطق خطورة في العالم اليوم. تسألهم «أخبار اليوم»: «لماذا عبأتم أسلحتكم؟». يجيب محمود، وهو أحد الشباب المرافقين: «أحيانا تنصب حواجز مزيفة.. أكياس الرمل الواقية من الرصاص منتشرة في كل مكان، وعند الحاجز الأول توجد لافتة كتب عليها: (أخي المجاهد ضع سلاحك ثم ادخل)»، يستوقف مقاتل برشاش تشيكي الصنع السيارة ويسأل: «من أنتم؟». هناك كلمة سر يعطيها منذر، عبارة عن اسم قيادي في الجيش الحر، ليسمح لنا بالمرور في الحاجز الثاني. ينطق منذر: «هذا الحاجز من أيام قدمت إليه سيارة مفخخة لداعش وانفجرت فيه. يريدون السيطرة وإعادة إخضاع أعزاز». ندخل أعزاز. رغم الدمار والخراب، هناك بقايا حياة في هذه المدينة. نسير عبر شارعها الرئيس. اللون الأصفر وبقايا رائحة الكربون يغطيان المشهد العام للمدينة. نتوجه نحو المنزل الآمن وهو في الوقت نفسه مكتب للاجتماعات. تلتقي« اليوم24» أعضاء وقياديين في الجيش الحر، وخلال لحظات التعارف الأولى يأتي خبر جديد: «لقد قامت داعش بإعدام أحد إخوة قيادي في الجيش الحر (الجبهة الإسلامية) في حلب»، لنتوجه جميعا إلى منزل شقيقه بأحد أحياء أعزاز. هناك نجد الشاب المكلوم في أخيه يجري مكالمة هاتفية مع محامية الدولة الإسلامية التي تخبره بالهاتف بأن أخاه متهم بالنفاق، وقد قُطع رأسه، وسوف يظل مصلوبا في المدينة لمدة ثلاثة أيام، ثم لن يسلموهم الجثة، لأن الدولة تدفن قتلاها وفق ما تعتبره الطريقة الإسلامية. من هي محامية الدولة الإسلامية؟ يقول النقيب أبو فيصل، وهو نقيب منشق عن الجيش النظامي السوري، إنها مؤسسة تتشكل من عدد من «الشرعيين»، وهم بمثابة قضاة ومنفذي أحكام القصاص، حيث لا يتعلق الأمر بامرأة كما توحي بذلك تسمية «المحامية». ويستعمل «الشرعيون» للحديث في الهاتف برامج لتحوير الصوت، حيث يبدو الصوت كصوت امرأة. والمحامية، بهذا المعنى، هي من تتكلف بمثل هذه الحالات، وتبلغ قرارات وأحكام المحكمة الشرعية لدى داعش. نقدم العزاء ويتكرر السؤال نفسه: «هل أنت مغربي؟ لماذا يأتي المغاربة للقتال في صفوف داعش؟». الطريق إلى داعش في هذه الأثناء، كانت « اليوم24» تحاول ربط الاتصال بمصادرها داخل «الدولة». وبمجرد سماع «داعشيين مغاربة» نبأ دخول « اليوم24» إلى الأراضي السورية، أقفلوا هواتفهم، ومنهم من قام بحذف الصحافي من قائمة أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي. نعود إلى «المنزل الآمن». هناك مهمة أخرى هي الذهاب إلى جبهات القتال التي تسمى هنا «الرباطات». يقول منذر إن الجولة على الجبهات ستكون صعبة بعض الشيء بالنسبة إلى صحفي، خصوصا مع التوترات التي تشهدها المنطقة، لذلك يجب أن يأخذ معه أكثر من أربعين علبة تمر، كل علبة تزن 5 كيلوغرامات، بمثابة عربون ود وسلام، لكي تلج «أخبار اليوم» رباطات القتال مباشرة. التمر الذي عبئ في السيارة هو عبارة عن مساعدات سعودية يوجد منها الكثير في مرأب «المنزل الآمن». تحمل السيارة التمر وتنطلق في اتجاه الجبهات. الطريق مخربة ومليئة بالحواجز، وعند كل حاجز هناك «أسئلة استعلاماتية». تتوغل السيارة في قرى جد فقيرة ومظلمة، هناك شباب بلباس عسكري ورشاشات في أيديهم يعاينون السيارة في مناطق بعينها. يطفئ منذر أنوار السيارة لكي لا تصير مكشوفة، ثم نبدأ بأول جبهة وهي الرباط الأخير قبل المدينة أو ما يسمى بالحاجز الأخير. هناك طرق جد متعرجة قبل أن تصل إلى أية جبهة، وقبل دخول الجبهة هناك حاجز ترابي يقف عليه مقاتلون مداومون يطلبون إذن الدخول الذي غالبا ما يكون اسم شخص معين، ثم هناك حاجز ثان مشكل من حارسين يحملان «آر بي جي» و«رشاشات الكلاشينكوف»، وهم داخل ستار مشكل من أكياس الرمل. ومن الناحية الجغرافية، هناك شبه تشكيل بين الجبهات يجعلها ترسم رأس حربة باتجاه مناطق داعش ومناطق النظام، وترتيب الرباطات يكون حسب قوتها ومناعتها، وبشكل متدرج تبدأ من المجموعة الأقل تسليحا نحو الجبهة أكثر عتادا لنصل إلى الجبهة النهائية حيث تتمركز أشد المجموعات والكتائب شراسة. الرباط الأول (اللواء الثاني) عبارة عن بنايتين، حيث يفترش مقاتلون وقائدهم الأرض ويشربون الشاي في ظلام دامس. نختار مقعدا بينهم، فيما هناك حديث يدور في الظلام، ثم تبدأ أضواء قوية منبعثة من مصابيح يدوية تسلط فوق وجوهنا. وعلى مقربة من الجلسة، تقبع مدافع الهاون ويجلس فوقها مقاتلون آخرون، يدخلون إلى غرفة واسعة مليئة بأسلحة خفيفة ورشاشات و«آر بي جي»، ويبدؤون الحديث عن القتلى وأخبار الاقتحامات. نخرج من الرباط وتنطلق بنا السيارة نحو جبهة أخرى، جبهة أحرار الشام، إنها جبهة أكثر قوة واستعدادا، ولذلك تتموقع في نقطة أكثر عمقا. هناك أيضا حاجز وكلمة سر باسم أحد الشيوخ، لنمر إلى مجالسة أحرار الشام، التنظيم الإسلامي الذي كان يعول عليه كثيرا في دحر داعش. هذا التنظيم الإسلامي القوي يعتبر أقل تنظيم مقاتل يضم مغاربة يقول محمود (أبو هريرة): «في المنطقة الشمالية لأحرار الشام هناك مغربي واحد، وقد تزوج ولله الحمد، اسمه رشيد وهو من الدارالبيضاء»، وبعد التحية وتبادل بعض المعلومات عن أحوال الحرب والمعارك، يعانق المقاتلون منذر ورفاقه أمام باب الجبهة ثم ننسحب. التوغل الأخطر يزداد الأمر صعوبة وتوترا عند الانطلاق إلى جبهة ثالثة أكثر عمقا، حيث يرابط لواء الحق. علينا قطع طريق ترابي في منطقة «حور كلس» بالقرب من القسم الشمالي من جبل سمعان، الذي يعد جزءاً من هضبة حلب. وعورة الطريق تجعل السيارة تهتز بشدة. يقول مروان: «لقد مرت من هنا دبابة»، فيجيبه منذر: «على الأرجح أنها دبابة لداعش، فلا يمكن لدبابة نظامية أن تصل إلى هذه النقطة». نسير في الظلام، وإذا بضوء سيارة يومض في إشارات متعاقبة، يقول منذر: «لا أعرف من هذا ولماذا يشير إلي»، فيقوم الشباب بشحن رشاشاتهم وإخراج فوهتها من النوافذ، نستمر في المسير إلى أن نصير في خط متواز مع السيارة، فيخرج مروان رشاشه من السيارة ليبدأ في السؤال: «من أنتم؟»، فيبتسم السائق في السيارة الأخرى ليفصح «اعتقدت أنك أبا عبد الله من أعزاز. هذه الإشارات كانت مجرد خطأ»، خطأ في التواصل كاد أن يكون مكلفا، في اللحظة التي خيم فيها رعب رهيب داخل السيارة. مازالت هناك جبهتان -يقول منذر- لواء التوحيد وجبهة النصرة. بالنسبة إلى جبهة النصرة هي آخر نقطة، وهم يحبذون الانعزال والبقاء بعيدين عن الرباطات الأخرى. بعد لواء التوحيد وتبادل التحايا والمعلومات، نتوجه نحو رباط جبهة النصرة. في الطريق وأمام الحاجز المتعرج الذي يسمونه «زيكزاك» يستوقفنا مقاتل، فيسأله منذر عن شخص من الجبهة ليجيبه: «لقد اعتقلتنا داعش، ولكننا استطعنا الفرار وقد أصبت في رجلي». يمنحنا إذن المرور، يقدمني منذر له، فيقول: «هل أنت من داعش؟»، ثم يضحك. نقف أمام رباط جبهة النصرة. وهو آخر ما يفصل بين الجيش الحر وداعش. تتخذ الجبهة من مدرسة رباطا لها. يُطرق الباب فيفتح مقاتل مسلح فرجة صغيرة وينظر عبرها. عند علمه بوجود صحفي في السيارة يغلق الباب ويرفض الحديث. تنطلق بنا السيارة في اتجاه الغرب. نقصد طريقا آخر، وبعد دقائق من السير، يبطئ منذر سرعة السيارة، ويقول: «أنت الآن عند أقرب نقطة من حدود داعش من حيث قدراتهم العسكرية، يستطيعون نسفنا من رباطهم، لكنهم لا يفعلون ذلك إلا إذا كان هناك توتر كبير أو محاولة اقتحام من جانبنا أو جانبهم، وهو ما حدث اليوم، حيث حاولت مجموعة من الجيش الحر مكونة من أربعة مقاتلين اقتحام جبهة داعش وقتل منهم اثنان». قائد القطاع يحكي عن غدر داعش في رحلة لا تقل توترا ورعبا نعود تحت جنح الظلام إلى «المنزل الآمن»، هناك سنفاجأ بعدد كبير من المقاتلين والمجاهدين في الانتظار، يتوسطهم أبو شاكر، قائد القطاع الشمالي في سوريا كلها. نتبادل أطراف الحديث.. أبو شاكر مصاب في رجله، ومنذ سنة وهو لا يحمل سلاحا، يتحدث أبو شاكر ل« اليوم24» عن الوضع والمعارك. يتكلم بانفعال واضح وغضب على تنظيم الدولة: «نحن لا نشك في أن النظام دعم داعش، لقد قتلوا من المجاهدين والثوار حوالي 3000، ونحن نعرف أن النظام ساهم في خلق داعش، وكان الهدف منه تخريب الثورة وأن يتغلب على فلول النظام البعثي في العراق بدعم من طهران، ولكن التنظيم، على ما يبدو، أضحى يشكل خطرا على المخطط الإيراني، وما تفعله داعش تستفيد منه إسرائيل بدرجة أولى، مثلا، اليوم السوريون يعتبرون أن إيران هي عدوهم الأول وليس إسرائيل». يستمر أبو شاكر في الحديث قائلا: «العالم العربي لم يدعمنا، بل بالعكس أرسل رجاله ليحاربوا مع داعش ليقاتلونا بدل نصرة الشعب السوري، تصور أنه في كل معركة نخوضها ضد النظام تبدأ داعش معركة علينا في جبهة أخرى، كيف تقطع مثلا قافلة من السيارات تضم أكثر من 130 آلية وهذا موجود في الفيديوهات وعلى اليوتيوب، يقودها عمر الشيشاني مسافة 450 كلم، دون أن تتعرض لطلقة واحدة من النظام، هل سبق وسمعتم مواجهة بين النظام وداعش، إنها لا تقتل إلا نحن». يستمر حديث قائد القطاع الشمالي للجيش الحر مع «أخبار اليوم» حول علاقة المهاجرين بداعش، وخصوصا المقاتلين المغاربة، إلى الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني لجولة «أخبار اليوم» في الأراضي السورية. يتدخل منذر قائلا: «الآن في حلب تعمد داعش إلى اعتقال أو اختطاف عناصر من الجيش الحر من وسط كتيبتهم في نوع من التجبر والطغيان العسكري. الكتيبة تتجنب الدفاع عن عناصرها تفاديا لوقوع مواجهة مباشرة قد تخسر فيها الكتائب المعارضة الكثير من الرجال، وهو ما جعل التنظيم (داعش) يتجبر وينقلب على كل من سانده في البداية». «داعش خائنة ومأجورة»، يتدخل النقيب أبو فيصل، الضابط المنشق عن الجيش النظامي، تخلت عنه كتيبته وانضمت كلها إلى داعش، مضيفا أن «شر داعش ليس منحصرا في الشمال السوري فقط، بل في كل منطقة نفوذهم، نؤكد لكم أن داعش غدرت بشبابنا ونكلت بهم، هم الذين قاتلوا إلى جانبها، والأكثر من هذا تنهب داعش مقراتنا وتسرق سلاحنا الذي دافعنا به عن المناطق المحررة شهورا طويلة، بل وأسرت جمعا من خيرة مقاتلينا الذين أبوا قتالها في بداية إعلانهم البيعة للبغدادي، خوفا من الفتنة، بالرغم من أننا حضرنا قسمهم باليمين على ألا يصوبوا سلاحهم إلا إلى النظام المجرم». من مقبرة الدبابات إلى الحدود تقف « اليوم24» في شمال حلب بمنطقة تسمى مقبرة الدبابات في معركة شهيرة حررت الريف الشمالي كله. كانت «مقبرة الدبابات»، كما يسميها منذر ورفاقه، فاتحة تحرير الريف الشمالي ومداخل حلب، وكانت انتصارا لكل ريف حلب الشمالي ومعبر باب السلامة الحدودي الذي يمد حلب وريفها بكل شيء في ظل الحصار والقصف من كل جانب. يروي مروان فرزات، وهو ناشط سوري وباحث يحاول التأريخ للأزمة السورية قائلا: «في غشت من السنة الماضية دخل الثوار أول مرة مطار منغ العسكري المحاصر طيلة سنة كاملة بعد عدة عمليات تفجيرية وانتحارية نفذتها (داعش) بتنسيق مع باقي الفصائل التي كانت مرابطة على هامش المطار. دخلت داعش مطار منغ العسكري ولكنها لم تسمح للفصائل التي قاتلت معها بالدخول معها، وفي السابع والعشرين من أبريل 2014 انسحبت منه متراجعة بعد أن اشتد عليها القصف، وبعد تدمير كل الطائرات، انسحبت قوات داعش حاملة معها كل أنواع الذخيرة التي وجدت في المطار، لاسيما الثقيلة منها». نقف أمام الحدود مرة أخرى، والقصف قد بدأ على حلب، وسكون الليل تحول إلى مهرجان للتفجيرات وأصوات «الطوماهوك» المنطلقة من طائرات التحالف. السوريون لا يعرفون هل يفرحون أم يحزنون، القصف على مواقع داعش هو أيضا قصف لأرضهم، وعلى طول الحدود يتردد التساؤل: «هل يشارك النظام في القصف أم إنهم سيمنعون طائرات الأسد من التحليق حتى لا ينسب جرائمه إلى التحالف الدولي؟». من أجل مغادرة سوريا ينص قانون الخروج من تركيا برا، عبر معبر باب السلامة في كيليس، على أن من خرج من تركيا فإنه لا يحق له العودة إلى كيليس إلا بعد تمضيته ثلاثة أيام كاملة خارج الحدود.. هل هذا سينطبق على « اليوم24» التي قضت يومين في سوريا؟ يتدخل مواطن سوري نازح نحو تركيا قائلا: «أنت صحفي مغربي، ولن يشملك هذا القانون». في هذه الأثناء كان هناك شاب ملتح يراقب الحوار بصمت، وفعلا دخلت «أخبار اليوم» إلى الحدود التركية بسهولة. التقطوا صورة صحافي «أخبار اليوم»، ثم ختموا الجواز، وفي الحافلة نحو مدينة غازي عنتاب التركية يجلس، مرة أخرى، الشاب الملتحي بقربنا. اسمه عبد الهادي وهو تاجر سوري، ثم يسأل: «هل أنت مغربي؟ أنتم خير الناس، لقد استمعت إلى حديثك في الحدود، لكنك أخطأت يا أخي عندما اخترت الجبهة الإسلامية والجيش الحر، كان عليك أن تلتقي أحدا من الدولة؟»، نجيبه: «لكنهم يأبون ذلك، هل أنت معهم؟». يقول: «الحمد لله أنا معهم، وأريد أن أبلغك رسالة لا: تجعل المنافقين والطاغوت دليلك لمعرفة الحقائق، أما الإخوة المجاهدون المغاربة فإنهم أرفع منا درجة لأنهم جاهدوا من أجل إعلاء كلمة الله»، ثم كرر السؤال: «هل أنت مغربي؟ لماذا لا تلتحق بدولة الإسلام»؟ في مدينة غازي عنتاب يستقبلنا إعلاميون سوريون بعناق حار وبخبر جديد. بمجرد خروج «أخبار اليوم» من حدود كيليس ومعبر باب السلامة أغلقت الحدود رسميا، وهو ما جعل صحفيا فرنسيا مستقلا (ألان كافال) يشتغل لفائدة جريدة «لوموند»، يقف محبطا أمام الحدود، ويسأل: «كيف تمكنت «أخبار اليوم» من دخول الأراضي السورية والوصول إلى ريف حلب»؟. الوضع العسكري في حلب قبيل دخول « اليوم24» إلى سوريا قُبيل دخول « اليوم24» إلى شمال سوريا، وصلت أنباء حول سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، على أزيد من عشر قرى بالريفين الغربي والشرقي لمدينة «كوباني» على مسافة جد قريبة من ريف حلب. إذ احتلت داعش مساحات واسعة يقيم بها سوريون أكراد. هذا، وجاء اجتياح «داعش» لريف حلب إثر هجوم عنيف للدبابات والمدفعية نفذه التنظيم على المنطقة. «حذيفة»، الصحفي بوكالة وعد للأنباء، قال ل« اليوم24»: «إن هناك معلومات مؤكدة عن خسائر بشرية في صفوف مقاتلي (البي كي كي) وكذلك في تنظيم «داعش»، بالإضافة إلى مدنيين أكراد». الحادث جعل المناطق تشهد حالات نزوح كبيرة للأكراد نحو قرى ومناطق قريبة. وفيما «أخبار اليوم» تقترب من ريف حلب، كانت الاشتباكات بين مقاتلي «داعش» ومقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي مستمرة «وجهاً لوجه» وعلى مسافات قريبة. في الوقت نفسه كانت أنباء تصلنا بخصوص إحكام الجيش السوري الحر سيطرته على الإدارة الرئيسية للشرطة القريبة من قلعة حلب التاريخية شرق المدينة القديمة، بعدما خاض مواجهات عنيفة مع قوات النظام، استعان خلالها النظام السوري بالدبابات والطيران المروحي على المنطقة الصناعية بحي الكلاسة، وأرض الحمرا، وأحياء أخرى بمدينة حلب، ما أسقط عشرات المدنيين وجرح العشرات. وفي ريف حلب الشمالي (قريبا من مكان جولة «أخبار اليوم»، ونتيجة الغارات الجوية، أغلقت الطريق الواصلة بين حلب وبلدات الريف الشمالي، خصوصا وأن الطيران الحربي والمروحي يستهدف هذا الطريق. وبينما تحاول الجريدة وضع خريطة تقسيم المدينة، ترد أخبار من ناشطين متعاونين مع «أخبار اليوم»، «أن الطيران الحربي السوري قصف مناطق المسلحين من المعارضة السورية و(جبهة النصرة) في بلدة مسكنة بريف حلب الشرقي، في تلك الأثناء كانت تدور اشتباكات بين الكتائب الإسلامية المقاتلة وجبهة النصرة ضد قوات الجيش السوري في المحيط الغربي لسجن حلب المركزي». جبهة ريف حلب الشمالية عرفت أسبوعين، قبل دخولنا مدينة أعزاز، الحسم في المواجهات بين تنظيم «داعش» من جهة، و«جبهة النصرة» وكذلك «الجبهة الإسلامية»والفصائل التابعة لهما من جهة أخرى، حيث استطاع مقاتلو «داعش»، السيطرة على بلدتين اثنتين تركمان وبارح شمالي حلب، القريبتين من الحدود التركية، (معبر «أخبار اليوم» نحو الأراضي السورية). وأرجع مقاتلون استمعت إليهم « اليوم24» سبب ذلك لكون «جبهة النصرة» تخلت عن حاجز أساسي للتحالف في تركمان. وحسب المصادر المقاتلة، فقد أسفرت المعارك عن مقتل العشرات من المسلحين من الطرفين، من بينهم عدد من القادة، كان أبرزهم أحد قادة «داعش»، وهو الشيخ «أبو البراء المغربي»، وأدت الاشتباكات إلى فرار العديد من الأسر الفقيرة باتجاه مخيم باب السلامة على الحدود السورية التركية.