في تمرين سياسي وإعلامي جديد، تتوالى الكتابات والإصدارات المتخصصة في كشف أسرار السلطة والمحيط الملكي، محاكاة لتقليد فرنسي دأب عليه كبار الصحافيين والكتاب. المولود الجديد هذه المرة يحمل توقيع صحافي مغربي أطل على المملكة من مكتب وكالة الأنباء الفرنسية بالرباط، وهو أحد المواقع الأكثر إطلالا على المطبخ السياسي للمملكة. انطلقت الفكرة كما يروي صاحبها الصحافي، عمر بروكسي، في حوار ضمن هذا الملف، في سياق وصفه بتوجّه المغرب نحو إعادة إنتاج النموذج التونسي على عهد الرئيس زين العابدين بنعلي. سيناريو اصطلح عليه بالعربية ب|«التونسة»، فيما يفضّل المفرنسون كلمة « la bénalisation » نسبة إلى اسم بنعلي، لكن الثورة التي أطلق شرارتها الراحل محمد البوعزيزي انطلاقا من تونس، جمّدت المشروع لظهور بوادر هبوب رياح التغيير، ليكتب له الاكتمال في سياق مناقض، أصبح فيه مصطلح «التونسة» يعني التوافق والتعايش والسعي إلى الديمقراطية. غضبات الملك التي فتحت ملفات سياسية ودبلوماسية كبرى، من قبيل المعركة ضد المبعوث الأممي للصحراء كريستوفر روس، أو تلك التي خاضها المغرب مع الناشطة الانفصالية أمينتو حيدر، وحقيقة ما يجري في اللقاءات المصغرة مع الملك، وما يخرج به ضيوفه الأجانب والمغاربة من انطباع تعلوه المفاجأة، ثم كواليس تعاطي المغرب الرسمي مع الحراك الشبابي للعام 2011، والمساهمة الفرنسية الاستثنائية في تحجيمه شعبيا وامتصاصه رسميا بواسطة جرعات من الإصلاحات المحسوبة؛ كلّها فصول مثيرة من كتاب يعيد النظر في حقل سياسي مغربي مطبوع، كما يقول صاحب كتاب «صديقنا الملك»، جيل بيرو، في تقديمه للكتاب الجديد، ب«الجمود السياسي البيّن». داخل هذا الملف تجدون أقوى مضامين المؤلّف الجديد، «اقتنصتها» «أخبار اليوم» من داخل التفاصيل الطويلة وجمعت عناصرها من فصول الكتاب التي «تغطي جميع جوانب السلطة في المغرب، فبدأت ببورتريه يرسم مسار حياة الملك، ثم أتبعته بمحور الدين وكيفية توظيفه من طرف النظام السياسي المغربي لشرعنة نفسه، ثم جاء محور الثروة لما له من علاقة وثيقة بشخص الملك وبالسلطة…» يقول عمر بروكسي. هذا الأخير عاد إلى الجذور النفسية والعائلية التي أثمرت شخصية الملك محمد السادس، الملك ذو 51 سنة من العمر و15 سنة من الحكم، والذي يفاجئ من يعرفون عنه قلة الظهور في المؤتمرات الرسمية والاكتفاء بالخطب الرسمية في مخاطبة الشعب؛ حين يلتقونه داخل قاعات صغيرة، وفي إطار ودي، بتلقائيته وأسلوبه المريح. من جانب آخر، يكشف الكتاب أسرارا مثيرة حول العلاقات المغربية الفرنسية، مدافعا عن أطروحة مفادها استمرار الحلف الاستراتيجي بين فرنسا والملكية، وهيمنة المصالح الاقتصادية الفرنسية على العلاقات مع المغرب. بروكسي حصل على شهادات مثيرة مفصّلة، تكشف ما دار داخل مقرّ إقامة السفير الفرنسي بالرباط في عز تظاهرات حركة 20 فبراير، من محاولات لمعرفة حقيقة الحركة ومدى خطورتها على المؤسسة الملكية، وكيف كان الدبلوماسيون الفرنسيون يسعون إلى زرع الشقاق بين شباب الحراك وكل من جماعة العدل والإحسان وأحزاب اليسار الراديكالي. ألغاز شخصية الملك لم تحلّ رغم 15 سنة من ممارسة الحكم «بعد 15 سنة من اعتلائه العرش، لم تعرف بعد شخصية محمد السادس بشكل كامل»، هكذا يبرّر صاحب كتاب «ابن صديقنا الملك» تخصيصه جزءا كبيرا في بداية الكتاب لرسم «بورتريه» يعكس ملامح شخصية الملك محمد السادس وأسلوبه في الحكم، وجذور تربيته التي تفسّر هذا الأسلوب. «هذا الملك ذو الواحد والخمسين عاما، الذي ورث مملكة تضم ثلاثين مليون نسمة، يمارس سلطات كبيرة تعادل تلك التي يمارسها كل من رئيس الجمهورية الفرنسية والوزير الأول مجتمعين، إذا تم انتخابهما للبقاء مدى الحياة». الصحافي المغربي الذي التحق بكوكبة الذين ألفوا كتبا حول الملك وأسرار الحكم، قال إن محمد السادس قضى طفولته بالكامل داخل أسوار القصر الملكي، متلقيا تربيته الأولى على يد مربية فرنسية. «وحسب زملائه في تلك المرحلة، كان الأمر يتعلق بطفل مرح وجد منفتح، لكن، وموازاة مع تقدّمه في السن، أخذ ينغلق تدريجيا وعلاقته بوالده ذي الشخصية المرهقة، كانت تسوء وتتعقّد». ونقل الكتاب الجديد عن الصحافي الإسباني المتخصص في الشأن المغربي، اغناسيو سمبريرو، روايته لأول مرة التقى فيها الملك محمد السادس، وذلك عشر سنوات قبل توليه الحكم. «كان ذلك عام 1989، عشية قيام الملك الحسن الثاني بأول وآخر زيارة رسمية له إلى إسبانيا. قام حينها بدعوة لائحة من الصحافيين لمرافقته في الزيارة، ولم يكف عن السعال والتدخين بشراهة. قال لنا إنه يريد تعريفنا بأبنائه، واختبار معرفتهم باللغة الإسبانية، فتوجهنا برفقته إلى محاذاة المسبح، وطلب منا أن نتصرف كما لو لم يكن موجودا، رغم أنه من الصعب تجاهل وجود الملك الحسن الثاني. ثم ظهر كل من سيدي محمد ومولاي رشيد، فبدا لي ولي العهد حينها شابا خجولا لا يتكلم كثيرا، عكس مولاي رشيد الذي لم يكف عن الحديث، حيث قال لنا إنه زار إسبانيا مؤخرا لحضور حفل زفاف». وفي روايته لتفاصيل اللقاء الذي أجراه مع الملك عام 2005 ونشره في صحيفة «إلباييس»، قال سمبريرو إنه فوجئ بغياب البروتوكول، ودخول الملك دون سابق إنذار وحديثه الودي باللغة الإسبانية، «لكنه، وبمجرد شروعه في الإجابة عن الأسئلة السياسية، انتقل للحديث باللغة الفرنسية». من السمات المميزة لشخصية الملك محمد السادس التي توقّف عندها الكتاب كثيرا، حرصه الشديد على تجنب اللقاءات الرسمية والندوات المرتجلة. «فهو لم يخاطب الشعب بتاتا بطريقة تلقائية، وطريقته الوحيدة في التواصل معه هي الخطب الرسمية». الصحافي الفرنسي المخضرم الذي ألف كتاب «صديقنا الملك»، جيل بيرو، خصّ الكتاب الجديد بتقديم مهّد به لشروع عمر بروكسي في سرد فصوله. «القارئ الذي لا يتابع الواقع المغربي عن قرب، سيكتشف أن السلطة باتت مركزة، أكثر من أي وقت سابق، في يد القصر، حيث كبار المسؤولين والوزراء أنفسهم يجدون أنفسهم مجبرين على تولي مهمة ظاهرية فقط، فيما يمارس الملك وحوالي عشرة من أصدقائه، المنحدرين في مجملهم من المدرسة المولوية، السلطات الحقيقية». التمهيد الذي قام به بيرو لكتاب بروكسي، ختمه بأسئلة من قبيل: «هل المغرب كما هو اليوم، أو كما أراده محمد السادس أن يكون، قادر على مواجهة التحديات التي يخبئها له المستقبل؟»، مبرّرا تساؤلاته هذه بالجمود السياسي الذي قال إنه بيّن، «وشباب استنفد صبره، وأزمة اجتماعية لا تزيد التفاوتات الصارخة إلا عمقا، ورشوة مستشرية تقوي التطرف الديني، ثم مشكل الصحراء الذي مازال عالقا». ملك المفاجآت حمل الكتاب طريقة جديدة في تناول حياة الملوك المغاربة، من خلال التركيز على الأحداث والوقائع والقصص التي تعكس الأسلوب الخاص للملك وملامح شخصيته التي تفسّر وتوضّح طريقته في الاشتغال والحكم واتخاذ القرارات. الصحافي الفرنسي الذي اشتهر بكتابته عن حياة الملك الراحل الحسن الثاني، قال في تقديمه للكتاب الجديد إن وصول الملك محمد السادس إلى الحكم صاحبته آمال كبيرة للمغاربة، خاصة الشباب الحالمين بالتغيير. والصحفي المغربي عمر بروكسي، حسب جيل بيرو، قام برسم بروفايل «عادل» وغني بالمعلومات عن الملك، باعتباره ذلك الشاب المتواضع الخجول الذي لم يكن على علاقة ود كبير بوالده الملك الراحل الحسن الثاني، لكن وبمرور السنوات -يقول جيل بيرو في مقدمة الكتاب- تكرّست، في مقابل صورة «ملك الفقراء» التي التصقت بالملك في سنوات حكمه الأولى، صور من قبيل الملك الغني بفعل استمرار تنامي ما اعتبره ثروة ملكية، واستمرّ الدور المركزي للمؤسسة الملكية في المجال السياسي المغربي، رغم التغييرات التي أعقبت ظهور حركة 20 فبراير، حيث بقي الملك، حسب بيرو، متحكما في السلطة التشريعية من خلال ترؤسه المجلس الوزاري، وفي السلطة القضائية من خلال ترؤسه المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما حافظ البرتوكول الملكي على طقوسه العتيقة في الظهور وتجديد البيعة في حفل مثير ينظم سنويا بمناسبة عيد العرش. أسلوب الملك محمد السادس في الحكم ظل، حسب الكتاب الجديد، ثابتا رغم الفوارق الاجتماعية والفساد المنتشر في أوصال البلاد، «فمحمد السادس مازال، في أعين شريحة من الشعب، ذلك الخليفة المصلح المحاط بالحاشية الفاسدة، هنا يكمن أحد أكبر ألغاز هذا الملك الذي استطاع، في سياق دفاعه عن المؤسسة الملكية، إظهار قدرة كبيرة على التأقلم، دون أن يمس بالسلطة الشخصية التي يتمتع بها منذ 15 سنة». وجه آخر للملك محمد السادس تكشفه اللقاءات المصغّرة، وتلك التي تتم بعيدا عن الأضواء. وجه قال الكتاب إنه يفاجئ كل من يلتقون به. «في يونيو من العام 2000، جرى لقاء بين الملك محمد السادس ووزيرة الخارجية الأمريكية حينها، مادلين أولبرايت، في القصر الملكي بالرباط. وداخل القاعة التي كان اللقاء سيجري بها، كانت الوزيرة الأمريكية تتأمل صورة كبيرة للملك الراحل الحسن الثاني معلقة على الجدار، حين دخل الملك محمد السادس بملامح تجمع بين الانزعاج والابتسام، وقال لها: «أنا هنا الآن…». مسؤول دبلوماسي أمريكي عمل بالرباط، قال لمؤلف الكتاب إن من الخطأ الاستهانة بمحمد السادس، ودليله أن الوزيرة الأمريكية خرجت من ذلك اللقاء وهي تحت وقع المفاجأة، «حيث كان الملك يتحدث لغة إنجليزية سليمة، ويبدي معرفة كبيرة بالملفات، وكان شديد الارتياح». مشهد يدل على درجة الارتياح الكبيرة التي يبديها الملك في اللقاءات المصغرة، وهو ما يؤكده وزير مغربي سابق، حين قال -طالبا عدم ذكر اسمه- إن «كل الذين كانت لهم فرصة التعامل معه يخرجون بهذه الفكرة». وزير الخارجية والتعاون السابق، سعد الدين العثماني، يحكي بدوره قصة لقائه الأول بالملك محمد السادس، مؤكدا فكرة التلقائية أثناء اللقاء والخروج منه بارتياح. «التقيته في شتنبر من العام 2007 بصفتي الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وحدث ذلك بالقصر الملكي بالرباط غداة الانتخابات التشريعية ل7 شتنبر من تلك السنة. دام اللقاء بيننا عشرين دقيقة، وأول انطباع تشكّل لدي هو أن الأمر يتعلق بشخص يعرف كيف يجعلك مرتاحا». وعن أهم ما دار بينه وبين الملك محمد السادس في هذا اللقاء، قال العثماني إن الملك أراد معرفة ما إن كانت للحزب طلبات معينة، فعبّرت له عن الأمل في أن يتعامل معنا الإعلام العمومي بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع باقي الأحزاب. وبينما كنت أتحدث، كان ينصت بإمعان، ويسجل رؤوس أقلام في بعض الأحيان». استثناءات عزلة طويلة لم يجد صاحب كتاب «ابن صديقنا الملك» صعوبة في إثبات كيف أن الملك الراحل الحسن الثاني أبقى ولي عهده بعيدا عن الخوض في الشأن السياسي إلى آخر أيامه. ويكاد يكون الاستثناء الوحيد لهذا الإبعاد، ما حكاه الكتاب من تفاصيل اللقاء الذي جمع ولي العهد بقياديين من جبهة البوليساريو. ففي العام 1996، كلّف الملك الراحل الحسن الثاني ولي عهده بمهمة شديدة الحساسية، وهي لقاء وفد عن قيادة الوليساريو، يتقدمه البشير مصطفى السيد، شقيق مؤسس الجبهة الانفصالية. اللقاء الذي فوّضه الملك لولي عهده بسبب حالته الصحية المتدهورة، سيشهد إثارة فكرة الاستقلال بشكل مباشر، حيث قال رئيس الوفد للأمير إن الجبهة على استعداد للعمل إلى جانب المغرب، وذلك من خلال «استقلال في إطار الترابط»، أي أن الجبهة كانت تطرح فكرة استقلال الصحراء مع اندماج دول المنطقة في اتحاد مغاربي يلغي أهمية الحدود. «لا أملك الصلاحيات التي تسمح لي بنطق كلمة الاستقلال»، قال ولي العهد حينها، مضيفا: «أنا أعرف مشاكلكم، لكن عليكم بدوركم أن تفهموا حقيقة بلادنا، لقد تحدثنا بالأمس عن الجهة، لكن من لا يملك شيئا لا يستطيع منحه، وبالتالي لا يمكنني الحديث عن الاستقلال…». مهمة شديدة الأهمية والحساسية، كانت بمثابة الاستثناء في قاعدة عنوانها إبعاد الحسن الثاني لولي عهده بشكل شبه تام عن الساحة السياسية. من جانبه، مكث ولي العهد في عزلته هذه منتظرا «قدوم ساعته»، حسب تعبير الكتاب، الذي أوضح أن تعيينه منسقا عاما لمكاتب القوات المسلحة الملكية في سن 22 سنة، جعله منذ ذلك الحين يقضي جل وقته بمكتبه داخل القيادة العليا للجيش بالرباط، «ومكّنه هذا المنصب من أن يتابع عن قرب الوضع الإداري الداخلي للقوات المسلحة الملكية، والوضع الاجتماعي لجل الضباط الكبار للجيش المغربي». جذور هذا الجفاء بين الملك وولي عهده تعود إلى وقت مبكّر، ففي يوم مشمس من العام 1980، كان الملك الراحل الحسن الثاني يمارس هوايته الرياضية المتمثلة في لعبة الغولف، متنقلا بين حفر الغولف الملكي الموجود غير بعيد عن العاصمة الرباط. صاحب الكتاب يحرص على توضيح الوظيفة التي كانت هذه الهواية تضطلع بها في حياة الحسن الثاني، حيث لم تكن مجرد ممارسة للرياضة، بل طريقة في دراسة الملفات واتخاذ القرارات. ثم يتابع سرد تفاصيل ما وقع في ذلك اليوم، حيث حضر مدير المدرسة المولوية، المثقف الذي سيصبح عميدا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في عهد محمد السادس، وبنبرة أبوية وانطلاقا من شعور بالمسؤولية، خاطب شفيق الحسن الثاني داعيا إياه إلى إيلاء اهتمام أكبر لولي عهده. «ولي العهد يا جلالة الملك يحتاج إلى أن تكونوا أكثر قربا منه، ففي سن 17 لا يمكن لحضور قوي من جانب الأب إلا أن يفيده في نموه وتطوره». جرأة كبيرة من جانب المثقف الكبير لم تجد متسعا في صدر الحسن الثاني، حيث وبمجرد انصرافه، أمر الملك أحد مستشاريه بالبحث عن مدير جديد للمعهد المولوي. أي دور لعبته فرنسا في خطة الملك لمواجهة الربيع العربي؟ في الوقت الذي يؤكّد فيه مؤلف كتاب «ابن صديقنا الملك» أنه شرع في الاشتغال على كتابه سنتين على الأقل قبل انطلاق الربيع العربي، تعتبر المعطيات المتعلّقة بتعاطي المغرب مع نصيبه من موجة الثورات الشعبية الأكثر إثارة وجدّة ضمن أكثر من 200 صفحة التي يتضمّنها الكتاب. وبحكم اشتغاله في مكتب وكالة الأنباء الفرنسية بالرباط، كشف عمر بروكسي عن كمّ هائل من أسرار العلاقات المغربية-الفرنسية خلال تلك المرحلة الحرجة. فأياما قليلة بعد خروج أولى مظاهرات حركة 20 فبراير، يسجّل الكتاب كيف سارع الملك محمد السادس إلى الانتقال إلى العاصمة الفرنسية باريس، والاجتماع بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وداخل قصر الإليزيه، حثه ساركوزي على الإسراع بإعلان «تغييرات» سياسية، مؤكدا له الدعم السياسي الفرنسي. مصدر دبلوماسي فرنسي أوضح لصاحب الكتاب أن ساركوزي أكد لملك المغرب حرص فرنسا على استقرار المملكة، وأن الأزمة الإقليمية تفرض على الأقل إعلان بعض «الإصلاحات». يواصل الكتاب الجديد سرده تفاصيل تلك الأيام الحاسمة، بالقول إنه بعد إقامة الملك بضعة أيام في مدينة بيتر الفرنسية، عاد إلى المغرب وألقى خطاب 9 مارس الشهير. وفي مقابل الإصلاحات السياسية والدستورية التي حملها ذلك الخطاب، وما أعقبه من مشاورات واستفتاء حول الدستور الجديد، يقول بروكسي إن خيبة كبيرة أصابت بعض الذين حلموا بالتغيير على شاكلة ما حدث في إسبانيا من تحول ديمقراطي على يد الملكية. أهم الأسرار التي يكشفها الكتاب الجديد تتعلّق بالدور الذي لعبته فرنسا في خروج المغرب من قلب العاصفة، حيث قال إنها وظّفت في المراحل الأولى كل وسائلها الدبلوماسية لجمع المعلومات حول حركة 20 فبراير ومكوناتها وحجمها الحقيقي وسقف مطالبها. والهدف الأول والأخير لهذه التحركات الدبلوماسية الفرنسية كان، حسب الكتاب، هو حماية الملكية وضمان استقرارها في تأكيد لاستمرار التحالف الاستراتيجي الذي يجمع الطرفين. ومباشرة بعد إلقاء الملك خطاب 9 مارس الشهير، الذي قضى فترة إعداد وصفته في فرنسا، دعت السفارة الفرنسية بالرباط شابين ينتميان إلى حركة 20 فبراير إلى غداء أقيم في إقامة السفير الفرنسي حينها، برونو جوبرت. «مسؤول الاتصال بالسفارة الفرنسية، كريم بنشيخ، هو من اتصل بنا، وضرب لنا موعدا أمام مقهى «باليما» بالرباط، حيث جاءت حافلة صغيرة لتقلنا إلى مقر إقامة السفير الواقعة في طريق زعير بضواحي الرباط»، يقول عزيز ادامين، أحد الشابين المدعوين، ثم يضيف: «عندما وصلنا كان الرجل الثاني في السفارة في استقبالنا، وسرعان ما أبلغنا اعتذار السفير بسبب أمر طارئ منعه من الحضور، وأثناء وجبة الغداء، قال لنا المسؤول بالسفارة الفرنسية إنه يريد التعرف على حركة 20 فبراير ومواقفها، لكن خصوصا سقف مطالبها. إجاباتنا كانت واضحة: نحن نريد مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة، وحين طلب منا تحديد سقف مطالبنا، قال له منتصر الساخي (الشاب الثاني)، إنها الملكية البرلمانية». الشابان المنتميان إلى طليعة الشباب الذي خرج للتظاهر في شوارع المغرب حينها، طرحا بدورهما سؤالا على الدبلوماسي الفرنسي، يتعلق بموقف باريس من حركة 20 فبراير، لكنه ظل يتهرّب، «وفي لحظة توقّفت عن الحديث، ونظرت إليه وسألته: ما رأي فرنسا في حركتنا؟ وهنا بدأ في الإفصاح، وقال إن المغرب يشهد تطورا لا يمكن إنكاره، وإن الاستقرار الذي يتمتع به مهم جدا بالنسبة إلى المستثمرين الفرنسيين، وإن هذا الحراك قد يتسبّب في اضطراب يقود إلى المجهول…»، يقول الشاب عزيز، مضيفا أن الدبلوماسي الفرنسي سرعان ما عاد ليطرح أسئلة أخرى. الباحث المتخصص في العلوم السياسية، يوسف بلال، حضر هذا الغداء، وقال لصاحب كتاب «ابن صديقنا الملك»، إنه يتذكّر كيف استغلّ الدبلوماسيون الفرنسيون جدّية الشبان المغاربة، وإنهم فعلوا كل ما يستطيعون خلال ذلك اللقاء لضرب مصداقية جماعة العدل والإحسان وأحزاب اليسار الراديكالي في أعين الشابين الحاضرين، «هذان التياران قدّما من طرف الدبلوماسيين الفرنسيين على أنهما خطر يهدد المغرب والملكية، وواجب التحفظ الذي يجب على الدبلوماسيين الالتزام به تم تجاوزه بطريقة صارخة أمام أعيننا». لحظة أخرى من لحظات الانخراط الفرنسي الكبير في مراقبة الحراك المغربي، يرصدها الكتاب عقب مظاهرات 20 مارس 2011. كانت حركة 20 فبراير قد قدّرت عدد المشاركين في تلك المسيرات بعشرات الآلاف، فيما قالت الشرطة المغربية إنه حوالي 5000. «وفي مساء ذلك اليوم، دعا السفير الفرنسي، برونو جوبرت، صحافيين فرنسيين إلى العشاء بمقر إقامته. وأثناء العشاء، سأل السفير أحد الصحافيين الفرنسيين، بطريقة ساخرة تنم عن الاحتقار، حول تقديره لعدد المتظاهرين وما إن كانوا 3000، ليردّ الصحافي الفرنسي مستنكرا كيف أن الشرطة المغربية نفسها قالت إنهم 5000، داعيا السفير إلى ألا يكون ملكيا أكثر من الملك. هكذا عاش اليوسفي أصعب 10 دقائق مع الملك كان الوزير الأول الاتحادي، عبد الرحمان اليوسفي، حريصا على فعل كل ما يمكن أن يساعده في إقناع الملك بضرورة تجديد تعيينه بعد انتخابات 2002، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرارات من قبيل منع مجلة «لوجورنال» بعد إقدامها على نشر رسالة الفقيه البصري الشهيرة. وبعد إجراء أول استحقاق انتخابي في عهد الملك الشاب، يروي كتاب «ابن صديقنا الملك» كيف تلقى اليوسفي استدعاء من القصر الملكي، يوم 2 أكتوبر، انتقل على إثره إلى مراكش حيث تقرر أن يجري الاستقبال. قياديو حزب الوردة كانوا، حسب مؤلف الكتاب، واثقين من تجديد الثقة في كاتبهم الأول، خاصة أنهم احتلوا المرتبة الأولى في الانتخابات. «مرتديا لباسه التقليدي الرسمي، انتقل اليوسفي بعد زوال تلك الجمعة إلى المدينة الحمراء، ليتلقى الصدمة القوية منذ الوهلة الأولى للقائه بالملك. مقرّب من الزعيم الاتحادي السابق، قال إن اللقاء لم يدم أكثر من 10 دقائق، ودشّنه الملك بإخبار اليوسفي مباشرة بقراره تعيين إدريس جطو وزيرا أول». المصدر الذي تحدث إلى صاحب الكتاب وصف شدة الصدمة التي تلقاها اليوسفي بالقول إن قدميه لم تعودا قادرتين على حمله، لكنه رد رغم ذلك وقال: «لكن يا جلالة الملك هذا القرار مخالف للمنهجية الديمقراطية»، ليجيب الملك بالقول إنه علم بكون اليوسفي لم يعد مهتما بمنصب الوزير الأول. العثماني في ورطة الغضبة الملكية على روس من بين المواضيع التي كشف كتاب «ابن صديقنا الملك» تفاصيل مثيرة عنها، موضوع العلاقة بين المغرب والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، كريستوفر روس. هذا الأخير كان قد دخل في اصطدام غير مسبوق مع المملكة، بعد تقرير قدّمه للأمم المتحدة عام 2012، وطرح فيه أفكارا وتصورات تمس بمصالح المغرب في ملف سيادي مثل ملف الصحراء. مقرّبون من الملك حكوا لصاحب الكتاب كيف تسبّب التقرير في غضبة ملكية شديدة، «وأمام مستشاريه، خاصة فؤاد عالي الهمة ووزير الخارجية السابق الطيب الفاسي الفهري، أثار الملك إمكانية سحب الثقة من روس. وسرعان ما وصل الحديث عن هذا «الاحتمال» إلى وزير الخارجية حينها، سعد الدين العثماني، ليجد نفسه في وضع جد حرج، قبل أن يأتيه الأمر الملكي بالذهاب إلى واشنطن وفتح ملف تغيير روس مع الأمريكيين. الصدمة كانت أن العثماني لم يُستقبل من طرف نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون، ليتولى أحد مساعديها مهمة الاعتراض على الفكرة التي جاء بها الوزير المغربي. اعتراض آخر عبّرت عنه منظمة الأممالمتحدة من خلال تأكيد تشبّثها بروس ممثلا لأمينها العام في ملف الصحراء، لينتهي الأمر بعودة الدبلوماسي الأمريكي إلى ممارسة وساطته القائمة على إشراك سكان الأقاليم الصحراوية في النقاشات الممهدة لحل سياسي. في معرض سرده لتفاصيل وكواليس القرار الذي كان المغرب قد اتخذه عام 2012، والقاضي بسحب الثقة من المبعوث الأممي في ملف الصحراء، الأمريكي كريستوفر روس، أورد صاحب الكتاب ما قال إنه مضمون وثيقة دبلوماسية فرنسية، تحكي ما دار بين روس ودبلوماسيين فرنسيين. روس قال خلال هذا اللقاء، منتقدا المسؤولين المغاربة، إنهم يتصرفون كما لو أن هذا الإقليم ليس موضوع نزاع دولي. «وهم يقومون بوضع العصا في العجلة كلما أقدمت على مبادرة، وعندما عينتني الأممالمتحدة عام 2009 لتولي هذا الملف، قال لي أحد أصدقائي مازحا، إنه وبالنظر للجمود الذي يعرفه هذا الملف، فإنني سأحصل على الوقت الكافي لكي أرتاح. لكن ما لم يكن يعرفه، هو أنني لم أتول هذه المهمة لنيل الراحة». أوريد صديق دون نفوذ اعتمد صاحب كتاب «ابن صديقنا الملك» كثيرا على جنس «البورتريه» في نسج خيوط المؤلَّف الجديد. وخصّ رجالات قصر محمد السادس بلوحات ترسم ملامح شخصياتهم وتفاصيل قصصهم مع أقوى موقع للسلطة في المملكة. ومن بين الذين توقف عندهم كثيرا، الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، حسن أوريد، الذي قبل الإدلاء بشهادته لصاحب الكتاب. «دون أن يكون ثائرا، يبدو حسن أوريد كشخصية مختلفة قليلا عن الآخرين، فهو يلقّب بمثقّف القصر، وبينما كان يفضّل أن ينادى ب«المثقّف داخل القصر»، انتهى به الأمر اليوم كمثقف خارج القصر»، يقول صاحب الكتاب. إلى جانب ميوله الثقافية، يقول الكتاب إن من بين ما يميّز أوريد، مقارنة بفؤاد عالي الهمة وياسين المنصوري، أنه لم يبدأ مساره المهني في وزارة الداخلية كما فعلا، بل كانت وجهته وزارة الخارجية. لكن هذه التجربة انتهت بخيبة كبيرة، حيث لم يتأقلم مع الأجواء السائدة في هذه الوزارة، سواء حين كان في مصالحها المركزية أو حين انتقل إلى سفارة واشنطن، المحطة التي دخل فيها في حرب ضروس مع السفير حينها، محمد بنعيسى. مصاعب سوف تنتهي سنة 1999، حيث عيّن ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، لكن ذلك التعيين لم يغيّر من وضعه، باعتباره رجلا ذا نفوذ داخل البلاط، وبقي مُبعدا عن دوائر القرار. المهمة الوحيدة التي يبدو أن هذا المنتمي إلى كوكبة زملاء دراسة الملك كلّف بها، كانت محاورة قيادة جماعة العدل والإحسان، وفتح قناة للنقاش مع نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، لكن سرعان ما بدأت رحلة الخروج من الباب الضيّق، حيث خرج أوريد من القصر الملكي ليعيّن واليا على مكناس، بمهمة أساسية هي مواجهة المد الإسلامي فيها بقيادة رجل أعمال اسمه أبو بكر بلكورة ابتداء من العام 2005، ثم سرعان ما عاد لمجاورة البلاط من خلال مهمة مؤرّخ المملكة سنة 2009. ورغم أنه لم يمكث طويلا في هذا المنصب، وفترات عبور الصحراء الكثيرة التي مرّ منها، يقول صاحب الكتاب إن حسن أوريد ظلّ في مساره مرتبطا بالقصر الملكي، والرغبة في «خدمة الأمير» ظلّت تسكنه إلى جانب الرغبة في الظهور كمثقف ثائر. استنطاق الوزير بنعبد الله إذا كان الملك الراحل الحسن الثاني قد اعتبر الوزراء مجرد مساعدين له في وظيفة الحكم، فإن خليفته الملك محمد السادس لم يخرج عن هذه القاعدة. الدليل الذي يسوقه الكتاب يتمثل في الواقعة التي جرت مع وزير الاتصال السابق، وزير الإسكان والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية حاليا، نبيل بنعبد الله. هذا الأخير كان، حسب رواية الكتاب، ضحية تسرّب شخصين مجهولين إلى حفل العشاء الرسمي الذي أقامه الأمير مولاي رشيد في إطار مهرجان مراكش للسينما عام 2009، إلى درجة أن المتسللين وصلا إلى مائدة جلوس بنعبد الله وتبادلا معه الحديث. الحادث تسبب في حالة استنفار أمني كبير، خاصة أن الملك حضر شخصيا افتتاح هذا العشاء، مصحوبا بزوجته الأميرة للا سلمى وابنتهما الأميرة للا خديجة. إلى جانب اعتقال المتسللين إلى داخل إقامة الأمير مولاي رشيد اللذين اقتربا من القاعة المخصصة للأسرة الملكية، سوف يقوم أحد مسؤولي الأمن الملكي بإخضاع الوزير بنعبد الله للاستنطاق، ما دفعه إلى نفي «التهمة» عن نفسه، مؤكدا أنه لا يعرف المتسللين ولا علاقة له بهما. ضباط البصري الذين تجسسوا على محمد السادس رغم أن طبيعة علاقة الملك محمد السادس بوزير داخلية والده الراحل الحسن الثاني، ليست سرّا بحكم طابعها المتشنّج على طول الخط، إلا أن الكتاب الجديد كشف تفاصيل مثيرة تفسّر أسباب وخلفيات هذا التشنّج. حيث نقل الكتاب الجديد تفاصيل واقعة يقول إنها وردت على لسان مسؤول سابق بوزارة الداخلية أحيل على التقاعد، وتؤكد علاقة الصراع التي كانت تدور بين ولي العهد سيدي محمد ووزير الداخلية الراحل إدريس البصري. هذا الأخير، حسب الرواية، كان قد أخبر الملك الراحل بأن ولي عهده تعرض لحادثة سير بسبب إفراطه في السرعة، وهو ما جرّ عليه غضبا وعتابا قويين. «جلالتكم يصدقون وزير الداخلية على حساب ولي العهد»، يقول الأمير حسب هذه الرواية، ليجيبه الحسن الثاني: «طبعا، وذلك لأنه وزيري في الداخلية، أنا من عيّنه ولا يمكن إلا أن أصدّقه، وإن لم أفعل فإن ذلك يعني أن اختياري لم يكن موفقا. حين يصبح لك وزير داخليتك افعل به ما تشاء، وحينها فقط ستعرف لماذا لا يمكنني أن أصدقك الآن». مهمة المخبر الأول التي كان الملك الراحل الحسن الثاني يسندها إلى وزير داخليته إدريس البصري، كانت تمتد لتشمل مراقبة ولي العهد نفسه وإحصاء حركاته وسكناته. أكثر من ذلك، حسب الكتاب، كان البصري يتوفر على بطاقة بيضاء «carte blanche» بخصوص ولي العهد، لتشمل مهمة مراقبة الحياة الخاصة للأمير بكل تفاصيلها. هذا الوضع جعل علاقة البصري بولي عهد الحسن الثاني شديدة التوتر، وبلغ هذا التشنج ذروته في السنتين الأخيرتين من حياة الملك الراحل، حيث أصبح هذا الأخير شديد الاهتمام بمراقبة ولي عهده، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عنه وعن أصدقائه. ويكشف الكتاب أسماء الأمنيين الذين كان البصري يكلفهم بمهمة التجسس على ولي العهد، وبالدرجة الأولى، المسؤول داخل مدير مراقبة التراب الوطني، برتبة والي أمن. هذا الرجل كان، حسب الكتاب، يتمتع بشخصية قوية، إلى درجة أنه رفض الاضطلاع بهذه المهمة حين طلبها منه البصري، مصرا على تلقي الأمر من الملك شخصيا. هذا الأخير، وبعدما كلف السوسي بمراقبة ولي العهد، حرص على بث شائعة مفادها أنه كلّف أجهزة أخرى بالمهمة نفسها، وفاء منه لأسلوبه القائم على دفع الأجهزة إلى التنافس والشعور بوجود أعين أخرى تزاحمها. شخص آخر كلّفه إدريس البصري بهذه المهمة، ويتعلق الأمر، حسب الكتاب، بالمسؤول الأول عن مراقبة الصحافة داخل مديرية مراقبة التراب الوطني. هذا الأخير كان، حسب مصادر صاحب الكتاب، يقود كتيبة من «الصحافيين الجواسيس»، وهم أعضاء في هيئات التحرير وظيفتهم تدبيج التقارير ورفعها إلى الأجهزة الأمنية مقابل تعويضات مادية. قصة ابتزاز ساركوزي للمغرب في صفقة «TGV» كشف الكتاب الجديد «ابن صديقنا الملك» تفاصيل صفقة إقامة قطار «تي جي في»، التي أبرمها المغرب مع فرنسا، معتبرا أنها نموذج يبيّن كيف أن العلاقات الشخصية تسمو فوق المؤسساتية. وبدأت القصة، حسب مؤلف الكتاب، خلال زيارة الملك محمد السادس لفرنسا عام 2005، حيث عبّر خلال تلك الزيارة للرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، عن رغبة المغرب في الحصول على طائرات ميراج العسكرية الفرنسية، وذلك بعد إبرام الجزائر صفقة للحصول على طائرات عسكرية فرنسية، فيما كانت شركة «داسو» الفرنسية قد قررت التوقف عن إنتاج طائرات ميراج وتعويضها بطائرات رافال. واستمرارا للمشاورات حول هذه الصفقة، سوف يقترح الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2007 تمويلا فرنسيا كاملا لصفقة اقتناء المغرب طائرات رافال، قبل أن يصدمه المغرب بقرار اقتناء طائرات إف16 الأمريكية. «قرار أثار غضب ساركوزي الشديد، ليعلن أنه لن يضع قدميه في المغرب ما لم تكن هناك صفقة للتوقيع». شهورا قليلة بعد هذا الغضب الفرنسي، سوف «يضع ساركوزي قدميه بالمغرب»، وتحديدا في أكتوبر 2007، وذلك للتوقيع على صفقة إنجاز قطار فائق السرعة بالمغرب. «وبالفعل، تم التوقيع على الصفقة مع شركة «الستوم» الفرنسية، بدون طلب عروض ولا مصادقة أمام البرلمان، علما أن الصفقة كلّفت المغرب قرابة 3 ملايير دولار عبارة عن قروض». الطوزي: اجتمعنا في فيلا معتصم ولم نكن نعرف أننا لجنة مكلفة بإصلاح الدستور الشق المغربي-المغربي من تدبير لحظة الربيع العربي، خصّه عمر بروكسي بكشف أسرار جديدة وغير مسبوقة تتعلّق بكيفية تشكيل اللجنة التي أوكل إليها الملك صياغة الدستور الجديد. وفي شهادة أدلى بها لصاحب الكتاب، كشف أستاذ العلوم السياسية وأحد أعضاء اللجنة التي قامت بصياغة الدستور الحالي، محمد الطوزي، خفايا تشكيل تلك اللجنة. الطوزي روى كيف أن جميع أعضاء اللجنة، بمن فيهم رئيسها عبد اللطيف المنوني، تلقوا اتصالا يطلب منهم الانتقال العاجل إلى فيلا المستشار الملكي محمد معتصم، دون أن يعرفوا سبب هذه الدعوة، وهناك في الفيلا الواقعة بحي السويسي الراقي، سيستمع أعضاء لجنة المنوني جميعا إلى الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011، وهم لا يعرفون أنهم سيكونون مطالبين بصياغة الدستور الجديد. «تلقيت اتصالا هاتفيا من المستشار الملكي محمد معتصم يومين قبل ذلك التاريخ، وكنت حينها في مكتبي بمعهد الدراسات السياسية بفرنسا… ركبت الطائرة في يوم 9 مارس في اتجاه الدارالبيضاء، وبعدما جلب لي أحدهم سيارتي إلى المطار. بدأت أستمع إلى الخطاب الملكي وأنا في الطريق إلى الرباط، فوجدته خطابا مهما جدا، وشعرت بأن دينامية تغيير قد انطلقت». كان الطوزي على موعد مع المستشار الملكي ببيته الموجود في حي السويسي بالرباط، «وصلت حين شارف الخطاب الملكي على النهاية، فوجدت جميع أعضاء لجنة صياغة الدستور، بمن فيهم الأستاذ المنوني، هناك، ولم يكن أي منهم يعرف ماذا يقع. وبعد إنهاء الخطاب، توجه معتصم إلى الحاضرين وقال لهم: أيها السادة والسيدات، أنتم أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بإصلاح الدستور. وأوضح أن هذا الإصلاح يحب أن يتم في إطار ما جاء في الخطاب الملكي، وأن الملك سيستقبلنا في اليوم الموالي». الشهادة التي أدلى بها محمد الطوزي لمؤلف الكتاب الجديد، كشفت بعض المعطيات الجديدة في عمل لجنة عبد اللطيف المنوني التي قامت بصياغة الدستور الجديد. الطوزي كشف بعض الخلافات التي كانت تعرفها اللجنة، بين ما وصفه ب«المعسكرات». ففي مقابل تعسكر بعض الطامحين في اتجاه رفع سقف الإصلاح ونقل صلاحيات واسعة من المجال الملكي إلى المجالين الحكومي والبرلماني، كان هناك معسكر آخر يدافع عن احتفاظ الملكية بجل الصلاحيات. ومن بين النقط التي قال الطوزي إن خلافا كبيرا وقع حولها، تلك الخاصة بما إن كان الملك يستطيع إقالة الحكومة أم تجنب ذلك وتخويله فقط صلاحية إقالة بعض وزرائها. وفي سياق حديثه، كشف الطوزي أن إحدى عضوات اللجنة التي قال إنها قاضية، مثّلت هذا المعسكر المحافظ. لائحة اعضاء لجنة عبد اللطيف المنوني لم تكن تضم إلا قاضية واحدة، هي زينب الطالبي، الملحقة بالأمانة العامة للحكومة. أزولاي للجامعي: عليكم أن تكتبوا «جلالة الملك» أدوار كبيرة تلك التي كشف الكتاب الجديد عن اضطلاع المستشار الملكي، أندري أزولاي، بها خلال السنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس، خاصة في تدبير علاقة القصر بالصحافة. ويتوقّف الكتاب كثيرا عند طريقة تدبير أزولاي للموقف بعد نشر لوجورنال رسالة الفقيه البصري إلى قياديي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث قرر المحيطون بالملك، وفي مقدّمتهم أزولاي، استثمار الوقع القوي للوثيقة، «للقول إنه إذا كان الحسن الثاني مسؤولا عن سنوات الرصاص ومعتقل مثل تازمامارت وأماكن الاحتجاز السري، فإن معارضيه لم يكونوا ملائكة، بل لديهم أيضا ماضيهم ومناطق ظل خاصة بهم». وعاد الكتاب إلى تفاصيل الزلزال الذي كانت رسالة الراحل الفقيه البصري إلى قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي، بشأن التنسيق مع الجنرال أوفقير لإسقاط النظام، قد خلّفته في بدايات حكم الملك محمد السادس. قرار منع مجلة «لوجورنال» بعد إقدامها على نشر هذه الرسالة، ينسبه الكتاب بشكل كامل إلى المستشار الملكي أندري أزولاي. هذا الأخير وبعدما أشار على الملك بضرورة «ضرب عصفورين بحجر واحد»، أي منع المجلة وتحميل اليوسفي مسؤولية هذا القرار، انتقل إلى مكتب الوزير الأول الاتحادي حينها، ودار بينهما هذا الحوار، الذي رواه لصاحب الكتاب الحقوقي عبد العزيز النويضي، مستشار اليوسفي حينها: «هذه الرسالة أضرّت كثيرا بجلالة الملك وبشخصيات يكن لها إعجابا وتقديرا كبيرين تعتبرون أنتم، السيد اليوسفي، واحدا منها، وجلالة الملك يريد التعاون معكم في جو من الثقة المتبادلة». عبارات تمهيدية، أعقبها كشف أزولاي عن ضرورة قيام اليوسفي بإصدار قرار منع «لوجورنال». حكاية أخرى حول تدبير أزولاي علاقة القصر بالصحافة في السنوات الأولى لحكم محمد السادس، يوردها الكتاب على لسان الصحافي أبو بكر الجامعي. هذا الأخير يحكي كيف استدعي بشكل عاجل صيف العام 1999 في عزّ عملية «البوكلاج» (إغلاق أحد أعداد المجلة)، ليلتحق بأزولاي بمكتبه بالقصر الملكي. «قال لي إن الأمر يتعلّق بموضوع شديد الأهمية، فذهبت رفقة فاضل العراقي وعلي عمار، اللذين بقيا في السيارة داخل مرآب القصر فيما التحقت بمكتب أزولاي. أثناء حديثي إلى هذا الأخير، مرّ حسن أوريد بالصدفة وهو الذي عيّن حديثا ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، فسألني: «ماذا تفعل هنا؟»، فأخبرته بأن أزولاي يريد التحدث إلي في موضوع مهم». واصل الجامعي سرده وكشف كيف بقي أوريد مع الرجلين، ليشرع المستشار الملكي في الحديث إلى الصحافي الشاب حول المخزن. «نعم أزولاي، الوجه الحداثي للديوان الملكي، حدّثني عن مركزية وأهمية المخزن. وقال لي: احذر، إنكم حين تهاجمون المخزن فإنكم تهاجمون المغاربة. كنت أعرف أن الديوان الملكي مليء بالميكروفونات، وأن أزولاي لم يكن يتحدث إلي بل يتحدث من خلالي. لكن الغريب هو أن أوريد انخرط بدوره في هذا الحديث، وقال لي: «هل تريدون إشعال النار في البلاد؟ هل تريدون أن يتحول المغرب إلى جزائر؟»، وكان ذلك بالنسبة إلي صفعة قوية». وفي نهاية اللقاء، قال أزولاي، حسب رواية الجامعي في كتاب عمر بروكسي، إن على صحافيي «لوجورنال» أن يكفوا عن كتابة كلمة «الملك» دون أن تسبقها عبارة «صاحب الجلالة»، وهو ما سارع الجامعي إلى إبلاغه إلى زميليه في المجلة المنتظرين في مرآب القصر، معلّقا على ذلك بالقول إن هؤلاء الأشخاص لن يقوموا بأي إصلاح. أحيزون: ألو.. أوقفوا الموقع الإلكتروني للانتخابات في سياق رسم مسار المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، وقصة صعوده من منطقة الرحامنة الفقيرة إلى قمة هرم السلطة باعتباره الشخص المغربي الوحيد الذي تحدّث الملك عنه رسميا في رسالة تعزيته بعد وفاة والده واصفا إياه ب«الصديق»؛ كشف عمر بروكسي في كتابه الجديد تفاصيل مثيرة عن طريقة تدبير انتخابات 2002، خاصة الشق التقني منها الخاص بإعلان نتائجها. ففيما كانت شركة «مايكروسوفت» قد فازت بصفقة إحداث موقع إلكتروني يكشف النتائج أولا بأول بشكل فوري بمجرد إدخال المعطيات الرقمية لكل مكتب، حدث تدخّل غيّر مسار الأحداث عشية موعد الانتخابات. «كل شيء يجب أن يتم بطريقة جماعية»، ينقل صاحب الكتاب عن الهمة في أحد اجتماعات وزارة الداخلية التي كان شغل منصب وزيرها المنتدب، في إشارة منه إلى نزع حصرية التدخل في ملف الانتخابات من الوالي محمد الإبراهيمي. «كل شيء تغير في ذلك اليوم، 5 شتنبر 2002، حين جاء الهمة رفقة فريق من الأشخاص الغرباء عن وزارة الداخلية، من بينهم سميرة سيتايل مديرة الأخبار في القناة الثانية، وفيصل العرايشي المدير العام للقطب العمومي، وعبد السلام أحيزون المدير العام لشركة اتصالات المغرب». سبب زيارة هذا الفريق، رفقة الهمة، لمقر وزارة الداخلية، لن يتبيّن إلا بعد أكثر من عشرين يوما، حيث استدعي الإبراهيمي والمهندسون المشرفون على الموقع المخصص لإعلان نتائج الانتخابات على عجل، ليقفوا أمام الهمة الذي جاء رفقة مدير المخابرات، الجنرال حميدو العنيكري، ومدير شركة اتصالات المغرب، عبد السلام أحيزون. مهندسو الوزارة تلقوا صدمة إخبارهم بأن النظام الذي اعتمدوه ليس محميا بشكل كاف، ليقرّر الوزير المنتدب في الداخلية لحظتها إيقاف الموقع الإلكتروني الذي كان يهدّد بكشف اكتساح إسلامي غير متحكّم فيه لتلك الانتخابات. «ساد صمت مطبق داخل القاعة، وشعرنا بصعوبة في البقاء واقفين من شدة الصدمة التي خلّفها هذا القرار»، يقول أحد مهندسي الداخلية متحدثا لصاحب الكتاب، مضيفا أن شهورا من العمل تبخّرت خلال ثوان معدودة. فيما كانت لحظة الحسم من توقيع المدير العام لشركة اتصالات المغرب، عبد السلام أحيزون، حيث أخرج هاتفه المحمول وركّب رقما هاتفيا ثم قال: «أوقفوا الموقع».