يبدو أن مصر في عهد النظام الذي يقوده المشير عبد الفتاح السيسي، بعد إسقاطه حكم الإخوان المسلمين صيف العام الماضي، يسير في اتجاه استعادة الدور المحوري في النظام الإقليمي العربي على حساب دول أخرى من بينها المغرب. فبعد استثناء المملكة من الاجتماع المهم الذي انعقد يوم الجمعة الماضي بمدينة جدة بالسعودية، وتأكد غياب المغرب عن مؤتمر باريس حول الوضع في العراق الذي ينعقد اليوم؛ وفي اليوم نفسه الذي حلّ فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ضيفا رسميا على مصر معتبرا إياها العاصمة الفكرية والثقافية للعالم الإسلامي؛ أقدمت المملكة على توقيع اتفاقية مع السلطات المصرية، تنص على تنفيذ مضامين مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في عهد الرئيس المُطاح به حسني مبارك، وتنص على تعاون سلطات البلدين في المجال الديني بما يسمح بمحاربة التطرف والغلو وإشاعة الاعتدال. الطريقة التي تم بها التوقيع على هذا الاتفاق، من خلال تولي السفير المغربي لدى القاهرة، محمد سعد العلمي، هذه المهمة يوم أول أمس السبت، تكشف الطابع الاستثنائي والعاجل لهذه الخطوة، ما يبعث على الربط بينها وبين الإجراءات الأمنية المكثفة التي سارعت عدد من دول العالم إلى اتخاذها تزامنا مع الحرب المعلنة من طرف واشنطن ضد «داعش». وتنص الاتفاقية التي وقّعها عن الجانب المصري، وزير الأوفاق محمد مختار جمعة، على تخصيص منح دراسية للطلبة المصريين لمتابعة دراستهم بالمغرب في إطار مؤسسات متخصصة، سواء بالتعليم العتيق أو بدار الحديث الحسنية التي تعتبر مؤسسة للتكوين الجامعي في المجال الديني، كما تنص الاتفاقية نفسها على تنسيق كل من المغرب ومصر لمواقفهما في المنظمات الدولية بخصوص مختلف القضايا الإسلامية، «والتعاون في وضع مناهج الدعوة على أساس الوسطية لتجفيف منابع الغلو من خلال الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة»، كما تنص الاتفاقية على تبادل الطرفين الكتب والمطبوعات والبحوث الإسلامية والقوانين المتعلقة بالشؤون الدينية والأوقاف، وهو المجال الذي يعتبر المغرب رائدا فيه. الاتفاق الذي لا يخلو من أبعاد استراتيجية، نص كذلك على تبادل مصر والمغرب التجارب والخبرات في مجال إعداد الأئمة والخطباء والمرشدات الدينيات وتأهيلهم الدراسي، وفي مجال إعداد الدراسات والتصاميم وتنفيذ أعمال الصيانة والترميم للمساجد، وهي كلها مجالات تعاون سبق للمغرب في الشهور القليلة الماضية، أن دخل في شراكات مع دول إفريقية وعربية بغية تطويرها و»تأطيرها» بالشكل الذي يمنع تفشي الفكر المتطرّف والإرهاب. كما تزامن الإعلان عن إحياء هذا الاتفاق الذي يعود إلى العام 2009، مع تحولات متسارعة أعقبت اجتماع جدة وجولة جون كيري في المنطقة، وانعقاد مصالحة خليجية تجسدتن أول أمس، أيضا في إعلان قطر دعوتها سبعة من كبار قياديي جماعة الإخوان المسلمين لمغادرة أراضيها. الطابع الاستعجالي لتوقيع هذا الاتفاق تجسّد أيضا في كونه تم في عزّ التحضيرات الجارية لعقد اللجنة العليا المشتركة بين مصر والمغرب، والتي ينتظر أن يترأسها كل من الملك محمد السادس والرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد ثمان سنوات من عدم انعقاد هذه اللجنة. القمة التي أكد وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار انطلاق التحضيرات الممهدة لها، يفترض أن تشهد التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات، سواء منها الاقتصادية أو ذات الطابع السياسي.