اهتزت بلجيكا ومعها الدول الأوروبية على تفجير متحف يهودي ببلجيكا، ما خلف العديد من القتلى. الحدث أعاد طرح السؤال حول خطر العائدين من مناطق الجهاد على الأمن في أوروبا والعالم. نشر المركز الفرنسي حول البحث في الاستخبارات دراسة وقف فيها عند الدور الذي يلعبه عدد من مغاربة تنظيم بلجيكي يدعى «الشريعة 4بلجيكا» في عملية استقطاب الجهاديين حفنة من الأفراد المصممين من شأنها أن تتسبب في حدوث دراما حقيقية، وفي حدوث ذعر واسع النطاق. مجزرة المتحف اليهودي في بروكسيل في يوم 24 ماي 2014 فتحت أعين الأوروبيين على هذه الحقيقة، لكن ماذا لو عاد أولئك الجهاديون الأوروبيون الموجودون الآن في العراقوسوريا، وبدؤوا ينفذون عمليات انتحارية على الأراضي الأوروبية.
المتطوعون الأجانب في سوريا و العراق إن الدولة الإسلامية أو الدولة الإسلامية في العراق و الشام» داعش» هي الحركة الجهادية التي تستقطب متطوعين أجانب حليا. ويعزى سبب ذلك إلى أن «داعش» تشتغل على شاكلة « دولة»- بعد أن فشلت في أن تكون «بلدا»، ومنحت نفسها قدرات تنظيمية لاستقبال واستقطاب و جلب تعزيزات انطلاقا من الخارج، بالموازاة مع تدبير الحياة اليومية للسكان الموجودين تحت سيطرتها. ونتيجة لذلك، أصبحت تضم جنسيات كثيرة و متعددة ، مع تواجد عدد كبير من المغاربيين، وخاصة التونسيين و المغاربة، إضافة إلى السعوديين و الليبيين ومتطوعين من القوقاز وأوروبيين، وأيضا حفنة من الأمريكيين. ومن الصعوبة بمكان الحصول على أرقام صحيحة بخصوص هذه الجنسيات وما تمثله، لاسيما و أن عددا كبيرا من المقاتلين المتطوعين الأجانب لا يقومون إلا برحلة عبور مؤقتة لسوريا و العراق لا تتجاوز بضعة أسابيع أو بالكاد شهرا واحدا. وعلى العكس من ذلك، يبقى آخرون بشكل دائم رفقة زوجاتهم وأطفالهم. وبشكل إجمالي، فقد قام برحلة الجهاد إلى سورياوالعراق 12 ألف أجنبي منذ 2011، 3آلاف منهم يوجدون حاليا في سوريا. لقد تمكنت «داعش» من تطوير مجلة عبر منظمة الدعاية التابعة لها: الحياة ميديا سنتر، تشبه المجلة التي ينشرها تنظيم القاعدة في الجزيرة العربيةislamic state news. ويتضمن العدد الثاني الصادر مؤخرا، إشادة ب «الاستشهاديين»، ومن بينهم الفرنسي «عبد الرحمان الفرنسي»، والألماني «عثمان الألماني»، والليبي «أبو العاصم الليبي»… إلخ من الذين قاموا بتفجير أنفسهم داخل ثلاث قرى مختلفة. وكانت داعش في الماضي تفتخر أنها نفذت عمليات من النوع نفسه، خاصة في العراق باستخدام متطوعين من جميع الجنسيات.وفي النهاية، أصبحت داعش دقيقة بشكل كبير في نشر أشرطة الفيديو على الإنترنيت بإنجاز أشرطة قريبة من الأشرطة الهوليودية. لهذا،قامت بتوظيف مهْنيين مختصين في المونتاج بأجور مرتفعة تستهدف ،بكل وضوح، الشباب الأكثر تقبلا لهذا النوع من الصور. وجهت المأساة التي وقعت في شهر ماي ببروكسيل، مرة أخرى، أصبع الاتهام للظاهرة التي تشكلها الشبكة التي تمكن «داعش» من تجنيد متطوعين أوروبيين للجهاد وتوظيفهم، ذلك أن الخطر الذي يشكله النشطاء العائدون إلى بلدانهم أصبحت تأخذه السلطات الأوربية بعين الاعتبار، كما أن الإجراءات المتخذة تستهدف الزيادة في الأمن مع الإدراك تماما أن الرجة الصفر من»الخطر» غير موجودة.
خطر الانترنيت إن أي شخص في الواقع بإمكانه القيام بعمل إرهابي، والسعي لتنفيذ مجزرة. وإذا قرر القيام بذلك، فإن المرور إلى الفعل يصبح محتوم الوقوع و لا يمكن تجنبه ولا تفاديه، إلا في حالة حدوث معجزة. وهو الشيء الذي حصل في حالة المهدي نموش، المتهم في مجزرة بروكسيل خلال ماي الماضي ،غير أن الأجهزة الأمنية الألمانية لم تكرر الخطأ نفسه مع مشتبه به آخر كان عائدا من سوريا إلى أوروبا عبر برلين، إذ اعتقل توفيق بوعلاق يوم 14 يونيه 2014 بعد نزوله من الطائرة الآتية من إسطنبول، لأن مذكرة الاعتقال الدَّولية الصادرة في شأنه أصدرتها فرنسا يوما من قبل. واليوم تأتي أغلب التهديدات من مقاتلين متطوعين إسلاميين جندوا عبر مواقع الأنترنيت التي أصبحت كثيرة و متعددة، ولكن منظمة واحدة تستخدم بشكل كبير الشبكات الاجتماعية وأسالت الكثير من المداد و هي: «الشريعة4 بلجيكا»، التي تأسست في 3 مارس 2010 قبل أن تحل نفسها يوم 7أكتوبر2012 جراء ضغوط السلطات البلجيكية القوية عليها، غير أن هذه الشبكة الحقيقة أصبحت عالمية: توجد الشريعة4 بالمملكة البريطانية، والشريعة4 بهولندا، والشريعة4بإسبانيا، والشريعة4 بالدنمارك، والشريعة4 بأمريكا،وحتى الشريعة4 بالهند.. وكل هذه التنظيمات تشتغل ووَفق مبدأ واحد:الإسلام هو التعبير الأسمى عن الإنسانية. في البداية، كان الأمر يتعلق بمنظمة انبثقت من حركة السلفيين المهاجرين التي أسسها في بريطانيا «عمر البكري» و «نجم الشديري» في 1986 على شاكلة كل الحالات الأخرى، صدر في حق هذا التنظيم قرار المنع بسبب إشادته بالإرهاب في 2006.
الشريعة للجميع لم يكن الناطق الرسمي لتنظيم»الشريعة4 بلجيكا» سوى فؤاد بلقاسم من أصول مغربية، و الملقب بأبي عمران. يقيم مثل المتطوعين الجهاديين الآخرين في أوروبا. بدأ مساره بارتكاب الجنح الصغيرة، ويوجد اليوم في انتظار صدور حكم في حقه بتهمة التحريض على الكراهية. يعد بلقاسم مهندسا ومخطط الحملة المكثفة للدعاية التي ساعدت أكثر من ثلاثين من الشباب البلجيكي على الرحيل و للتطوع للقتال في سوريا. ومن بينهم عز الدين كبير بونقوب، ملاكم من أنفيرس، الذي كان مقربا من عبد القادر حكيمي، جهادي تاريخي كان ينتمي إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية المسؤولة عن هجمات الدارالبيضاء في 16 ماي 2003 التي خلفت مقتل 45 شخصا، وهجمات مدريد في 2004 التي خلفت مقتل191 شخصا. وقد صدر في حقه حكم بالإعدام في المغرب سنة1980، وعاش مختفيا بهويات مختلفة بالجزائر و ليبيا و تركيا و العربية السعودية و ماليزيا، و كذلك في بوتسوانا، وشارك أيضا في حرب البوسنة، و عاش لفترة في أفغانستان، وقضى عقوبة سجنية مدتها ثماني سنوات ببلجيكا، قبل أن يطلق سراحه في 2011. بعد خروجه من السجن، استقر رفقة زوجته و أبنائه في بروكسيل قبل أن يتوارى، ليظهر في سوريا في منطقة حلب، حيث يتكلف بالشباب الجهادي الأوروبي الفرانكفوني. وتمكنت السلطات الأوروبية، التي أعلنت حالة الاستنفار القصوى، من اكتشاف خلايا أخرى للتجنيد ، كما هو الحال بالنسبة لتلك التي يتزعمها المغربي لحسن إيكاريين ببلجيكا ، من المعتقلين السابقين بغوانتانامو الذي ظهر في مدريد يوم 16 يونيو الماضي، كذلك اعتقل أفراد آخرون كانوا تحت المراقبة البوليسية لأسباب أمنية تحسبا لاستباق حدوث خطر المرور إلى التنفيذ و إلى الفعل. والهدف من ذلك معرفة ما إذا كانت العناصر و المعلومات المتوفرة بشأنهم كافية لأن تصدر العدالة في حقهم عقوبة سجنية ملائمة لجرمهم، غير أن القضاء الفرنسي أصبح يتوفر على سلاح مهم: «توجيه تهمة تكوين عصابة إجرامية، والتحضير لارتكاب أعمال إرهابية». وبالنسبةإلى البعض، لا يوجد هناك مشكل لأنه تم ترحيلهم نحو بلدانهم الأصلية.
مآل الجهاديات المثير للدهشة في ظاهرة المقاتلين المتطوعين الأجانب هو التحاق النساء بسوريا و العراق للجهاد منذ عدة أشهر. ويمكن تمييزهم في مجموعتين رئيسيتين: النساء الجهاديات المتزوجات بمسلمين اللواتي قررن الرحيل إلى أرض الجهاد، فهن لم يقمن سوى بالالتحاق بالزوج، ثم النساء الأخريات اللواتي تزوجن عبر الانترنيت، أو تزوجن في عين المكان بعد الالتحاق بسوريا و العراق. وفي الواقع، لا يوجد أي مكان لنساء جهاديات عازبات داخل الجماعات الجهادية. يخترن التطوع للجهاد لأسباب شخصية تختلف عن الأسباب التي دفعت المتطوعين الرجال إليه، فهن يتطوعن باقتناع خاص، ويمارسن تعاليم الإسلام عن اقتناع تام، ويقسمن أنه لا يمكنهن احترام «شريعة الله» التي فرضنها على أنفسهن في الغرب. يشعرن بالمهانة من طرف الكفار، بل وحتى من المسلمين المعتدلين الذين يتهمونهن بارتداء لباس «متخلف» عندما يضعن النقاب. ويشعرن بالعجز لعدم تمكنهن من إيجاد مكان لهن داخل المجتمع الغربي الذي يولد لديهن الإحساس بأنه يتعمد إقصاءهن. كما أن صعود اليمين المتطرف في عدد كبير من الدول الأوروبية لم يكن عنصرا غريبا عن هذه الرغبة في الرحيل للعيش تحت سماوات أخرى، لذلك رحلت هؤلاء النسوة لأجل أن يعشن إيمانهن في أرض الجهاد قصد البحث عن الحب و الاعتراف و الأخوة. و كانت لسوريا على الخصوص جاذبية لسببين:على المستوى الديني، يعد المشرق مكانا رمزيا سام ، فهو بالنسبة إلى المسلمين الموقع الذي ستتم فيه المعركة النهائية ضد الشر، ثم إنه نسبيا من السهل الالتحاق به و العيش به على عكس أراضي الجهاد الأخرى مثل اليمن و الصومال أو الساحل. ويمكن الدخول إليه عبر تركيا التي لا يحتاج الدخول إليها التوفر على تأشيرة، مع ضمان السرية، و إمكانية الذوبان وسط جمهور السياح أو رجال الأعمال. وينتشر المقاتلون المتطوعون الأجانب بشكل رئيسي في سوريا. وخاصة في منطقة الرقة وعلى طول الحدود التركية ، خارج المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. إن النساء الجهاديات يعشن حياة بسيطة ومحلية، ولكن وجودهن أصبح ضروريا للجهاد من خلال تقديم الدعم و المساعدة لأزواجهن المقاتلين. بتصرف عن تقرير المركز الفرنسي للبحث حول الاستخبارات –منشورات وزارة الدفاع الفرنسية