سبق وقمتم بدراسة حول الترحال السياسي، ما هي أبرز النتائج التي خلصتم إليها؟ في إطار البحث الذي اشتغلت عليه بخصوص حركية الفعل السياسي بالمغرب، وعلى الخصوص ظاهرة الترحال السياسي، هناك ثلاث خلاصات رئيسة؛ أولا، تسفيه العمل السياسي أمام النخبة وأمام المواطنين. ثانيا، تعميق ما يسمى بالعزوف السياسي، والسعي إلى إلغاء المشاريع السياسية المتدافعة، فالترحال السياسي يجعل التنافس بين المشاريع مفرغا من معناه، حتى أصبحت المشاريع السياسية هي الشيء الثانوي، حيث يتم إبراز ديمقراطية الواجهة، والتسويق الخارجي فقط. ثم، أخيرا، تبخيس دلالة الالتزام السياسي كنسق وكحمولة أخلاقية وثقافية. أعتقد أنه ينبغي التفكير جديا في هذه الخلاصات التي توصلنا إليها بعد بحث ميداني. ما هي أبرز مظاهر هذا الترحال؟ شخصيا، أميز بين المنتمي إلى الحزب الذي يؤمن بمشروع الحزب ويدافع عنه ويبقى منخرطا فيه، وبين الملتحق بالحزب الذي انخرط فيه للحصول على التزكية للمرور في دائرة من الدوائر. لا بد أن نميز ما بين مظهرين؛ أولهما ضعف التنشئة السياسية، بل وأحيانا غياب التنشئة السياسية داخل الأحزاب، ثم هناك اعتماد وجوه جديدة واعتماد الأعيان، فغياب التنشئة السياسية تجعل من الحزب وعاء بدون روح. للأسف الشديد، كانت بعض الأحزاب الملتزمة تعتمد على الشبيبات والطلائع، ما يعني أن هناك مسارا انخراطيا داخل الحزب يجعل المناضل هو الحزب نفسه. المظهر الثاني هو غياب الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب، وهذا كان من ضمن المظاهر التي تسببت في تفشي الترحال ونشوء مجموعات الضغط، وهي مجموعات تشتغل بمنطق حسابات ضيقة وشخصية، ولا تشتغل بمنطق حسابات حزبية سياسية تقوم على مشروع سياسي. هذه الحالات وهذه المظاهر كانت من الأسباب البارزة للترحال. ماذا تقصد بمجموعات الضغط؟ نحن اليوم أمام مشروع خطير، وهو تنامي جماعات الضغط، وهو يزداد بشكل قوي داخل الأحزاب. هذه المجموعات، المكونة من أشخاص ذوي بعد انتفاعي، أصبحت تتقوى بظاهرة جديدة هي ما يسمى ب«أصحاب الشكارة»، والهدف هنا ليس الفوز بالتزكية فقط، بل الالتفاف على الحزب وتغيير هويته، وهي تقوم اليوم بشراء القيادات، وهذه ظاهرة جديدة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، ويجب أن نميز بينها وبين الأعيان الذين يوجدون دائما في الأحزاب، وهناك منهم أعيان مثقفون، ولهم حضورهم ومشروعهم الفكري في البرجوازية الوطنية، ولكن هذه الفئة الضاغطة التي تتحكم في القيادات أصبحت تسير الأحزاب وتدبرها من وراء ستار، وهي المتهمة بالفساد والجهل، وهي تتناول الكلمة في البرلمان وداخل التجمعات الحزبية والسياسية. هذه الفئة الجديدة التي تصوغ منطقا جديدا للضغط، لم تكن توجد بشكل واضح، حيث كان يسود منطق العائلة. لقد أصبحت فئة الأعيان تتحكم في الحزب، ولا يهمها سوى مشاريعها ومطامعها، وهو ما يتسبب في الترحال الذي أضحى طبيعيا وعاديا. علينا أن نعمق البحث في هذه الظاهرة. ما هي المغريات التي تقدمها أحزاب دون أخرى لتكون وجهة مفضلة للأعيان؟ عندما لا تجد هذه المجموعات مصلحتها الخاصة في حزب معين، أو عندما تمس مصالحها الخاصة، تبحث عن حزب آخر يقدم لها امتيازا أو مصلحة ما، من أجل الانخراط فيه. أنا أفهم أن يكون الترحال قائما على بعد فكري، أي أن الانخراط في الحزب يأتي على أساس مبدئي أو فكري، وعندما يكتشف الشخص أن الحزب تخلى عما كان يشكل قناعة سياسية بالنسبة إليه ينفصل عنه. هذا أمر مقبول ويندرج ضمن حرية الأفراد. في السابق، كانت السلطة أحيانا تتدخل لدفع أشخاص بعينهم إلى الترشح ضمن هذا الحزب أو ذاك. وهؤلاء الأعيان كانوا بمثابة «جوكيرات»، تستعملهم السلطة من أجل تعديل الكفة لصالح حزب ما، أو للعب في الخريطة الانتخابية، ونحن نعتبر أن السلطات لا تتحمل مسؤوليتها في محاربة الظاهرة، بالرغم من وجود نصوص قانونية يمكن الاستناد إليها في هذا الشأن. ألم تساهم التحولات السياسية التي عرفها المغرب خلال الثلاث سنوات الأخيرة في محاصرة الظاهرة أم إنها في تفاقم؟ بالرغم من كل التحولات لم تتغير الأحزاب في الداخل، فالتحول الديمقراطي الذي عرفه العالم العربي والعالم أجمع لم يؤثر في الأحزاب، وبقيت كما هي، بكل المظاهر السلبية.. غياب الديمقراطية، وتهميش المؤسسات والاشتغال خارجها. لم تأخذ الأحزاب بمبدأ التنشئة السياسية، وهي تشتغل في مناخ سياسي جديد بروح قديمة، ولم يؤثر الحراك على المنطق الداخلي لمؤسساتنا السياسية، فالظاهرة حاضرة وغير مرتبطة بالتحول، بل بالوعي. في المؤتمرات الأخيرة للأحزاب، شاهدنا الوجوه نفسها التي كانت قبل 20 فبراير وقد عادت إلى قيادة الأحزاب، حيث تتكرر العناصر نفسها وحراس المعبد أنفسهم. باعتباركم مسؤولا سياسيا في حزب الأصالة والمعاصرة، كيف تردون على اتهامكم بسرقة الأعيان من أحزاب أخرى؟ هذا قول مردود عليه.. بكل موضوعية، ظاهرة الترحال كانت قبل أن يوجد حزب الأصالة والمعاصرة، فهي ظاهرة حزبية معروفة في المشهد السياسي المغربي، ومن يتهم «البام» بتقوية الترحال السياسي هم أنفسهم مارسوا الاستقطاب، وجلبوا الأعيان من تنظيمات أخرى، بل إن هناك أحد الأعيان تم قبوله من طرف البيجيدي بعد أن خرج من الأصالة والمعاصرة. من الخطأ أن نلصق ظاهرة الترحال بالبام، فهذه مزايدة سياسوية. لقد طالب حزب الأصالة والمعاصرة الأحزاب بأن تضع ميثاقا أخلاقيا لمنع الترحال، وألح على ذلك مرارا، وأعلن أنه لا يقبل أي رئيس جماعة من حزب آخر، ولن يقدم له تزكيته. هل لدى الأصالة والمعاصرة عنصر جذب حتى إنه أصبح ينعت بأنه قبلة الأعيان؟ هناك من التحق بالحزب في البدايات، ممن آمنوا بمشروع الحداثة والديمقراطية، وهناك من التحق به لأن مؤسسه كان هو فؤاد عالي الهمة. هؤلاء يصنفون ضمن الانتهازيين في صفوف حزبنا، ولكنهم ليسوا الأغلبية. فأغلب منتسبي الحزب هم نخبة من المثقفين والمناضلين، وهم من يضعون الأسس الفكرية للحزب. لا بد أن نناقش الظاهرة في شموليتها الآن. وأنا أتساءل: من هم رؤساء الجماعات الذين التحقوا بالعدالة والتنمية؟ أتحمل مسؤوليتي في ما أقول، حزب الأصالة يرفض منح التزكية لكل وافد إلا إذا كانت لديه أربع سنوات داخل الحزب، فالالتحاق مفتوح لكن التزكية ممنوعة على من تقل مدة انخراطه عن أربع سنوات. هذه جرأة لا أعتقد أنها موجودة لدى أحزاب سياسية أخرى، والزمن سيكشف إن كان ما نقوله صدقا أو كذبا.